Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطفال اليمن في زمن الحرب... "عمّال" مشردون

منظمة العمل الدولية: 1.4 مليون طفل عامل في صنعاء... وتوقف رواتب الآباء وراء إجبار الأبناء على العمل

أطفال اليمن يدفعون ضريبة الحرب في البلاد (أ.ف.ب)

ألقت الحرب الدامية في اليمن بظلالها المأسوية على كل مناحي الحياة الإنسانية، لتكوي بلهيب نارها المستعرة منذ الخمسة أعوام كل اليمنيين دون استثناء، نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتزايد أعداد النازحين بصورة غير مسبوقة، بالإضافة إلى توقف الحكومة عن دفع رواتب موظفي الدولة منذ حوالي ثلاث سنوات، وفقدان مئات آلاف من العاملين في القطاعين الحكومي والخاص لمصادر دخلهم، ناهيك عن الارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء والدواء.

ونتيجة لهذه الأوضاع المأساوية في اليمن انتشرت عمالة الأطفال بشكل لافت، ليجد أطفال اليمن أنفسهم وحيدين أمام واقع مرير، معرضين للعنف، وضحايا للاستغلال، ورهن المعاناة، باعتبارهم الحلقة الأضعف في كل الحروب التي تمر بها البلاد.
 

عمالة الأطفال مرشحة للزيادة
وعلى الرغم من عدم دقة الإحصاءات الرسمية، فإنها سجلت أن عدد الأطفال العاملين في اليمن يفوق 400 ألف طفل، ينتمون للفئة العمرية من 10 إلى 14 سنة، نسبة الذكور بينهم 55.8 في المئة، ونسبة الإناث 44.2 في المئة. فيما تؤكد منظمة العمل الدولية أن 1.4 مليون طفل يعملون في اليمن محرومون من أبسط حقوقهم، الأمر الذي يثير حالة من الطوارئ تستوجب تحركاً دولياً للمساعدة على الحد من هذه الظاهرة، وأن نحو 34.3 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 عاماً يعملون باليمن، مشيرةً إلى أن العدد في ارتفاع متواصل.

وقال رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أحمد القرشي، إن عمالة الأطفال في اليمن تزايدت خلال فترة الحرب بنسب قد تتجاوز أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل عام 2014، مؤكداً أنها نسبة مخيفة، وتفرز كوارث اقتصادية وأمنية في الحاضر والمستقبل القريب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)



وفي تصريح لـ"اندبندنت عربية" توقع القرشي زيادة هذه النسب، لأسباب عديدة، في مقدمتها الانهيار الاقتصادي الذي يشهده اليمن، نتيجة الحرب وتوقف دفع رواتب المعلمين وموظفي الدولة، وانهيار أو إغلاق الكثير من المؤسسات الاقتصادية خاصة مؤسسات الدخل الصغير والمتوسط.

وأكد أنه في ظل توسع رقعة المعارك في اليمن، هناك احتياج كبير في أعداد الأطفال المقاتلين كونهم أقل تكلفة والأكثر استجابة للأوامر. وأشار إلى أن تجنيد وإشراك الأطفال في النزاع أحد أسوأ أشكال عماله الأطفال، بحسب اتفاقيات منظمه العمل الدولية.

 واعتبر القرشي أن هدم أو إغلاق المدارس وتحويلها إلى ثكنات وأهداف عسكرية أيضاً من مختلف الأطراف تعد واحدة من أسباب تسرب الأطفال من المدارس بأعداد كبيرة وغير مسبوقة، مؤكداً أن هؤلاء الأطفال منخرطون في أسوأ أشكال العمالة.

"صخر" ... معاناة تهد الصخر
صخر، ابن الرابعة عشر ربيعاً، يعمل كمساعد مع أحد أقرباء والدته في أعمال الحفر والردم والبناء ورش أعمدة الخرسانة الأسمنتية وحمل أحجار ومواد البناء ليعود آخر الليل وهو يحمل في جيبه من النقود ما يسد بالكاد رمق أسرته المكونة من أربعة أشقاء وأم، ووالده الذي زجت به الحرب إلى أرصفة البطالة بعد أن توقف راتبه عن الصرف.
لم يكن صخر على دراية بأن الحرب ستسلب منه طفولته الآمنة وتحرمه من حقه في التعليم إلا عندما وجد نفسه مجبراً على ترك مقعدة الدراسي لخوض غمار تحدٍ جديد مع الذات في مهمة الصراع من أجل البقاء والبحث عن فرصة عمل، وهو في هذه السن المبكرة، كواحد من بين آلاف الأطفال اليمنيين الذين تكتظ بهم شوارع وأحياء العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية.

يقول صخر، إن تدهور الأوضاع المعيشية لأسرته نتيجة توقف مصدر دخلهم الوحيد المتمثل براتب والده الذي كان يعمل جندياً في السلك العسكري، وحاجة والدته التي تشكو بعض الأمراض المزمنة للدواء وغيرها من الظروف القاهرة أجبرته على العمل في هذا النوع من الأعمال الشاقة رغم المخاطر وضعف بنيته الجسدية في بلد يرزح أبناؤه تحت نيران حرب ضروس منذ خمسة أعوام.

تقول أم صخر، أنها ليست راضية عن عمل طفلها الصغير لولا ظروف الحياة وتردي الأوضاع المعيشية في البلاد وتوقف راتب زوجها عن الصرف وغيرها من الظروف التي فرضت عليهم حسابات جديدة أجبرتها على القبول والرضوخ لهذا الأمر.

تضيف بحسرة وألم، أنها تتحسر على مستقبل طفلها الذي يضيع أمام عينيها بعد أن غادر المدرسة دون رجعة وأصبح غير قادر على مواصلة تعليمه، لا سيما بعد أن أصبحت الأسرة  تعتمد عليه بدرجة كبيرة في توفير كثير من مصروفات ومتطلبات المنزل ناهيك عن توفيره لقيمة الدواء التي تتناوله والدته بشكل منتظم طوال أيام الشهر.

ولأنه لا بوادر إيجابية لحل سياسي قريب للحرب، في اليمن فإن صخر لن يجد مناصاً سوى مواصلة عنائه حتى آخر الليل لتأمين عيش الكفاف لعائلته، أما العودة إلى المدرسة فحلم لم يعد يراوده على الأقل في الوقت الراهن.

أسرار... بؤس تام وشقاء متناهٍ 

في اليمن لا يقتصر العمل على الأطفال الذكور فحسب، ولكن هناك فتيات صغيرات في عمر الزهور يعملن في مهن متعددة، بينهن الطفلة أسرار، ابنه الثانية عشرة ربيعاً، التي تقطع يومياً مسافة كيلو مترين، مشياً على الأقدام ذهاباً ومثلها إياباً من أجل العمل في حقول وبساتين زراعية مملوكة لمزارعين في قرى مجاورة لقريتها التي تبعد عن العاصمة صنعاء نحو7  كم تقريباً.
تقول أسرار، إنها ومنذ ثلاث سنوات تساعد أسرتها المكونة، من سبعة أفراد؛ 5 شقيقات برفقة أمها ووالدها الذي يعمل مدرساً وتوقف راتبه عن الصرف منذ ما يقارب الثلاثة أعوام، حيث تلتزم أسرار ببرنامج يومي محدد بدقة، إذ يتحتم عليها أن تستيقظ في الخامسة والنصف فجراً لكي تصل أولاً، وتبدأ مسار عملها اليومي بجني وتجميع ثمار البطاطس أو الطماطم أو الخيار وغيرها من الخضار ورصها في الصناديق البلاستيكية لتكون جاهزة للبيع قبل الذهاب بها إلى الأسواق.

تضيف،" أنها تعود في الثانية عشرة ظهراً لاستذكار دروسها حتى الذهاب إلى المدرسة، في تمام الساعة الواحدة مساء، ومنها العودة لمساعدة والدتها في أعمال المنزل ومن ثمّ الخلود إلى النوم مبكراً، لكي تصحو في وقتها المعتاد".
تتحصل أسرار نهاية كل عمل على نصف صندوق من البطاطس، كأجر يومي مقابل عملها لستة ساعات متواصلة، تقوم ببيعها بما يعادل ألفين ريال يمني (3.4 دولار)، ومن ثمّ تقدم ذلك المبلغ لوالدها لشراء بعض السلع الأساسية للمنزل بالإضافة إلى تغطيتها لجزء من مصاريف ونفقات المدرسة لها وشقيقاتها الأربع.

روتين أسرار اليومي يخلو من الراحة، واللعب، أو المشاركة في الحياة العامة كما تنص المادة (32) من اتفاقية حقوق الطفل المقرة من الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، التي صادق عليها اليمن في 1991.

ورغم معاناة الفتاة، التي لم تبح بها ومغادرتها حياة الطفولة مبكراً، فإن لديها إصراراً لاستكمال تعليمها، وتطمح لأن تكون إما إعلامية مرموقة أو طبيبة في المستقبل، وفي سبيل طموحها تحرص على المواءمة بين دراستها ومساعدة أسرتها في توفير متطلبات واحتياجات المنزل رغم ما تواجهه من صعاب، وتحديات، حتى إن حرمها هذا من حقها في اللعب مع صديقاتها بالحي.
ويعاني اليمن من صراع عسكري خلق موجة نزوح داخلية كبيرة، وتقدر الأمم المتحدة من فقدوا مصدر رزقهم بنحو 17 مليون يمني، أصبحوا ضمن نطاق الفقر في البلاد وبحاجة ماسة إلى المساعدات الإغاثية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي