Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مع ازدحام سمائها بالرايات... طريق الحسكة ليس معبدا بالورود

شمال شرقي سوريا منطقة نزاعات دولية والطريق محفوف بالمخاطر

آليات عسكرية روسية في مدينة القامشلي (غيتي)

بتوجس تسير عربات الـ "hummer" الأميركية وناقلات جنود عابرة مناطق تحت سيطرة السلطة السورية، في قرى ريف الحسكة، شمال شرقي البلاد، في حين تتحرك عربات الـ tiger الروسية لتنافسها بالسير نحو طرق تخضع لسيطرة الأحزاب الكردية وسط أجواء مشحونة، وتربص تركي للانقضاض على ما تبقى لإقامة منطقته الآمنة.

مدن من ورق

وإن بدت دمشق منشغلة باستكمال سيطرتها على إدلب المدينة، شمال غربي سوريا، إلا أن عينها ما فتئت تشخص باتجاه الشمال الشرقي، وتتابع بحذر كل التطورات الدراماتيكية التي تحدث هناك، فيما تعجّ على أرض الجزيرة السورية صراعات النفوذ الدولي.

يتقاسم الحكم في الحسكة الأحزاب الكردية والنظام معاً، بعد دخول قوات الجيش النظامي في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

ويأتي دخول النظام إلى المدينة إثر عملية عسكرية تركية (ينابيع السلام) أجبرت الأكراد الذين يديرون المدينة وريفها بالاستغاثة بقوات الجيش السوري، بعد أن أخلت القوات الأميركية قواعدها، تخوفاً من تقدم تجده أنقرة فرصة سانحة لا تفوت، لاستكمال السيطرة على الشريط الحدودي.

الحرب المقبلة

ومع ما تشهد الحسكة من أحوال مستقرة إلى حد ضئيل، إلا أن الكثير من المخاطر والاحتقان تتفجر بين الحين والآخر على شكل اشتباكات بين قوى محلية متفرقة جلّها بين القبائل العربية، والأكراد (أكبر أقلية في البلاد يشكلون نسبة 10 في المئة).

في غضون ذلك، تتجهز القامشلي والحسكة وريفها إلى حرب خفية غايتها الإمساك بخيرات حقول تمتلئ بغلال الغذاء والنفط وخيرات الأرض والسماء، ويعتدُّ بالجزيرة السورية على أنها سلّة البلاد الغذائية بلا منازع ومصدر أمنها الغذائي.

تعدّ محافظة الحسكة ثالث المحافظات السورية بالمساحة، وفيها نسبة أراض مزروعة تصل إلى 29 في المئة. ويصف عضو في مجلس محلي في الحسكة لـ "اندبندنت عربية" المشهد بكثير من التحسّر، "أرض انتُهِكت سيادتها بشكل لا يوصف".

ويروي المسؤول المحلي مفضلاً عدم الكشف عن هويته عن حالة من القلق التي تشوب أهالي المنطقة بعد سلسلة من الصراعات عاشتها القامشلي والحسكة على حد سواء، والبلدات المحيطة بها "بات الشمال الشرقي عبارة عن أشباه دول ومقاطعات، الخاسر الوحيد فيها نحن السوريين في الداخل".

الطريق إلى الحسكة

ويواجه المسافرون العرب والأكراد كثيراً من المخاطر الأمنية ناهيك عن أولئك القادمين من مناطق كانت تخضع سابقاً لسيطرة تنظيم "داعش"، واتهامات تلاحقهم بالعمالة لدولة الخلافة.

ويروي أحد الشبان من ريف حلب، ويدرس في جامعة تشرين في اللاذقية، مخاطر السفر وأهواله بعد قدومه إلى حلب واتجاهه عبر الأرياف وصولاً إلى الحسكة، "تهم عدة تواجهنا أنا وأبناء بلدتي منبج، عند السفر لزيارة أهلي النازحين بالقامشلي، منها تهم تلقى جذافاً تصل إلى درجة الاحتجاز لساعات".

في المقابل، تُحكِمُ التنظيمات الكردية عبر حواجزها الأمنية قبضتها بعد تسرب مفخخات ومخربين بغية الدخول إلى الحسكة وريفها باستخدام طرق متنوعة وخلق بلبلة تعكر صفو الأجواء. ويقطن في المدينة وريفها العرب والسريان والأرمن والأكراد.

ويتحدث قيادي سابق في فصيل كردي مقاتل على الأرض ضد "داعش"، عن طرق عدة طبقت مع بداية الأحداث المندلعة في سوريا غايتها عدم تسلل المخربين والمفخخات.

دول في قلب الدولة

حيال تزاحم أعلام الدول في أرض الجزيرة السورية، (تركيا وروسيا وأميركا) من جهة، ومع تداخل رايات تنظيمات وميليشيات قومية تمسك بالأرض، أبرزها الأحزاب الكردية، بات جلي حجم التشابك الواسع والمتنامي.

من جانبها، توسّع موسكو مناطق نفوذها العسكري بإنشاء قاعدة في مطار الطبقة العسكري بعد إخلائه بالكامل من "قسد"، بينما أنشأت قاعدة لهبوط المروحيات القتالية في مطار مدني بالقامشلي تحميه أنظمة دفاع جوي "بانتسير" مع نشرها لطائرات حوامة و"ميغ 35" مقاتلة.

هذا التوسع الروسي عكس بلا شك تمدداً لهيمنة أوسع للقوات النظامية السورية من امتلاك الأرض، يقوضها عوائق براغماتية في الميدان منها وقوف التنظيمات والأحزاب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في مواجهة هذا التمدد لحركة القوات النظامية في سعيها للإطباق على كامل المنطقة.

التركي والخطر الواحد

ومع قراءة لخريطة النفوذ الجديدة لا بد أن نشاهد كيف تسابق دمشق الزمن وتتسع لما يزيد على 62 في المئة في المساحات المسيطر عليها أرضاً في الشمال السوري مع تقدمها في إدلب، واتفاق الرئيسين الروسي والتركي حول آلية عمل الممر الأمني وتسيير الدوريات المشتركة بدءاً من 15 مارس (آذار).

في الاتجاه الآخر، تُبقي الأحزاب الكردية الحليفة لواشنطن باب علاقتها مع دمشق مورباً سعياً منها لتبدلات في موقف حلفائها من جهة، لا سيما المصلحة المشتركة وهو الخطر التركي، العدو اللدود للأكراد وهذا ما يدفع لمشاهدة قرى وبلدات في الحسكة والقامشلي تتبع لكل الطرفين النظام والأكراد معاً.

يوحي ذلك إلى اتفاق مصالح يستغله الأكراد والنظام على أرض الجزيرة السورية، بخاصة في الحسكة والقامشلي، إذ كيف يصل النظام إلى مساحات واسعة وعبر معابر كردية، وبلا شك عبر أساليب المقايضات، فدمشق تحتاج النفط بينما الأكراد يحتاجون الطاقة والكهرباء والمياه وغيرها من الخدمات.

مآل وآمال

وفي حين قبعت مدينة الحسكة تحت سيطرة السلطة من دون ماء لمدة تجاوزت 11 يوماً، ذاق أهلها طعم الحنظل عقب إغلاق تركيا محطة "علوك"، نجح مسعى من الحليف الروسي بضخ الماء مجدداً لتروي البشر والشجر على تلك الأرض.

يأتي إغلاق الماء إثر تقدم الجيش السوري في إدلب وريفها وصولاً إلى سراقب، فاتحاً معه الطريق الدولي، بحسب مراقب للشأن في الشمال السوري.

في الجهة المقابلة، الطريق الذي يربط بين مدينتي "القامشلي" والحسكة" ليس معبداً بالورود والرياحين، وإن بدا الربيع في أرياف المدينتين خلاباً ويسرق الألباب.

إلا أنه يسرق القلوب وجيوب المسافرين لارتفاع تكاليف السفر براً على هذا الطريق ناهيك عن كم من أموال ينفقها السوريون للوصول إلى بلداتهم في أرياف الحسكة والقامشلي تحت مسميات رسوم العبور.

ويقول أحد المسافرين إلى القامشلي "الطريق طويل وغير مكلف سابقاً، لكن اليوم حتى بين القرى المتاخمة لبعضها البعض، الرحلة مكلفة، ويحتاج قطع الطريق المرور بنقاط أمنية عدة كل منها يتبع لحزب أو ميليشيات، هذا إن نجحت في تخطيهم".

توتر خفي بين واشنطن وموسكو وسباق محموم لكسب كل طرف أوتوستراد "الحسكة ـ حلب" لأهميته الاستراتيجية، وتشير المعلومات الى أنه ومنذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، لم تتوقف الإمدادات العسكرية الروسية من الوصول إلى مطار القامشلي سعياً للسيطرة على هذا الطريق.

المد والجذر

ومع ما يحكم العلاقة بين دمشق وأحزاب كردية من مد وجذر، بخاصة أن المناطق والأحياء هناك هي أشبه بكانتونات متفرقة، كلما اشتد الصراع الكردي - التركي يزداد التقارب بينهما والعكس صحيح.

في وقت لا تكف رؤية المجالس الحاكمة للأكراد عن الدفع نحو تشكيل إقليم وفيدرالية خاصة بهم ولوطنهم "كردستان" الأمر الذي يقلق أنقرة، وكذلك دمشق.

على المقلب الآخر، لا توفر القيادات الكردية جهداً لرسم خريطة طريق لإنشاء فيدرالية في مناطق نفوذهم، وأعلن في فبراير (شباط) الماضي قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبادي، إنه لا يمكن العودة إلى سوريا ما قبل عام 2011، في تأكيد منه على مشاركة الكرد في الحياة السياسية وفي مفاوضات الحل السياسي.

المزيد من العالم العربي