Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قدرة الغابات المدارية على امتصاص الكربون تبلغ "نقطة حرجة"

"ما نشهده حاليا هو من أكثر النماذج المناخية تشاؤماً"

غابات الأمازون المطيرة ستطلق الكربون ولن تمتصّه من الغلاف الجوي عمّا قريب ما لم يوضع حد لاجتثاث الغابات وانبعاثات غازات الدفيئة (غيتي)

بعد تتبّع حال 300 ألف شجرة على مدى 30 عاماً، أظهرت دراسة نُشرت نتائجها أخيراً أنّ قدرة غابات العالم المداريّة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجويّ للأرض تتراجع.

ويقول فريق علماء دولي بقيادة جامعة "ليدز" البريطانيّة، إنّهم يخشون من أنّ يكون ما تبقى من غابات العالم المداريّة العذراء بدأ فعلاً في التحوّل من كونها خزاناً حيويّاً للكربون، إلى أنّ تمسي في نهاية المطاف مصدراً عاماً لغاز الكربون.

وتُعرف الغابات المداريّة بأنّها بالوعة أساسيّة لامتصاص الكربون، تُبطئ من وتيرة تغيّر المناخ من طريق إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجويّ وتخزينه في الأشجار، في سياق عملية تُسمى عزل الكربون أو احتجازه.

صحيح أنّ توقعات النماذج المناخيّة تشير عادة إلى أنّ خزان الكربون الذي توفّره الغابات المداريّة سيبقى قائماً لعقود من الزمن. بيد أنّ عوامل مؤثِّرة على غرار الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، التي في مقدورها إبطاء نمو الأشجار والتسبّب في موتها، تدلّ على أنّ الغابات تغدو مصادر صافية لثاني أكسيد الكربون.

وعندما لا تعود أشجار الغابات تحتجز الكربون، قد يكون التأثير الذي يتركه ذلك في غازات الدفيئة الموجودة في الغلاف الجوي مدمراً لكوكب الأرض، بحسب ما يحذّر الباحثون.

في سياق متصل، قال سايمون لويس، وهو بروفيسور وباحث بارز في كلية الجغرافيا في جامعة "ليدز"، إنّ "أحد الشواغل الكبيرة المتعلِّقة بمستقبل البشرية يتمثّل في الانطلاق الفعليّ للأثر المرتد لدورة الكربون، فيما تنتقل الطبيعة من العمل على إبطاء وتيرة تغيّر المناخ إلى تسريعها".

أضاف، "بعد سنوات من عمل متعمّق في غابات الكونغو والأمازون المطيرة، وجدنا أنّ أحد آثار تغيّر المناخ الأكثر مدعاة للقلق قد بدأ فعلاً. وللأسف، يستبق ذلك بعقود التكهنات الأكثر تشاؤماً التي توصّلت إليها النماذج المناخيّة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجدت الدراسة التحليليّة الجديدة التي استغرقت ثلاثة عقود، التي شهدت نمو وموت أشجار في 565 غابة استوائيّة لم يتدخّل فيها الإنسان بعد في أنحاء أفريقيا والأمازون، أنّ امتصاص الكربون بشكل عام في غابات الأرض المداريّة السليمة وصل إلى ذروته في تسعينيات القرن العشرين.

في حلول عقد 2010، انخفضت قدرة الغابات المداريّة على امتصاص الكربون بنسبة الثلث، في المتوسط. وقال الباحثون إنّ هذا التحوّل مدفوع إلى حدّ كبير بالكربون الذي يطلقه موت الأشجار.

تقدِّم الدراسة التي أنجزها زهاء مئة مؤسسة الدليل الأول الواسع النطاق على أنّ امتصاص الكربون بواسطة غابات العالم المداريّة بدأ فعلاً يتراجع على نحو مقلق.

وتطرّق إلى هذه الظاهرة أيضاً الدكتور وانس هوباو، الباحث الرئيس في الدراسة، وقال إنّهم "بيّنوا أنّ تسعينيات القرن العشرين شهدت الذروة في امتصاص الكربون من الغابات المداريّة العذراء.

وأضاف "عبر الجمع بين بيانات من أفريقيا ومن الأمازون، بدأنا نفهم سبب تغيّر تلك الغابات، إذ تعدّ مستويات ثاني أكسيد الكربون ودرجة الحرارة والجفاف وديناميات الغابات، عوامل أساسيّة في ذلك التحوّل. صحيح أنّ الكمية الإضافيّة من ثاني أكسيد الكربون تعزِّز نمو الأشجار، لكن تُقابل هذا التأثير بشكل متزايد سنوياً التأثيرات السلبية لارتفاع درجات الحرارة والجفاف، التي تبطئ بدورها نمو الأشجار ويمكن أن تؤدي إلى موتها".

وفقاً لهوباو، "تظهر نمذجة تلك العوامل انخفاضاً طويل الأجل في خزان الكربون الأفريقيّ مستقبلاً، وتبيّن أنّ خزان الكربون الأمازوني سيستمرّ في التدهور على نحو سريع، ونتوقّع أن يصبح مصدراً للكربون في منتصف ثلاثينيات القرن الحالي".

وعلى سبيل المثل، وجدت الدراسة أنّه في تسعينيات القرن الماضي، امتصت الغابات المداريّة السليمة زهاء 46 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجويّ، لكنّ المعدل انخفض إلى قرابة 25 مليار طن فقط في عقد 2010.

تمثّل السعة المفقودة في عقد 2010 مقارنة بتسعينيات القرن الماضي، 21 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، أيّ ما يعادل عقداً من انبعاثات الوقود الأحفوريّ من المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا، مجتمعةً.

عموماً، امتصّت الغابات الاستوائية السليمة 17 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تسبّب بها الإنسان في تسعينيات القرن العشرين، ولكنّ تلك النسبة تدنّت إلى 6 في المئة فقط بين 2010 و2019.

الحال أنّ ذلك الانخفاض يعود إلى تراجع قدرة تلك الغابات على امتصاص الكربون بنسبة 33 في المئة، وتقلّصت مساحة الغابات السليمة 19 في المئة، فيما ارتفعت في المقابل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالميّة 46 في المئة.

لكن الفريق يرى أن الوقت ما زال متاحاً من أجل وقف تعاظم الأثر المرتد لدورة الكربون، في حال تحرّكت البشريّة الآن في سبيل خفض الانبعاثات.

وفي هذا الصدد، قال البروفيسور لويس إنّ "الغابات المداريّة السليمة ما زالت تشكِّل خزاناً مهماً للكربون، بيد أنّ البحث الأخير يكشف أنّه إذا لم توضع سياسات تسهم في استقرار مناخ الأرض، لن يطول الأمر قبل أن تستنفد الغابات قدرتها على امتصاص الكربون.

في الواقع، "والوقت ينفد في ما يتعلّق بالتصدِّي لأزمة تغيّر المناخ"، وفقاً للويس.

في الدراسة، بغية احتساب مستوى التغيّرات التي تطاول مخزون الكربون على مرّ العقود، قاس العلماء قطر كل شجرة على حدة وقدّروا ارتفاعاتها ضمن 565 مساحة متفرقة من الغابات، وعادوا إلى الغابات نفسها كل بضع سنوات كي يجروا عمليات قياس جديدة.

 وعبر احتساب معدل الكربون المخزّن في الأشجار التي نجت وتلك التي يبست، تتبّع الباحثون التغيّرات التي شهدها مخزون الكربون هذا مع مرور الوقت.

بعد إتمام عمليّة إعادة القياس النهائيّة، استخدم الباحثون الذين تولوا الدراسة نموذجاً إحصائيّاً واتجاهات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ودرجة الحرارة وهطول الأمطار، كي يقدّروا التغيّرات في مخزون الكربون الحرجيّ حتى عام 2040.

وعبر الجمع بين بيانات من شبكتي بحث كبيرتين عملتا على رصد الغابات في جميع أنحاء أفريقيا والأمازون، كشف الباحثون أنّ خزان الأمازون بدأ يضعف أولاً، ابتداءً من منتصف تسعينيات القرن العشرين، تلاه ضعف مماثل في الخزان الأفريقي بعد حوالى 15 عاماً.

وعزا الباحثون الاختلاف بين القارتين إلى واقع أنّ غابات الأمازون أكثر ديناميكيّة من نظيرتها الموجودة في أفريقيا، ولديها القدرة على مواجهة تأثيرات مناخيّة أقوى.

فغابات الأمازون عرضة لدرجات حرارة أعلى، وتواجه ازدياداً متسارعاً في ارتفاع درجات الحرارة، وجفافاً أكثر تكراراً وشدّة، مقارنة بالغابات الأفريقيّة.

أمضى الدكتور هوباو والبروفيسور لويس وزملاؤهما سنوات يسافرون إلى مواقع ميدانية بعيدة كثيرة، بما في ذلك تمضية أسبوع في زورق مصنوع من جذع شجرة للوصول إلى "متنزه سالونغا الوطنيّ" في وسط جمهورية الكونغو الديمقراطيّة.

وقال الدكتور هوباو إنّ "قدرة الغابات على إبطاء وتيرة تغيّر المناخ عامل حاسم في فهم الكيفية التي يعمل بها نظام الأرض، لا سيما كمية الكربون التي يمتصّها كوكبنا والكمية التي تُطلق في الغلاف الجويّ من هذا الغاز... لذا، تكتسب المتابعة الميدانيّة المستمرّة للغابات المداريّة السليمة أهمية في تتبّع الآثار التي يتركها تسارع تغيّر البيئة. نحن بحاجة إلى ذلك أكثر من أي وقت مضى، لأن آخر ما تبقى من غابات كوكبنا المداريّة العظيمة مهدّد بشكل لم يسبق له مثيل".

كذلك سلّط الباحثون الضوء على حقيقة أنّ الغابات المداريّة ما زالت تشكِّل خزانات ضخمة من الكربون، إذ تحوي 250 مليار طن منه في أشجارها وحدها. يعادل ذلك 90 عاماً من انبعاثات الوقود الأحفوريّ العالميّة، وفقاً لمستوياتها اليوم.

وفي تطوِّر متصل، قال الباحث في الدراسة البروفيسور بونافنتور سونك من جامعة "ياوندي الأولى" في الكاميرون، إنّ "سرعة التغيّر في تلك الغابات وحجمه يشيران إلى أنّ تأثيرات المناخ في المناطق المداريّة ربما تصبح أشدّ وطأة ممّا يرد في التوقعات السابقة. لذا، على البلدان الأفريقيّة والمجتمع الدوليّ الاستثمار جديّاً في الاستعدادات للآثار المتواصلة التي يخلّفها تغيّر المناخ في المناطق المداريّة".

ويُرجح أن تمتص الغابات المداريّة كميّة من الكربون دون التوقعات السابقة، فقد تحتاج ميزانية الكربون وأهداف الانبعاثات إلى إعادة تقييم من أجل احتساب ذلك.

أمّا "التهديدات المباشرة على الغابات المداريّة وتقتضي إجراءات عاجلة، فهي اجتثاث الغابات وقطع الأشجار ونشوب الحرائق"، بحسب ما ذكر البروفيسور لويس.

"علاوة على ذلك، يعدّ استقرار مناخ الأرض عاملاً ضروريّاً في إرساء توازن كربونيّ في الغابات الاستوائيّة السليمة. وعبر تصفير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بوتيرة أسرع من المتوقع حالياً، من الممكن تجنب تحول الغابات المداريّة السليمة إلى مصدر كبير للكربون في الغلاف الجويّ. بيد أنّ تلك الفرصة من الإمكانيات السانحة تتلاشى على نحو سريع"، على ما قال البروفيسور لويس.

( نُشر هذا البحث في مجلة "نيتشر"، تحت عنوان "تشبّع خزان الكربون غير المتزامن بين الغابات المدارية الأفريقيّة والأمازون")

© The Independent

المزيد من بيئة