Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإيراني محمد رسول آف... مخرج مضطهد يعيش من أجل السينما

فاز فيلمه بجائزة "الدب الذهبي" في مهرجان برلين... ويدور حول الإعدام

المخرج الإيراني محمد رسول آف (اندبندنت عربية)

فاز "لا يوجد شيطان" للمخرج الإيراني محمد رسول آف بـ"الدب الذهب" في مهرجان برلين السينمائي الأخير الذي اختتم دورته السبعين في مطلع الشهر الحالي. هذا ثالث فيلم إيراني ينال "الدب" منذ "انفصال" لأصغر فرهادي (2011) و"تاكسي" لجعفر باناهي (2015).

يناقش الفيلم قضية عقوبة الإعدام في إيران، مقارباً إياها من زوايا مختلفة، ولكن يخلص إلى إدانتها في نهاية المطاف. لا يتحدث الفيلم عن المحكومين بالإعدام، إنما عن الذين ينفّذوه والمقربين منهم، في مجتمع إيراني محافظ يسيطر عليه نظام الملالي. "لا يوجد شيطان" يتطرق إلى قضية الإعدام طارحاً أسئلة أخلاقية ووجودية. ينطوي الفيلم على أربع قصص، كل قصة من القصص نابعة من تجربة شخصية عاشها المخرج الذي يقول، إن عمله هو في الأساس عن كيف أن الناس يتحمّلون نتيجة أفعالهم. 

لم يحضر رسول آف إلى برلين لاستلام جائزته، فهو ممنوع من العمل والسفر منذ عشر سنوات، ومع ذلك سافر وأنجز عدداً من الأفلام خلال كل هذه الفترة. ولكن، هذه المرة، لم يستطع مغادرة طهران. ومن أجل تصوير "لا يوجد شيطان"، أقدم على تقديم أربع سيناريوات قصيرة تحمل أسماء أربعة سينمائيين. راهن على استخفاف الرقابة بالأفلام القصيرة، كونها "لا تراقبها كما يجب"، كما صرّح لأحدى الصحف. وعندما نال إجازة التصوير، صوّر كل حكاية على حدة، ثم جمعها في فيلم واحد ليصبح فيلماً طويلاً.

اذاً نحن أمام حالة خاصة جداً: سينمائي يعمل وينجز عملاً فنياً مهماً في ظروف المنع والاضطهاد وينال جائزة في واحد من أهم المنابر الدولية بدعم من المجتمع الدولي والصحافة لقضيته. قضية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً، على مدار السنوات الماضية، بمخرج آخر، هو السينمائي جعفر بناهي.

كلّ شيء بدأ في الأول من مارس (آذار) 2010. كان، جعفر بناهي ومحمد رسول آف، يصوران فيلماً، عندما اقتحمت الشرطة منزل بناهي وتم اعتقالهما. التهمة: التخطيط لإنجاز فيلم انطلاقاً من حكاية عائلة تورطت في الحوادث التي تلت انتخاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. محاكمة نيات أو رقابة مسبقة على عمل فني لم يُنجز بعد؟ ربما الاثنان معاً! نتيجة هذا، عاش رسول آف، جحيماً قضائياً طوال عام ونصف العام، لم تنته آخر فصولها بعد. حظيت قضيته بالتدويل وجُمعت من أجلها التواقيع، بعدما باتت نموذجاً لقمع الحريات في بلد أرتأى حكامه أن يحولوه سجناً كبيراً. محاكمته العبثية كانت أقرب إلى محاكمة كافكوية منها إلى قصاص أو ثأر. كان يجهل تماماً الدوافع الحقيقية خلف الاتهامات المنسوبة إليه. في إحدى مقابلاتي معه في اليونان بعد محاكمته وسجنه، صارحني بأنه يجهل سبب التساهل الذي تبديه السلطات الإيرانية أحياناً معه. فمرةً تسمح له بمغادرة البلاد، ومرةً تمنعه.

وعليه، فإن علاقة السينمائيين بنظام بلادهم ينطوي على قدر من اللبس لا نفهم منه الكثير. الأمر الذي يرد عليه رسول آف بالقول: "إلى الآن، لا أزال محظوراً، ولكن، لا أنتظر إذناً من أحد كي أصوّر. طبعاً، في البداية أتبع السبل التقليدية عبر طلب إذن تصوير، ولكن حتى لو رُفض طلبي، لا يمنعني هذا عن التصوير". 

سينما السجن

عملاً بهذا المبدأ، أنجز رسول آف ما لا يقل عن أربعة أفلام منذ منعه. "وداعاً" (2011) كان الفيلم الذي جاء به إلى مهرجان كان السينمائي ضمن تظاهرة "نظرة ما" حيث فاز بجائزة. الفيلم ثمرة احتجازه في السجن لمدة ثلاثة أسابيع، علماً أنه كتب نصّه بعدما أفرج عنه. صوّر الفيلم بالسر، ثم أرسل نسخة منه إلى إدارة المهرجان بالـ"دي أتش أل"، ونال جائزة الإخراج.

"رجل نزيه" (2017) أعاده إلى مهرجان كان السينمائي مجدداً. جائزة أخرى نالها في قسم "نظرة ما"، وهي الجائزة الكبرى. بعد ذلك، تسكّع لفترة في أوروبا. أقام في ألمانيا. فبعد خروجه من السجن، قرر أن يستقر هو وعائلته خارج إيران، إلا أنه ظل يزورها دورياً، موزعاً نفسه بين البلدين.

عندما التقيه في مهرجان كارلوفي فاري صيف 2017، أخبرني أن السلطات الإيرانية ممتعضة لأن "رجل نزيه" ضدها. مع ذلك، عاد إلى إيران بعدها بعشرة أيام، ليكتشف ماذا ينتظره. يومها قال: "النظام الإيراني لا يحب أن يرى تأثيره السيئ ولا يحبذ النظر في واقع الأمور. بعض النقد مقبول، ولكن له سقف معين، فيجب ألا يطال السيستم. لا أريد أن أستعمل كلمة ديكتاتورية، لأن إيران ليست ديكتاتورية. لدينا انتخابات، لكنها غير حقيقية".

السؤال الذي يطرح نفسه دائماً: هل تجوز صناعة سينما في مثل هذه الظروف؟ ألا يحتاج الفن إلى مناخ حر ليستمر؟ قد تفيد الرقابة أحياناً، ولكنها عبء إذا فُرضت على المدى الطويل. على الرغم من الحماسة التي تجعله يصوّر فيلماً بعد فيلم، يعترف رسول آف بأنه منهك. هذا الوضع يشعره بأنه صار عجوزاً. كل هذا النضال من أجل إنجاز فيلم يتعبه. فجأة، يقول: "ثم، أنهض من السرير، وكلّني استعداد للنضال. أؤمن بأن العدّاء يبلغ نقطة الوصول إذا آمن بالركض".

صحيح أن المقاربة النقدية للمجتمع الإيراني من أساسيات أفلام رسول آف، ولكن السينما هي التي تحظى بالقدر الأوفر من الاهتمام لديه. العلاقة بين القوي والضعيف هي محور سينماه، ولكن يبقى الأهم كيف يقول الأشياء لا ما يقوله.

دور المرأة في المجتمع الإيراني لطالما شغل رسول آف. في مرحلة سابقة، كان الأطفال هم الذين يهيمنون على السينما الإيرانية، الآن نجد أنه يجري استبدالهم بالنساء. يقول رسول آف: "القوانين المتعلقة بالمرأة، في الظروف السياسية التي تعيشها إيران، تجعل منها موضوعاً لنقاش كبير. شخصية المرأة في السينما حمّالة معانٍ. ما إن تضعها أمام الكاميرا، حتى يثقل الكادر برمزية لا حدود لها. دور المرأة في مجتمعنا مهم. نساؤنا أكثر شجاعة من رجالنا. هذا ما نشهده في إيران".

بعض السينمائيين يسعون إلى المتاعب والاستفزاز وإثارة الجدل. يعترف رسول آف أنه ليس من هذا الصنف. "أريد السينما فحسب. السينما سبب وجودي على هذه الأرض".

 

المزيد من ثقافة