Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الواتساب نجم عزلة الكورونا القسرية... تواصل وأكاذيب وفضائح

البقاء في البيت يشوبه ضجيج إعلامي... سقطت المذيعة التلفزيونية أرضاً فراجت الإشاعات

الواتساب في زمن الكورونا... بين التواصل والإشاعات (يوتيوب)

العزلة القسرية التي فرضها وباء الكورونا على الأفراد والجماعات في سبيل الوقاية من انتشار عدواه السريعة، لا تشبه بتاتاً العزلة الطوعية التي يختارها المرء بنفسه لأسباب نفسية أو روحية أو تأملية، والتي كثيراً ما قرأنا عنها في كتب الشعراء والحكماء والمتصوفة. عزلة الكورونا انقطاع عن التواصل البشري المباشر، الحسي أو الحواسي، وانعزال عن الآخرين في كونهم يمثلون خطراً محدقاً يحمل إليهم المرض أو الوباء. العزلة الطوعية استسلام لما تفترضه طقوسها من صمت وإصغاء وابتعاد شبه تام عن ضوضاء العالم وانصراف إلى الذات وشجونها الوجدانية وتجلياتها الماورائية. هذه العزلة باتت أصلاً نادرة في عصرنا ووقفاً على بضعة أشخاص ينسحبون من العالم بحثاً عن أقدارهم الشخصية.

عزلة الكورونا يمكن وصفها بالعزلة الصاخبة، المملوءة حركة وعملاً وتواصلاً إعلامياً وإلكترونياً و"تجاذباً لأطراف الحديث" الذي يتحول في أحيان ثرثرة غايتها قتل الوقت وقضاء ساعات النهار والليل. الخروج من عزلة المنزل بات قليلاً جداً وفرصة التنزه ضئيلة تماماً، وإن حصل وفتح شخص الباب وخرج فإنما لقضاء حاجات معيشية مثل التبضع من السوبرماركت أو شراء أدوية من الصيدليات أو خبز وخضار وفاكهة... ولئن بدا التجوال الفردي أو التنزه في مأمن أحياناً، لا سيما في شارع خال وعلى كورنيش مقفر، ففكرة الخروج نفسها لم تبق جذابة ولا مغرية، ما دام المتجول أو المتنزه يجد نفسه في حال من الوحدة الخارجية. طبعاً هناك أشخاص لا بد لهم من أن يخرجوا، كالأطباء والممرضين والشرطة أو الجنود والموظفين الذين لا يمكن الاستغناء عنهم في إدارات عامة وخاصة والعاملين في المرافق الحيوية التي يستحيل إغلاقها... أما كافة الناس فهم ملزمون بالبقاء داخل المنازل أو المقرات التي يقيمون فيها.

إنها عزلة غير سهلة، مفروضة فرضاً، شائكة ومشوبة بحال من الخوف والحذر والترقب. ماذا ننتظر؟ إلى متى سنبقى هكذا؟ متى نستعيد حريتنا؟ بل حياتنا؟  كان اللبنانيون (ومثلهم  السوريون والعراقيون وسواهم الآن) ينعزلون خلال الحرب اللبنانية في الملاجئ والبيوت الآمنة طوال أيام وأسابيع، لكنهم كانوا يخرجون بين هدنة وأخرى، يتنفسون هواء الحرية، غير خائفين ولا مذعورين من القذائف والرصاص. عزلة الحروب والمعارك تختلف كل الاختلاف عن عزلة الكورونا الآن. هذه العزلة تطبق علينا، فلا جدار نختبئ خلفه، ولا زاوية آمنة نلجأ إليها. كأننا نعيش حرباً سرية، لا نعرف فيها من العدو، ولا ما هو سلاحه. حرب عالمية يخوضها فيروس هو أشبه بالطيف لا تراه عين ولا تسمع أذن جلجلة معركته. حرب يخوضها العالم على كل جبهاته، ضد عدو فتاك على رغم ضآلته وصغره.

عزلة صاخبة

إنها عزلة الكورونا، عزلة صاخبة، عزلة القرن الحادي والعشرين والثورات التكنولوجية والمعلوماتية والإعلامية والفضائية والإنترنت والفيسبوك والتويتر والواتساب... ينعزل البشر في بيوتهم من غير أن ينقطعوا لحظة عن العالم الذي من حولهم، العالم القريب والعالم البعيد جغرافياً فقط. إنها العولمة في أحد وجوهها الكثيرة، في وجه إيجابي ربما من وجوهها المقنّعة. جعلت العولمة المعلوماتية الفرد مواطناً من العالم، بل جعلته يقيم في العالم مثلما هو يقيم في وطنه وحيه وبيته، وجعلت العالم على مقربة منه، مهما اتسعت الحدود وتناءت الأصقاع.

في هذه العزلة، عزلة الكورونا، قد يكون الواتساب الآلة السحرية القادرة على إلغاء التخوم والأمكنة وعلى جعل الأفراد  والجماعات على تقارب أو تماس، يومي أو لحظوي. طبعاً هناك الفيسبوك والتويتر ووسائل التواصل الأخرى التي تنتمي إلى الأسرة نفسها، وهناك الشاشات الفضائية والمحلية، لكن الواتساب بدا هو الأسرع  والأنجع في مسألة التواصل مع الآخرين، وفي كسر العزلة والخروج من حصار البيت أو الغرفة، صوتاً وصورة وكتابة وثرثرة ونميمة وإطلاق إشاعات وتزوير أخبار وتركيب لقطات مغشوشة... سمي الواتساب "تلفون الفقراء"، وهو هكذا، فالتواصل المحلي والعالمي عبره، مجاني. وقد كان الواتساب الشرارة التي أضرمت نار ثورة الشعب اللبناني بعدما أعلنت الحكومة فرض ضريبة على الواتساب، فهب المواطنون معترضين وسرعان ما عمّت التظاهرات أرجاء بيروت والمناطق.

قد يكون الواتساب "نجم" عزلة الكورونا اليوم، رنينه لا يهدأ، رسائله تتواصل باستمرار، أخباره الصحيحة أو الملفقة لا تنقطع، صوره على اختلافها ترد حيناً تلو حين... ولعل المعنى المضمر لكلمة واتساب، يفسر غايته والوسيلة التي ينتهجها لتحقيقها. ليس الواتساب هاتفاً مجانياً فقط، وإن كانت هذه إحدى خصائصه، بل وسيلة إعلامية، فردية وجماعية (مفهوم الغروب)، يمكن توظيفها بحرية وبعيداً عن أعين الرقابة مبدئياً. وسيلة يمكن استخدامها وفق غايتها الأصلية للتواصل الصحيح وتناقل الأخبار وتبادل الآراء والصور والتحيات... ويمكن استخدامها أيضاً للتضليل ونشر الإشاعات والأكاذيب والفضائح والاعتداء على كرامات الآخرين وحياتهم الشخصية وتوزيع صور معيبة ومركبة... إنه الدور السلبي الذي يؤديه الواتساب مثله مثل الفيسبوك والتويتر وسواهما. لكنه، بصفته تابعاً للهاتف الخليوي أو المحمول، فهو أشد سرعة وفاعلية من سائر الوسائل الأخرى. تلفون جيب، يظل على مرمى اليدين، في السيارة، في السرير، أمام الشاشة، على الطاولة وحتى في الحمام. ولئن أدى الواتساب كما الفيسبوك، وظيفة مهمة في أوج انتشار وباء الكورونا وقدم المعلومات الصحيحة، وكان في خدمة العلماء والأطباء، أدى في المقابل دوراً سيئاً في هذا القبيل أيضاً. كم من معلومات خاطئة ومخيفة، بل كم من مزحات ثقيلة وفضائح نافرة ومواقف ساخرة وهازئة عمد أشخاص إلى نشرها وتوزيعها فردياً وجماعياً، غير مبالين بخوف الناس وقلقهم، وغير محترمين إنسانية الإنسان وحرمة المرض. وقد أرفقوا دعاباتهم الغليظة في أحيان كثيرة بصور ورسوم فاضحة.

لا أدري ما الذي يُفرح أو يبهج شخصاً في نشره صور أناس يعانون أو يتعثرون،  بعضهم مجهول وبعضهم معروف؟ عندما سقطت إحدى مذيعات تلفزيون "الجديد" اللبناني عياء أمام الكاميرا التقط "الواتسابيون" الصورة ووزعوها وأرفقوها بأكاذيب وافتراضات ملفقة، وفي ظنهم أنهم يحققون فعلاً بطولياً. كم بدا هذا الضرب صغيراً ودونياً، ألا يجب احترام عياء أو تعب مذيعة وقعت أرضاً جراء عملها ليلاً ونهاراً؟ الصور في هذا السياق كثيرة ولا تحترم مريضاً ولا مصاباً ولا فقيراً ولا... لعله نوع من التشفي من الآخرين في لحظة ضعفهم، لؤماً وخساسة.

المزيد من ثقافة