على الرغم من مجموعة المحفزات الضخمة التي تم الإعلان عنها خلال القمة الاستثنائية لمجموعة العشرين، أمس في السعودية، لكن تباين أداء أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الجمعة. حيث انخفض خام "برنت" بنحو 34 سنتاً أو ما يعادل 1.2 في المئة إلى 26 دولاراً للبرميل. فيما ارتفع الخام الأميركي "نايمكس" بنحو 8 سنتات أو ما يعادل 0.4 في المئة إلى مستوى 22.68 دولار.
والخامان القياسيان منخفضان بنحو الثلثين تقريباً منذ بداية العام الحالي، حيث تسبب تراجع النشاط الاقتصادي والطلب على الوقود إلى تقليص جبري كبير للاستثمار من جانب شركات النفط وغيرها من شركات الطاقة.
وقال مدير وكالة الطاقة الدولية إن احتياجات العالم من النفط ربما تهبط بنحو 20 في المئة مع عزل نحو 3 مليارات شخص، داعياً المنتجين الكبار مثل السعودية للمساهمة في تحقيق استقرار بأسواق النفط. وأمس، تعهد زعماء مجموعة العشرين للاقتصاديات الكبرى، بضخ ما يزيد على 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي للحد من خسارة الوظائف والدخل بسبب فيروس كورونا وبذل كل ما يمكن للتغلب على هذه الجائحة.
وبينما يشكك محللون في أن هذه التحركات ستحول دون انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود، فإنهم يقولون إن إنقاذ الشركات والمستهلكين سيخفف حالة التوتر ويسهم في ضمان تعافٍ قوي حين ينتعش الطلب مجدداً.
في الوقت نفسه، أشار تقرير حديث، إلى أن صناعة النفط العالمية تواجه خلال الفترة الحالية صدمتان في آن واحد على صعيدي العرض والطلب خلال شهر مارس (آذار) الحالي، حيث خفض وباء كورونا من استهلاك الوقود، فيما زادت السعودية وهي أحد كبار المنتجين إنتاجها بأقصى طاقة ممكنة لتخوض حرب أسعار مع منافسيها.
وهوت أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية بنسبة 45 في المئة تقريباً هذا الشهر، وتراجعت إلى ما دون تكلفة الإنتاج لجانب كبير من الإنتاج العالمي، الأمر الذي دفع شركات الطاقة على مستوى العالم إلى خفض إنفاقها بعشرات المليارات من الدولارات، وفقاً للتقرير الذي أعدته وكالة "رويترز".
وأدى انهيار الطلب والمساعي الدبلوماسية بين السعودية وروسيا وغيرهما إلى ردود فعل غير مسبوقة من الحكومات والمستثمرين. في الوقت نفسه فإن هناك 10 مؤشرات تدل على ما تعانيه صناعة النفط من اضطراب في الوقت الحالي.
السعودية تزيد المعروض النفطي
المؤشر الأول يتعلق بقيام السعودية بضخ كميات كبيرة من الخام في الأسواق، رداً على الرفض الروسي للالتزام بتوصية أعضاء أوبك بخفض الإنتاج، وذلك في إطار تحركات لخفض المعروض العالمي من أجل التخفيف من أثر انتشار فيروس كورونا على الطلب.
وخفضت السعودية أسعار التصدير وقالت إنها ستضخ كمية قياسية من النفط تبلغ 12.3 مليون برميل يومياً، فيما يمثل إغراقاً للسوق التي تحتاج لكميات أقل. كما حشدت أسطولاً من السفن للتصدير مستهدفة مصافي التكرير التي تشتري الخام الروسي وكذلك الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى محو هوامش الربح للصادرات الأميركية.
وكانت الصدمة أكبر لأن هذه الخطوات اتخذها منتج ظل لسنوات يلعب في صناعة النفط دوراً أشبه بدور البنك المركزي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تكساس تدرس خفض الإنتاج
ويتعلق المؤشر الثاني بلجوء المنتجين في تكساس، أبرز الولايات الأميركية المنتجة للنفط، إلى السلطات التنظيمية وطلبوا منها التدخل لخفض الإنتاج. ولا تتدخل تكساس بهذا القدر. وكانت آخر مرة تدخلت في عام 1973. بل إن مسؤولين في تكساس وتنظيمات أخرى لصناعة النفط استبعدوا الفكرة.
وتلقى رايان سيتون، أحد ثلاثة مفوضين بالولاية في الهيئة التي تتولى تنظيم صناعة النفط مكالمة من الأمين العام لأوبك لبحث الوضع في السوق. وقال "سيتون" إن تكساس قد تدرس خفض الإنتاج بنسبة 10 في المئة، ربما بالتنسيق مع تلك المنظمة. وقبل الآن كان منتجو النفط الصخري الأميركيون لا يجرؤون على التفكير في إجراء تخفيضات منسقة خوفاً من انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة.
هبوط تاريخي بأسعار النفط
شهد الأسبوعان الأخيران ثلاثة من أسوأ الانخفاضات في سعر مزيج "برنت"، ففي 9 مارس (آذار) الحالي هبط مزيج برنت 24 في المئة، وفي 16 مارس (آذار) انخفض بنسبة 11 في المئة، كما انخفض الخام بنسبة 13 بالمئة في 18 مارس (آذار). وفي يوم 23 مارس (آذار) سجل سعر البنزين في السوق الأميركية أكبر انخفاض له في يوم واحد على الإطلاق إذ هوت أسعار المعاملات الآجلة 32 في المئة لتسجل أدنى مستوياتها.
في الوقت نفسه، تتدهور حالة وقود الطائرات بسرعة إذا طال بقاؤه في مستودعات التخزين وبعدها لا يمكن استخدامه. ومع ذلك فقد انخفض الطلب بسرعة إذ عمدت شركات الطيران إلى تعطيل طائراتها في مختلف أنحاء العالم حتى أن شركات كبرى منها بي.بي ورويال داتش شل سعت لاستئجار سفن لتخزين الكميات غير المطلوبة من وقود الطائرات.
ويوم الاثنين سجلت هوامش إنتاج البنزين في الولايات المتحدة سعرا سلبيا في ختام التعاملات وهو ما يعني أن شركات التكرير ستمنى بخسائر عند شراء النفط لتصنيع البنزين. وفي العادة يكون البنزين هو محرك قطاع الطاقة إذ يمثل وقود وسائل النقل معظم الطلب العالمي على النفط. وانخفض الهامش إلى ناقص 1.11 دولار للبرميل يوم الاثنين مسجلاً أدنى مستوى منذ 2008.
روسيا تحتفي بمشكلات النفط الصخري
تمسك إيجور سيتشين، الرئيس التنفيذي لشركة "روسنفت" الروسية، بعدم تقديم تنازلات في الوقت الذي تواجه فيه صناعة النفط الصخري الأميركية الانهيار. وقال إن أسعار النفط قد تعود إلى مستوى 60 دولاراً للبرميل "إذا خرج النفط الصخري من الأسواق". ويوم الاثنين قال منافسه ليونيد فيدون، أحد الشركاء في شركة "لوك أويل"، إن "هذه ستكون حرباً حتى النهاية".
ويبدو أن إمدادات الذرة والسكر سترتفع هذا العام مع إقبال الموردين على تقليل كميات الإيثانول التي يتم خلطها بالبنزين. وتعمل شركات مثل شركة تيروز الفرنسية على تحويل إنتاج الإيثانول للاستخدامات الصناعية مثل المطهرات اليدوية في حين يهدف منتجو السكر في البرازيل إلى زيادة إنتاجه بدلاً عن الوقود.
أيضاً، تفاقمت التقلبات في أسواق النفط في الوقت الذي تبقى فيه شركات النفط خارجها. وهذا يتيح الفرصة للمضاربين ولتحركات سريعة في الأسعار في ختام التعاملات. وكان الارتفاع الذي حدث يوم الخميس كبيراً حتى أن الأمر وصل إلى حد وقف التعاملات بعد انتهاء ساعات التداول الرسمية. وقال متعامل في سوق المعاملات الآجلة إن "سوق النفط أصبحت مجنونة. لا أدري كيف أتعامل فيها؟".
استمرار توقف مصافي التكرير
أغلقت شركة "توتال" الفرنسية العملاقة مصفاة جراندبوي الواقعة خارج باريس في أوائل مارس لإجراء أعمال الصيانة. وعندما حان وقت استئناف تشغيل المصفاة التي تبلغ طاقتها 102 ألف برميل يومياً غيرت توتال رأيها. وضعف الطلب بسرعة لدرجة أنها فكرت في استمرار وقف العمل فيها. وفي حين أغلقت مصافي تكرير أخرى عمدت مصافي التكرير الكبرى خارج لوس أنجلوس وكاليفورنيا إلى تقليص الإنتاج بسبب ضعف الطلب.
في الوقت نفسه، قررت إيطاليا، إحدى أكثر الدول تضرراً من كورونا، إغلاق محطات الوقود. وقالت شركات التشغيل إنها بدأت تغلق المحطات على الطرق السريعة في 25 مارس لأنه أصبح من المستحيل ضمان معايير السلامة الصحية ومواصلة العمل.
ووفقاً لمحلل النفط الكويتي، محمد الشطي، فإن هناك شبه إجماع على أن تطورات فيروس كورونا وتأثيراتها على الاقتصاد والطلب العالمي على النفط هي المحرك الرئيس للسوق في الوقت الحالي، ومع انتشار كورونا في العالم وتأثر حركه النقل والصناعة والتجارة، ومع تنفيذ تدابير العزل على نطاق واسع في أوروبا وأميركا الشمالية وحتى في اقتصاديات الأسواق الناشئة، فقد أدى ذلك إلى تراجع غير مسبوق في الطلب العالمي على النفط.
وقام العديد من البيوت الاستشارية والبنوك في إجراء تعديلات كبيره في تقديراتها للطلب على النفط ومرشحه للزيادة، وخلال الأشهر من مارس وحتى يونيو تكون كبيره ما بين 11 إلى 19 مليون برميل يومياً، لتصل على أساس سنوي لعام 2020 مقارنه مع الطلب على النفط في عام 2019 عند تراجع سنوي محقق بين 3 و5 ملايين برميل يومياً وهو مستوى لم يصل إليه تاريخياً، ويعني بالضرورة أننا مقبلون على ركود اقتصادي.
إغلاق الإنتاج يزيد من الضغود على الأسعار
وفقاً لـ"الشطي"، فإنه ومع افتراض استمرار جهود التسابق في رفع الإنتاج وتضاؤل فرص العودة لجهود تنظيم المعروض وتحقيق التوازن، فإن مسار الطلب الجديد يسهم إلى فائض غير معقول بين 10 و14 مليون برميل يومياً في الربع الثاني، مما يعني ضغوطاً على الأسعار وإغلاقاً للإنتاج على نطاق واسع يطال تباطؤ الإنتاج الأميركي من النفط من النفط الصخري والتقليدي، وكندا والبرازيل وكولومبيا والأرجنتين وفنزويلا وفي مناطق عديده في العالم.
كما أن زيادة المخزون في الأسابيع المقبلة تفوق حتماً البنية التحتية المحلية، وربما لن تكون هناك قدرة على مستوى العالم حتى لاستيعاب زيادة المعروض. ومن المتوقع أيضاً أن يسهم ارتفاع مخزونات المنتجات البترولية في خسائر بهوامش عمليات المصافي مع استمرار تأثر أسعار النفط. ويعتقد البعض أننا في طريقنا إلى أرقام دون الـ 10 دولارات للبرميل رغم الاتفاق. وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر لأنه لا يوجد ما يبرره على أساس اقتصادي فالكل يواجه خسائر عنيفة، وهذا واضح في تأثر الشركات النفط العملاقة وترشيد في نفقاتها.
ويمثل قطاع النقل 60 في المئة من إجمالي الطلب على النفط، ويمثل النقل الجوي 12 في المئة من إجمالي الطلب على النفط تقريباً، ولذلك تبقى الحقيقة أن السوق في أجواء انخفاض في الطلب ولا يمكن تغيير ذلك بانخفاض الأسعار، ذلك أن مصدر التأثير هو فيروس كورونا قد استلزم عدة إجراءات في العالم سواء بمنع الرحلات الجوية من وإلى العديد من الدول، أو حظر التجول في مناطق، وأوجد حاله من الرعب قيدت الحركة وقلصت من الحركة والتنقل، وهو يعني اتجاهاً مستمراً في الانخفاض ولا يمكن تحفيزه بخفض الأسعار، وسيكون التأثير في المنتجات البترولية ووقود الطائرات، يليه البنزين ثم انخفاض الطلب على المنتجات المتوسطة.
لذلك يسود الاعتقاد بأن أسعار برنت ستبقى على الأرجح بين 15 إلى 20 دولاراً للبرميل في الربع الثاني، وهو رهن قدره الطاقة التخزينية لاستيعاب ذلك، ثم يكون النطاق تعافي تدريجياً ليدور بين 25 و30 دولاراً للبرميل خلال الربع الثالث والرابع من العام، وهو أيضا رهن النجاح في الوصول إلى علاج فيروس كورونا والسيطرة على انتشاره في العالم.
أضف إلى ذلك عودة أجواء التفاوض والتواصل إلى مصالحة تدفع إلى توازن السوق ومن ضمنها بدء التواصل الأميركي – السعودي الذي من المتوقع أن يكون بداية جيدة لتحسن السوق.