Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كورونا" يعيد الكنيسة إلى صراع تاريخي بين العلم والإيمان

مجمع المطارنة الموارنة في لبنان يقرر التناول باليد... ومطالبات في مصر بإلغاء "الملعقة"

بمجرد تدفق الأخبار بشأن انتشار فيروس كورونا في أنحاء عِدة من العالم حتى اتخذت المؤسسات المختلفة تدابير احترازية في إطار جهود عالمية واسعة لمنع تفشي الفيروس القاتل، ومن بينها المؤسسات الدينية، وفي هذا السياق جاء قرار مجمع المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في لبنان بتغيير طريقة تناول الأسرار المقدسة "الإفخارستيا" في نهاية القدّاس لتكون باليد، بحيث يعطي الكاهن القربان والنبيذ للرعية يداً ليد من دون ملامسته، بدلاً عن وضعه بنفسه في الأفواه، وهذا القرار لم يمر من دون جدل.

وقبل أن تصدر الكنيسة في لبنان هذا القرار الخاص بالتناول، وهو التقليد الذي اتخذته عن المسيح في العشاء الرباني "العشاء الأخير" مع التلاميذ، عندما قسم معهم الخبز والنبيذ، نشب جدلٌ على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بشأن تطبيق تدابير مشابهة، خصوصاً أنه في نهاية القداس يقوم الكاهن بمناولة الشعب بملعقة واحدة "الماستير" ومن كأس واحدة يُطلق عليها "أواني المذبح المقدس".

وقف استخدام اللفافات العامة

بدأ الجدل عندما أعلنت بعض الكنائس القبطية الأرثوذكسية في أوروبا، وتحديداً في إيطاليا تعليق القداسات خضوعاً لأوامر السلطات المحلية مع انتشار فيروس كورونا، وذهبت إيبارشية اليونان للأقباط الأرثوذكس للإعلان عن اتخاذ احتياطات تشمل وقف استخدام لفافات عامة توضع على الفم بعد التناول، وعلى كل فرد أن يأتي بلفافه خاصة به وحده، وكذلك وقف استخدام الأغطية العامة الخاصة برؤوس السيدات، بحيث ينبغي على كل سيدة أن تحضر غطاء الرأس الخاص بها، حيث كانت الكنيسة من قبل توفر أدوات يتم تداولها بين المصلين، كما شملت إجراءات الكنيسة في اليونان منع تداول أكواب الشرب.

وعقب هذه الإجراءات، بدأ بعض الأقباط في مصر الدعوة إلى التخلي عن ملعقة التناول، وهي الدعوة التي قوبلت بالرفض والاستهجان من تيار آخر اعتبر الأمر ضعف إيمان وتشكيكاً في القدسية، لكن يبقى السؤال، هل استخدمت الكنيسة الأولى ملعقة واحدة خلال التناول؟ وهل وقف هذه الممارسة والبحث عن سُبلٍ بديلة ينتقص من الإيمان المسيحي؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انقسام بشأن الإجراء

وبالنسبة إلى الكنيسة في لبنان كان القرار سريعاً وحاسماً بالاتجاه إلى المناولة باليد، وأوضح الأب عبدو أبو كسم، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، لـ"اندبندنت عربية" أن هذا القرار اتخذه مجمع المطارنة الموارنة، لتجنب تفشي المرض بين الرعية.

وفيما احتج البعض على هذا الإجراء بدعوى أن القربان المقدس يشفي النفس والجسد، قال الأب عبدو "إن هناك تيارين، أحدهما رافض للخوف من المرض لأن بقوة القربان نستطيع القضاء على كل شيء خطير، وآخر يؤمن أيضاً بقدسية القربان، لكنه يستمع إلى نصائح الطب والعلم وضرورة أخذ الاحتياطات"، موضحاً "هذا يعني التكامل بين عناية الله والعلم الذي هو نعمة من الله أيضاً، وإلا لماذا يذهب المؤمن المسيحي إلى الطبيب عند المرض؟".

النية أهم من طريقة التناول

وأضاف "البطريرك حسم الأمر، فليس مهماً كيف نتناول القربان، ولكن المهم بأي نية يكون التناول، وهنا يمكن أن نصل إلى شيء جامع للمعترضين على الأمر، فالمهم النية وليس الوسيلة، ومن ثم هناك قرار صادر عن المجمع وله قوة قانون ملزمة، وعلى الجميع أن يلتزم  به ولو من باب الطاعة للآباء"، ودعا الجميع إلى الصلاة حتى يحمى الله الكون من هذه الأمراض التي تهدد البشرية.

وبالمثل، أعلنت بطريركية بابل للكلدان، توصيات للكهنة، شملت التناول باليد وليس عن طريق الفم، كما نوّهت إلى أنه في حال انتشار أوسع للوباء سيتم إلغاء القداسات والنشاطات.

 

الكنيسة المصرية تلتزم الصمت

وفي مصر، على الرغم من الجدل الذي اتخذ حيزاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي، فإنه حتى كتابة هذه السطور لم تعلن الكنيسة أي إجراءات لوقاية المصلين، ولا تزال تلتزم الصمت على الرغم من بدء الصوم الكبير، الذي يسبق عيد القيامة، حيث تقيم الكنيسة قداساً يومياً.

الكف عن الأحضان والقبلات

لكن بشكل غير رسمي، وفي تعليقات لقناة CTV التابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قال الأنبا رافائيل، الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، "نؤمن أن سر التناول هو سر الحياة، وهو الشافي من مرض الخطية، وأمراض الجسد والنفس والروح، وأرجو أن نقترب إلى سر التناول بهيبة وليس بفحص علمي".

ومن دون دليل تاريخي أو مادي، أشار إلى أنه "في أثناء انتشار أوبئة مثل الكوليرا والطاعون لم نسمع في كل تاريخ الكنيسة أن أشخاصاً ماتوا نتيجة التناول"، واكتفى بتوجيه المشاهدين إلى الكف عن الأحضان والقبلات عند التحية وضرورة غسل اليدين باستمرار.

كلام روحاني

من جانبه، علَّق الباحث القبطي كمال زاخر، على هذا الجدل، بقوله "أرى في هذه التصريحات كلاماً روحانياً يميل إلى العاطفة وليس للواقع، فالإيمان لا يتعارض مع المنطق والعلم"، وأوضح أن "القصة التي تبدأ من العشاء الأخير نقل فيها المسيح فكرة الذبيحة من شكلها الدموي إلى ذبيحة الخبز الذي يرمز إلى الجسد والخمر الأحمر الذي يرمز إلى الدم، قائلاً (مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه)، وكان هذا الأمر رمزياً، لأننا لا نأكل في الكنيسة لحماً ودماً بشكل حقيقي، بل الهدف هو غفران الخطايا".

وأضاف زاخر "الناس غالباً ما يخلطون بين العقيدة والطقس، فالعقيدة هي ما نؤمن به، بينما الطقس هو تعبير عن الإيمان بممارسة معينة، وما نؤمن به لا خلاف عليه، أما الممارسة فتخضع لظروف الكنيسة واحتياجها وظروف الزمن".

وأشار إلى أن المسيح لم يستخدم ملعقة أو الأدوات التي تستعملها الكنيسة في وقتنا الحاضر، لكن حسب ما هو مذكور في الكتاب المقدس "أخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطى"، وهي الأمور الثلاثة التي تتمسك بها الكنائس التقليدية، كما يذكر الكتاب المقدس قول المسيح خلال العشاء متحدثاً عن يهوذا "الذي يغمس يده معي في الصفحة يسلمني"، ما يعني أن التلاميذ تناولوا بأيديهم ولم يعطيهم المسيح في الفم".

متى صدر قرار منع خروج الذبيحة؟

وتابع "التغير حدث مع توسع الكنيسة والتطور الزمني، وبينما كان يمكن للمؤمنين في القرون الأولى أن يأخذوا بعضاً من القربان والنبيذ إلى البيت من أجل المرضى ممن لم يتمكنوا من حضور القداس، حيث كان يُقام في ذلك الوقت قداس واحد أسبوعياً، بدأ البحارة وأصحاب المراكب والسفن في أخذ البعض من القربان على اعتبار أنه تميمة تحفظ سفنهم، ما أثار قلق الكنيسة من تحول الأمر إلى عبادة وثنية، وهو أمر يتعارض مع العقيدة، لذا صدر قرار بمنع خروج الذبيحة (الخبز والخمر) خارج الكنيسة، وأن تكون بيد الكاهن فقط يناولها للشعب".

وأشار زاخر إلى أن القول بأن التناول لا ينقل المرض هو نوع من الفكر الشعبوي، لأن التناول لا يمنع الموت أو يشفي أمراض الجسد، وهذا لا يقلل من قدسيته، بل بحسب قول المسيح فإنه يُعطى لغفران الخطايا ولمنح حياة أبدية لمن يتناول منه، وبهذا يرفع تفكيرنا من المستوى المادي إلى الروحي.

الكنيسة تجيز الاستثناء

وتابع "أيضاً عندما يذهب الكاهن لمناولة شخص مريض في المنزل أو المستشفى لا يأخد معه (الماستير) والكأس، ولكن يأخذ القربان وقنينة صغيرة بها قليل من النبيذ الذي يرمز إلى الدم ويغمس القربان فيه ويناول الشخص، ومن ثم فإن الكنيسة تجيز الاستثناء في وقت الحاجة". ودعا الباحث القبطي مجمع الأساقفة إلى حسم الأمر سريعاً، لأن ما يحدث الآن بلبلة ليست في صالح الكنيسة.

وتتفق ليديا عادل، الباحثة في علوم اللاهوت لدى المعهد البابوي الشرقي في روما، مع زاخر قائلة إن "سر الإفخاريستيا يكمن في أنه يُعطي طهارة وشفاء لأمراض نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا، والمقصود ليس شفاء أمراض الجسد الترابي، بل تطهير وشفاء النفس والجسد والروح، وهي العناصر التي يتكون منها الإنسان، فالشفاء والتطهير هنا هو بمعنى الشفاء والتطهير المستمر من الخطية وليس مرض كورونا".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات