على كرسيّها المتحرك تلصق هبة البلبول صورة ابنها الأسير. تتذكّره في كلّ لحظة من يومها، وتنهمر دموعها لعدم السماح لها منذ سبع سنوات بزيارة ابنها الوحيد، الموجود في سجن النقب الصحراوي ("اكتسيعوت" باللغة العبرية). كانت والدته تُبلّل شوقها لابنها من خلال التواصل معه مرة كلّ شهر عبر الهاتف.
محمد البلبول (28 سنة)، الأسير في السجون الإسرائيلية، والمحكوم عليه بمدة تزيد عن 25 عاماً، قضى منها ثماني سنوات داخل المعتقلات الإسرائيلية، مُنعت والدته من زيارته مثل أمهات الأسرى الآخرين في قطاع غزّة. وهي اكتفت بسماع صوته عندما يتمكّن من إجراء اتصال بها.
ويتمكّن الأسرى بطرقٍ سريّة من إدخال هواتف محمولة قديمة، بشرائح اتصال تتبع للشركات الخلوية الفلسطينية، لإجراء اتصال واحد، يستغرق دقائق معدودة، بعائلاتهم سواءً في قطاع غزّة أو الضفة الغربية.
استطاعت إدارة السجون الإسرائيلية تركيب عدد من أجهزة تشويش الراديو، التي تُصدر إشعاعات قويّة أثّرت في بثّ الراديو والتلفاز، وعطّلت وصول تغطية شبكات الاتصال الفلسطينية إلى سجون. كما تسبّبت بصداع لدى بعض الأسرى.
بدأت قصة انتهاكات حقوق الأسرى في يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما أعلن جلعاد أردان، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جملة من الإجراءات العقابية، أثارت غضب بعض ضباط إدارة السجون المتقاعدين، الذين اعتبروا أنّها تأتي في إطار الدعاية الانتخابية.
عصيان مدني
من بين الإجراءات التي أعلنت: منع زيارات أهالي الأسرى ومصادرة 5 آلاف كتاب، وتقليص عدد ساعات الخروج إلى ساحة السجن واقتطاع رواتب الأسرى، وأخيراً تركيب أجهزة تشويش مسرطنة.
كانت هناك محاولات سابقة لتركيب أجهزة التشويش، بدأت منذ العام 2000، ثم في العامين 2008 و2009، لكنها فشلت. ووفق التفاهمات بين الحركة الأسيرة وإدارة السجون الإسرائيلية أزيلت الأجهزة، حتى قرّر وزير الأمن الداخلي إعادة تركيبها وتفعيلها في شكل كامل.
علمت "اندبندنت عربية" أنّ الحكومة الإسرائيلية طوّرت أجهزة تشويش على موجات الراديو، بقيمة 22 مليون شيكل (6 ملايين دولار)، مع شركات التقنية والاتصالات، لتصبح فعّالة في منع وصول أيّ موجة بثّ راديو إلى أجهزة التلفاز والراديو والهواتف المحمولة، فضلاً عن إرسال إشعاعات مسرطنة يستقبلها جسم الإنسان.
يقول علي المغربي، الناطق باسم إعلام الأسرى، إنّ إدارة السجون وضعت سبعة أجهزة تشويش في سجن النقب قسم رقم 4، وهي موجّهة باتجاه غرف الأسرى وساحة السجن، على عكس ما كانت في الماضي. إذ كانت إدارة السجون تضع الأجهزة على سور السجن من الخارج.
ويضيف المغربي أنّ أجهزة التشويش عطّلت إشارة الهواتف المحمولة، وقطعت أثير التلفاز والراديو، مشيراً إلى أنّه "في هذه الحالة لن يتمكّن الأسرى من إجراء أيّ اتصالٍ بذويهم، وبالتالي يكون الاحتلال قد قطع شعرة التواصل بينهم".
ويوضح أنّ القانون الدولي يضمن للأسرى وجود خط تواصل بينهم وبين ذويهم، وهو مطبّق في كلّ دول العالم إلا إسرائيل. فهي الوحيدة التي تمنع وجود هواتف في السجون وتعمل على التشويش عليها، فضلاً عن منع زيارات الأهالي.
ولا يقتصر تأثير أجهزة التشويش على البعد التكنولوجي، بل له تأثير في الناحية الجسدية أيضاً. ويشير المغربي إلى أنه "تلقينا عدداً من الشكاوى من الأسرى، مفادها إصابتهم بآلام في الرأس والعينين والأذنين"، موضحاً أنّ بعض الأسرى المرضى يعيشون على أجهزة طبية، وبعض اللوحات الإلكترونية العلاجية في أجسادهم قد تتأثر سلبياً من جراء إشعاعات أجهزة التشويش.
والجدير بالذكر أنّ الأسرى حصلوا على أجهزة التلفاز والراديو كحق مكتسب في إضراب العام 1992، الذي خاضته الحركة الأسيرة في وجه إدارة السجون آنذاك.
ردّ الأسرى
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد المغربي، أنّ الأسرى اتخذوا عدداً من الإجراءات التصعيدية بعد تركيب أجهزة التشويش، ومنها حلّ الهيئات التنظيمية في معظم السجون ورفض الوجبات الغذائية، وإرسال رسائل احتجاج إلى إدارة السجون.
ويعني حلّ الهيئات التنظيمات حالة من العصيان المدني في السجون، وهو بمثابة إعلان تمرّد من الحركة الأسيرة على السجّان.
أعداد الأسرى الفلسطينيين
وفق وزارة الأسرى والمحررين، فإنّ الحكومة الإسرائيلية منعت عائلات أسرى قطاع غزّة من حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، في العام 2017، من زيارة السجون.
وتعتقل القوات الإسرائيلية يومياً حوالي 50 أسيراً من محافظات الضفة الغربية، في حين يوجد حالياً في السجون الإسرائيلية حوالي 6 آلاف أسير، منهم 4600 من الضفة و490 أسيراً من القدس و90 من الأراضي المحتلة في العام 1948 و325 أسيراً من قطاع غزة. ومن بين العدد الإجمالي، يوجد 350 طفلاً لم تتجاوز أعمارهم الـ 18، بينهم 42 طفلاً تقل أعمارهم عن 16 سنة، إضافة إلى 55 أسيرة، وستة نواب من أعضاء المجلس التشريعي.