بعد مطالبات شعبية واسعة تبنّاها نشطاء وأطباء، أغلقت الحكومة اليمنية الشرعية، أسواق القات في جميع المحافظات المحررة، ابتداءً من أمس الخميس، ضمن الإجراءات الاحترازية من فيروس "كورونا" المستجد الذي لم يثبت تسجيل أي إصابة به في اليمن حتى الآن.
وقالت وزارة الصحة اليمنية، في بيان، "القرار يأتي استناداً إلى الاجتماع الطارئ برئاسة رئيس الوزراء، وتوصيات اللجنة الوطنية للطوارئ".
تفعيل أمني ورقابة مستمرة
غير أن قرار الإغلاق بدا أنه لم يرقَ لمتعاطي القات في عدن، الذين توافدوا على أسواقه كما جرت العادة.
يقول، مجاهد ناصر، أحد أبناء عدن الذي خرج للتو من إحدى أسواق القات، "القرار يحتاج إلى تفعيل أمني ورقابة مستمرة لتنفيذه"، معللاً عدم الامتثال إلى قرار المنع من قِبل المواطنين، بحالة "الانقسام الذي تشهده عدن بين الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية، وتشتت المهام والواجبات الخدمية".
ويرى مجاهد، أن "المواطن والبائع سيمتنعان فعلياً في حال إعلان أول إصابة حقيقية بالفيروس الذي لم يصل إلى اليمن بعدُ، لأن الخوف من العدوى هو السبيل لإغلاق أسواق القات".
من جانبها نفت حكومة الإنقاذ التابعة للحوثيين ما يشاع حول إصدار قرار بإغلاق أسواق القات كإجراء احترازي لمواجهة "كورونا".
وقال متحدث وزارة الصحة يوسف الحاضري، في تصريحات صحافية، "حتى اللحظة لا توجد أي توجهات لدى الوزارة بإغلاق الأسواق الخاصة ببيع القات".
والقات نبتة صنفتها منظمة الصحة العالمية عقاراً ضاراً من الممكن أن يتسبب في حالة خفيفة أو متوسطة من الإدمان، ويتعاطاها نحو 90 في المئة من اليمنيين، معظمهم من الرجال وبعض النساء، من مختلف الأعمار.
حملة إعلامية
وكان ناشطون وإعلاميون وأطباء ومثقفون، أطلقوا حملة إلكترونية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حملت وسم "#معا_لاغلاق_اسواق_القات"، طالبت حكومتي الانقلاب في صنعاء، والشرعية في عدن، بإغلاق أسواق القات كإجراء احترازي للحد من انتشار "كورونا"، نظراً إلى ازدحامها الشديد وانتشارها الواسع النطاق في كل مناطق ومدن وقرى وأحياء اليمن.
الناشطون الذين أطلقوا الحملة عقب قرارات حكومية بتعليق الدراسة في المدارس والجامعات وإغلاق المنافذ ومنع التجمعات، أكدوا أنّ أسواق القات تعد بيئة خصبة جداً لانتشار عدوى الفيروس المستجد، في حال ظهوره باليمن، كونها أشد خطراً على المواطنين من المدارس والوظائف وغيرها.
ضرورة ملحة
تقول هالة العولقي، أحد أبرز الناشطات اليمنيات في حملة التوعية الاحترازية من فيروس كورونا، "إغلاق أماكن التجمّعات السكانية بات ضرورة أخلاقية ووطنية وصحية عاجلة للحيلولة من دون انتقال الوباء إلى اليمن".
وتضيف لـ"اندبندنت عربية"، "الوضع الصحي في بلدنا هشّ للغاية، وظهور الفيروس كارثة تضاف إلى الكوارث التي سببتها الحرب، ولهذا فإغلاق مواقع التجمعات وفي مقدمتها أسواق القات ضرورة ملحة غير قابلة التأجيل".
وتنصح العولقي متعاطي القات في اليمن "باتخاذ إغلاق أسواقه فرصةً للإقلاع عن هذه العادة السيئة، التي أضرّت بالصحة العامة، فضلاً عن أضرارها الكارثية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي للبلد".
ويترقّب اليمنيون قرارات إغلاق أسواق القات بهواجس قلقة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، نظراً لعدم استغنائهم، عن نبتتهم المفضلة.
ولهذا، فإنه في حال جرى سريان قرار إغلاق أسواق القات في اليمن، فسيكون الإجراء هو الأول من نوعه في تاريخ البلاد الذي لم تفلح الحروب ولا المجاعات والأزمات الاقتصادية والسياسية في إغلاقها ولا ليوم واحد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من كون الإجراءات تستهدف منع التجمعات درءاً لانتشار العدوى المحتملة للفيروس، فإنّ القلق بات يساور اليمنيين خشية عدم حصولهم على نبتتهم المفضلة التي يبدؤون تعاطيها عقب ظهيرة كل يوم في مجالس يتجمّع فيها الأقرباء والأصدقاء حتى باتت عادة اجتماعية يومية.
ولهذا، دفع الأمر مئات تجّار القات في اليمن لإعلان توفير خدمة التوصيل إلى المنازل "ديلفري" مع فرض رسوم محددة على الخدمة الجديدة!
خدمة التوصيل
يقول يحيى بهيش، تاجر قات، إنه في حال أغلقت الأسواق، فإن لديه عدداً من الموظفين الذين "سيقومون بمهمة توصيل القات للزبائن بسيارة متنقلة".
وأفاد خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أنّ خدمة التوصيل "ستعمل على مدار الساعة لتغطية طلبات الزبائن مع فرض رسوم محددة مقابل خدمة التوصيل حسب المسافة".
ويرى فخري محمد، أحد متعاطي القات، أن منع دخول القات الأسواق "فرصة للابتعاد عن تعاطيه"، مؤكداً أنه "مضر بالصحة، ومكلّف مادياً في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد".
وانتشار تعاطي القات على هذا النحو في اليمن، تسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية في البلد الذي يعاني نسبة كبيرة في الفقر والبطالة، وكان حسب منظمات اجتماعية مختصة، يقف سبباً رئيساً وراء معظم المشكلات العائلية.
وفي صورة تجسّد ما يشبه حالة الإدمان التي تربط كثيراً من اليمنيين بهذه النبتة، يقول خالد عبد الله، 44 عاماً، "من المستحيل أن أقضي يومي بلا قات". مضيفاً "في حال أغلقت الأسواق، فلدي الاستعداد لقطع مسافة 30 كيلومتراً للوصول إلى أقرب مزرعة للحصول على احتياجي اليومي منه، وسنتحدى (كورونا) أن يمنعنا منه".