Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أم لبنانية تستغل فترة الحجر الصحي لتعلم ابنتيها فن الكروشيه

تأمل في أن يشكل الحجر المنزلي فرصة لسيدات لبنان لإحياء هذه الحرفة

الوالدة ديانا نجم التي حوّلت البيت إلى واحة لتعليم فن الكروشيه (اندبندنت عربية)

مسرعةً تمضي أيام جوانا وإيفانا في الحجر المنزلي، فهي ليست كباقي أيام الدراسة مُجهدة ومتعبة. كل الفضل إلى الوالدة ديانا نجم التي حوّلت البيت إلى واحة لتعليم فن الكروشيه في جو من التحدي والتشويق، خلال العطلة القسرية وإقفال المدارس.

تقدّم جهود ديانا مع ابنتيها نموذجاً لكيفية تعاطي الأمهات في زمن الكورونا، من خلال تنمية المواهب الكامنة داخلهما وإشغالهما عن أجواء الملل والتوتر أوالضغط النفسي التي تعيشها البلاد، وتعليمهما نشاطات مفيدة ومحرِّكة للمخيلة.

في الأيام القليلة الماضية، غرزت إيفانا أولى غرزاتها على لوحة من القماش الأخضر الخام، وأنجزت درساً في التطريز، لتحفره في ذاكرتها. حملت اللوحة الأولى لابنة الأربع سنوات كثيراً من البراءة وأحلام الطفولة، فهي أقصت عن دائرة اهتمامها أخبار الكورونا، وأحلّت مكانها الزهور والفراشات. وتطمح إيفانا إلى أن تتقدم وتتمكّن من تطريز حقيبة نسائية في شهر سبتمبر (أيلول) عندما تبلغ الخمس سنوات. كما لم تتأخر شقيقتها عن تقليدها، وسارعت إلى تقشيش الكرسي المنزلي للتعبير عن رغبتها في تعلّم الكروشيه وعدم البقاء أسيرة الألعاب الإلكترونية.


حرفة دقيقة

تحتاج صناعة الكروشيه إلى كثير من الدقة والتقنيات والوقت، فلا يمكن إنجازها من دون قياس السنارة الملائم والخيط المناسب من أكريليك أو قطن. تشير ديانا إلى أن لكل قطعة خيطاً مختلفاً، فما يُستعمل لأغطية الطاولة لا يلائم الخواتم والأساور وحلقات الآذان والملابس، وهكذا دواليك.

تفضّل ديانا العمل بسنارة واحدة وليس سنارتين، لأنها تُبدع بالكروشيه أكثر منه بالتريكو. وتغوص في الحديث عن القُطب والأشكال والتصاميم. وتنصح من يُريد أن يتعلم بسرعة اللجوء إلى اليوتيوب، فهو يوفر منصة للاطّلاع على الكروشيه من جميع أنحاء العالم. وتأمل في أن يشكل الحجر المنزلي فرصة لسيدات لبنان لإحياء هذه الحرفة على غرار مصر وأوروبا. فعندما زارت اليونان، فوجئت بوجود متاجر للكروشيه في جزر بعيدة.

عانت ديانا بادئ الأمر للحصول على المواد الأولية للكروشيه في لبنان، وبدأت تتنقل بين المدن للحصول على خيوط. وتتذكّر السعادة التي غمرتها عندما قصدت مع والدتها متجراً في بيروت، كانت تشتري الوالدة منه الخيوط. وعندما زارت طرابلس، جذبتها محال الخيوط والصوف، ونما عندها هوس بشراء أدوات الكروشيه.


هدايا من روح أنثى

يحتل الكروشيه مكانة كبيرة في حياة ديانا، فهي لم تعُد تُهدي أصدقاءها ومعلمات بناتها وأصدقائهن في المدرسة إلاّ ممّا هي تحيكه. أسهم هذا الأمر في دفعها إلى تنويع إبداعاتها، من الحقائب، إلى سلل المناشف واللوحات والملابس وحمّالات المفاتيح وغيرها.

أصبح اسم ديانا لامعاً في أوساط أصدقائها ومحيطها، ولكنها لا تطمع لاستغلال ذلك في التجارة، لأنها معلمة أولاً، كما أنها تُفضل أن تعبّر عن حبها بهدايا أنيقة وجميلة كتلك التي تصنعها. وأنشأت صفحة على فيسبوك لنشر صور منتجاتها وتصاميمها وليس بهدف البيع.

يعبّر كثيرون عن إعجابهم بقطع ديانا، ويطلبون منها صناعة شيء مماثل، إلاّ أنّها ترفض تقاضي المال وتفضّل تقديمها هدايا لأنها "هواية وتضع فيها من ذاتها ما ليس للبيع، وقيمتها وقت وجهد كبيران". ولا تخفي صاحبة محترف ديانا أنها تحتفظ ببعض القطع التي تنتجها، لأنها استنفدت كثيراً من الجهد والتعب كالحقائب.

غيّرت تجربة ديانا نظرة كثيرين من رفاقها وطلابها إلى المرأة العاملة وفن الكروشيه التقليدي، وهم يسألونها باستمرار عن نجاحها في تأمين التوازن بين مختلف نشاطاتها، من التعليم الثانوي إلى رعاية الأطفال والعائلة، إلى نسج الكروشيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


موهبة متوارثة

تختصر لوحات الكروشيه التي تخيطها ديانا تاريخها وتاريخ عائلتها، فهذا الفن يدخل في جميع تفاصيلها ويحضر في جميع مناسباتها. لا تتأخر في تعديل أي تصميم أو قطعة ملابس أو طعام، لتُدخل إليها بعضاً من حبها وخيالها.

تعتقد ديانا أن شغفها بالكروشيه من جيناتها العائلية، فهي ورثتها عن جدها الذي كان يعمل خياطاً رجالياً، ويملك واحداً من أشهر محال وسط بيروت في القرن الماضي. وجدتها ووالدتها شجّعتاها منذ كانت طفلة على تعلّم الكروشيه، فهما منحتاها أفضل أداة لملء أوقات الفراغ وتصنيع أغراضها من منظورها الخاص.

تعود ديانا إلى ذاكرة الحرب اللبنانية، ففي عمر السبع سنوات، بدأت خطواتها الأولى عندما كانت تجلس وسط الفتيات اللواتي يكبرنها في السن، إذ كُنّ يصنعن أغطية الأسرّة من نسج خيوط الصوف. في أحد الأيام، قررت أن تبدأ المغامرة، فأحضرت أرفع سنارة لدى أمها والخيوط الصوفية السميكة غير المناسبة لها، وراحت الفتاة الشقراء الحالمة تلفّ الخيوط وتكرّر الخطوات التي تراها سابقاً.

كانت ديانا تهرب من أصوات القذائف والخوف إلى السنارة والخيط. وصارت تتعلّق بها أكثر فأكثر، وتؤكد أنه لا يمكنها التوقف عن تحريك أصابعها ويديها، وصولاً إلى الرسم على دفاتر الصف لأنه لا يمكنها التوقف عن الشغل ومجاراة التفاعل بين الخيط والسنارة.

لم تكن ديانا تستطيع الذهاب لشراء الخيطان بسبب الأوضاع الأمنية، فكانت تستعيرها من جدتها وتستخدم ما بقي عن أمها لتطرّز الحقائب وأغطية الطاولات. وتُخرج من داخلها الطاقة والضغط النفسي.

تنطلق ديانا التي أصبحت أستاذة للفلسفة من تجربتها لتنصح كل شخص يُعاني من ضغوط الحياة باللجوء إلى الفن. ففي ظل الصعوبات التي يُعانيها المواطن، يحتاج إلى نشاطات تنمّي ملكة الإبداع لديه، وتطوّر مواهبه وتسكّن روحه المثقلة بالهموم والتحديات اليومية.  

المزيد من منوعات