Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا يقضي النازحون السوريون شتاءهم الأصعب في لبنان

في البقاع، تفيض الأنهر والجداول، تغمر مخيمات أكثر الناس ضعفاً، في حين تتطلب الأرض الحمراء الخصبة التي نُصبت فيها الخيام أياماً طويلة حتى تجفّ

"مخيماتنا ملأى بالضفادع. هناك أيضاً الكثير من الجرذان والفئران، جعلتها المياه تخرج من جحورها. إن دود الأرض وأم أربعة وأربعين والحلازين العارية (أنواع من الديدان والحشرات) طافت على سطح الأرض. المخيم ملآن بالحشرات. هكذا نعيش منذ بدء الشتاء"، يقول وليد، وهو نازح سوري من مدينة حمص متحدثاً عن حياته اليومية في أحد مخيمات بر الياس، وهي بلدة في سهل البقاع تسكنها 40 ألف نسمة وتستضيف مئة ألف نازح سوري.

ليس هذا الشتاء سهلاً على النازحين السوريين في لبنان، حيث فاقت نسبة الأمطار معدلاتها السنوية، وحيث يقطن حوالي مئتي ألف نازح من أصل مليون تقريباً في تجمعات من الخيم، وذلك وفق الإحصاءات الأخيرة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.

مخيمات عشوائية

يعيش حوالي 30 في المئة من النازحين السوريين في عكار في مخيمات عشوائية. أما في البقاع، فالرقم أعلى، إذ يوازي حوالي 42 في المئة، وذلك وفق دراسة تقويم نقاط الضعف لدى النازحين السوريين أجرتها في ديسمبر (كانون الأول) 2018 مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي.

تصنع المخيمات العشوائية في لبنان من مواد آوية مؤقّتة، ولا تستطيع هذه المساكن مقاومة الظروف الجوية القاسية خلال فترة طويلة، على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الجهات الإنسانية الفاعلة.

تحت خط الفقر

ووفقاً للدراسة نفسها، يعيش 68 في المئة من النازحين السوريين في لبنان تحت خط الفقر (حوالي 3.84 دولار أميركي للشخص الواحد في اليوم)، ويعيش 51 في المئة منهم تحت خط الفقر المدقع (2.9 دولار للشخص الواحد في اليوم).

على الرغم من أيام الصحو المشرقة، يلزم وقت طويل لتجفّ أراضي البقاع الزراعية الخصبة ذات التربة الحمراء، حيث شُيّدت تجمعات الخيم التي تستقبل النازحين السوريين. وما يزيد الطين بلة هو أن مخيمات كثيرة بُنيت بالقرب من الأنهار ومجاري المياه، التي فاضت هذا الشتاء بسبب ارتفاع معدل هطول الأمطار.

الفيضان الثاني

في العديد من المخيمات غمرت المياه الخيم. "هذا هو الفيضان الثاني هذا العام. وعلى الرغم من أن الخيمة قد جفت مرتين، تبقى رطبة جداً، والسجاد الذي يغطي الأرضية الخرسانية والمراتب والبطانيات تبقى رطبة كل صباح"، كما يقول وليد.

يعيش وليد مع عائلته في لبنان منذ سبع سنوات، وكل شتاء يجلب معه مشاكله. ويقول "قبل عامين، تساقطت الثلوج بكثافة. كان الجو بارداً جداً. لقد غمرت المياه الخيمة مرة واحدة في السنوات الماضية، لكن لم نر مثل هذه السيول منذ وصولننا إلى لبنان".

ووفقاً للأرقام الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فقد كان 850 مخيماً مهدداً بالفيضانات في يناير (كانون الثاني) الماضي، من بينها 678 تأثرت فعلاً بالسيول. وخلال شهر يناير أيضاً تضرر 47189 شخصاً من الفيضانات. وفي فبراير (شباط)، حتى الأسبوع الماضي، تضرر 15489 نازحاً.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة، من الصعب على الجهات الإنسانية مواجهة كل التحديات، لكنها تعمل على قدم وساق لتقدم ما تستطيع للنازحين.

معسكرا ياسمين والعودة

في برّ الياس، يقوم اتحاد من المنظمات غير الحكومية اللبنانية والعربية، اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية (URDA)، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، باستقبال النازحين في مخيمين، "معسكر العودة" و"معسكر ياسمين". وهنا يقضي العديد من النازحين أياماً عدة، في انتظار أن يصبح المخيم الذي يسكنون فيه أكثر قابلية للسكن.

مخيم ياسمين مؤلف من مساكن جاهزة فيها مدافئ وبطانيات وفرشات للنازحين، لكن أعداد النازحين الذين قصدوه تجاوزت بسرعة التوقعات. فقامت المنظمة غير الحكومية ببناء خيم إضافية وتجهيزها. كما فرضت الظروف المناخية زيادة أعداد المراتب والبطانيات، لأن العديد من النازحين الذين تضرروا من السيول في خيمهم غادروا إليها بعدما جفّت مع التجهيزات التي في المساكن الجاهزة.

برد الليالي

علي وهند شقيقان، من التركمان السوريين، تركا مخيمهما في مجدل عنجر ليسكنا في مخيم ياسمين بضعة أيام، في انتظار أن ينخفض مستوى المياه في مخيمهما. "فاض النهر وأطاح كل شيء في طريقه... التلفاز والبطانيات والمراتب. لم نستطع سوى إنقاذ الأولاد، فالمياه جرفّت كل شيء"، يقول علي وهو يشير إلى أولاد أخته الصغار.

كيراز، تركمانية سورية أيضاً، تروي أنها منذ وصولها وعائلتها إلى هذا المخيم المؤقت، قُدم لهم غداء ساخن، وهي تتمنى أن تكون الليالي أقل برودة.

وبالنسبة إلى العديد من العائلات السورية النازحة، فإن هذا هو الشتاء الثامن في لبنان. وبعد كل هذا الوقت، صرفت العائلات معظم مواردها، إن لم يكن كلها. ويواجه الكثير منها ظروفاً صعبة وتقاتل من أجل حياة كريمة وتأمين عناصر أساسية مثل بدل الإيجار والغذاء والنفقات الطبية.

في الشتاء، لديهم فرص عمل أقل في الزراعة والبناء، والقطاعات التي اعتادوا العمل فيها في لبنان، وتالياً لديهم موارد أقل. لكن في الوقت نفسه، ينفقون المزيد ليبقوا دافئين. وهذا الشتاء هو الأصعب بالنسبة إليهم.

المزيد من الشرق الأوسط