Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آثار الحرب في جسد نازح سوري

"لو هددوا بقطع عنقي لن أعود وأعيش تحت حكم بشار الأسد"

ابراهيم العلي لاحقته لعنة المعارك المتنقلة (أ.ف.ب)

في كل مرة نزح فيها بحثاً عن الأمان، وجد السوري إبراهيم العلي أنّ الحرب تقف له بالمرصاد وتطارده، لتحرمه سنواتها التسع من سمعه وبصره ورجليه وأصابع يده.
بعد محطات نزوح عدّة قادته بدءاً من العام 2013 من مسقط رأسه في محافظة حماة (وسط)، وصل إبراهيم (33 سنة)، وهو أب لأربعة أطفال كان يعمل حداداً، قبل شهر إلى مخيم في بلدة دير حسان في إدلب (شمال غرب)، القريب من الحدود التركية، هرباً من التقدّم العسكري لقوات النظام بدعم روسي.
داخل غرفة متواضعة، يفترش الرجل الذي يبدو أكبر سنّاً مما هو عليه الأرض، ويبحث بيده عن فنجان قهوة يرتشف منه قبل أن يضعه جانباً. بين الحين والآخر، يحرّك إحدى ساقيه المبتورتين من تحت الركبتين. ويكشف عن ندوب متفرقة أسفل صدره وفي رأسه وعنقه وخاصرته.

ذكريات مؤلمة


على هاتفه الخلوي يحتفظ إبراهيم بصور قديمة، يعجز عن رؤيتها بعدما فقد عينيه جراء القصف والغارات التي لاحقته من منطقة إلى أخرى وأفقدته ما لا يمكن تعويضه. ويبدو في إحدى تلك الصور شاباً معافى يرتدي لباساً رياضياً ويحمل طفلته.
ويقول بحسرة لوكالة الصحافة الفرنسية "لا أقوى على حمل أطفالي والتنقّل بهم من مكان إلى آخر. ولا أقوى على العمل أو التحرّك".
ودفع التصعيد العسكري في إدلب ومحيطها منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) نحو مليون شخص إلى النزوح هرباً من المعارك والقصف، وفق الأمم المتحدة. وعشرات الآلاف منهم سبق أن نزحوا مرات عدة على غرار إبراهيم. إلا أن كلّ رحلة نزوح تركت أثرها في جسده الهزيل الذي بات أشبه بخريطة. وأولها في مدينة اللطامنة التي نزح إليها من قريته شيزر عام 2013 وأصيب بشظايا في ذراعه تسبّبت بتفتّت العظام جراء سقوط برميل متفجر قريب منه.

القصف يلاحقه

في العام ذاته، يروي أنه نزح مجدداً مع عائلته إلى مدينة معرة حرمة في جنوب محافظة إدلب المجاورة، حيث طال قصف مدفعي لقوات النظام منزله وتسبّب ببتر ثلاثة أصابع من يده اليسرى.
ومطلع العام 2014، انتقلت العائلة مجدداً إلى قرية كفرسجنة في إدلب، حيث تسبّب قصف روسي كما يقول بإصابته مجدداً في قفصه الصدري وعنقه.
لم تتوقّف المعاناة هنا، ففي العام 2015 فرّ إلى مزرعة قرب كفرسجنة حيث لاحقه القصف واستهدف منزله وأصيب في رأسه، على ما يروي.
في العام اللاحق، نزح إبراهيم برفقة زوجته وأطفاله، أكبرهم تبلغ الآن عشر سنوات وأصغرهم أربع سنوات، إلى مزرعة قريبة من مدينة خان شيخون.
ويقول "كان قد مرّ عام تقريباً من دون أن أتعرّض لإصابة"، إلا أنه في الشهر الأخير من العام 2016، تسبب قصف بإصابة في رأسه وفقدانه السمع في أذنه اليمنى.
في العام اللاحق، بقي أبو سليمان كما يدعونه أقاربه بمنأى عن القصف والمعارك، إلا أن ما كان ينتظره منتصف العام 2018 كان أكبر بكثير من قدرته على التحمّل بعد نزوحه إلى قرية الشيخ مصطفى جنوب إدلب. لدى عودته سيراً على الأقدام من عمله إلى منزله، داس إبراهيم على لغم أرضي، وتسبّب انفجاره بفقدان رجليه ونظره بشكل تام.
ويروي بحزن "كانت تلك آخر مرة رأيت فيها العالم"، متابعاً "هذه الإصابة كانت الأصعب".
 إثر إصابته، نُقل إبراهيم إلى تركيا لتلقي العلاج فيها، وبقي لشهر في غيبوبة تامة. وعندما استيقظ اكتشف الحقيقة المرّة "لم يكن بإمكاني الرؤية. بدا العالم أسود".
بعد عودته إلى سوريا، فقد الشاب ذاكرته خمسة أشهر، كما يقول. وعلى الرغم من وضعه الجسدي والنفسي السيء، لم ينفكّ عن التفكير بتأمين حياة آمنة لعائلته. ويروي "كان علينا أن نواصل النزوح الذي لم يتوقّف". ومع بدء الهجوم الأخير لقوات النظام في إدلب، نزح مع عائلته إلى بلدة دارة عزة في الريف الغربي لمحافظة حلب المجاورة. وسرعان ما بدأت قوات النظام تقدّمها في المنطقة لينزح مجدداً مع شقيقه إلى مخيم مكتظ في بلدة دير حسان.
ولا يمكن إبراهيم التنقل إلا فوق كرسيه المتحرّك، بمساعدة من شقيقه أو حتى أطفاله. ويقول "المرحلة الحالية هي الأسوأ" على الإطلاق، موضحاً "في المخيمات، لا مسكن ولا أبسط مقومات الحياة الرئيسية". وعلى الرغم من أن المنطقة حيث يتواجد لا تشملها المعارك، ودخول اتفاق لوقف اطلاق النار أعلنته روسيا وتركيا الأسبوع الماضي حيز النفاذ، إلا أن إبراهيم لا يعلم ما الذي يحمله المستقبل له. إلا أن ما هو أكيد منه هو أنه "لو قطع عنقي ورأسي، لن أرضى أنا ولا أولادي بأن نعود لنعيش تحت حكم بشار الأسد".

المزيد من تحقيقات ومطولات