Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اتنين كفاية"... حملة مصرية وتحدٍ جديد لمواجهة الزيادة السكانية

التعليم وتصحيح الأفكار المغلوطة بالتوازي مع توفير وسائل تنظيم الأسرة على نطاق واسع... و"الإفتاء": تنظيم النسل لا تأباه نصوص الشريعة

ستة على "موتوسيكل"، وأربعة في غرفة، و12 في شقة، وعشرة ملايين في محافظة، و96.3 مليون نسمة، هو تعداد سكان مصر حتى عام 2018، وما تزال شكاوى البعض تتردد بشأن  ضيق الحال.

مغالطات

أحد المتضررين من ضغوط الحياة والفقر وتقلص الفرص وانعدام إمكانات صعود الهرم الاقتصادي، يدعى محمد حسين، 45 عاماً، عامل يومية مطحون،  مستاء من محاولات تقليل عدد المواليد، أو تدخل الحكومة المصرية والسيطرة على معدلات الإنجاب، أو فكرة الربط بين عدد الأولاد ومعدلات الفقر. إذ كيف يتم الربط بينهما و"الأولاد يأتون برزقهم"؟!

حسين الذي يشكو دخلاً متدنياً، ومطالبَ متضخمة، واحتياجات الأبناء، وشقة سكنية آخذة في الضيق تحت وطأة زيادة المواليد، لديه من الأبناء خمسة والسادس في الطريق. وكلما تطرق إلى الحديث عن الأبناء والبنات قال "بسم الله ما شاء الله" خوفاً من أن يحسده هذا، أو يستكثر عليه ذاك قبيلته الصغيرة.

زوجته معتلة الصحة، متضخمة البطن الحاملة للمولود السادس، تتحدث بكلام متناقض، يعكس نقمة شخصية على ما هي فيه، ويحمل في الوقت ذاته اضطراراً اجتماعياً، ربما لا يخلو من تأويل "ديني" على طريقة "المال والبنون زينة الحياة الدنيا".

"اتنين كفاية"

يد الحكومة المصرية بدأت تتدخل بالفعل، ولوحت بإصبعين فقط، في إشارة إلى حملة "اتنين كفاية"، و"على القدّ مكسب بجد"، وهما عنوانا البرنامج الذي يستهدف "فرملة" سباق المواليد، للحد من الزيادة السكانية التي تأكل الأخضر واليابس.

مصر تستطيع

على طاولة مستديرة عقدها "المركز المصري للدراسات الاقتصادية" قبل أيام في القاهرة، قال ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر "ألكساندر بوديروزو" إنه في الوضع المثالي يبلغ النمو الاقتصادي ضعف معدل نمو السكان، وأشار إلى أن مصر تمكنت من قبل في خفض معدلات الإنجاب من 5.2 طفل لكل سيدة إلى ثلاثة أطفال فقط، وأشار إلى أنه من الضروري أن ينصبّ التركيز الأكبر على التعليم، فهو حائط الصد لتقليص معدلات الزيادة السكانية.

أحد أسباب الزيادة السكانية لا يقتصر على ما أصاب التعليم من إهمال أدى إلى انهياره على مدى عقود سابقة، بل تمتد الأسباب، وربما ترتكز، إلى بعض التفسيرات الدينية المغلوطة.

دعاة التشدد

سنوات طويلة ودعاة التشدد والتفسيرات الدينية المغلوطة يستحوذون على فكر الملايين، لا سيما البسطاء، فـ"تنظيم الأسرة مؤامرة يهودية ضد المسلمين"، و"لا يجوز التدخل في عدد الأولاد الذين تُرزق بهم الأسرة المسلمة، بل يتوجب على الرجل والمرأة الحرص على المزيد من الذرية"، و"دوام التناسل من أعمدة الدين، ومن يتدخل في إيقاف أو تحديد الذرية آثم"، وغيرها كثير من العبارات والمقولات التي يلقي بها بعض دعاة التشدد على مسامع البسطاء عند سؤالهم عن تنظيم الأسرة، وتأتي الإجابات مدعومة بأحاديث منسوبة إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم )، وهو ما يدغدغ مشاعر السائل ويستهلك موارد الوطن.

تداعيات ارتفاع معدلات الإنجاب

وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور طارق شوقي قال لـ"اندبندنت عربية" إن مشكلات عدة تواجهها وزارة التربية والتعليم من الزيادة السكانية، بينها كثافة الفصول، وبالتبعية قدرة الطلاب على الاستيعاب".

وأضاف شوقي "على سبيل المثال لا الحصر، فإننا نحتاج 200 ألف فصل إضافي للتغلب على مشكلة الكثافات بتكلفة نحو 100 مليار جنيه مصري، مع العلم أن كل 30 ألف فصل يجرى بناؤها لعلاج الكثافة الزائدة الموجودة، يتآكل منها 20 ألف فصل تحت وطأة الزيادة السكانية المستمرة".

الاستمرارية الجاري الحديث عنها في مجال حملات التوعية، والدائر العمل بها في المشروعات القومية الكبرى التي تجرى في مصر من مدن وطرق وجسور وأنفاق وغيرها لن تجدي طالما السباق المحموم لإنجاب المزيد والمزيد مستمر، حيث الحل الفعلي الوحيد هو "اثنان كفاية".

معدلات الإنجاب المصرية أذهلت العالم

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دراسة علمية عنوانها "مؤشرات الخصوبة في مصر قبل وبعد ثورة يناير 2011، (المنشورة من قبل المكتبة العامة للعلوم في كاليفورنيا في عام 2018) تشير إلى أن معدلات الإنجاب بين النساء في مصر ارتفعت من ثلاثة أطفال لكل سيدة في عام 2008 إلى 3.5 طفل لكل سيدة في عام 2014.

الدارسة أرجعت هذه الزيادة في سنوات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي إلى عاملين رئيسيين هما: تدهور خدمات تنظيم الأسرة، وكذلك اتجاه العديد من الأسر إلى تزويج الفتيات.

يضاف إلى هذا صعود نجم الإسلام السياسي في عامي 2012 و2013 والذي أدى إلى إطلاق يد فتاوى تحريم تنظيم الأسرة وموقف وآراء وتحليلات تجميل إنجاب الأولاد دون تخطيط أو تروٍ.

تصويب المفاهيم

 

 وقبل أسابيع قليلة، وقف وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة يخطب في المصلين قائلاً إن تنظيم النسل قضية شرعية ووطنية، واصفًا الكثرة التي تستدعي المباهاة بتلك الكثرة النافعة القوية المنتجة التي لا يمكن أن تكون عالة على غيرها في طعامها وكسائها ودوائها".

وأضاف جمعة في خطبته أن "من مظاهر عدم الحفاظ على حق الطفل إكثار رب الأسرة من الإنجاب دون مراعاة لحالته المادية وظروفه الاجتماعية وحال زوجته الصحية بشكل يؤثر على تربية أطفاله، فلا يستطيع أن ينفق عليهم أو يعلمهم أو يحسن تربيتهم، فيصبحوا عبئا ثقيلا على المجتمع".

بدوره، أصدر مفتي الديار المصرية الدكتور شوقى علام فتوى تنص على "أن تنظيم النسل جائز شرعاً، وإنه يجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما".

وأشارت الفتوى المنشورة على موقع دار الإفتاء الرسمي إلى أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة والجائزة شرعاً، "وأن تنظيم النسل لا تأباه نصوص الشريعة وقواعدها قياساً على العزل الذي كان معمولاً به في عهد النبي".

العزل الذي كان معمولاً به في عهد النبي تطور وانتفع بروح العصر وتقنياته وإمكاناته، وخرج إلى شوراع المحروسة عبر عيادات متنقلة للصحة الإنجابية تجوب محافظات المرحلة الأولى العشر.

التضامن الاجتماعي تدعم "اتنين كفاية"

المتحدث الإعلامي باسم وزارة التضامن الاجتماعي الدكتور محمد العقبي قال لـ"اندبندنت عربية" إن وزارة التضامن الاجتماعي تؤسس وتمول 74 عيادة لتقديم خدمات تنظيم الأسرة مجاناً، وتتحمل وزارة الصحة الإشراف الفني واختيار الطبيبات والأطباء والطاقم الطبي.

وأضاف أن الوزارة تدعم هذا البرنامج بمبلغ 100 مليون جنيه مصري(5.72 مليون دولار أميركي) من صندوق دعم الجمعيات، وأوضح أن "اتنين كفاية" يعمل على محورين: التوعية عبر الاتصال المباشر مع المواطنات والمواطنين، وكذلك الخدمات التي تقدم للجميع. 

وأشار إلى أن إذاعة القرآن الكريم في الإذاعة المصرية تجهز برنامجاً يومياً يتضمن أسئلة وإجابات حول تنظيم الأسرة، بالإضافة إلى برامج تذاع في شهر رمضان المبارك تتعلق بالقضية نفسها.

وعقدت مصر العزم على معاودة مواجهة الزيادة السكانية، تارة بتوحد الوزارات ومنظمات المجتمع المدني، وأخرى بتوعية الفئات الأكثر إنجاباً والأعلى فقراً، وثالثة عبر حملات توعية من الباب للباب، ولوحات إعلانية تحذر من مخاطر ارتفاع معدلات الإنجاب كى يحقق المواطنون الاستفادة القصوى من خدمات التعليم والصحة وينعكس إيجابا على الأجيال المقبلة.

المزيد من تحقيقات ومطولات