Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في لعبة الأرقام هل هزمت الصين فعلاً فيروس "كورونا"؟

يجب التروي في النظر إلى طبيعة البيانات المستخدمة في تقصي مسار الوباء، ويجب توخّي الحذر من إعلانات مبكّرة بتحقيق النصر على تفشي المرض

تجاوز عدد حالات الإصابة المثبتة بفيروس "كورونا" في الولايات المتّحدة الآن تلك المسجلة في الصين. فحتّى يوم الخميس، كان لدى أميركا 85 ألفاً وتسعمئة وستٌ وتسعون حالة، في مقابل واحدٍ وثمانين ألفاً وثمانمئة وأربع وتسعين في الصين.

وسُجّلت سبعة عشر ألفاً ومئتان وأربع وعشرون حالةً جديدة في الولايات المتّحدة في اليوم نفسه، مقارنةً بستٍ وخمسين حالة فقط في الصين. في غضون ذلك، بدأت بكين تخفيف في إجراءات الإغلاق الاقتصادي للمدن، حتى في مدينة ووهان البؤرة الأولى للوباء.

في ظاهر الأشياء يبدو أن الصين تغلّبت على الفيروس، في حين أن الولايات المتّحدة تنحو إلى أن تصبح الدولة الأكثر تضرّراً بالمرض في العالم. ولكن هل هذا الانطباع دقيق؟

ثمة مسوغات تحمل على الحذر. أولاً، من المهم أن نتذكّر أن هذه الإحصاءات التي نراها والتي تتصدر العناوين، هي حالات "مؤكّدة"، وليست حالاتٍ إجمالية، وهذا تمييز مهم، كما يقول ماكس روزر من المنشورة العلمية "آور ورلد إن داتا" Our World in Data.

يعتمد عدد حالات الإصابة بالفيروس المثبتة، إلى حد كبير، على مستوى الاختبارات التي تُجرى في كلّ بلد على حدة. ويعترف علماء الأوبئة بأن العدد الحقيقي للمصابين بالعدوى في المملكة المتّحدة يرجح أن يكون أضعاف العدد المثبت رسمياً.

وقد أبلغ كبير المستشارين العلميّين للحكومة البريطانية السير باتريك فالانس أعضاء مجلس العموم في 17 مارس (آذار) الجاري، أن ما يصل إلى 55 ألف شخص في المملكة المتّحدة قد يكونون مصابين بالفيروس. وفي تلك المرحلة، كان لدى بريطانيا أقلّ من ألفي حالة أثبتتها الاختبارات.

وفيما تجري ألمانيا فحوصاتٍ في هذه الآونة لنحو 50 ألف شخص في الأسبوع، قامت المملكة المتّحدة من جانبها حتى الآن بإجراء اختباراتٍ على نحو مئة ألف فردٍ فقط في المجموع. وهذا قد يساعد في تفسير سبب أن معدّل الوفيات في ألمانيا من مجمل عدد كلّ شخصٍ مسجّل على أنه مصاب، يبدو أقلّ بكثير من بعض الدول الأوروبية الأخرى.

وسجلت إيطاليا 80 ألفاً وخمسمئة وتسعاً وثمانين حالة إصابة مؤكّدة بالفيروس، وثمانية آلاف ومئتين وخمس عشرة حالة وفاة. وفي ألمانيا 47 ألفاً وثلاثمئة وثلاث وسبعون حالة مؤكّدة، و285 حالة وفاة. وهذا يعني أن معدّل الوفاة بالمرض في إيطاليا هو 10 في المئة في حين أنه يقل في ألمانيا عن واحد في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد لا يكون وراء ذلك أن الفيروس هو أقلّ فتكاً على ما يبدو في ألمانيا، أو لأن الخدمات الصحّية هي أنجع في إنقاذ حياة الناس، لكن ببساطة يعود ذلك إلى أن ألمانيا تكتشف مزيداً من حالات الإصابة. وهناك أيضاً ارتباط واضح بين نصيب الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي للبلد وعدد الاختبارات التي تُجرى لكلّ فرد من السكّان.

وهذا قد يجعل المقارنات بين رجحان كفة الفيروس في شعوب مختلفة مضلِّلة.  وقد يكون المرض أكثر انتشاراً في البلدان الفقيرة ممّا تظهره الحالات الرسمية المبلّغ عنها لأن تلك الدول تجري عدد اختباراتٍ أقلّ. وقد يكون بعضها يقدّم تقارير على نحو مختلف أيضاً، وهذا ما يقودنا إلى الصين.

فـ "لجنة الصحّة الوطنية" الصينية ترى أن "حالات الإصابة بعدوى فيروس "كوفيد 19" عديمة الأعراض"، أي عندما تأتي نتائج الاختبار إيجابية لكن لا تظهر أعراض سريرية للمرض، يجب عدم احتسابها ضمن مجموع الحالات الوطنية المؤكّدة. وهذا ما لا يتماشى مع ممارسات "منظّمة الصحّة العالمية" وبعض الدول الأخرى مثل كوريا الجنوبية.

وأفادت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" التي تصدر في مقاطعة هونغ كونغ، أنها اطّلعت على وثائق حكومية صينية سرّية تشير إلى أن ثلاثةً وأربعين ألف شخصٍ في الصين، ثبتت إصابتهم بالفيروس في نهاية فبراير (شباط) الماضي، لكن لأنهم كانوا من دون أعراض لم يُحتسبوا ضمن أرقام المصابين. وهذا قد يعتدّ به.

أما صحيفة "كايتشين" Caixin التي تُعد معلوماتها موضع ثقةٍ في الصين، فنقلت يوم الاثنين عن أحد علماء الأوبئة في مدينة ووهان قوله "ما زلنا نكتشف يومياً عدداً قليلاً أو بضع عشرات من الأشخاص المصابين بالعدوى من الذين لا تظهر أعراض المرض عليهم". هذه المسألة لا يستخف بها لأن بعض علماء الأوبئة يعتقدون أن المرضى عديمي الأعراض قادرون على نشر الفيروس.

وكما قال الخبير في الأمراض المعدية لصحيفة "كايتشين": لا يمكننا حتى الآن أن نستنتج أن انتشار الفيروس في ووهان قد توقف تماماً". ويخشى بعض علماء الأوبئة أن تكون ووهان والصين حين تُرفع تدابير العزل الاجتماعي، عرضةً لخطر موجة ثانية من المرض.

وليس نجاح الصين في قمع المرض من بنات الخيال. ويعتقد الخبراء أن عدد الوفيات بسبب العدوى الذي أبلغت عنه الصين هو رقم موثوق، حتى لو لم يكن العدد الإجمالي لحالات الإصابة كذلك. وقد انخفض الرقم بشكلٍ كبير من ذروة 150 حالة وفاة في 23 فبراير الماضي، إلى 5 فقط في 26 مارس (آذار). أما الولايات المتّحدة فقد أعلنت في المقابل في 26 مارس عن مئتين وثمانٍ وستين حالة وفاة.

ومع ذلك، فإن النظر إلى خبايا البيانات الرئيسية يشير إلى أن إعلانات النصر على هذا الفيروس الجديد، وهذا لا يتعلّق بالصين فحسب، بل بأي بلد آخر، في هذه المرحلة سابقة لأوانها بشكل خطير.

© The Independent

المزيد من تقارير