من أزمة نقص في الموظفين ووظائف كثيرة قبل شهرين فقط إلى أزمة بطالة اليوم وخسائر للوظائف بالجملة. هنا أميركا، كل شيء تغير بين يوم وليلة. حتى بداية هذه السنة، كانت البطالة الأميركية تقارب 3 في المئة، وهي أدنى بطالة منذ 50 عاماً. وكانت البورصات تعيش أوج أيامها والاقتصاد ينمو سنوياً لفترة 10 سنوات من الصعود المستمر. ثم فجأة جاء فيروس كورونا، ليحول كل التفاؤل الاقتصادي إلى مأساة في توقيف الأعمال والمصانع، كبيرة كانت أم صغيرة، وسط خسائر يومية في البورصات الأميركية، تعبر بشكل واضح عن عمق الأزمة، حيث يبيع المستثمرون كل الأسهم وبأرخص الأسعار، لأن لا أحد يعلم متى ستنتهي هذه الأزمة وكيف ستخرج الشركات منها؟.
خوف من الطرد
تشعر سريعاً بحجم القلق والخوف في وجوه الموظفين والعاملين الذين يعملون في المتاجر القليلة المستمرة في خدمة الحاجات اليومية للناس كالمطاعم والسوبرماركت ومحطات البنزين. فهؤلاء وغيرهم كثيرون ممن يعملون في المنزل أو الذين مازالوا ملزمين بالعمل في المكاتب، يعيشون تناقضاً مخيفاً بين الموت من الفيروس أو الموت من الفقر في حالة إنهاء خدماتهم أو إغلاق شركاتهم ومصانعهم، وكل ذلك أصبح وارداً الآن.
وبالأمس ارتفع عدد الأميركيين المتقدمين بطلبات للحصول على إعانة البطالة إلى أعلى مستوى في عامين ونصف العام الأسبوع الماضي، مما يشير إلى زيادة في تسريح العاملين في ظل تداعي النشاط الاقتصادي بسبب وباء فيروس "كورونا" بحسب بيان لوزارة العمل الأميركية نقلته "رويترز".
خسائر البورصات بالمليارات
في البورصة كانت الصورة الأكثر وضوحاً مع خسارة مؤشر "داو جونز" الصناعي، الذي يقيس الشركات الصناعية بشكل رئيس نحو 9500 نقطة في شهر واحد ليبلغ أمس نحو 20 ألف نقطة، أو نحو 30 في المئة من الخسائر، ماحياً نحو 3 سنوات من الارتفاعات.
كل المؤشرات الرئيسة الأخرى هوت بنسب مقاربة، ما يعني تبخر مليارات الدولارات من قيمة الأسهم التي تملكها الناس والشركات في البورصات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الفيروس السريع الانتشار
والمشكلة الأكبر أن هذا السيناريو مستمر الى أن تتم معالجة الفيروس، لأن المشكلة أن انتشاره سريع ويحتاج الى تعطيل الحياة عبر عزل الناس للتخلص منه، على الطريقة الصينية في عزل مدينة ووهان ذات الـ60 مليون نسمة، وهو أمر شبه مستحيل في الولايات المتحدة الأميركية المكونة من 50 ولاية تمتد على مساحة 10 ملايين كم مربع، وقد أصاب الفيروس كل الولايات تقريبا، والأكثر تضرراً هي الولايات الكبيرة والغنية مثل كاليفورنيا ونيويورك وواشنطن وغيرها.
ومع أن الإدارة الأميركية اتخذت إجراءات بإغلاق الأماكن العامة ومنع التجمعات البشرية، فإن الفيروس يزداد يومياً، ويهوي بالاقتصاد أكثر فأكثر.
توقف المصانع والشركات
وبالأمس أوقف أكبر مصنعي السيارات الأميركيين، جنرال موتورز وفورد وفيات كرايسلر، إنتاجهم في أميركا الشمالية نحو أسبوعين.
ومع أن كثيراً من موظفي الشركات أصبحوا يعملون من المنزل فإن الأزمة فعلياً تضرب الصناعات والمعامل، ودفع ذلك لتدخل الإدارة الأميركية لتوفير 50 مليار دولار للأزمة.
كما تدخل البنك المركزي الأميركي لضخ مليارات الدولارات لتوفير السيولة القصيرة الأجل للأسواق، ومنع سقوط البنوك في أزمة شح السيولة بسبب سحب الناس السريع للأموال وتسييلهم للأسهم في البورصات.
كما اتخذ "المركزي" قراراً مفاجئاً وجريئاً، الأحد الماضي، عندما خفض أسعار الفائدة إلى ما بين صفر و0.25 في المئة، وجاء القرار بعدما شهدت البورصات الأسبوع الماضي أكبر انهيارات منذ أزمة الاثنين الأسود في عام 1987. وأعطى إشارة للمستثمرين أن الأوضاع السيئة للغاية دفعت المركزي لاتخاذ هذا القرار الجريء بجعل الفائدة صفرية.
أزمة ركود
وتتجه كل المؤشرات الآن نحو أزمة حادة قد تصل حد الركود الاقتصادي في أميركا كما في العالم. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمس، من ركود عالمي "شبه حتمي" ومن أن الاستجابات الوطنية لجائحة فيروس كورونا "لن تعالج النطاق العالمي للأزمة وتعقداتها".
وتجري وكالة التصنيفات الائتمانية "موديز" مراجعة عالمية لتصنيفاتها للشركات في ضوء فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط، إذ من المتوقع صدور أول موجة جماعية من خفض التصنيفات أو تحذيرات الخفض خلال الأيام المقبلة.
وقال اثنان من كبار محللي الشركة لـ"رويترز" إنها بدأت العملية بالفعل في عدد من أشد القطاعات تضرراً مثل الطيران والملاحة وشركات النفط، لكن الخطوات بصدد تسارع مطرد.
الطيران... الوضع السيئ
وأسوأ الأوضاع الاقتصادية اليوم هي في قطاعات الطيران حيث تعطلت السياحة وأغلقت المطارات وامتنع الناس عن السفر، لدرجة أن البعض يستعرض على وسائل التواصل الاجتماعي أسعار تذاكر السفر التي بلغت نحو 10 دولارات فقط للسفر من ولاية الى أخرى بمسافة نحو ساعتين.
وتحتاج شركات الطيران الأميركية الرئيسة نحو 50 مليار دولار كدعم حكومي بحسب ما نقلته "رويترز" عن اتحاد "ايرلاينز فور أميركا" الذي يمثل شركات "أميركان إيرلاينز" و"يونايتد إيرلاينز" و"دلتا اير لاينز" و"ساوث-وست إيرلاينز" وأخرى.
ويقول الاتحاد إن القطاع بحاجة إلى 25 مليار دولار في صورة ضمانات ومثلها قروض، فضلاً عن إعفاءات ضريبية كبيرة لكي يستمر. وتقول الشركات إنها تريد إعفاءً ضريبياً بعشرات المليارات من الدولارات حتى نهاية 2021 على الأقل.