Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنانيو أميركا بين ترمب و"حزب الله"

الأكثرية الساحقة من الجالية تقف ضد نفوذ هذه الميليشيات وتعمل مع الكونغرس بشكل مستمر

أول صورة لعامر الفاخوري المريض بالسرطان عند وصوله إلى أميركا (فوكس نيوز)

مع انتهاء عملية إعادة المواطن الأميركي من أصل لبناني عامر فاخوري إلى الولايات المتحدة، بعد ستة أشهر من الاعتقال لدى السلطات اللبنانية، وتهديد "حزب الله" له بصفته عضو سابق في جيش لبنان الجنوبي، ينتهي هذا الفصل من العلاقات بين الجالية اللبنانية الأميركية من ناحية، و"حزب الله" من ناحية أخرى، مع تدخل إدارة الرئيس ترمب في هذا الملف بشكل يغيّر نمط واشنطن إزاء العلاقات الصدامية بين ميليشيات تدعمها إيران في لبنان والقوى المعارضة لها. ملف اعتقال فاخوري وإبقائه في لبنان على الرغم من الطلبات المتعددة للحكومة الأميركية لإخلاء سبيله كونه مواطناً أميركياً لم يرتكب جرماً حديثاً ضد السلطات اللبنانية، بات على وشك فتح ملف أكبر وهو علاقة مليون وثمانمئة ألف من أصل لبناني على تعددهم، بالمنظومة الحاكمة وفي وسطها "حزب الله"، ويفتح باب تموضع إدارة الرئيس ترمب والكونغرس الأميركي على الرغم من انشغالاتهم بالأوضاع الداخلية تجاه الأمر الواقع في لبنان، فهل كشف ملف فاخوري عن تغيير في التصرف الأميركي تجاه بيروت؟ على أساس ألا يمس أحد بأمن وسلامة مواطنيها في لبنان والشرق الأوسط، وهل هذا يخبئ أعمالاً مستقبلية أخرى لواشنطن تقوي هذه السياسة عبر رسائل إلى الدولة اللبنانية ومن ورائها "حزب الله"؟

بداية المسألة

عامر فاخوري كان عضواً في جيش لبنان الجنوبي الذي كان قوة عسكرية مشكلة من قبل ضباط وجنود لبنانيين خلال الحرب الأهلية، وكانت في مواجهة الفصائل الفلسطينية في الجنوب، ثم انتقل دورها لتصبح قوة أمن محلية على طول الحدود الجنوبية، وضمت عناصر من مختلف الطوائف المسيحية والدرزية والشيعية وطلبت مساعدة إسرائيل عندما عزلت عن بيروت، وباتت تواجه تحالفاً من الفلسطينيين والميليشيات اليسارية وتحولت بعد الاجتياح الإسرائيلي إلى جيش صغير متعاون مع الجيش الإسرائيلي ومواجه لـ"حزب الله" منذ 1983.

 

المنتصر يحدد الخطاب

المنتصر في 1990، أي نظام الرئيس السوري حافظ الأسد، حدد مصير القوى الميليشياوية في لبنان. الميليشيات المتقاتلة تُجرد من سلاحها، وتدعى للمشاركة في السلطة، ولكن تحت مظلة النظام السوري وحليفه الإيراني. ومن يتلكأ يُضرب بقوة، كما حدث مع القوات اللبنانية. "حزب الله" يتحول إلى الميليشيات الرسمية للمنظومة، ويُعطى قرار الحرب والأمن القومي الفعلي. أما جيش لبنان الجنوبي، فيُعتبر العدو الوحيد المتحالف مع إسرائيل.

تاريخ جيش لبنان الجنوبي وأعضائه، جزء من تاريخ صراع الميليشيات داخل لبنان، وتحالفاتها مع دول إقليمية، أكانت سوريا أو إيران أو إسرائيل وغيرها من الدول العربية. ومع انتهاء المرحلة الأولى من نهاية الحرب اللبنانية عام 1990، استمر جيش لبنان الجنوبي في انتشاره وتوالت الاشتباكات على مدى عشر سنوات بين هذه الميليشيات المتحالفة مع إسرائيل و"حزب الله" المحسوب على إيران حتى عام 2000 تاريخ حل هذه القوة. إذاً الحقبة التاريخية لهذه القوة انتهت في مايو (أيار) 2000، إلا أن "حزب الله" وبعكس عام 1990، لم يقبل منطق انتهاء الحرب، بالنسبة إلى هؤلاء المقاتلين الذين هرب قسم منهم إلى إسرائيل، وقسم هاجر إلى الولايات المتحدة التي حصلوا على جنسيتها وتحولوا إلى مواطنين جدد فيها كما حال الملايين من المهاجرين. "حزب الله" الذي قبل بعودة جميع الميليشيات اللبنانية من درزية ومسيحية وسنية إلى الحياة السياسية ولكن بشروط وصاية النظام السوري، رفض منطق تحول جيش لبنان الجنوبي إلى حزب سياسي أو عودة عناصره وعوائلهم إلى ديارهم في لبنان كمواطنين عاديين، وأن ينتموا إلى أحزاب سياسية، واستمر في موقفه الذي يعتبر أنهم عملاء لإسرائيل على الرغم من مرور عشرين عاماً.

 

"حزب الله" والحرب الأبدية

وبعكس آلية إنهاء الحروب عالمياً، فإن الميليشيات الإيرانية الولاء، رفضت استيعاب أعضاء "الجنوبي" في الحياة الوطنية المدنية، وأصرت على وصفهم بالـ "عملاء" على الرغم من أنهم قد سُرحوا وجيشهم قد تم حله. وبعكس الحرب الأهلية في أميركا، حيث شارك الجنوبيون في حكومة الدولة الموحدة، أو مراحل ما بعد كل الحروب الأهلية في العالم، أصرّ التنظيم الخميني في لبنان على إبقاء "تهمة" عملاء إسرائيل لمواطنين خرجوا من حرب انتهت منذ عشرين سنة، ليبقي على سلاح اتهامي استنسابي ضد كل من يعارض مشروعه وحتى من مناطق أخرى في البلاد، أو من لبنانيين منتشرين في أقصى أصقاع العالم أو حتى من العرب. وقد فرض "الحزب" منطق اتهام كل من يعارضه والنظام الإيراني، بأنه "عميل إسرائيلي"، مما يتعارض مع القانون الدولي الذي يرفض الاتهامات السياسية ويعتبرها ملغاة.

 

عهد ترمب غيّر المعادلة

غير أن الأوضاع تغيرت بشكل أساسي بعد تولي ترمب الرئاسة عام 2017، حيث أن إدارته وضعت أمن وسلامة المواطنين الأميركيين فوق كل اعتبار، بغض النظر عن أوطانهم الأصلية، والقضايا التي التزموا بها، والحروب التي خاضوها، ما داموا يبدون الولاء للدولة الجديدة أي أميركا. وهذه السياسة تقليدية لبلد الهجرة، حيث أن واشنطن لا تتخذ مواقف من ماضي مواطنيها إلا بحال ثبوت ارتكابهم لجرائم شخصية وما يتعارض والقانون الأميركي. وجدير بالذكر أن أميركا لا تميز بين مواطنيها في وطنهم الأم، ففي عام 2006 مثلاً خلال حرب إسرائيل و"حزب الله" أرسلت واشنطن أسطولها وطائراتها لتأمين انتقالٍ آمن لآلاف اللبنانيين من حاملي الجنسية الأميركية، وبينهم المئات من البيئة المناصرة لـ"حزب الله" إلى الولايات المتحدة، وهذا يعني أن أميركا لا تميز بين مواطن وآخر.

من ناحية أخرى صعّدت إدارة ترمب موقفها من النظام الإيراني، بالتالي من "حزب الله "خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بما فيها مواجهة ميليشيات طهران في العراق، وبينها "كتائب حزب الله" الرديف العراقي لـ"حزب الله" اللبناني، ووصلت هذه المواجهات إلى حد قيام أميركا بتنفيذ عمليات ضد مواقع هذه الميليشيات، وأدى ذلك إلى عملية قتل قائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني.

 

اتجاه الجالية اللبنانية

الاتجاه العام للجالية اللبنانية في أميركا، ومنذ ثلاثين عاماً، كان ينتقد تصرفات "حزب الله" في لبنان وتحالفه مع النظام السوري عندما قمع اللبنانيين بين عامي 1990 و2005، وكان ملحوظاً وجود جهد كبير من قبل الجالية أدى بين عامي 2003 و2005 إلى صدور قرارات قوية من الكونغرس، كالقرار 1559 الشهير الذي طالب بانسحاب سوريا من لبنان. وقد التحمت مواقف الجالية اللبنانية الحاضرة بشكل كبير في السياسة والاقتصاد في أميركا مع موقف "قوى 14 آذار"، ما ساعد في تمكين إدارة الرئيس جورج بوش الابن والرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك من فرض الانسحاب السوري.

ومن المعروف أن الأكثرية الساحقة من الجالية اللبنانية تقف ضد نفوذ "حزب الله" وتعمل مع أعضاء الكونغرس بشكل مستمر لتطبيق القرارات الدولية بما فيها 1559، ووقفت بشكل علني مع حملة الرئيس دونالد ترمب الانتخابية، ما أدى إلى وجود حالة من الدعم للبنان في البيت الأبيض ترجمت إلى أمرين: الاستمرار في دعم الجيش اللبناني، وتصعيد العقوبات على "حزب الله".

 

صفعة بحق الجالية

وجاءت حادثة الفاخوري كامتحان لهذه المواجهة بين "حزب الله" والجالية اللبنانية وسياسة الرئيس ترمب، وبناء على التقارير المتوافرة هناك من أقنع عامر فاخوري في لبنان، يقال إنها جهات رسمية، لزيارة بلده الأم بعد عشرين عاماً من الغياب، وتم تأمين وجوده هناك على أساس دخوله كمواطن أميركي، ولكن تم اعتقاله وتوقيفه. وبحسب العارفين فالجهة التي أوقفته تابعة للدولة اللبنانية وبناء على طلب من "حزب الله"، حيث زُج في السجن لستة أشهر، من دون أن يكون هناك جواب للسلطات الأميركية التي طالبت باسترجاع مواطنها مراراً وتكراراً.

في أميركا قامت عائلة فاخوري بالتواصل مع أعضاء في مجلس الشيوخ، ومنهم السناتور جين شاهين التي تحركت باتجاه البيت الأبيض بمساعدة السناتور تيد كروز، وأدى هذا التحرك إلى إقناع الرئيس ترمب عبر مجلس الأمن القومي بتوجيه رسالة قوية للحكومة اللبنانية من أجل تحريره وإعادته إلى بلده، ومشروع القانون الذي تقدمت به شاهين وكروز ينص على قطع المساعدات عن الدولة اللبنانية، ومعاقبة كل من تسبب بتوقيف فاخوري وسحب تأشيرة الدخول إلى أميركا منهم. الموقف الأميركي لا يتعلق بالحرب الأهلية والجهة التي انتمى إليها فاخوري، بل له علاقة بجنسيته، لا سيما في إطار المعادلة القائمة على عدم القبول بالمس بأي مواطن أميركي. وجدير بالذكر أنه عند قيام ميليشيات "حزب الله" بقصف قاعدة أميركية، ومقتل متعاقد، ثم التعرض للسفارة في بغداد، ردت واشنطن بضربة طالت قائد جميع الميليشيات الإيرانية في الشرق الأوسط. بالتالي فهي لن تغير سياستها إذا كان هذا المواطن من أصل لبناني وتم اعتقاله من قبل سلطة لبنانية محسوبة على "حزب الله".

 

حرب "حزب الله" على الجالية تصطدم بترامب

خطأ "حزب الله" استمراره في عدائه الأيديولوجي والعقائدي تجاه عدد كبير من المواطنين اللبنانيين، تحول بعضهم إلى مواطنين أميركيين وينعتهم بالعملاء، بينما هم كانوا أعداء ميدانيين له. وهنا يُطبق القانون الدولي بشكل مختلف، حيث كان عضواً في قوة عسكرية يعمل تحت علم ما ولو كان معادياً تجري معاملته كعضو في قوة معادية، ولكن بعد حل القوة لا يمكن اعتباره عميلاً حالياً، وفاخوري اليوم هو مواطن أميركي تحميه بلاده.

الأهم من ذلك أن معاداة "حزب الله" لمواطنين لبنانيين لا يشاطرونه الرأي السياسي نفسه، أدت إلى أعظم وأكبر من ملف فاخوري. وأهم ما أدت إليه اغتيال رئيس حكومة سابق، ونواب وقيادات في الجيش ومواطنين عاديين. ومعاداة "حزب الله" لكل معارضيه امتدت لتشمل الاغتراب اللبناني وأعضاء في الجالية اللبنانية في أميركا الممثلة في أعلى مستويات الدولة الأميركية، من الحكومة إلى الجسم الدبلوماسي، والكونغرس، وكأن "حزب الله" عبر ملف فاخوري خرق خطاً أحمر مع هذه الجالية ودفع بالإدارة إلى وضع ضغط كبير على المؤسسات اللبنانية، وهنا تم اكتشاف نقطة ضعف ضد "حزب الله"، وهي إذا وضعت واشنطن عقوبات على المؤسسات اللبنانية حماية لأحد مواطنيها، فإن ذلك سيضعف أحد أهم دفاعات "حزب الله" داخل لبنان، وهذه المؤسسات لا يمكن أن تتحمل ضغطاً أميركياً حماية لـ"حزب الله"، وهي من طلبت من الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله القبول بإعادة هذا المواطن إلى وطنه، وتراجع "الحزب" عن فلسفته العقائدية التي اعتمدها منذ عشرات السنين لأن الواقع قد تغير في واشنطن. ملف فاخوري انتهى بشكل مقبول بعد عودته إلى عائلته، غير أن ذلك يفتح ملف علاقة "حزب الله" بالمواطنين اللبنانيين في الداخل، والانتشار خصوصاً في أميركا، وعليه أن يعي أن اللبنانيين المنتشرين في العالم ليسوا نعاجاً يسوقهم باتجاه قضاياه العقائدية، فهذا الحزب عبر قضية فاخوري يعود إلى حجمه الطبيعي كجزء من التركيبة اللبنانية، وليس حاكماً مطلقاً له السلطة الكاملة على رقاب اللبنانيين. حروب لبنان بين الميليشيات انتهت. الحرب مع المنظمات الفلسطينية انتهت. الحروب مع الاحتلالين السوري والإسرائيلي انتهت. ما لم ينته هي حرب "حزب الله" العبثية الأبدية مع سائر البشر.

المزيد من آراء