انتقل الصراع بين "الحراكيين" إلى الحكومة، وبات الوزراء في صلب معركة "شعبوية" مع كل إجراء أو تصريح أو اتفاقية، وهو الوضع الذي يعيشه وزير التجارة كمال رزيق منذ إعلانه عن إحياء مشروع إقامة مصنع تابع لشركة "المراعي" السعودية لمواجهة مافيا الحليب.
وزير وسط معركة الحراكيين
وفتح قرار وزارة التجارة بغلق شركة "دانون" للحليب ومشتقاته بسبب مخالفات تتعلق باستخدام مواد منتهية الصلاحية، مع سحب منتوجاتها من الأسواق، بعد أسبوع من الإعلان عن استعداد وزارته التعاقد مع شركة "المراعي" لإنهاء أزمة الحليب التي باتت تستهلك أكثر من 1.2 مليار دولار استيراد، فتح أبواب "جهنم" على الوزير كمال رزيق الذي وجد نفسه وسط معركة الحراكيين.
وكشف وزير التجارة أنه طلب رسمياً من السفير السعودي عبد العزيز بن إبراهيم العميرني، إعادة بعث مشروع شركة "المراعي" بالجزائر، مشيراً إلى أنه سيستقبل في غضون الأشهر المقبلة ممثلين عن هذه الشركة السعودية لإعادة إحياء المشروع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحرب ضد مافيا الحليب
وكان رزيق استقبل السفير السعودي في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي، برفقة الوزير المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية عيسى بكاي، وبحث الطرفان سبل تطوير الشراكة والتعاون الثنائي بين البلدين، ونوّه بالعلاقات الثنائية "المتميزة" التي تشهد "تطوراً مستمراً" ما يؤهلها للوصول إلى شراكة حقيقية بين الجانبين من شأنها رفع حجم المبادلات التجارية وتخدم اقتصاد البلدين، داعياً المتعاملين الاقتصاديين السعوديين إلى الاستفادة من مناخ الأعمال والامتيازات التفاضلية التي تقدمها الجزائر للشركاء خصوصاً الأشقاء، وما يحمله قانون المالية 2020 من تسهيلات في هذا الجانب، إضافة الى بقية المجالات كشبكات التوزيع الكبرى.
ولم يمر اللقاء مرور الكرام، لا سيما على إثر غلق مصنع "دانون" حيث يشترك الطرف الفرنسي مع مجموعة جزائرية، وشنت أطراف هجوماً واسعاً على رزيق، واتهمته بمحاولة تغيير توجهات الجزائر ومتطلبات المرحلة بتحطيمه الإنتاج المحلي وتفضيله وتشجيعه الاستيراد على الإنتاج المحلي، في حين اعتبرت جهات أخرى الخطوة تقدماً في سلّم التعاون العربي، بما يحقق شراكة رابحة، بعكس التوجه نحو الشركات الغربية وبشكل خاص الفرنسية التي تعاني الإفلاس.
ويأتي قرار وزير التجارة في سياق ما سماه "الحرب ضد مافيا الحليب" التي أعلنها في 25 يناير الماضي، عندما أكد أن مصالحه لن تتهاون في محاصرة وردع كل من يتلاعب بهذه المادة الأساسية في غذاء الجزائريين، وأشار إلى أنه "يرفض مقترح رفع المعروض من الحليب لامتصاص الندرة"، لأن "الحلّ لا يكمن في ذلك، وإنما يتطلب تنظيم السوق ومحاربة السمسرة"، ووصف من يتلاعبون بـ "حليب الجزائريين" ببقايا العصابة التابعة لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، معلناً أن هذه العصابة ستكون أولى ضحايا حربه على من ينهبون المواد المدعّمة من قبل الدولة.
سيطرة لمدة 20 سنة
في السياق ذاته، أكد أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة دالي إبراهيم بالعاصمة الجزائر، ياسين بوخاري لـ "اندبندنت عربية" أن الوزير كمال رزيق يحاول إيجاد حل للثغرة المالية التي تسببت فيها أزمة الحليب، وقال إنه يعلم أن بقايا "العصابة" من رجال المال يقفون وراء الأزمة، وقد سيطروا على سوق الحليب في الجزائر منذ حوالى 20 سنة، مضيفاً أن استيراد بودرة الحليب بفاتورة تتجاوز سقف ملياري دولار "أمر يؤكد وجود ثغرة كبيرة تقف وراءها "لوبيات" تريدنا أن نبقى دائماً في تبعية لاستيراد هذه المادة"، وعوض أن ننتهجها في الجزائر، فقد تم تحطيم بعض منتجي الحليب المحليين من طرف أشخاص في المؤسسات الحكومية.
وتابع بوخاري أن الاستنجاد بشركة "المراعي" ليس بالحل الأمثل، ولكن يريد الوزير أن ينهي سيطرة بقايا "العصابة" على هذا القطاع، وهو بذلك وجّه رسائل مشفرة إلى الجهات التي تقف وراء الأزمة، والتي باتت معروفة بعلاقتها مع فرنسا، موضحاً أنه يمكن أن تكون الشراكة مع "المراعي" في صالح الطرفين، ولا يتحقق ذلك إلا عبر التفاوض الجيد.
عصر العصابة... ولى
وسط هذه الأجواء، أعلن رزيق العثور على "فئران" بأكياس الحليب في ملبنة تقع شرق الجزائر، مؤكداً أنه يتم التسامح مع أخطاء الفاتورة أو السعر، لكن لا نقاش في الأمور الصحية، لافتاً أنه بالنسبة للمؤسسات التي لا تراعي المعايير الصحية، تقوم وزارة التجارة بغلق أو تشميع تحفظي، أما الغلق النهائي فهو من صلاحيات العدالة. وردّ رزيق على بعض الحملات الإعلامية الموجهة بالقول إن الشطحات الإعلامية المسجلة هنا وهناك والتشكيك في نزاهة عملنا وإجراءاتنا، هي شطحة الديك المذبوح فقط، مشيراً إلى أن صحة المستهلك الجزائري خط أحمر، و "لا يوجد شخص ولا مؤسسة فوق القانون"، وختم أن "عصر العصابة ولى إلى الأبد".