Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عجوز فلسطينية تحيي التراث بحياكة القش

مهنة "الخواصة"... شارفت على الاندثار

حميدة الوحيدة التي لا تزال تعمل في مهنة سعف النخيل التي يهددها الانقراض (اندبندنت عربية)

تحت أشعة الشمس، تجلس "حميدة" برفقة أبنائها، في خيمة مصنوعة من القش، تراقب أوراق النخيل وتنتظرها حتى يتحول لونها من الأخضر إلى الذهبي الباهت، ولا تدع عينيها تغيب عنها، فتجفيفها لفترة طويلة قد يؤدي إلى تشققها أو تكسرها أثناء عملية تحويلها إلى تحفٍ فنية.

"حميدة"، تبلغ من العمر 70 عاماً، تعمل في "الخواصة" منذ نحو 50 سنة، كمهنة تراثية يشتهر بها البدو في فلسطين، تقول "تعلمت تحويل ورق النخيل إلى أواني وسلال من جدتي عندما كان عمري 20 سنة، وحافظت على تلك الصنعة كونها من التراث العربي".

خيمة في منطقة ريفية

و"الخواصة" هي مهنة قديمة مضى عليها عقود من الزمن، وتطلق على الأشخاص الذين يعملون في ورق النخيل، وتنتشر بالعادة في العراق، ومصر، وفلسطين، وعدد من بلدان الخليج والمغرب العربي، وعلى الأغلب يشتهر بها قبائل البدو. تبدأ "حميدة" عملها من الساعة السابعة صباحاً، تجلب الخوص (ورق النخيل الطويل) وتضعه في أشعة الشمس، لنحو ساعتين، يتحول خلالها لونه من الأخضر إلى الذهبي الفاتح، ثمّ تضعه في أكياس بلاستيكية لتحافظ على الرطوبة المتبقية به.

وفي خيمتها الصغيرة، الموجودة وسط منطقة ريفية، وتقع على قارعة الطريق الرئيسة لمحافظة دير البلح والتي تشتهر فيها زراعة أشجار النخيل.

تقول "حميدة" إنها ربما تكون آخر من يمارس هذه المهنة اليدوية الشاقة في قطاع غزّة، وإن مهنتها شارفت على الاندثار من زمن طويل، بسبب صعوبتها وعدم وجود إقبال على شراء منتجات الخوص بعد التقدم التكنولوجي الكبير الذي وصل له العالم.

حياكة النخيل

وبيدها المرتعشة، تعمل "حميدة" أوّل عقدة صغيرة من "الخوص" بواسطة إبرة المسلة (أداة قديمة مخصصة لحياكة ورق النخيل)، وبعدها تبدأ في عملية الحياكة التي تحتاج إلى تكتيك خاص، فتنسج ورق النخيل حول العقدة بشكل دائري، المجسم الذي تنوي "حميدة" صناعته سلة صغيرة مصنوعة من سعف النخيل، تقول "صناعة السلال تستغرق معي نحو ساعة ونصف تقريباً، هذا الوقت غير طويل، لكن العمل فيه متعب جداً، وأنا كبيرة في السن وهذا يرهقني".

يساعد "حميدة" أبناؤها، يتعلمون منها طريقة حياكة أوراق النخيل، وكيفية صناعة مختلف الأصناف التي يدخل السعف فيها، تعتبر أنه من المخيّب للأمل أن تختفي مهنة "الخواصة" لذلك تعلمها لأولادها.

مصدر رئيس للرزق

لكن ذلك يأتي إلى جانب أن أبناءها يعيشون من وراء هذه المهنة، فيقومون ببيع منتجات الحجة "حميدة" في الأسواق القديمة، وللمتاحف الفنية، والأماكن الشعبية، وكذلك نجحوا في تصدير الأطباق والسلال والتحف الأخرى خارج قطاع غزّة. ويقدر سعر المنتج الواحد من الخوص نحو 30 دولاراً أميركياً، لكن ذلك السعر غير مربح، وفقاً لقول السيدة المسنة، كون السلة الواحدة تستغرق وقتاً طويلاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوضع المعيشي في قطاع غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الإقبال على منتجات القش ضعيف جداً، وعلى الرغم من ذلك تعتمد أسرة "حميدة" على هذه المهنة بشكلٍ رئيس كمصدر رزق أساسي، في وقت وصلت مؤشرات الفقر المدقع في قطاع غزّة إلى نسبة 25 في المئة.

حرفة طول البال

وتسمي "حميدة" مهنة "الخواصة"، بحرفة طول البال، كونها تحتاج لصبر ووقتٍ طويل جداً، لإنجاز وتجهيز المنتجات، وكذلك تحتاج إلى أعصاب هادئة، وأيّ توتر يتسبب في إتلاف طبق القش. وتبدع "حميدة" في صناعة سلاسل القش، وأطباق الطعام، والمكانس، والمراوح اليدوية، والحصير، والحقائب والقبعات، والسفرة، والقفة، والجفير، والمهاف، والزنابيل، والقوصرة، والخصفة، وأوعية حفظ الأطعمة والتمر.

وتسمى الأدوات المشغولة من سعف النخيل بالخوص، أو السعفيات، وصناعة النخيل، ويطلق عليها الباحثون اسم صناعة المنسوجات النباتية، أما العرب والبدو منهم يسمونها "الخواصة". ولمزيد من التميز، أضافت "حميدة" الألوان إلى "الخوص"، وتقول إنّها "تسعى إلى جذب انتباه الزبائن من خلال جعل منتجات القش ملونة، وهذا النوع من الصناعة منتشر في بلاد المغرب العربي بكثرة".

النخيل ضمن التراث العالمي

في العام الماضي، صنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) شجرة النخلة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني كدليل للثقافة العربية، وذلك بناء على طلب من دول مصر والعراق والسعودية والبحرين واليمن والكويت والإمارات وفلسطين والسودان وتونس والمغرب. وقالت "اليونسكو" إنّ النخيل يعد أحد رموز عروبة الأرض والإنسان. وتسجيل ما يرتبط بها من عادات وتقاليد وحرف تراثية بقوائم منظمة التربية والثقافة يبرز استمرار مساعي صون الموروثات الحضارية للتميز في المجتمع العربي".

وبالنسبة إلى إسرائيل، فإنّها تعرقل تصدير منتجات سعف النخيل عبر المعابر، ولكن تسمح بتصدير "الخوص" (ورق النخيل) إلى أراضيها ضمن مواسم الأعياد اليهودية، وبعدها تمنع ذلك. ويقول أحمد البرش، نائب المدير العام لوزارة السياحة الفلسطينية، إن النخيل شجرة مميزة ومصدر جذب سياحي خصوصاً في منطقة أريحا في الضفة الغربية، ودير البلح في قطاع غزّة، وهذه الشجر تدر الكثير من الأرباح خلال موسم السياحة، لكنه متوقف هذه الفترة بسبب انتشار فيروس "كورونا".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات