Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عدوى"… الفيلم الاميركي الذي استبق بالوقائع وباء كورونا 

بعد 9 سنوات على عرضه... يتصدر الان قائمة الاكثر مشاهدة

"عدوى" فيلم اميركي استبق الكورونا قبل 9 سنوات (اندبندنت عربية) 

بعد تفشّي وباء الكورونا الذي أصاب إلى الآن أكثر من 250 ألف شخص حول العالم، استيقظ محبّو السينما على فيلم "رؤيوي" كان تنبأ بما يحصل الآن، قبل تسع سنوات من حدوثه. هذا الفيلم عنوانه "عدوى" وأخرجه الأميركي ستيفن سادربرغ في العام 2011 وعُرِض في مهرجان البندقية. لا يمكن القول إنه مر مرور الكرام وقتذاك، لكن من المؤكد أنه لم ينل ما كان يهدف إليه من انتشار، بعدما اعتبره المشاهدون فيلماً عادياً كغيره من الأفلام، على الرغم من الآراء الإيجابية التي استقبل بها. اليوم، بعد تفشّي وباء الكورونا في زمن وسائط التواصل الاجتماعي وتناقل الأخبار بسرعة شديدة، يعود الفيلم إلى الواجهة، بعدما كان طواه النسيان. 

هذا الاهتمام بفيلم مر على إنتاجه وعرضه نحو عقد من الزمن، سببه الأول هو التطابق بين الأحداث التي صوّرها وما يشهده العالم حالياً من انتقال لعدوى الكورونا من شخص إلى شخص، ومن بلد إلى بلد. الأمر الذي دفع الكثيرين إلى اعتبار مخرجه وكاتب نصّه صاحبي "تنبؤ". نتيجة هذا الاهتمام، تربّع الفيلم فجأةً على عرش أكثر الأفلام مشاهدةً عبر بعض منصّات العرض، منافساً أعمالاً مثل "بارازيت" خرجت حديثاً إلى الصالات. تصدّر الفيلم قائمة المشاهدات الأكثر شعبيةً على "أمازون برايم" و"غوغل بلاي"، وقد استخدمه بعضهم لدقّ ناقوس الخطر وإثارة البلبلة، حتى أنهم طالبوا بأن يكون متوافراً بالمجان ليشاهده أكبر عدد ممكن من الناس.    

الفيلم من تأليف سكوت برنز، الرجل الذي كان وضع سيناريو أحد أجزاء سلسلة العميل السري جايسون بورن. أما التمثيل فاستعان من أجله سادبرغ بباقة من أهم الأسماء: ماريون كوتيار، مات دايمون، لورانس فيشبرن، جود لو، غوينيث بالترو، كايت وينسلت، وغيرهم. انطلق أصحاب المبادرة من فكرة أن السينما لطالما صوّرت الأوبئة في الأزمنة القديمة، ولكن قلما نعرف شيئاً عن النحو الذي يتعامل معها العالم الحديث في حال انتشارها الآن وهنا، في زمن التكنولوجيا والفضاء المفتوح وتحوّل الكرة الأرضية إلى قرية كونية. 

مثيل كوفيد 19 

تدور الأحداث حول فيروس يسرح ويمرح في الأجواء ويحدث ذعراً، مخلّفاً ضحايا أينما مرّ وحيثما أصيب به الناس. الفيروس تماماً مثل كوفيد 19 ينتقل من شخص إلى آخر عبر العطس والسعال ولمس الأسطح ثم وضع اليد على الوجه. ما إن يتغلغل في جسد الإنسان حتى تدقّ ساعة الموت. لا يستغرق الأمر أكثر من بضعة أيام. في حين يزداد عدد الضحايا في سائر أنحاء العالم مفتعلاً هلعاً غير مسبوق، يحاول العلماء إيجاد لقاح للوباء الذي ينتشر بسرعة قياسية. يعمل هؤلاء في سباق مع الزمن للعثور على علاج. أما الناس من ذوي المناعة الضعيفة المعرضين للفيروس فينتظرون في غياب أي خطة أو توجيهات. 

تبدأ حوادث الفيلم مع سيدة تلتقي في شيكاغو بعشيق سابق لها في طريق عودتها من رحلة عمل في هونغ كونغ، لممارسة الجنس معه. لا يمر يومان حتى تقع أرضاً وهي في منزل أهلها. يحملها زوجها إلى المستشفى حيث تفارق الحياة. فور عودته إلى المنزل، يكتشف الزوج ان ابن زوجته السابقة توفي بالمرض نفسه. يتم عزله لفترة ثم يعود إلى عائلته بعد التأكد من حالته. في الوقت نفسه، في اتلانتا، يجتمع كبار ممثّلي وزارة الأمن الداخلي بالدكتور أليس شيفر الذي يعمل في مركز مكافحة الأمراض. يخشى الطرفان من أن يكون المرض سلاحاً كيميائياً هدفه إثارة الرعب خلال ويك آند عيد الشكر. شيئاً فشيئاً، تصبح مدينة شيكاغو كلها حجراً صحياً، وتسودها حالة من العنف، قبل أن يؤكد الخبراء أن الفيروس مكون من مزيج من مواد جينية تنتمي إلى الخنازير والخفافيش. جهود كبيرة تُبذَل لإيجاد علاج، ولكن هناك صعوبة في تحديد الخلايا التي يجب العمل عليها. فيصبح الفيروس موضوع تجاذب بين علماء ينتمون إلى مدارس مختلفة في الوقاية. بعضهم يؤكد أن في المستقبل القريب 1 من أصل 12 شخصاً يعيشون في العالم سيموت بسبب الفيروس القاتل، وأن معدّل الوفاة سيصل إلى 30 في المئة. 

مَن يشاهد الفيلم يعتقد لوهلة أنه يتحدّث عن وباء كورونا. ولكن الحقيقة في مكان آخر: لقد استلهم كاتب السيناريو سكوت برنز الذي أجرى بحوثاً لأشهر عديدة في علوم الجائحة، من فيروس سارس الذي تفشّى بدايةً في بيجينغ في العام 2003 وراح يهدد العالم بأسره في الأشهر التالية. وبما ان معظم الأوبئة تتشابه في طريقة انتشارها، من الطبيعي أن يشعر المُشاهد بوحدة حال بين سارس وكورونا. علماً أن السينما الأميركية، خصوصاً الهوليوودية منها، بلورت على مر تاريخها هاجس العدو الخارجي الذي يهدد البشرية، فيوظف الجميع، سلطةً وشعباً، الإمكانات للتغلب عليه. وغالباً يتحوّل الصراع إلى صراع بين الخير والشر، يتكلّف خلاله الأميركيون مهمة إنقاذ العالم من الخطر الذي يهدده. فيلم "عدوى" يأتي في هذا الإطار بعض الشيء، لكنه صيغ بأسلوب علمي وواقعي بعيداً من البطولات، إلا أنه يخدم منطق فيلم التشويق في نهاية المطاف، بحيث أنه لا يمكن أخذ كلّ شيء فيه على محمل الجد، على الرغم من أن الهدف منه ليس فقط الترفيه، بل خلق حالة من الوعي عند المُشاهد.

في حالة مثل فيلم "عدوى"، تُستعاد المقولة التي تدّعي أن الحياة تقلّد الفن أحياناً، إذ ينسى الناس أنه في الأساس مستوحى من الواقع. الخطورة تكمن في تصديق الشقّ الخيالي في الفيلم: بعض المعجبين به مقتنعون، على سبيل المثل، بأن ما نراه في "عدوى" هو الذي سيحصل في الحياة مع تفشّي كورونا. وأن بعض أصحاب الشأن في مراكز القرار يخفون معلومات قيمة على الناس. العديد من نظريات المؤامرة تعشش في مخيلة هؤلاء والفيلم يغذّيها ويعطيها مشروعية. 

في نهاية "عدوى"، تسود الفوضى العالم، بعدما بات الفيروس يهدد حياة الملايين في زمن العولمة، حيث أنه لا يحتاج إلى أكثر من ساعات لينتقل من هونغ كونغ إلى شيكاغو. وهذا ما نعيشه الآن، جملةً وتفصيلاً. إلا أن أكثر نقطة يتقاطع فيها الفيلم مع ما يحدث الآن، هي الخوف الذي يزرعه الوباء في قلوب الناس. الشيء الذي يقاربه كاتب السيناريو سكوت برنز بحذر شديد. ففي مقابلة يقول إنه بقدر ما هو سعيد بأن الفيلم يخلق الوعي، بالقدر ذاته يخشى التأثيرات السلبية للهلع، ذلك أنه يساعد في نشر الأخبار الكاذبة وتصاعد حدة التوتر بين الدول ونفاد المواد الأولية.  "لا شيء ينتشر كالخوف"… هذا ما يقوله لنا "عدوى". وهذا خطاب يتجاوز أي وباء حالي أو سابق. 

 

المزيد من سينما