التدخين

كيف انتشر التدخين وسطع نجم"السيجارة"؟

تدخين السجائر أمر شائع اليوم. لكن من دخّن السيجارة الأولى؟ كيف أشعلها ولماذا تنشقها؟ وكيف انتشرت هذه الممارسة وطافت الكرة الأرضية بأكملها؟

تقول الأسطورة إن الأمر بدأ مع أحد السكان الأصليين في أميركا الوسطى منذ نحو ألفي عام. كانت القبيلة التي ينتمي إليها هذا الشامان تعاني من جفاف حاد بفعل انحسار المطر، فراح يفكر ويبحث: ما السبيل لاستجلاب المياه؟ كان يعلم أن المطر مرتبط بالسحاب، وخلص إلى أنه إذا استطاع أن يخلق السحاب سيهطل المطر. تفكير سليم منطقياً، لكن كيف نخلق السحاب؟ الجواب كان التبغ. راح هذا الشامان يحرق التبغ ويدخنه بواسطة الغليون، عساه ينتج ما يكفي من "السحاب" لاستعادة المطر. لم يفلح طبعاً، لكن يبدو أنه خرج باكتشاف جديد: التدخين.

البداية والانتشار

التبغ نبتة قديمة جداً، جنس يتبع لفصيلة الباذنجانيات، وموطنها الأصلي القارة الأميركية، حيث ظهرت قبل نحو ثمانية آلاف عام. أما تدخينها، فبدأ مع شعب المايا في أميركا الوسطى خلال مراسم دينية حوالى القرن الأول قبل الميلاد، أي قبل نحو ألفي سنة، وفق ما أظهرت الأبحاث الأثرية.

كان الشامانيون من السكان الأصليين في أميركا، يستخدمون التدخين في طقوس دينية وروحية وحتى في علاجات طبية، إذ كانوا يعتقدون أنه يشفي من أمراض عدة، مثل الربو وآلام الأذن ومشكلات الأمعاء والحمى ولدغات الحشرات وغيرها.

هجرات شعب المايا ما بين عامي 470 و630 ميلادي، أسهمت في انتشار التدخين في القارة الأميركية، إذ راحت تتبناه المزيد من القبائل في مراسمها وطقوسها. أما أوروبا، فلم تعرف التدخين إلا بعد اكتشاف كريستوف كولومبوس للقارة الأميركية في أواخر القرن الخامس عشر. هناك تعلم البحارة البرتغال والإسبانيون هذه العادة وأتوا بها إلى بلادهم، لكن أول المدخنين بينهم لم يسلم من نار التدخين.

تقول الحكاية إنه عندما وصل كولومبوس إلى أميركا، كان البحار رودريغو دي جيريز أول شخص غير أميركي يدخن. لكن عندما عاد إلى بلدته الإسبانية أيامونتي وأشعل فيها غليونه مدخناً، اعتُبر كافراً وأمرت المحكمة برميه في السجن. فمن غير الشيطان قادر على إصدار الدخان من فمه وأنفه؟ حُبس رودريغو نحو سبع سنوات قبل أن يصبح الدخان شائعاً في أوروبا ويطلق سراحه.

وتقول الحكاية أيضاً، إنه كان للملكة الفرنسية كاترين دو مديسي فضل في انتشار التبغ في أوروبا. ففي القرن السادس عشر، وصف لها الطبيب جان نيكو، الذي تعود له تسمية نيكوتين، التبغ بأسلوب السعوط، أي الاستنشاق، كعلاج للصداع النصفي الحاد الذي كانت تعاني منه، حتى يسهم العطس الذي كان يسببه في إخراج الألم. سُرّت الملكة بهذه الوصفة وأصبحت تتناول السعوط باستمرار حتى انتشر في أوساط حاشيتها والطبقة الوسطى في كل من فرنسا والبرتغال وإسبانيا.

وفيما كان المدخنون يبتكرون أساليب جديدة وأقل ثمناً للتدخين، بما فيها الغليون الفخاري والسيجار والسعوط، انتشرت هذه العادة في أوروبا وآسيا وغرب أفريقيا بحلول القرن السابع عشر وأصبحت شائعة على رغم بعض المقاومة الشرسة. فملك إنجلترا جايمس الأول اعتبر التبغ "عادة همجية"، والكنيسة الكاثوليكية أعدمت خمسة رهبان بسبب التدخين خلال مراسم دينية، والسلطان مراد العثماني أمر بقطع رأس أي شخص يقبض عليه وهو يدخن في مكان عام، وهي إجراءات سقطت كلها أمام سيادة التدخين.

عصر ذهبي

في البداية، كان التبغ يتناول عبر المضغ أو الشم، أما السجائر فكانت سلعاً فاخرة غالية الثمن تلفّ يدوياً لنخب أوروبا. ومع انتشار التدخين، ظهرت أولى الآلات للف السجائر على يد الأميركي جيمس بونساك عام 1880 وحملت اسم "بونساك ماشين". وجاء الصناعي البريطاني هنري ويلز عام 1883 ليستثمر هذا الاختراع، وتبعه من ثم الأميركي جيمس بوشانان ديوك الذي أسس "الشركة الأميركية للتبغ" عام 1890.

وهكذا، شهد قطاع السجائر ثورة أتاحت الإنتاج بكميات كبيرة وبأسعار رخيصة، مدعوماً بحملات إعلانية كثيفة وعلاقات متينة لأرباب القطاع مع الأحزاب السياسية وصناع السياسات، ما سمح لشركات التبغ بتوسيع أسواقها. كما لعبت إنتاجات هوليوود السينمائية دوراً في تجميل صورة المدخنين، وباتت هذه الممارسة مقبولة في المنازل وأماكن العمل والحانات وفي أوساط جميع الطبقات الاجتماعية. حتى إن الحربين العالميتين بفظاعاتهما شكلتا قوة دفع جديدة للقطاع، إذ راحت الحكومات تشتري السجائر لتوزعها على المحاربين مجاناً كوسيلة لإراحتهم نفسياً وتعزيز روحهم المعنوية.

لكن في النصف الثاني من القرن العشرين، بدأت العواصف تهب في وجه قطاع التبغ مع ظهور الدراسات التي تثبت آثاره الصحية السلبية وصلته بالأمراض مثل سرطان الرئة، فضلاً عن انكشاف مساعي أرباب القطاع للتأثير في صنع السياسات العامة تحقيقاً لمصالحهم وتعزيزاً لثرواتهم.

وفي أواخر القرن العشرين، انتصرت أول دعوى قضائية ضد شركات التبغ بشأن الأمراض المرتبطة بالتدخين. وفي عام 2004، أصبحت إيرلندا أول دولة في العالم تمنع التدخين في أماكن العمل المغلقة، لتليها دول أخرى.

 

زراعة التبغ

يزرع التبغ في مناطق دافئة، وتبقى نبتته مزروعة لما بين 90 و120 يوماً قبل الحصاد الذي عادةً ما يتم في الصباح الباكر قبل شروق الشمس أو عند غروبها.

بعد الزرع والحصاد، يأتي دور التجفيف الذي يمكن أن يتم بطرق مختلفة في حظائر مخصصة لذلك. وتقوم الطريقة التقليدية على شك أوراق التبغ وفقاً لحجمها باستخدام الخيطان. ثم تعلق الأوراق المشكوكة على قضبان خشبية في غرف تخضع لشروط الحرارة والرطوبة المناسبة لمدة تتراوح بين أربعة وثمانية أسابيع. ومنعاً لتكسّرها خلال عملية النقل، ترطّب الأوراق المجففة ثم ترتب وفق الحجم واللون والجودة، وتوضع في رزم استعداداً للشحن.

في المصانع، يخضع التبغ لدورة تصنيع جديدة لتحسين طعمه، تشمل تجفيفه وترطيبه مجدداً ثم تعتيقه في براميل لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، فتنمو نكهة التبغ ورائحته. وبعد انتهاء هذه المرحلة، تخضع الأوراق مجدداً للترطيب.

وللوصول إلى نكهة محددة، تمزج المصانع أنواعاً مختلفة من أوراق التبغ وتضغط في قوالب جاهزة للفرم عبر الآلات لاحقاً. وعند الفرم، تضاف مواد إضافية لتحسين النكهة.

وأخيراً، عندما يصبح المزيج جاهزاً، تصنع السجائر في المصانع ويتم توضيبها استعداداً لطرحها في الأسواق.

 أساليب متنوعة

مع شيوع التدخين في كل أنحاء العالم، تنوعت أساليبه، ومن أشكاله نرى السجائر، والسيجار، والنرجيلة، وتشيلوم (أنبوب التدخين)، وسجائر البيدي، والسجائر الإلكترونية وغيرها.

إضافة إلى ذلك، ظهرت منتجات التبغ عديم الدخان، وهي تلك التي يتم تناولها بأساليب غير التدخين. تتكون هذه المنتجات من تبغ مخصص للمضغ أو المص أو الاستنشاق أو الذوبان بدلاً من التدخين.

وجميع هذه الأساليب والمنتجات تحتوي على مادة النيكوتين وعلى مواد كيماوية بدرجات متفاوتة، ما يعني أنها قد تسبب أيضاً الإصابة بالأمراض. فالنيكوتين مادة موجودة في التبغ وتجعل الإقلاع عنه صعباً لأنها تسبب الإدمان، فهي تنتج تأثيرات مرضية في الدماغ لكنها موقتة، ما يدفع الفرد للجوء إلى التدخين مجدداً.

نجمة التدخين: السيجارة 

هي من دون شك الوسيلة الأكثر استخداماً لتناول التبغ، حتى باتت لديها مساحات زمنية ومكانية خاصة بها، كاستراحة السيجارة (Cigarette break) المتعارف عليها في أماكن العمل والتي دفعت كثراً من غير المدخنين إلى البدء بتناول السجائر طمعاً بالانضمام إلى الزملاء في هذه الاستراحات المتكررة على مدى الدوام، والتي تشهد من دون شك الكثير من الأحاديث والثرثرة عن كواليس العمل والشؤون الشخصية.

تأتي السيجارة على شكل أسطوانة صغيرة تحتوي بشكل أساسي على مادة التبغ القابلة للاشتعال وتكون ملفوفة بورق رقيق جداً. وللسيجارة طرفان، الأول مخصص لإشعالها والثاني يضعه المدخّن في فمه ليستنشقها وغالباً ما يضم فيلتراً صغيراً. تتكون السجائر الحديثة بشكل أساسي من مزيج التبغ، والورق، والغراء اللاصق، والفلتر.

الورق

يختلف بقدرته المسامية للسماح بتهوئة التبغ داخل السيجارة ويحتوي على مواد تسهم في السيطرة على سرعة الاحتراق وإنتاج الرماد.

وعند الجزء العلوي من السيجارة الذي يحيط الفلتر ويوضع في الفم، يساعد الورق في السيطرة على اللعاب ويخفف من الاحتراق، ويحتوي ثقوباً صغيرة محفورة بالليزر للتخفيف من الدخان.

يلصق الورق ببعضه بغراء لاصق.

مزيج التبغ

السجائر الحديثة تتكون بشكل أساسي من أوراق تبغ مفرومة إضافة إلى مكونات ثانوية.

يزرع التبغ في أماكن مختلفة حول العالم وقد تختلف نكهته من عام لآخر بسبب العوامل المناخية. وقد يكون مزيج السيجارة مؤلفاً من أوراق أنواع مختلفة من التبغ التي يتم اختيارها ومعالجتها وتعتيقها قبل مزجها وتعبئتها.

تضاف مكونات عدة إلى مزيج التبغ لتحسين نكهة السيجارة، بما فيها السكر للتخفيف من حدة الدخان. وعدد هذه المكونات بالمئات، ومنها مواد كيماوية لا تدرج عادةً في مكونات السيجارة.

الفلتر

أو مرشح السيجارة. يضاف في الجزء العلوي من السيجارة ويوضع في الفم عند التدخين.

يمكن أن يقلل الفلتر بعض المواد التي يتنشقها المدخن لكنه لا يجعل التدخين أكثر أماناً.

 انكشاف المضار

عوامل كثيرة تؤثر في تفشي وانتشار ظاهرة التدخين، ومنها العامل الثقافي، فالصبي الذي ينشأ في منزل يرى فيه والده أو جده يمارس التدخين، قد يربط هذه الممارسة بالرجولة والقوة ويلجأ إليها. كما قد يكون التدخين جزءاً من التقاليد الاجتماعية حيث يقدم للزائر كعلامة على حسن الاستقبال والعلاقات الوطيدة. والنرجيلة مثلاً أصبحت منتشرة في أوساط الشباب خصوصاً وباتت منتجاً أساسياً في الحانات والمقاهي والمطاعم. أما السيجار فتحول إلى منتج يرمز إلى مكانة اجتماعية رفيعة ويضع مدخنه في خانة الطبقة الغنية أو المخملية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السينما والأفلام ووسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، لعبت دوراً كبيراً في التسويق للتدخين، لكن مع انتشاره راحت مضاره الصحية تتكشف شيئاً فشيئاً.

1602

كاتب بريطاني مجهول ينشر مقالاً عن عمل منظفي المداخن ويقول فيها إنهم معرضون لأمراض بسبب سخام المداخن (سواد الدخان)، مشيراً إلى أن التبغ قد تكون له تأثيرات مماثلة، لتكون تلك أول دراسة تنشر عن مساوئ التدخين.

1795

الطبيب الألماني صموئيل توماس فون سوميرينغ يقول إنه يرصد مزيداً من سرطانات الشفاه والفم لدى مدخني الغليون.

1798

الطبيب الأميركي بنجامين راش يكتب عن أخطار التبغ الصحية.

1920 – 1930

صدور أولى التقارير الطبية بشأن الصلة بين التدخين وسرطان الرئة، لكن وسائل الإعلام امتنعت عن نشر نتائجها كي لا تخسر عوائد إعلانات شركات التبغ.

1950 – 1970

صدور سلسلة من التقارير الطبية تؤكد أن التدخين يسبب عديداً من الأمراض الخطيرة.

 

مساوئ صحية جمة

بحسب إدارة الغذاء والدواء الأميركية، يتعرض المدخنون لمزيج سام يشمل نحو 7000 مادة كيماوية، أكثر من 70 منها يمكن أن تسبب السرطان. وتشمل هذه المواد: المسبب للإدمان، القطران وهو مادة بنية لزجة تتشكل عندما يبرد التبغ ويتكثف ويتجمع في الرئتين، أول أكسيد الكربون الذي يدخل إلى الدورة الدموية ويؤثر في عمل القلب والشرايين، الأمونيا الذي يستخدم لتعزيز مفعول النيكوتين، الأسيتون، التولوين، ميثيل أمين، وغيرها الكثير. حتى السجائر "الطبيعية بالكامل" أو العشبية تحتوي على مواد كيمياوية ضارة.

ولا تقتصر الأخطار على المدخنين فقط، فقد تعرض من حولهم من غير المدخنين لأخطار جمة بسبب تنشقهم لدخان التبغ على مدى فترات طويلة، إذ يزداد لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 25 إلى 30 في المئة، وسرطان الرئة بنسبة 20 إلى 30 في المئة، فضلاً عن الآثار الفورية للتعرض لدخان التبغ بما في ذلك تهيج العينين والأنف والحلق والرئتين والصداع. كما أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يعيشون مع آباء مدخنين هم أكثر عرضة لتفاقم الربو والتهابات الأذن ونزلات البرد.

أخطار التدخين

سرطانات مختلفة

يزيد التدخين فرص الإصابة بالعديد من أنواع السرطان، مثل سرطانات الفم والحلق والمريء والحنجرة والمثانة والبنكرياس والكلى وعنق الرحم وبعض أنواع اللوكيميا.

السكري

يزيد التدخين من مقاومة الأنسولين ما قد يمهد للإصابة بالنوع الثاني من داء السكري. أما المصابون بالمرض أصلاً، فقد يتعرضون للإسراع بحدوث مضاعفات في الكلى والعيون.

مشكلات العيون

قد يزيد التدخين فرص الإصابة بمشكلات خطيرة في العين مثل إعتام العدسة وفقدان البصر الناتج من الإصابة بالتنكس البُقعي.

أمراض الأسنان واللثة

التدخين يزيد خطر الإصابة بالتهاب اللثة وأنواع خطيرة من عدوى اللثة التي قد تدمر هياكل دعم الأسنان. 

أمراض الجهاز التنفسي

المدخنون أكثر عرضة للإصابة بحالات عدوى الجهاز التنفسي، مثل نزلات البرد والإنفلونزا والتهاب القصبات.

أمراض الرئة

يسبب التدخين انتفاخ الرئة والتهاب القصبات المُزمن ويفاقم الربو، ويعد سبباً رئيساً للوفيات الناجمة عن سرطان الرئة.

أمراض القلب

يزيد التدخين من خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك النوبات القلبية والسكتات الدماغية.

العقم والعجز الجنسي

يزيد التدخين خطر انخفاض الخصوبة لدى النساء وخطر الإصابة بالعجز الجنسي لدى الرجال.

النرجيلة 

في العقدين الماضيين، انتشر تدخين النرجيلة أو ما يعرف بالشيشة و"المعسّل" بشكل واسع، لا سيما في العالم العربي والشرق الأوسط، والنرجيلة هي وسيلة للتدخين مؤلفة من حجيرة للتبغ ووعاء يحتوي على الماء وأنبوب وخرطوم. التبغ المستخدم في النرجيلة منكهاً، فقد يكون بطعم البرتقال أو النعناع أو العنب أو غيرها الكثير من النكهات. لتدخين النرجيلة، يوضع الفحم على حجيرة التبغ لتسخينه، وعند احتراق التبغ ينتقل دخانه إلى وعاء الماء ليقوم المدخن من ثم باستنشاقه عبر فمه بواسطة الخرطوم.

وتدخين النرجيلة ليس أقل ضرراً من السجائر العادية، فالتبغ الذي يستخدم فيها يحتوي على مواد كيماوية، والدخان الذي يستنشقه مدخونها يحتوي أيضاً على مكونات سامة. كما أن مدخنو النرجيلة يستنشقون كميات أكبر من الدخان بالمقارنة مع مدخني السجائر، لا سيما أن جلسة التدخين الواحدة قد تستغرق ساعة أو أكثر. وبحسب منظمة الصحة العالمية، رأس التبغ في النرجيلة الواحدة يحتوي على كمية نكوتين معادلة للكمية في 70 سيجارة عادية. كما أظهرت الأدلة أن تدخين النرجيلة قد يكون مرتبطاً بسرطان الفم والمريء والرئة وحتى سرطان المعدة والمثانة، وكذلك بأمراض الجهاز التنفسي والمرض القلبي الوعائي وأمراض اللثة وغيرها.

السجائر الإلكترونية

في السنوات الأخيرة، ومع التطور التكنولوجي، سطع نجم السجائر الإلكترونية أو ما يعرف بمنتجات النظم الإلكترونية لإيصال النيكوتين. تأتي هذه المنتجات بأشكال وأحجام مختلفة ومئات النكهات، وتصاميمها وألوانها ونكهاتها تجذب الشباب خصوصاً.

من بين السجائر الإلكترونية تلك التي تعمل بالبطارية لتسخّن سائلاً وتحوّله إلى رذاذ يستنشقه المدخن ويطلقه في الهواء، ويسمّيه البعض بـ"البخار". وتحتوي هذه السجائر على النيكوتين المسبب للإدمان أو قد لا تحتويه، وعلى مئات المواد الكيماوية الأخرى. ومن بين هذه السجائر الإلكترونية، تلك التي تستخدم لمرة واحدة، وأخرى قابلة لإعادة التعبئة أو التي تحتوي على خراطيش مملوءة مسبقاً.

وفيما يدعي البعض أن هذه المنتجات تساعد في الإقلاع عن التدخين، إلا أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم توافق بعد على أي سيجارة إلكترونية من شأنها القيام بذلك. على العكس من ذلك، وعلى رغم الحاجة لمزيد من الدراسات لتبيان آثارها طويلة الأمد، إلا أن استخدام السجائر الإلكترونية قد يزيد معدلات التدخين بثلاثة أمثال مقارنة مع السجائر التقليدية وانبعاثاتها تحتوي على مواد سامة مرتبطة بعدد من الأمراض والسرطانات.

فضلاً عن ذلك، أشارت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة إلى أنه حتى 18 فبراير (شباط) 2020، تم تسجيل "2807 حالات إصابة رئوية ناجمة عن استخدام منتجات السجائر الإلكترونية... منها 68 وفاة مؤكدة". وفيما لم يحدد سبب تلك الوفيات بشكل قاطع، إلا أنها قد تكون ناجمة عن خلات فيتامين "ئي"، وهي مادة تضاف بشكل شائع إلى نظم إيصال النيكوتين إلكترونياً وتحتوي على القنب (أو مادة رباعي الهيدروكانابينول).

كما تنتشر أخيراً منتجات التبغ المسخّن التي تقوم على تسخين أوراق التبغ بدل حرقها مما يسمح للمستخدمين باستنشاق النيكوتين إلى رئتيهم. وتحتوي الانبعاثات الناتجة من هذه المنتجات على مستويات أقل من المكونات الضارة مقارنةً بدخان السجائر العادية، إلا أنها لا تعد آمنة بل فيها العديد من المكونات الضارة.

 

من التبغ أنتجت في العالم عام 2022.

الصين تتصدر الدول المنتجة للتبغ مع أكثر من ثلث الكمية تليها البرازيل والهند.

تحتل الصدارة الأميركية مع مبيعات صافية بأكثر من 34 مليار دولار في 2022، تليها شركة "فيليب موريس إنترناشونال".

حجم الإيرادات العالمية المتوقعة لسوق التبغ في 2024، من بينها 854 مليار دولار ناجمة عن السجائر. 

آثار بيئية ضارة

فضلاً عن الأخطار الصحية على الأفراد، لصناعة التبغ مضار بيئية متعددة. على صعيد المخلفات، ينتج من السجائر في جميع أنحاء العالم  نحو 680 مليون طن من النفايات سنوياً. فالناس يرمون أعقاب السجائر في كل مكان وعلى كل الطرقات، وتحملها مياه الأمطار والأنهار إلى الشواطئ والبحار والمحيطات. وتشكل هذه الأعقاب نحو 30 إلى 40 في المئة من جميع أصناف القمامة التي تلتقط سنوياً في عمليات التنظيف الساحلية والحضرية، علماً أنها تحتوي مواد لا تتحلل وقد تتناولها المخلوقات البحرية فضلاً عن المواد السامة التي  تتركها خلفها في الحياة المائية. فضلاً عن ذلك، تنتج هذه الصناعة 2 مليون طن من مخلفات التعبئة والتغليف سنوياً تشمل عبوات مكونة من الورق والحبر والسيلوفان والقصدير والغراء.

كما يؤدي دخان السجائر إلى انبعاث آلاف الأطنان من المركبات المسرطنة والمواد السامة وغازات الاحتباس الحراري. وتسهم زراعة التبغ وصناعته في إزالة الغابات، إذ تفقد شجرة واحدة مقابل إنتاج 300 سيجارة، وفي الإجمال تكلف هذه الصناعة نحو 600 مليون شجرة سنوياً. وإزالة الغابات تنعكس بدورها في مفاقمة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.

إضافة إلى ذلك، تستنزف زراعة التبغ مساحات واسعة تقدر بنحو 200 ألف هكتار من الأراضي، وتتطلب نحو 22 مليار طن من المياه، وهي مساحات ومياه تأتي على حساب إنتاج المواد الغذائية لا سيما في الدول الفقيرة أو متوسطة الدخل.

وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية بعنوان "التبغ يسمم كوكبنا"، تعادل البصمة الكربونية لهذه الصناعة، الناتجة من إنتاج التبغ ومعالجته ونقله، خمس ثاني أكسيد الكربون الذي تنتجه صناعة الطيران التجاري كل عام، مما يسهم بشكل أكبر في ظاهرة الاحتباس الحراري.

أما السجائر الإلكترونية فتحتوي بدورها على نفايات بلاستيكية وإلكترونية وكيماوية ينتهي أمرها في القمامة. وبحسب منظمة الصحة العالمية، من المحتمل أن تشكل النفايات المرتبطة بالسجائر الإلكترونية تهديداً بيئياً أكثر خطورة من أعقاب السجائر لأنها تحتوي على معادن وخراطيش بلاستيكية وبطاريات ومواد كيماوية سامة في السوائل الإلكترونية.

16

مليار

لتر من المياه تُستهلك لصناعة السجائر

Counter
84

مليون

طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تصدر في الهواء

Counter
600

مليون

شجرة تُقطَع لصنع السجائر

كتابة وإعداد
إيليانا داغر

التنفيذ والغرافيك
عمر المصري

رئيس التحرير
عضوان الأحمري