Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

17 كاتبا عربيا يشهدون على لحظة العزلة التاريخية في "عالم كورونا"

المثقف أصبح مطيعا في زمن الخوف... العالم في حال من التفكك أمام العدو الجديد

الكورونا ... عزلة وانقطاع (يوتيوب)

يعيش العالم اليوم لحظة تاريخية حرجة مع انتشار فيروس كورونا، لحظة تضع حضارتنا الحديثة وما بعد الحديثة، امام أسئلة شائكة حول جدوى التقدم العلمي والتكنولوجي وحول انفجار الثقافة المعلوماتية وقيام زمن العولمة. أُطلقت قبل اعوام مقولات مثيرة مثل "نهاية التاريخ" و"موت الحداثة" وسواهما وأحدثت جدلاً ما زال مفتوحاً ولم يؤدّ إلى حال من اليقين، بل هو زاد من واقع الإضطراب الذي يشهده العصر الحادي والعشرون. ولعل حلول فيروس كورونا الخطير قلب النظريات التفاؤلية والأفكار اليوتوبية وأعلن مفهوماً آخر للتاريخ. الحروب والاوبئة والكوارث الجيولوجية اجتاحت الأرض والبشرية على مر العصور وحصدت ما لا يحصى من الضحايا. الآن في القرن الحادي والعشرين يجتاح الأرض والبشرية وباء رهيب فاجأ العلماء والمختبرات والمصانع النووية التي كان يظن البشر أنها أخطر ما يُحدق بهم. وحّد وباء كورونا العالم والقارات مؤكداً أن القرية الصغيرة التي قالت بها العولمة غير قادرة فعلاً على الصمود في وجه هذه الجائحة المرعبة. هذه القضية أثارتها "اندبندنت عربية" مع كتّاب وفكرين عرب، طالبة منهم أن يقدموا شهادات حول هذه اللحظة التاريخية الحرجة. بعضهم استجاب واعتذر بعضهم أمام فداحة الكارثة الراهنة.

 

سيادة الهيمنة: محمد بنيس (شاعر وناقد مغربي)                                                                                     

هذه أيام قاسية، لا شك. أحياناً، يبدو لي أننا لم نستطع، حتى الآن، أن نقدّر خطورة وباء فيروس "كورونا". بل ليس لدينا من الإمكانيات ما يكفي لمعرفة الواقع، حتى ندرك ما نحن فيه. لذا، فأنا أعيش في قلق كبير هذه اللحظة. هو قلق يتركني في العراء. أنا منعزل في البيت، مثل غيري، في البلاد التي قررت حكوماتها فرض العزلة على الأفراد ومنعهم من مغادرة البيوت. وحيدان في البيت، زوجتي وأنا. وابننا هو الذي يمدّنا، من بعيد، بما نحتاج إليه.

لكن لي في هذه الأيام حيوية تكاد تكون متواصلة. أتتبّع الأخبار وأتبادل مع بعض الأصدقاء والمعارف رسائل وفيديوهات عن الفيروس والعدوى، يتم الحصول عليها من جهات مختلفة. معلومات مؤكدة وأخرى زائفة، كلها تهجم على الواتساب. وفيديوهات الفكاهة والتسلية تعبّر عن السمو في التعامل مع العزل ولزوم البيت والأمل في تجاوز المحنة. على هذا النحو، أتفرغ في هذه الأيام لما أكتب، كما أتفرغ للقراءة، قراءة الشعر والأدب والفكر ومصاحبة الفنون. حياتي اليومية في العزلة ثقافية، وفيها أترك الإحساس يقظاً بما يحدث، وأحتمي بالسؤال عن أسباب ما يحدث. أعلم أن خارج البيت مآسيَ في نواح مختلفة من الحياة العامة. هناك مأساة المرضى العاجزين عن الوصول إلى المستشفيات، مأساة الفقراء الذين أصبحوا من دون دخل، مأساة اللاجئين الذين يحملون أعباء الغربة والحرمان والموت، مأساة عمال وموظفين مسرّحين من العمل، مأساة مؤسسات صغرى تتعرّض لصدمات لا شك أنها ستؤدي إلى وقف نشاطها. وأفكر في العائلة وفي أقرباء أعرف أنهم يعيشون في أيامهم العادية وضعية صعبة. أفكر في الأصدقاء، أكاتب الواحد وأهاتف الآخر، حتى أطمئن. وفي كل وقت من اليوم، أعود لأحيّي هيئة الأطباء والممرضين وجميع الساهرين في العالم على المرضى. أفكر في هؤلاء وأولئك، وأتضامن.

من هنا، فإن جائحة الفيروس تنذر بالدمار. بل إن بلداناً عربية، تعيش في حالة حرب منذ سنين، سيكون الواقع فيها أعتى مما سيؤول إليه الأمر في البلدان الأخرى. قلقي كبير، لأنّ ما سيحصل في حياتنا ستكون نتائجه مضاعفة. طبعاً، أنا ملاحظ، وعند هذا الحد أتوقف. أما العلماء في الميكروبات والبيولوجيا، أو المتخصصون في الاقتصاد والاجتماع، على الأقل، فمن المفروض أن تكون لديهم قراءة أدق للمعطيات، لكن نتائجها لن تختلف، في ما أعتقد، عمّا يلاحظه الأدباء والفنانون.

لذا أنظر إلى واقع الوباء في العالم بما هو إنذار بالدمار. نظرة لا مبالغة فيها لما يحدثه فيروس "كورونا" في البشرية، اليوم، أي منذ بداية انتشار الوباء. دمار غير اعتيادي، لا نقدّر فداحته. ولكنه كان منتظراً بالنسبة إلى جميع المعارضين لسيادة الهيمنة، كما تتجلّى في طغيان العولمة ومنطق ما بعد الحداثة. كتابات عدّة بهذا الشأن صدرت عن علماء في الغرب، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وصرخات منظمات الدفاع عن البيئة تصاعدت، كما توالت إنذارات أطلقتها طائفة واسعة من الكتاب والمبدعين في العالم. فوجود هذا الوباء، وانتشاره بالسرعة التي تم بها، وعموميته عبر جهات الأرض، هي من نتائج العولمة وما استتبعها من هيمنة قيم ما بعد الحداثة.

على أننا لم يكن لنا نصيب ريادي في مثل هذه المواقف، لأنّ العالم العربي يعيش وضعية مزدوجة. فهو، من ناحية، يزيد تشبثه بالزمن الديني، الذي يضاعف اعتماد القدرية في فهم وشرح الوقائع، ويرسّخ أكثر فأكثر الثقافة الغيبية في النظر إلى أحواله وفي معالجة حتى أبسط ما يعيش. وهو، من ناحية أخرى، أصبح مستسلماً لهيمنة الغرب، أو منبهراً بمظاهر حياة الاستهلاك. أما في الحياة الثقافية، فإنّنا نمر بمرحلة يتضاءل فيها التمسك بقيم الوعي النقدي، وينتصر التخلي عن الطموح في إنشاء حوار مع العالم. لذا، لم تعد النخبة العربية مهيّأة للجهر بقول "لا" في قضايا تظل بعيدة منها ولا تشارك في صياغتها ولا في التداول بشأنها. منها، إشكالية فرض الغرب قيم حداثته، باعتبارها قيماً كونية، ولا بد لنا من أن نقبل بها ونعتبرها الحقيقة والمرجع، ومنها انفجار الثقافة الرقمية بكل ما تحمله من استبداد ثقافة الإعلام والاستهلاك.

بالتأكيد أن البشرية ستنتصر على الفيروس، لكن بأي ثمن؟ منذ بداية الألفية الثالثة، عرف العالم أزمات واستطاع أن يتخطاها، على أن الانتصار الذي حقّقه ظل مؤقتاً، لأن الأسباب بقيت في مكانها. ولا أعرف حجم الدمار الذي سيسفر عنه الفيروس الحالي بعد الخروج من الأزمة. ثم إنه من الصعب التكهن بإمكانية أن يكون ثمة في العالم رد فعل نقدي، رافض، لسياسة العولمة ومؤثر، كما كان الشأن بالنسبة إلى ما حدث في الغرب بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وعلى الرغم من وجود حركات معارضة، فإنّ معطيات عدّة تغيرت مع بداية التسعينيات، أي بعد أن أصبح العالم يعيش بين أسوار العولمة والثقافة الليبرالية المتعددة الأوجه، في السياسة كما في الحياة العامة. من قبل، كان حضور اليسار قوياً بوعيه النقدي وبمواقفه ونضالاته، أما الآن، فنحن في زمن اليمين، بل اليمين المتطرف، الذي يفاقم الخضوع لرأسمال المال والعنصرية ورفض الاعتراف بالآخر والمساواة معه.

وباعتقادي أنه لن يظهر في العالم العربي وعي نقدي جديد، أساسه السؤال، كما كان الشأن من قبل، في الخمسينيات أو السبعينيات. كل ما يحدثه الوباء اليوم سيصبح مجرد واقعة حلّت وارتحلت. للأسف، نحن خارج العالم.

إعادة تعريف جديدة: شكري المبخوت (روائي وناقد تونسي)

أمام حالة الهلع والخوف الغريزي من الموت، تسلّم أمرك للدولة وقراراتها، تصبح مواطناً صالحاً أي طيّعاً يستبطن المراقبة والضبط والأوامر، فيتشبّث بها على انّها خشبة النجاة. يتوقّف الحسّ النقدي والريبة من صور التحكّم جميعاً. فأنت أمام ضرب من الحيوانية المدجّنة، تألف اقتيادك راضياً مرضياً إلى العزل والنبذ والحظر وقطع الحركة والاتصال عنك، حفاظاً على جسدك وبقائك.

لم يعد لخطابك نفع يُذكر، إذ صارت آلة إنتاج هذا الخطاب ذاته مهدّدة بالزوال. فقدتَ صفة الحيوان الناطق الجوهرية لتعرّف نفسك من جديد: إنسان خائف. تدريب جديد على إعادة تعريف الذات والآخر والسلطة. سلّمت إنسانيتك وكرامتك وذاتك، طوعاً أو كرهاً إلى خطاب الدولة ليعيد رسم الحدود ومجال التحرّك وضبط النشاط، حتى صرتَ تتساءل عن دلالة حريتك نفسها بحدودها البيولوجية. صار البديهي المألوف في حياتك كالغذاء والدواء موضوع تشكيك ومراجعة. كنتَ وحدك أمام خوفك بادئ الأمر ولكنّ عزلتك مكّنتك من أن ترى مداك الحقيقي بقدر ما ترى هشاشة الكائن المتجبّر: مدن كاملة مغلقة، مليار من البشر في عزلة خانقة.

في قمّة تطوير أنظمة التواصل وأجهزة الاتصال والثورة المعلوماتية، تجد نفسك معزولاً وحيداً تتأمّل الفراغ. وفي قمّة التطوّر التكنولوجي والطبي، ترى البشرية تصارع شبحاً لا ينتمي حتى إلى الكائنات الحية، فليس للفيروس خلايا تنشطر لتتكاثر، بل يقتات منك ليكون وينمو. ذهب في وهمك أنّ الإنسانية بذكائها قد سيطرت على كل شيء وأخضعت الطبيعة وانتصرت عليها، لكنك تكتشف أنّ هذه العقيدة المتحكّمة فينا، الداعية في كثير من الأحيان إلى الزهو والعجب بقوّة الإنسان وجبروت عقله تحتاج في أدنى الحالات إلى جرعة من النسبيّة والشكّ.

صار القريب والحبيب والصديق والغريب والجيران والأغيار أعداء محتملين، بل صرتَ أنت نفسك عدوّاً لنفسك لو فكّرت في أن تدعك عينيك أو أن تدلّك أنفك من دون احتياط. أصبحت مصدراً للموت وأصبحتَ تهدّد حياتك بنفسك.

ليس المشهد قاتماً تماماً. صور ومشاهد كثيرة تقول إنّ هذا الإنسان الخائف الذي يواجه حدوده البيولوجية هو نفسه جبّار شديد. يصنع الحياة وهو في قلب المأساة. لم يفقد الأمل في الحياة ولا أضاع القدرة على الاعتراف وما زال منه شعوره بالتضامن البشري.

في إيطاليا التي تحمل إرثاً من حبّ الحياة و"الدولتشي فيتا" وأهدت أوروبا نهضتها الجديدة، يقف الأشخاص في شرفات بيوتهم يملؤون الشوارع الخالية بعد منع التجوال أغاني وموسيقى وضحكاً وفرحاً ويتواصلون من خلالها. فلا شيء يقف أمام غريزة الحياة. نحتاج فقط إلى العودة إلى عفويتنا واندفاعنا وما صنعناه بثقافتنا لنواجه الأشباح الخارجة من خفايا الطبيعة، مثل الفيروس اللعين.

في يوهان البؤرة الأولى للفيروس، وقف الجنود الصينيّون صفَّيْن لتحيّة الأطباء الذين انتصروا على الشبح وهم يغادرون المستشفى تحيّة عسكرية. وفي بعض المدن، يخرج الأفراد في ساعة معلومة ليغنّوا للعاملين في المجال الصحي، شاكرين. فقد أصبحوا هم جنرالات حرب من أجل البقاء على الرغم من أنّ رأس المال والخصخصة ووصايا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ظلّوا لعقود، محمولين بانتصار الليبرالية المتوحّشة، يدعون إلى التقشّف والتخلّي عن الخدمات الاجتماعية غير المربحة.

سينتهي هذا الوباء كغيره من الأوبئة التي عرفتها الإنسانية عبر التاريخ. ستكون خسائره وآلامه التي سيخلّفها أقلّ من غيره ولا شكّ. سيبكي الناس أحباباً وأعزّاء على قلوبهم بكاءً مرّاً. لكن السؤال الأهمّ بعد هذا كلّه: هل تثوب الإنسانية إلى رشدها والدول إلى مواطِن القوة التي صنعتها أي الصحة والتعليم والبحث العلمي، فتنفق عليه ما يجب إنفاقه بعد أن سدرت في غيّها أسلحةَ دمار وجيوشاً عرمرماً وتدميراً للبيئة ومنطقَ ربحٍ لا يحكمه إلاّ مبدأ مراكمة رأس المال إلى ما لا نهاية؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رؤيتان متباعدتان: سعد البازعي (ناقد سعودي)

من المعتقل "الكوروني"، أكتب متشبعاً بالقلق والترقب بالأخبار والإشاعات والآمال. ما الجديد الذي يمكن أن يُضاف إلى آلاف التعليقات والمشاهدات والاكتشافات التي تمطرنا يومياً من كل وسائل الإعلام والتواصل؟ حتى المشاعر والرؤى الشخصية أقرب إلى أن تتوافق مع ما يشعر به أو يراه الآخرون.

الأمر الواحد الذي يشكّل قاسماً مشتركاً بين عددٍ كبيرٍ من ردود الأفعال هو علاقة الأزمة الحالية بالعولمة. وحول هذا الأمر، ينقسم المحللون: نحن أمام وضع يؤكد أثر العولمة، يقول البعض، مؤكدين مقولة "القرية الصغيرة" وما إليها؛ في حين يرى آخرون أنّنا أمام حالة تفكّك أوصال تجعل العالم بعيداً من الترابط الذي كان بمثابة حقيقة مسلّمة قبل أشهر قليلة. "كورونا" أكد ترابط المصائر و"كورونا" أكد تباعدها. الخطر الواحد وانتقاله السريع من بلد إلى آخر، أكد أن الصين وبريطانيا أقرب ممّا تقوله الجغرافيا، والبحث عن علاج أو لقاح مسعى عالمي مشترك ومجال لتبادل الخبرات. لكن على الجانب الآخر، هناك من يرى هشاشة ذلك الترابط، قابلية العولمة للكسر، استجابتها السريعة للانحسار أمام فيروس: أليس الفيروس، في نهاية المطاف، هو ما يتهدّد شبكة الإنترنت التي تربط العالم منذ تسعينيات القرن الماضي؟! هو فيروس يهدّد البشر هذه المرة ويؤكد أنّ إنترنت العلاقات الإنسانية أكثر هشاشة واستجابة للانفصال ممّا كنّا نظن. فجأة أغلقت الحدود، وفجأة توقّف التواصل السياحي. فجأة، صار العالم ليس قرية صغيرة وإنّما قرى كثيرة متباعدة أو جزراً لا تكاد إحداها ترى الأخرى.

 رؤيتان متباعدتان، لكن يبدو أنّ في كل منهما حقيقة. الاتصال متحقّق والانفصال متحقّق. الأمر يعتمد على أيهما تتكّئ الرؤية، ومن أي الزوايا تنطلق. في تقديري أنّ أزمة "كورونا" أكدت ترابط العالم أكثر ممّا أكدت تباعده. قابليته للانفصال حقيقة قائمة، لكن كثيراً من وجوه التواصل لا تزال قائمة أيضاً: شبكات الاتصال والنظام الاقتصادي العالمي والإعلام والتعاون العلمي، كل ذلك لم يتأثر. لكن "كورونا" أكدت الهشاشة، القابلية للانفصال وأنّ التواصل على الرغم من متانته واستمراره مهدّد باستمرار. الحقيقة هي أنّ كل حالات الانفصال مؤقتة: أسبوعان أو ثلاثة، شهر، شهران. لا أحد يتحدث عن قطيعة. هل تعود الأشياء كما كانت؟ هناك من يرى استحالة ذلك، لكني أرى قابلية الناس والأشياء لنسيان أو تناسي ما حدث، فكم من كوارث تشبه "كورونا" نُسيت أو توارت عن الاهتمام وعادت الحياة لتمارس نسيانها، لا لتنسى ما حدث فحسب وإنّما لتنسى أنها نسيت، فتنهمك في ما كانت فيه. لعل تلك مهنة الحياة: أن تنسى.

الإنسان أمام عدو جديد: عبد الحميد أحمد (كاتب إماراتي)

أمام الكارثة المفاجئة كالأوبئة والأعاصير والزلازل وغير ذلك ممّا تحدثه الطبيعة، يلجأ الانسان إلى الخبرة التاريخية يستنجد بها. وفي هذه الخبرة، الكثير ممّا تراكم عبر الزمن وصار جزءًا من المعرفة والعلم ومنه على سبيل المثال، الحجر والعزل الصحي وقطع خطوط انتقال الوباء، ما أسعف الصين

التي داهمها كوفيد-19، فاستطاعت بقوة العزل والحجر محاصرة الوباء الى درجة القضاء عليه. واليوم، نرى دول العالم تسير في الاتجاه ذاته بعد أن عجز العلم حتى الآن من أن يسعف الإنسان.

 يحضرني هذا الخاطر وأنا أتأمل عجز الانسان أمام الطبيعة وكبرياء هذا الإنسان وغروره وهو ينتج أسلحة الدمار الشامل والأسلحة البيولوجية وغيرها، مدّعياً حماية نفسه من عدو هو إنسان آخر، فيما الطبيعة لا تزال تشكّل أكبر تحدٍّ له ولا يستطيع إزاءها شيئاً .

مع ذلك، فإنني أؤمن بقدرات العلم والإنسان الخارقة حين يوجه هذه القدرات في الاتجاه الصحيح. وهكذا، فإن العلم أسهم ولا يزال في تطوير حياتنا وإسعادنا وهو ما سيصنعه من دون شك مع هذا الوباء الجديد، ولكن حتى يحدث ذلك، لن يسعفنا سوى خبرتنا الإنسانية التي أعتبرها جزءًا من تقدمنا العلمي والبشري وليست عالة عليه.

ختاماً، فإنه لا شك أن العالم قبل كوفيد -19 لن يكون مثل العالم بعده وسنرى تغييرات في موازين القوى الاقتصادية مع بروز القوى التي تملك إلى جانب قوتها الاقتصادية رصيداً أكبر من الأخلاق والتاريخ مقابل القوى التي رصيدها من الأخلاق أقل، وكذلك سنرى على صعيد الأفراد والمؤسسات تحوّلاً بوتيرة أسرع نحو الاعتماد على التكنولوجيا، بخاصة لجهة الشبكة العنكبوتية واستخداماتها المختلفة.

كأننا في فيلم خيالي: ليانة بدر (كاتبة فلسطينية)

_ سيناريو غير مسبوق، كأنّنا في فيلم خيال علمي خرافي يلفت النظر لاعتماده حبكة تزداد خطورة تدريجاً، مطيحة بكل التكهنات المعتادة. فالشرير لا يغيّر دوره، والضحية لا تعرف ماذا تفعل للنجاة منه. حتى ليوشك أن يخطر في بالنا بأنه من المحتمل رؤية كائنات فضائية تطير ثم تهبط في رقعة ما بين أناس بشريين في أية لحظة.  لقد أدمنّا قبلها أفلام الخيال العلمي ورواياته التي تنافست على بث المزيد من الإثارة في الحبكة. نتأملها أو نقرأها بعين حيادية، تراقب ما يمكن للخيال والعلم فعله. أما الآن؟ فنحن في وسط المومعة كما يُقال. السيناريو واقعي. وواقعي جداً. فأي حبكة نعيشها الآن؟ الفيروس وهو مخلوق مجهري يبدأ السيطرة على البلدان ورفع الحصانة عن مواطنيها واحداً واحداً. كل بلد وكل قارة وكل شاردة وواردة في الكرة الأرضية. إنه وحده من يحدّد نسبة الفرح والسعادة أو الاكتئاب والحزن وكميات الشقاء ومواصفات تحويل الجنة الى جحيم، وبالعكس . للمرة الأولى، ننظر إلى وضع وجودي، يجعل وجود الجنس البشري على المحك. نحاكم أنفسنا على التهاون الذي قمنا به سواء تجاه الطبيعة أو تجاه أنفسنا التي رضخت لتلك القوى النيوليبرالية المتوحشة التي تتحكّم بالعالم. فهذا المرض هو ابن العولمة التي سهّلت التنقل الحر بين البلدان، وهو من كشف الإهمال والاستهتار وقلة العناية في المجال الصحي لدول العالم التي تحكمها الشركات المتعددة الجنسيات. فقد استطاع النظام العالمي الجديد لجم محاولات التغيير الجماعية التي حرّكت الكوكب قبل عقود. وما إنشاء الهيئات غير الحكومية إلاّ لإخفاء مسؤولية الدول عن المواضيع الخطيرة التي تمسّ الإنسان كالبيئة والصحة والتعليم. وكأنّ هذه الهيئات ستكون بديلاً عن خدمات الدول الملزمة ببقاء أفرادها. "الكورونا" امتحان للحضارة البشرية في تنوعاتها، وهو أيضاً الكشف السافر عن إهمال السلطات في اتخاذ التدابير الوقائية، وحماية شعوبها سواء بتوفير العلاج الأساسي أو متابعة الأبحاث العلمية. تلك التي كانت وما زالت المسؤولة عن مصير الكائن البشري بدلاً من ميزانيات التسلّح والتجارة. هذا هو الرعب الساطع الذي تعيشه البشرية الآن. نعيش الآن أسرى النظام الاقتصادي المتوحش. نظام شعاره تدمير ممنهج وغير مسبوق للبيئة والطبيعة. إبادة للنباتات والحيوانات وجميع الكائنات التي لا تستفيد منها السوق. إنه انهيار المصفوفة إذاً. فهل نشهد تكملة السيناريو على الرغم من أنّ القصة بائسة والعواقب مهولة والحبكة مملّة. وهل تعاود البشرية شجاعتها وقدرتها الذكية على اختراع حلٍّ لمشكلة من هذا النوع؟

في صلب اللحظة الراهنة: طالب الرفاعي (كاتب كويتي)

لم يكن أكثر أفلام هوليوود تشاؤماً ليتوقع سناريو ما هو دائر الآن على كوكب الأرض. فمن دون سابق إنذار، انكشفت عورات العالم المتقدم والمتأخر، وراحت دولٌ كثيرة، بما فيها دول عظمى، تتخبط في قرارات صحية ومالية واجتماعية وعسكرية، لا تعلم إلى أين ستأخذها.

بهدوء وخلسة، انبعث فيروس "كورونا"، وبهدوء وخلسة، راح ينتشر منتقلاً من بلد إلى بلد، ومن قارة إلى قارة، ليواصل رعبه الصامت بانتقاله من شخص إلى آخر.

بعيداً من فكرة المؤامرة، كأن العالم يعيش أيام حربٍ كونية، يجتمع بعدّته وعتاده، وآخر ما توصّل إليه عقله وعلمه وفكره وأمواله ومصانعه وأسلحته، هو في جهة، ومجاميع فيروس ميت، في الجهة المقابلة! لكن على جبهة العالم، وفي السر والعلن، هناك حروب دائرة. حروب طاحنة ستنتهي حتماً بميلاد عهد جديد. مؤكد ستكون هناك خسائر بشرية هائلة، ولكن متى كان أهل الحروب يلتفتون إلى أعداد الموتى؟ لذا البشرية في بداية نِزال مخيف على حلبة الأرض، وما زلنا في الجولة الأولى. مؤكد ستعبر البشرية هذا النِزال بخوف ورعب وألم وموت. لكنّه سيتمخّض عن ميلاد لحظة تاريخية جديدة ومنتصرة، بحيث يؤرخ لما قبل "كورونا" وما بعده. أوضح ملامح الصراع ستكون حول من سيتزعّم العالم، الصين أو أميركا، خلال القرن الواحد والعشرين والثاني وربما الثالث. وكيف سيتقاسم غنائم الحرب مع باقي المنتصرين.

هناك عالم جديد يتخلق من رحم مأساة "كورونا"، عالم بسادة جدد، وفهم جديد لمعنى القوة والعظمة، سادة يرسمون خرائط العالم. لن يكون هناك استعمار ومستعمر، لكن سيكون هناك احتلال، عبر تحالفات جديدة ومناطق نفوذ مالية اقتصادية ونظام مالي جديد.

ستضع الحرب أوزارها، وتبلع الأرض ضحايا "الكورونا"، وسيطلُّ وجهٌ جديد للعالم وعملة جديدة، سواء بقي الدولار الأميركي أو ذهب. وسيكون هناك نظام سفر مختلف، ستُلغى على أثره كل تأشيرات جوازات السفر التي نحمل، وستأتي بدلاً عنه تأشيرات جديدة بشروط جديدة لدول أوروبا وأميركا والصين، يصعب الحصول عليها لشعوب العالم الفقيرة، مما يسهم أكثر في استعبادهم.

عالم جديد يتخلق في رحم اللحظة الراهنة، وليس أقل من التفكير: كيف تراه العالم الجديد سينظر إلى الشعر والقصة والمسرح والرواية واللوحة والفيلم السينمائي، وكيف سينظر إلى الكاتب؟

المستقبل الذي ينتظرنا: واسيني الأعرج (روائي وناقد جزائري)

نعيش زمناً شديد الغرابة. الناس يموتون بالمئات، بل بالآلاف، ومع ذلك تجد من يبرر ذلك بمختلف الحجج التي تنم عن جهل كبير وكأن الأمر لا يمس إلا الآخرين، وينسى أن النار تشتعل عند قدميه، وربما فيه. لا أعتقد أن العالم سيكون بعد كورونا مثلما كان قبلها. لقد بينت الحداثة في نموذجيتها الغربية حدودها ومآزقها أيضاً. وبيّن عالم السوق الذي افترض تحرير التجارة كرهان لسعادة الإنسان، حدوده وانكساراته بل وانهياره. القرية الصغيرة التي أصبحها العالم، ليست قرية سلع وتحرر جمركي، ولكنها أيضاً قرية أمراض أصبحت تسافر بلا حدود، حيث لا قوة تمنع الفيروسات المخبرية أو الطبيعية من أن تعبر الحدود عبر الطائرات، عبر التجارة الحرة نفسها، عبر الهواتف الذكية، عبر العلاقات الدولية المستجدة. عندما نتأمل ما يحدث من حولنا في أوروبا تحديداً، نرى إيطاليا وإسبانيا وبدرجة أقل فرنسا، تعيش تراجيدية غير مسبوقة، كل بلد يواجه قدراً قاتلاً وحده، وكأنه لا وجود لشيء اسمه الاتحاد الأوروبي في صيغه التضامنية الدنيا. إننا بصدد فيروس مجهري قاتل، يعيد اليوم هيكلة العالم كلياً بما في ذلك النظم المستقرة والخاصة بكل بلد. تغول القطاع الخاص مثلاً بوصفه المنقذ للحياة الجديدة، وتمدده نحو كل مناحي الحياة، ما في ذلك النشاطات الاستراتيجية، وتراجع نظام الدولة كفاعلية، السكك الحديدية، شركات الطيران، مؤسسات إنتاج الطاقة وغيرها، هي مقدمة لحالة إفلاس أكيد إذا لم تتدخل الدولة، ولا حق للدولة في التدخل وفق قوانين الاتحاد الأوروبي. الذي يفلس يباع أو يموت، هو منطق السوق.

في هذه الفترة، تغير الخطاب الرسمي، وأوروبا لم تخرج من أزمة كورونا، الحديث عن التأميمات أصبح موضوع الساعة في فرنسا مثلاً، وهو ما يتنافى مع القوانين المتفق عليها أوروبيا. لن تقبل بروكسيل بذلك. ستحدث اضطرابات في النظام الأوروبي قد تؤذي إلى خلخلته والتفكير في نظام أخر غير المعمول به اليوم الذي أظهر فشله وإخفاقه في مسألة بسيطة هي التضامن. لا تضامن أوروبياً حتى إنسانياً. كان على إيطاليا انتظار الصين الجريحة من الفيروس لتتمكن من الاستفادة من المساعدة. العالم العربي في هذا السياق يعيش على هامش منكسر وكأنه ليس فقط خارج التاريخ، ولكنه خارج التفكير العاقل الذي يقدم المصلحة الصحية على كل الأولويات الأخرى. لا إعلانات عربية رسمية عن عدد المصابين أو الأموات. لا حقيقة علمية بل ولا انشغال حقيقياً. أجهل خبر سمعته في بعض وسائل الإعلام العربية هو أن العرب محظوظون كثيراً بتسجيل أقل الإصابات بوباء كورونا فيروس، وهو ما لم تتمتع به أمم أخرى لا في أوروبا، ولا في آسيا، ولا في إفريقيا. السبب الطبي هو أن العربي محقن بأشعة الشمس داخلياً مما لا يسمح للفيروس بأن يعيش طويلاً. الشمس هي وسيلة مهمة من وسائل المناعة الحقيقية والدائمة التي يجب المراهنة عليها، ليس فقط في مجال الطاقة ولكن أيضاً في المجال الطبي. العرب يملكون خزاناً من الدواء لا يملكه غيرهم.

وسبق أن سمعت في فيديوهات وصلتني من الجزائر، تونس، المغرب، بلدان الخليج، يؤكد أصحابها أنه تم اكتشاف الدواء المضاد لكورونا فيروس، ويعتمد على وسائل بسيطة، مضغ زهرة القرنفل أو عود النوار بالتسمية الشعبية، بعد الصلوات الخمس. وفي كل تناول، ينصح صاحب الفيديو، بفتح الفم والاستنشاق عميقاً حتى تدخل الرائحة إلى الحنجرة فيموت الفيروس في ثوان معدودة وآخر يصرح بأن الدواء في حوزته وهو لا مخبر له وأنه سيعلن عن النتائج قريباً وهكذا. المشكلة ليست في هذا، سنقول إنها دروشة أو تعبير شعبي عن حاجة لدواء يجب تخيله في ظل غياب العمل المخبري، لكن الخطر الأكبر الذي لا يمكن قبوله عندما يأتي مسؤول عربي ويفسر قلة الحالات في العالم العربي، بكثافة الحرارة والأشعة التي يمتصها الجسد العربي التي تحميه من عوارض الأمراض الفتاكة، وبالنظام الغذائي المبني على التمر والحليب وزيت الزيتون، والثوم، والتين. فهي أدوية طبيعية تمنح الجسد قوة غير موجودة في الجسد الغربي. طبعاً لا يحتاج الأمر إلى كبير تعليق عن درجة الجهل المستشري.

الفيروس أعاد العرب إلى حجمهم الحقيقي دولياً. فقد بدا كأنهم خارج مدارات العصر. لا شفافية لهم حتى في الأمراض التي تفتك بالآلاف يومياً ولا أحد يعرف عنهم شيئاً. في ظل غياب أية إجراءات وقائية أو احترازية. المصابون يعدون اليوم بالآلاف بسبب التجمعات الطبيعية كالمولات، والمساجد حيث تقام صلوات الجماعة والجمعة تحديداً، جيد أنها أغلقت أبوابها، للضرورة أحكام. على الرغم من ردود فعل الكثير بعض فقهاء التخلف الذين يرفضون الغلق بحجة أنها بيوت الله وبيت الله لا يغلقه البشر. ولو قرأوا قليلاً لعرفوا أن عمر بن الخطاب، أوقف أمراً شرعياً منصوصاً عليه في القرآن وهو حد قطع اليد في عام الرمادة بسبب المجاعة ومرض الطاعون. ألا يدفع هذا كله إلى التفكير ووضع رجل الدين في مكانه الطبيعي. الوحيد القادر على الإفتاء في مثل هذه الظروف هم الأطباء، ولا دخل أبداً لرجال الدين في عالم لا يعرفون تفاصيله. العالم يستدعي العقل لحل أكبر معضلة في القرن التي جعلت الحلم الأوروبي والعالمي ينهار كلياً. حلان يرتسمان اليوم في الأفق: تغيير النظم كلياً والتوجه نحو أنظمة جديدة، أو الاستمرار في نهب خيرات الأمم لرفع اقتصادات الدول المتقدمة المتضررة من الفيروس. هو بالضبط السؤال الذي سيحكم فترة ما بعد كورونا فيروس. وإذا كان الحل الثاني هو الأقرب إلى قوى استعمارية لا ذاكرة لها إلا النهب والاستعباد، تظل البشرية في جزئها الإنساني، الأكثر ضعفاً من حيث التأثير، تحلم بعالم آخر. يوتوبيا؟ نعم. وإلا سيكون العالم بلا يوتوبيات حقيقية؟

عالم يزداد قبحاً: خالد خليفة (روائي سوري)

لن يسألنا أحد عن رأينا في شكل الحياة التي نريدها، ولن يسألنا أحد، العالم يزداد قبحاً ويغيب الجمال كلما تقدم العلم، وليس صحيحاً بأن العالم يحتاج إلى كل هذه الكمبيوترات السريعة، وهذه الموبايلات في نسخها المتعددة كل سنة، ليس صحيحاً بأن سعادتنا كبشر تتطلب منا سيارة تسير بسرعة مئتي كيلو متر في الساعة، ماذا سنفعل في الوقت الذي وفرناه من كل هذه الأشياء؟ لاشيء.

الشركات والرأسماليات في مراحل تطورها الأخيرة حسمت الخيار باتجاه تخريب الحياة وإنتاج نسخ جديدة من مفاهيم السعادة والحق والجمال. أعتقد بأن هذه النسخ ستسود لكن الطبيعة لن تصمت، ستعبر عن ذاتها وتنتقم شر انتقام من كل متجاهلي قوانينها الأزلية.

 أشعر بأنني كل يوم أزداد عبودية وجهلاً وليس صحيحاً مايشاع بأننا أكثر علماً ومعرفة حتى بوجود الغوغل الذي يعرف كل شيء.

ثقافة السوق في مواجهة الإنسان: جريس سماوي (شاعر ووزير ثقافة أردني أسبق)

لعل هذه اللحظة التاريخية التي نمرّ بها تضعنا أمام سؤال يتعلق بمستقبل الإنسان ومستقبل الكوكب. فلقد عصفت بالعالم حوادث وتحديات جمّة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية التي شكلت ملامح العالم الجديد بصورته الحالية. ومرّ العالم منذ القنبلة النووية على هيروشيما وناغازاكي بأحداث أقتربت قليلاً أو كثيراً من نقطة الصفر على تقويم ساعة يوم القيامة الذي وضعه العلماء ليقيسوا من خلاله اقتراب العالم من نقطة الخطر أو ابتعاده عنها. أبتدأ التقويم عام  1947باقتراب العالم من نقطة الصفر أي الخطر بإحدى عشرة دقيقة ثم أصبحت عام  1953دقيقتين فقط لتصبح دقيقتين ونصف الدقيقة في يناير(كانون الثاني)2017.

لقد حدثت أخطار عديدة منذ انتهاء الحرب، وعوضاً عن أن يصبح العالم عالماً متصالحاً خالياً من الحروب والأوبئة والتلوث، تسابقت الدول الكبرى نحو التسلح وتقاسم مناطق النفوذ وتخلت الدول التي تقود العالم عن التزاماتها في معاهدات تختص بالحفاظ على المناخ ومنع التلوث وتفوّقت في تطوير الأسلحة والصواريخ والحروب وإثارة النزاعات والتدخل فيها ودعم الإرهاب واستثماره الى أن وصل ميزان العالم إلى اختلال أخلّ بدوران الكوكب وإيقاعه وحركته وإيقاع البشر على سطحه. الحضارة الإنسانية التي وصلت إلى أوجها في الوصول إلى الكواكب وتحليل الذرة من أجل سباق التسلح وتفوّق القوة تعجز الآن عن مجابهة فيروس لا يرى بالعين المجردة. وفي خضم صعود الليبرالية الجديدة في صورتها الاقتصادية المتوحشة وفتح العالم كله كمناطق نفوذ لها في ما يعرف بعولمة الاقتصاد وعبور رأس المال متخطياً حدود الدول عبر الشركات العابرة القارات، كان لا بد للعالم أن يعاني من تراجع برامج الأهتمام بالإنسان وبرامج تطوير الرعاية الصحية وحزم الأمان الاجتماعي والمحافظة على البيئة والمناخ أي الحفاظ على الإنسان.

هل يبقى العالم على هيئته نفسها بعد فيروس كورونا؟ لا أعتقد ذلك. سوف تتراجع العولمة لصالح الدول الوطنية وتتراجع الشركات العابرة القارات لصالح الاقتصاد الوطني في كل دولة وسوف تتغير كثير من السلوكيات التي عاشها العالم لأمد طويل. أتساءل هل سيبقى النقد الورقي مثلاً مهيمناً على سوق المال أم يستعاض عنه بالكامل بالنقد الافتراضي والدفع عن طريق الإنترنت؟ وهل سيسمح العالم لتغول الرأسمالية العالمية والليبرالية الجديدة التي عصفت بالعالم بالاستمرار بالسيطرة على مقدرات الدول الأقل حظاً في هذا العالم؟

لا بد أن يفكر العالم من جديد في إعادة إنتاج بعض المفاهيم الاشتراكية وتطبيقها وخصوصاً تلك التي تتعلق بالتأمينات الطبية والرعاية الصحية لأفراد المجتمع وحزم الأمان المجتمعي وضمان التقاعد والشيخوخة ومواجهة الكوارث البيئية والأوبئة إذ إن أنظمة الاقتصاد الرأسمالي تبقى عاجزة في هذا الإطار. لقد أقصت ثقافة السوق المتوحشة الثقافة الأصيلة للإنسان، ومال الناس إلى شبق التسوق والاستهلاك، وبات الاتجاه نحو الفنون والثقافة والشعر من الكماليات بعد أن كانت جزءاً أصيلاً من وجدان الناس في ما مضى، وتراجع دور المثقف المبدع بعد أن كان دوره قيادياً وأصيلاً في ما مضى.

 أعتقد أن الثقافة ستعود لتأخذ موقعها الريادي في المجتمعات. لكن هل ستكون هذه الثقافة هي نفسها تلك الثقافة التقليدية التي عهدناها أم ننتظر ثقافة جديدة تعبر عن المرحلة وتكون بحجم ما هو متوقع من طموح إنساني؟ لا بد أن هذه الأزمة ستضعنا جميعاً أمام مسؤوليات جديدة في ما يتعلق ببرامج الرعاية الوطنية والتضامن الاجتماعي لكل دولة والدعم المتبادل بين الدول وتبادل الخبرات والخيرات أيضاً.

الآن يبحث العالم عن علاج لهذا الفيروس، ولا يهم من يكتشف هذه العلاج فالمسألة هي إنقاذ البشرية وهذا قياس سينسحب في المستقبل على مستقبل العلاقات بين الدول أي أننا أمام مرحلة لا بد من أن تقوم دول العالم بالبحث عن أسس ومواثيق جديدة لصيانة السلام العالمي والمحافظة على الكوكب وأخذ الأخطار المحدقة بالعالم على محمل الجد، وهذا مدعاة أيضاً إلى أن تبدأ شعوب العالم، ولعلها ستفعل، في أن تفكر جدياً وملياً عندما تذهب إلى صناديق الاقتراع لأنها من خلال ذلك ستنتخب من سوف يحميها ويحمي مستقبل أبنائها من خلال وضع القوانين والتشريعات والاتفاقيات العالمية التي تؤمّن لها العيش الآمن وتحافظ على السلم العالمي وليس من يؤجج فيها نزاعات الفكر القومي الشوفيني وبالتالي ما يحتاجه العالم في المرحلة القادمة هو الحفاظ على الكوكب وحمايته وإعادة النظر في هذا الصخب من أجل إتاحة مساحة للهدوء وإعادة انتظام إيقاع دوران الكوكب الذي نحب من أجل أن نبتعد عن ساعة الخطر في تقويم ساعة يوم القيامة.                               

لحظة فارقة: هالة البدري (روائية مصرية)

ربما تكون هذه اللحظة التي نمر بها الآن في العالم كله لحظة فارقة في عمر الإنسانية. حين أصبحنا فجأة نتشارك هذا الهم الذي لا يفرق بين دولة غنية ودولة فقيرة. ربما تكون بالنسبة إلي اكتشافاً لدرجة الاتصال الذي تجمعنى كفرد كإنسان بكل الأفراد على مستوى الخلية الواحدة التي نتشاركها منذ خرج سيدنا آدم من الجنة وزرع بذرته التي نتشاركها الآن في حواء، فقد وضعنا الموقف الحالي وجهاً لوجه أمام هذا الإدراك البسيط الذي نتجاهله كل يوم. والذي قد يكون قادراً على الكشف عن جوهر نبعنا الصافي كبشر لنا أصل واحد. متفائلة بقدرة الإنسان على المقاومة والبقاء والنجاة من الوحش الذي ربما نكون قد صنعناه بأيدينا حين حولنا حياتنا لمحض تجارة وقد ندرك الآن أن نجاتنا لن تكون أبداً نجاة للأغنياء وحدهم على حساب الفقراء الذين يخدمونهم. النجاة هنا تجبر الجميع على أن تكون جماعية أو لا نجاة على الإطلاق. 

التقدم العلمي ضرورة قصوى والعلم هو السبيل الوحيد للنجاة، المتعلم عرف على الفور كيف يطبق التعليمات لكن غير المتعلم غسل يديه ثم ذهب لصلاة الجماعة التي ستنقل ببساطة الفيروس للمصلين وأسرهم كلهم بلا استثناء. نحن في معركة مع الطبيعة التي تحاول الانتصار بكل أدواتها وهذا لا يتعارض مع الإيمان بأي حال من الأحوال لأن ناموس الحياة جبل على الهدم والبناء، الحياة والموت. ثقتي في جوهر الإنسان هي التي تدعوني للتفاؤل، نحن محظوظون لأننا في زمن يسهل فيه تبادل المعلومات. كانت قرى بكاملها تحرق بأهلها حين دخلها الطاعون. وقفة لنتعلم كيف ننجو جماعة. 

سوف ينتهي التاريخ: عبده خال (روائي سعودي)

هكذا استشعر، والانتهاء الذي قصدته هنا، انتهاء الأحادية، ليس هناك واحد إلا الله، وسنته قائمة على التعددية، سوف تنتهي أحادية القوى المسيرة لشؤون العالم...

 

حتماً سيعبر فيروس الكورونا ومع عبوره سيحدث تجدد في كل شيء، وأهم أنواع التجدد أن لا تكون أميركا هي رأس العالم، ستنبت رؤوس عدة، فكما ولدت – أميركا- من رماد الحرب العالمية الثانية سوف يتوالد من رحم فيروس كورونا رؤوس عديدة ليس هذا على المستوى السياسي فقط، بل ستشمل التغيرات العديد من حقول الحياة التي كنا نعيش في داخلها، وربما تكون العولمة أحد تلك الضحايا إذ ثمة مناداة صارخة تطالب بعودة القومية وسوف تنكفئ دول أوروبا - تحديداً- على ذاتها مع إغلاق حدودها وفتحها بتأشيرة مستقلة، لتؤمن على نفسها من انتقال الأوبئة وكذلك النازحين والارهابيين.

وإذا كانت زيارة الفيروس ستكون ثقيلة، ومكث شهوراً إضافية، فالعالم سوف ينشغل بتوسيع المقابر من خلال استقطاع الأراضي وتحفيز صانعي التوابيت على سرعة وكثافة الإنتاج .

هذه ليست مزحة !

فهذا الفيروس أدخل العالم إلى نفق ضيق مظلم، وطالبه بأن يفتح عينيه ! نعم وصل التقدم الحضاري والتقني إلى مراحل متقدمة كنتاج للصوصية وسرقة الثروات، وحياكة المؤمرات، وتصنيع الأسلحة لقتل الإنسان لأخيه الإنسان، حضارة أنانية قائمة على مقدرة التوثب للقهر والاستعباد، كانت الديمقراطية أملاً، فإذا بالدول المتحضرة تكشف عن وجهها، لم يكن الأخضر إلا استعادة الماضي القريب، تحضّر أرضيته الإقطاعيين، فقد تنبهوا أن الزمن لم يبتعد كثيراً، فجل الدول الخاضعة لجبروت المتحضرين لم يكونوا إلا عمال تراحيل ليس لهم إلا بذل الجهد طوال اليوم مقابل (خبزة) تسد الرمق... وفي هذه الإقطاعيات كانت سياسة فرق تسد هي الحاضرة، فانتشرت الحروب وتقاطر النازحون واللاجئون والفقراء... ودمرت الدول وسرقت خيراتها، وتبجحت الحضارة بالإنسانية وهي أبعد ماتكون علية تلك الراية البيضاء.

هل فيروس كورونا نتاج دعاء أممي... من قبل الدول المستضعفة في الأرض؟

لا أريد تبسيط الأمر بهذه الصورة الغيبية وإنما أردت الوصول إلى فكرة السيطرة أو البحث في أن تكون الرأس الوحيدة التي تدبر شؤون العالم... وفي هذا السياق لا استبعد أن يكون الفيروس ولد من رحم حلم السيطرة الدائمة، فالفيروس مخلق - كما يقال- من أجل القضاء على من أراد رفع رأسه أمام الرأس الكبيرة... بهذا هل كنا نعيش في حياة العصابات... والفتوة؟

أشعر بأنني سأمضي بعيداً عن الإجابة عن سؤال، ما الذي سيكون عليه العالم بعد كورونا، حقاً في مخيلتي عشرات السيناريوهات التي يمكن لها أن تطبق في واقع سيكون هو قائداً لكل دولة بعيداً عن زمن الفتوة والذي أرجوه أن لا نعود إلى زمن الإقطاعيين الجدد .

سوف أوفر أفكار تلك السيناريوهات لأسئلة الأصدقاء الذين يزوروني بطلب أن أكتب عما أتوقع، فيكفي هذا الاستطلاع الذي تجريه – ياصديقي- أن أقول سوف ينتهي زمن الأحادية وإن بقي فهذا يعني أن ذعر فيروس كورونا لم يكن إلا هوجة إعلامية أو رسائل سياسية مخلّقة صنعتها القوى الكبرى المتصارعة لقيادة العالم .

القرية الصغيرة والمصح الكبير: أحمد علي الزين (روائي وإعلامي لبناني)

العولمة حولت العالم إلى قرية صغيرة وجعلته على قطعة معدنية أيضاً صغيرة تحملها في جيبك، وتتباهى في القول "العالم في جيبي"، اليوم أصبح هذا العالم بقاراته الخمس مصحاً كبيراً، بسبب الخفة التي تعاطت بها الدول مع الكوارث المحتملة، والتي هي سبب أساس في حدوثها لما اقترفته من جرائم بحق هذا البيت الكبير الذي هو الأرض... فكل عظمة هذا الدول المتنافسة على نهب ثروات الأرض، بدت هشة. أمام عدو غامض وفتاك ويتنقل بحرية كاملة بين الدول والقارات يخطف الأرواح، ويثير الهلع، كأننا أمام نهاية العالم .
آمل في أن ينتبه الكبار لهشاشتهم، وهشاشة أسلحتهم الفتاكة التي قد تصدأ أمام جرثومة غامضة.
تنفق بعض الدول ما يقارب 70 في المئة من ميزانياتها على الحروب وعلى أدوات الحروب، ونتائجها الكارثية. بحيث تتحول إلى صناعة كاملة بدءاً من طلقة الرصاص وصولاً إلى السلك الكهربائي في إعادة البناء، وغالباً شركات التدمير تقوم بمهام إعادة البناء!
في القرن الماضي قتلت هذه الدول في حربين كبريين عالميتين وحروب صغيرة ما يقارب أربعمئة مليون، وفتكت الأوبئة برقم مماثل، وقتلت ما يقارب المئة مليون في اختبارات الحروب المتنقلة في العالم خلال سنوات قليلة مضت وتواصل حروبها بزخم، وتختبر طيرانها وأسلحتها الفتاكة من العراق إلى سوريا إلى فلسطين إلى ليبيا، إلى هنا وهناك، في الوقت الذي تجتاح الكوكب جرثومة قاتلة، وباء آخر، لا يفرق بين دولة عظيمة وأخرى أقل عظمة، بين مدينة نيويورك وآخر قرية منسية في الكوكب، بين جادة الشانزليزيه الباريسية وبين شارع سوريا في باب التبانة الأكثر فقراً في طرابلس لبنان، بين جائع وبين مسرف يحرق ثروته في لاس فيغاس. بين نظام مستبد وآخر ديمقراطي، بين عدوين أو صديقين بين حبيبين أو متخاصمين بين مؤمن بالمهدي ومؤمن بالمسيح المخلص، بين مؤمن بالمادية التاريخية ومقتنع بالعدم .
هذه الدول التي تنفق آلاف المليارات على حروبها وعلى تصنيع أدوات القتل وشرائها وتتسابق في التسلح النووي والجرثومي وتتباهى في عروضها العسكرية في أعيادها الوطنية، لم تجد مستشفياتها الآن قناع تنفس ينقذ حياة الملايين المهددين بالموت كما يحدث في إيطاليا التي أصبح جسمها الطبي يقوم بدور الطبيعة البكر في الانتقاء بعد أن فاق عدد المصابين الذين بحاجة لأجهزة تنفس عدد هذه الأجهزة، والمفارقة العجيبة أن الصين التي انطلق منها هذا الوباء كانت الوحيدة التي لبت نداء إيطاليا، ووصلت طائرتها الأولى محملة بالعتاد الطبي والكوادر، أما البقية وأعظمها شأناً تسابق الوباء في استحداث مشاف ومعدات وكوادر طبية من دون الالتفات إلى عبثية حروبها المستدامة وطرح سؤال وجودي، من نحن وماذا نفعل ولماذا نواصل القتل منذ آلاف السنين وإلى أين نمضي!
في الجهة الأخرى تنفق أموال طائلة على بناء دور العبادة؟ وهذا شأن لا نجادل فيه وليس اعتراضاً بل سؤال.

جائحة أحرجت التقدم العلمي: عبد الله العليان (كاتب عماني)

لا شك أن هذا الفيروس الصغير الحجم، الذي لا يُرى بالعين المجردة (كورونا)، أذهل العالم بقدرته على التحدي والصمود والانتشار الكبير، أمام مواجهة الحرب المضادة لهزيمته، أو وقفه، وفي كل قارات العالم، كما أنه أحرج القدرات العلمية والبحثية المعاصرة، التي كانت تدعي أنها استطاعت أن تقدم للإنسانية، الكثير مما لم تخطر على بال الإنسان علمياً من قدرات الطب على مواجهة  الأمراض، أو وسائل الوقاية العلمية، وأن عصر العلم ـ كما يدعون ـ والتقدم التكنولوجي، لم يعد يقف شيء أمامه من حيث التصدي له بسبب البحوث الكبيرة التي اطلع بها العلم الحديث، من حيث التطورات المذهلة التي كانت تتباهى أنها حققت انفجار العلوم في كل المجالات، لكن كل هذه الأقوال والوسائل، أصبحت في المحك الحقيقي، بعد عجزها وفشلها، أمام هذا الفيروس المخيف أقرب إلى الشبح الذي كنا نسمع عنه، من جداتنا، عن الأشباح المخيفة التي تجتاح العالم، أو كما ما تورده أفلام الخيال العلمي في عصرنا الراهن، فهذا الفيروس أستطاع أن يغزو الكون كله دون أن تقف أمامه علوم أو تكنولوجيا، يصل للتحدي، مما جعل شوارع روما، وباريس، ولندن، ونيويورك، وبكين، والكثير من المدن في العالم خالية، ويحصد عشرات الآلاف إما القضاء عليهم، أو مرضى، أو تم الحجر عليهم، بسبب الاشتباه بمرضهم، إضافة إلى مئات الملايين في دول العالم، تم إبلاغهم بالجلوس في بيوتهم، إلى أن تنتهي هذه الجائحة الخطيرة، التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ!

ولهذا أصبح الكلام عن التقدم العلمي الكبير، الذي لا يقف أمامه أي عائق، مجرد رأي، أو أصبح كلاماً بلا دليل، بعد عجزه، وفشله، وسقوطه أمام فيروس. قال عنه بعض علماء طب إنه ليس بهذه القدرات المذهلة التي يحملها وهذا هو الأمر الغريب في تحدي مقاومته من دول العالم، وهو كذلك التحدي الجديد المقبل. فالحضارة الإنسانية، أصابها غرور القوة، وجنون تقدم الوسائل التكنولوجية، لكن ما فعله هذا الفيروس، يجعل المراجعة والاعتراف بضحالة الإمكانيات، التي يعتقدون بأنها وصلت إلى مستويات الإعجاز في المخترعات وتقدم علوم الطب.

أما ما يقوله البعض عن هذا أن الفيروس مؤامرة من الصين ضد الولايات المتحدة أو العكس من الولايات المتحدة ضد الصين، فهذا هروب من الاعتراف بفشلهم أمام تحدي فيروس كورونا. فالأمراض الوبائية، تمر بين عدة عقود وأخرى، أو أحياناً بين قرون وأخرى، ولذلك يتم تسميتها بأسماء تقترب من الحالة المرضية التي ظهرت فيها، وربما في القرون الماضية، ونتيجة عدم التواصل البشري بين الشعوب قديماً، فإن هذه الإمراض، بقيت محدودة في البيئة التي انتشر فيها هذا الوباء، أو بحكم التواصل بين الشعوب المتجاورة فينتشر... وكما سمعنا من بعض كبار السن، قبل أربعة عقود، عن ظهور مرض (الطاعون) في الجزيرة العربية، وحصد آلاف من الوفيات، وربما أكثر بحسب بعض التقديرات التي تم الحديث عنها، في ظل غياب العلاج الكافي لمثل هذه الأمراض التي تظهر. والإشكالية الغريبة في ما صدر من بعض الجهات والمؤسسات، عن هذا الوباء الخطير(كورونا) فاق كل التصورات والتوقعات، أمام العلوم الحديثة.

فهناك فروق كبيرة بين وباء الطاعون ووباء كورونا، أما مما قيل ويقال عن هذا الفيروس الوبائي، كبعض الاستنتاجات والفرضيات أنها تتحدث عن مخططات ومؤامرات كانت سبباً لهذا المرض، وأن الخلافات السياسية، أو الصراعات الاقتصادية بين الدول الكبرى، تم إسقاطها على هذا الوباء، في ظل هذه الصراعات القائمة، وكتصوير الأمر كمؤامرة لا تقبل الجدل من هذه الدولة على تلك، أوكأن هذا الوباء من صنع البشر، ومن مخططاتهم، وليس مرضاً وبائياً مثل الكثير من الأمراض الطبيعية! وهذا للأسف كلام لا يعطي دليلاً أميناً لهذا الوباء، الذي يعتبر واحداً من الأوبئة التي مرت على البشرية ـ كما أشرنا ـ منذ فجر التاريخ، فالعقل لا يقبل مثل الكلام الخرافي أو الأوهام ـ إن توخوا أو توهموا الصدق لمثل هذه الأقوال ـ فالولايات المتحدة، عن لسان بعض السياسيين، اتهمت الصين، بالسعي للإضرار بمصالحها الاقتصادية، وربما يكون هذا الوباء إحداهما، مع تبادل التهم بينهما، والصين من جانبها اتهمت الولايات المتحدة بنشر هذا الوباء في الصين، من خلال الجنود الأميركيين المقيمين في القاعدة العسكرية الأميركية، ودول أخرى، أيضاً اتهمت دولاً بعينها بنشر هذا الوباء، وهذه كنتيجة من نتائج الخلافات السياسية، فالمسألة تحولت إلى كلام خارج الوعي والعقل، في تقييم هذا المرض الوبائي، وكأن الحروب الباردة عادت من جديد، وبرز الإعلام كسلاح مساند وفق التوجهات الأيديولوجية، لكل طرف من الأطراف.

ما  أود طرحه، أن الحضارة العالمية في موقف عصيب، فهذا الفيروس قلب الطاولة على الحضارة الحديثة، ذلك أن فشلها أمام هذا الوباء، يجعلها تحديات كبيرة وخطيرة، قد لا تخطر على بال، إذا ما كانت القدرات العلمية عاجزة عن مواجهة التحدي الخطير من كورونا!

عجز الاستيعاب: قاسم حداد (شاعر بحريني)

لستُ قادراً. على استيعاب ما يحدث. لكأن آلهة تعبث ببشر أمضوا أعمارهم يعبدون.

كلامنا عن التخلف والتقدم يبقى في حدود العجز. لكي ننظر الآن إلى خريف العالم.

ينهار كل شيء ويصير سديماً. لعل خلقاً يبدأ بلا آلهة ولا أديان ولا مذاهب. 

الآن، على من يؤمن بالغيب ألا يغيب. 

ليست لحظة تاريخية، إنها كونية، لكي نرى فضيحة الذي يذهب إلى الكواكب، مخلفاً العطب في هذه الأرض.

لم أعد راغباً في ازدياد.

أمام أسئلة جوهرية: بشير مفتي (روائي جزائري)

يجب الاعتراف أن المخاوف والشكوك في مسألة التقدم العلمي والتكنولوجي ليست بالجديدة، فالعديد من الكتاب والمفكرين وحتى السياسيين ذوي التوجه اليساري بالخصوص ظلوا باستمرار يطرحون أسئلة على مزاعم التقدم العلمي وقدرته على حل مشكلات البشرية ونقلنا إلى "عالم جديد أفضل"  بحسب عنوان رواية لألدوس هكسلي، لكن الهيمنة والغلبة ظلت للخطابات المتفائلة، والتي كانت تتوافق مصالحها مع المصالح الرأسمالية التي بلغت كما نبه إلى ذلك عديد من الفلاسفة أوجها في السنوات الأخيرة، وصارت منفصلة عن البعد الإنساني والتضامن والشراكة، فالرأسمالية المتوحشة هي صورة من الأنانية التي لا تقبل المشاركة، ولا تهتم بضحاياها ولا بمن يموتون في سبيل هيمنتها على العالم حتى لو كان عدد الضحايا هو الأكبر وعدد الذين تقصيهم من منافعها ومباهجها هو الجزء الأكبر من البشرية.

وضع فيروس كورونا كوفيد 19 البشرية جمعاء أمام أسئلة مفصلية وجوهرية. لقد استطاع الفيروس الانتشار بفضل سياسة العولمة، التي جعلت العالم قرية صغيرة يمكن التنقل فيها بسرعة مدهشة وبصورة يومية، ولهذا استطاع الوباء الانتشار في كافة مناطق العالم بنفس سرعة تنقل البضائع والبشر، التي تعتبرها العولمة من ميزاتها المشرقة، بينما كان الوباء في السابق ينتشر في منطقة محددة ثم يموت فيها لغياب وسائل النقل التي تحد من انتشاره. لقد كشف أيضاً هشاشة الأنظمة الصحية حتى في الدول الحداثية المتقدمة، بينما لا نستطيع أن نتحدث في دولنا عن وجود أنظمة صحية من الأساس، ولقد كان الاعتقاد السائد في الغرب، أو عند الشعوب الغربية، أنهم يعيشون في دول تستطيع حمايتهم من أي داء أو وباء يمكن أن يعترض طريقهم أو يهدد حياتهم.

لقد أعاد كورونا إلى الواجهة فكرة المصير البشري المشترك، على الرغم من التمايزات والصراعات بين القوى العظمى وهزال الدول المتخلفة، إلا أن فكرة وجود عدو مشترك يعني في النهاية أن البشرية كلها تعيش نفس التهديد وتسعى إلى حل ينقذ الجميع.

منذ فرض الحجر الصحي ولو بشكل نسبي في الجزائر، حيث كما في بقية الدول لم يؤخذ التهديد بشكل جدي في البداية، وكأن هنالك تعويذة تجعل الفيروس يتوقف في بلدان من دون أخرى. ثم سرعان ما تبين الخطر من خلال ظهور الحالات والوفيات من جراء الإصابة به، لقد شعرت فجأة بالقلق والخوف، القلق بشكل خاص لأن بلدي غير مهيأ أصلاً لمثل هذه الكوارث، ومنظومته الصحية غير مستعدة لمقاومة وباء من هذا النوع، والخوف من أن نفقد في مثل هذه الكوارث ناساً نحبهم، ولقد أصبت بنوع من الوسواس القاهر، وانتقلت من حالة السخرية من الوباء - كنوع من المقاومة والدفاع بالضحك- إلى هذا الإحساس المخيف بأن الكارثة ستحل وستكون لها نتائج وخيمة، مع تمنيات أن لا يحدث شيء من هذا القبيل، ويتم اختراع لقاح سريع يشفي المرضى من هذا العدو المخيف.

لقد وضعت لنفسي برنامجاً لقراءة بعض الأعمال الروائية الكبيرة الحجم مثل رواية بولانيو "2966" أو بول أوستر "1234"  أو "متحف البراءة" لباموك، ولكن أغلب الظن لن أقرأ إلا القليل، أما الكتابة فهي تحتاج إلى عزلة اختيارية وليس إلى عزلة مفروضة، واضطرارية، فهذه العزلة تجعلك تشعر بالسجن وليس بالحرية، هي عزلة تفرض عليك إيقاع حياة مرتبك، قلق، متوجس، ففي كل لحظة تجد نفسك تطل على شاشة التلفزيون أو النت لتشاهد ما يستجد من الأخبار، تريد أن تعرف التطورات وماذا يحدث بالضبط...الخ

ولا أدري لماذا أصبت بنزلة برد في هذا الوقت بالذات، على الرغم من أن الصيدلي طمأنني على أن الفيروسات الأخرى مستمرة ولا يوجد فقط كورونا، وهذا جعلني أقبع في البيت، أنتظر انتهاء الوباء لتنفس هواء حياة جديدة.

سباق الموت والثروة: أحمد شهاوي (شاعر مصري)

بالنسبة لي كانت سنتا 2019 و2020 هُما الأسوأ في حياتي، فأنا عشتُ سنة 19 وقد أصابتني جائحةٌ لم أتوقعها أبداً، هي لي بَلِيَّةٌ وتَهْلُكَةٌ ودَاهِيَةٌ، حاولتُ كتابتها في كتابي الشعري "ما أنا فيه"، وما زلتُ أواصلُ كتابتها، ولا أدري هل ستتواصلُ معي هذه الجائحة وتستمر عاماً آخر أو أعواماً، المؤكَّد أنني لا أعرفُ لها مدى  أما سنة 2020 التي استبشرتُ خيراً بإيقاعها المُغري، وأنا أنطقها، وكذا بجمالها الآسر، وهي مكتوبةٌ على الورقة أمامي، فهي سنةٌ جائحةٌ أي جَدْبة وغبراء وقاحلة، وتنذر بالفقر والفاقة، وربما الجُوع والحرمان، الحرمان من كل شيء، وفي المقدمة الحرمان من حرية التنقُّل والسفر والعيش، وأنا رجلٌ جوابُ آفاقٍ، ودوماً ما تحملني الريحُ، كأنَّني حِصانٌ قلق. ومثلي لمْ يعْرِفْ سَنَةً جَائِحَةً مِثْلَ هَذِهِ السَّنَةِ، فلم أعش النكبات والاجتياحات، لكنَّني عشتُ هزيمة 67، والاجتياح الإسرائيلي لبيروت في 1982 ميلادية، وضياع ما تبقَّى من فلسطين في مؤامراتٍ متتاليةٍ عربية وغربية، واحتلال العراق للكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990 ميلادية، واجتياح الإخوان وحُكمهم مصرَ في أكثر التجارب سوءاً، وما زالت شجرتي تُسقَى بماء الاستبداد. أعرفُ أنها تجربةٌ قاسيةٌ وصعبةٌ أن لا تكلِّم أحداً، وأن تظلَّ رهينَ البيت، ذلك البيت الذي أحبُّه وأتمنى أن لا أبارحه، وأنا أساساً "رجل بيت"، لكن لا بد من ملامسة يد الحرية خارجه، والاستمتاع بمفاتن الدنيا التي تحبها، والذهاب إلى المكتبات، وشراء الصحف الورقية "التي صرتُ أرشُّها؛ كي لا تكون حاملةً لأي فيروس، حتى تتبللَ ولا تعودَ صالحة للقراءة"، صرتُ أشكُّ في الحارس والبقال، ومن يغسل سيارتي، أحمل معي معقماً لأرشَّ المفاتيح ومقابض الأبواب والمصاعد، وألغيتُ مواعيد لي مع الأطباء، ومن الأصل لديَّ هوس بغسل اليدين فزاد هوسي هوساً، فلم أعد أخرج، وطلبت إجازةً من عملي في الأهرام؛ كي لا ألتقي صديقاً أحبه، وسأضطر إلى مصافحته أو معانقته، وهناك بالطبع من سيلمس سيارتي أو ملابسي غير مُتعمِّد، كأنها القيامة "يَومَ يَفرّ المَرء من أَخيه وَأمّه وَأَبيه وَصَاحبَته وَبَنيه لكلّ امرئ منهم يَومَئذ شَأنٌ يغنيه" (سورة عبس:34-37). الأسوأ أنني صرتُ أشكُّ في نفسي، كلما جفَّ حلقي، أو داهمني صداعٌ، أو ارتفعت درجة حرارتي، قلت إن الفيروس حلَّ داخلي، فلقد نفد البرتقال من دكان البقال بسببي، وكذا الكحول والمُعقِّمات من الصيدلية بسببي، الوضع كارثيٌّ لشاعرٍ مثلي يعيش بالخيال، ودوماً ما يرى الموت يطرق الأبواب، وأنا لستُ من "الَّذِينَ اشْتَرَوُا الحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ". فمثلي يحبُّ ألا يموتَ هكذا بسبب فيروس جائحٍ لا يستطيعُ أن يراه أحدٌ، ظهر فجأةً بسبب أطماع البشر، وتجار السياسة، والأوغاد ممن يتسلون بإفناء نفوس الأبرياء. ولا شك أنني انشغلتُ بما تركه لنا الأسلافُ من كتبٍ كثيرةٍ عن الأوبئة صارت من التراث، لكن ما زال فيها ما يصلح أن يتبع كعلاج ناجع، كتب لابن أبي الدنيا، وتاج الدين السبكي، والتلمساني، وأبي المظفر السرمري، والزركشي الشافعي وابن حجر العسقلاني، وجلال الدين السيوطي، وزين الدين القادري، والأنطاكي الحنفي، وابن المبرد، وسواهم من الفقهاء والعلماء الذين انشغلوا بأدب الأوبئة أو بدفع الوباء والطاعون وكشفه والاحتراز من شروره وجواز الفرار منه. وإذا كانت الجائحة (في اصطلاح الفقهاء): ما أَذهب الثمرَ أَو بعضَه من آفةٍ سماوية، فإن هذه الآفة من فعل البشر، خصوصا أصحاب الرؤوس الكبيرة، التي تتناطح في سباق الموت والثروة، ومثلي وغيري ضحايا لها.

عادات حياة جديدة: سمير درويش (شاعر مصري)

في البداية كنت أتصور أن الحياة ستسير بشكل عادي، وأن كورونا ستكون مادة إعلامية نتابعها عن بعد، كما كنا نفعل مع أنفلونزا الطيور والخنازير. لم أكن أتصور أنه يمكن أن أعطس في كم الجاكيت وأتجنب لمس الأشياء من حولي، مثل المقبض الذي يتدلى فوق الرؤوس في مترو الأنفاق، أو العمود المعدني الذي أستند إليه عادة، لكن الأخبار المتواترة جعلتني أتعود على فعل هذه الأشياء وأكثر منها، فكلما ذهبت إلى المرحاض لأغسل يدي بعد الأكل، أتذكر -تلقائياً- أنه يجب أن أستمر في دعك كفيَّ لمدة 20 ثانية! ولا أخفيك أنني أقرأ بانتظام كل الرسائل، وأستمع إلى كل الفيديوهات، التي تصلني على الخاص من أصدقاء صفحتي، لشرح طرق الوقاية من الفيروس... فـ(العمر مش بعزقة) كما نقول في مصر! أنا أعيش في شبه عزلة قبل كورونا؛ كان يمكن كسرها في أي لحظة بحسب المستجدات، لكن بعد كورونا أصبحت أعيش في عزلة إجبارية، توقفت عن ممارسة رياضة المشي اليومية، وأصبحت لا أخرج إلا لقضاء أمور ملحة، مثل شراء الأشياء الضرورية من سوبرماركت قريب من بيتي، كما أن هاجس الإصابة يتلبسني باستمرار، فأصبح السعال العادي، أو العطس، يقلقني، على الرغم من أنني مريض جيوب أنفية تاريخي، وهذه الأشياء اعتيادية بالنسبة لي، صحيح أنني لا أردُّ يداً تمتد لمصافحتي، وأقول لنفسي إن العمر واحد والرب واحد، لكنني أتمنى -في سري- لو لم يمد أحد يده للمصافحة، وعلى كل حال أصبحت أتجنب هذا مع أصدقائي، هم يضحكون ويسخرون من إحجامي عن المصافحة، لكنني أرى أن ذلك أصوب لي ولهم. لم أر مريضاً بالكورونا، لكنني أتابع أخبارها من شبكة الإنترنت، وأصاب بالفزع من الأعداد التي تذاع عن حالات الإصابة والوفاة في إيطاليا وفرنسا وألمانيا خاصة، لكن صديقة مقربة أخطرتني -اليوم- أن قريباً لها احتجز بالمستشفى لاشتباه إصابته بالكورونا، إنها تقترب إذن! صحيح أن صديقتي أخبرتني أنها لم تخالط المريض ولا أي فرد من أسرته، لكن الشبح يقترب! حجزت تذكرة للسفر خارج مصر، فتوقفت رحلات الطيران بعدها بيومين، لا أعرف ما الذي سيحدث، أنا أترقب مثل كثيرين، صحيح أن إجراءات الحكومة هنا متأخرة بعض الشيء، لكنها تمضي في الاتجاه الصحيح، شكلياً هذا مطمئن، لكن المقلق أن مستوى النظافة في شوارع مصر متدنٍّ، مما يجعلها ساحة مناسبة لانتشار الأوبئة، لكن الأمور تحت السيطرة حتى الآن، وأتمنى أن تستمر حتى ينتهي هذا الكابوس على خير.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة