هكذا تآكلت
الأراضي الفلسطينية
هكذا تآكلت
الأراضي الفلسطينية
1945 | فلسطين التاريخية
قبل أقل من 100 عام فقط، كانت هذه خريطة فلسطين تحت الانتداب البريطاني، لم يكن هناك شيء اسمه إسرائيل، لكن مساعي إقامة الدولة الإسرائيلية كانت قد بدأت قبل ذلك بكثير وتوجّت بوعد بلفور عام 1917.
انتكاسة تلو الأخرى، بدأت خريطة فلسطين بالتآكل التدرجي عبر الاحتلال والاسيتطان، حتى انقلبت المعادلات وأصبحت الأراضي الفلسطينية اليوم مساحات مبعثرة بين مناطق السيطرة الإسرائيلية.
1945 | توزيع ملكية الأراضي في فلسطين
في عام 1945، وعلى رغم مساعي الحركة الصهيونية لتكثيف موجات هجرة اليهود وشراء الأراضي في فلسطين، كان العرب يملكون نحو 85 في المئة من الأراضي، وفق تقرير لجنة الأمم المتحدة لفلسطين.
1946 | الهجرات اليهودية
التوزيع السكاني في فلسطين لعام 1946، يظهر أيضاً أن العرب كانوا يشكلون القسم الأكبر من السكان مقابل أقلية يهودية تشكلت بفعل الهجرات اليهودية المتلاحقة والمنظمة لا سيما من قبل الحركة الصهيونية.
التوزيع السكاني في فلسطين
1947 | خطة التقسيم
في الـ29 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، وقبل أقل من عام على نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يتبنى تقسيم فلسطين إلى ثلاثة كيانات:
دولة فلسطينية: تقام على نحو 42.3 في المئة من أراضي فلسطين
دولة إسرائيلية: تقام على نحو 57.7 في المئة من أراضي فلسطين
منطقة تحت الوصاية الدولية تضم القدس وبيت لحم
القرار الذي أقر بموافقة 33 دولة ومعارضة 13 وامتناع 10 عن التصويت، رفضته الدول العربية بسبب إجحافه بحق الفلسطينيين الذين حرموا من حقوقهم على رغم أنهم كانوا يمثلون الأكثرية السكانية مع 67 في المئة مقابل نحو 33 في المئة من اليهود، وعلى رغم امتلاكهم الغالبية العظمى من الأراضي، في المقابل، قبل اليهود بالخطة واعتبروها خطوة أولى في مشروعهم لإقامة الدولة الإسرائيلية وتوسيعها تدرجاً.
1948 | النكبة
في الـ14 من مايو (أيار) 1948، عشية انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، أعلنت الحركة الصهيونية قيام دولة إسرائيل، القرار الذي جاء بمباركة الدول الكبرى التي أرادت إيجاد حل للمشكلة اليهودية بعيداً من أراضيها، شكل نقطة البداية في اندثار فلسطين التاريخية كما عرفها أبناؤها.
في هذه الحرب التي شاركت فيها جيوش عربية من الأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق والسعودية، طرد نحو 700 ألف فلسطيني من أراضيهم، هدمت منازلهم ودمرت قراهم واستبدلت بأسمائها أسماء عبرية، وأصبحوا لاجئين في مختلف بقاع الأرض.
سيطرت الميليشيات اليهودية على كامل المنطقة التي منحتها إياها خطة التقسيم الأممية، واحتلت بالإضافة إليها نحو 60 في المئة من الأراضي التي خصصتها الخطة للدولة الفلسطينية بما يشمل القدس الغربية، فيما سيطرت القوات الأردنية على القدس الشرقية والقوات المصرية على غزة.
توقفت الحرب عام 1949 إثر سلسلة من اتفاقات الهدنة التي أبرمتها إسرائيل مع كل من مصر ولبنان والأردن وسوريا، والتي وضعت بموجبها خطوط وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة.
1967 | النكسة
خلال ستة أيام فقط، أعادت إسرائيل رسم خريطة الأراضي الفلسطينية مجدداً، لا بل تجاوزتها ليطاول احتلالها أراضي مصرية وسورية.
في الخامس من يونيو (حزيران) 1967، وبعد نحو أسبوعين على إعلان الرئيس المصري جمال عبدالناصر إغلاق مضيق تيران في البحر الأحمر بوجه السفن الإسرائيلية، شنت إسرائيل هجوماً عسكرياً واسعاً على ثلاث جبهات، انتهى باحتلالها قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين بما فيها القدس الشرقية، وشبه جزيرة سيناء في مصر، ومنطقة الجولان في سوريا، في ستة أيام فقط، ألحقت القوات الإسرائيلية هزيمة ساحقة بالقوات المصرية والسورية والأردنية والعراقية وكبدتهم خسائر فادحة بشرياً ومادياً.
تسببت هذه النكسة بإحباط الشعوب العربية وتهجير مزيد من الفلسطينيين من أراضيهم، فيما كان الإسرائيليون يحتفلون بنصرهم ويصلون عند "حائط المبكى"، من جهتها استغلت الحكومة الإسرائيلية المكاسب التي حققتها لتعزز عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان أول الغيث "برنامج ألون" الذي أقرته الحكومة وشرعت عبره ببناء مستوطنات في غور الأردن امتدت لاحقاً إلى الخليل وبيت لحم.
1973 | يوم كيبور
في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973، في لحظة لم تتوقعها إسرائيل أثناء احتفالها بعيد يوم ال1973غفران (يوم كيبور)، تعرضت الدولة اليهودية لأسوأ الهجمات العسكرية منذ نشأتها، في ذلك اليوم، شنت القوات المصرية والسورية هجومين متزامنين على القوات الإسرائيلية في جبهتي سيناء والجولان المحتلتين، واستطاعت في الأيام الأولى من المعارك تحقيق تقدم ميداني واسع، إذ عبرت القوات المصرية قناة السويس وحطمت حصون خط بارليف الدفاعي الذي أقامته إسرائيل، فيما توغلت نظيرتها السورية في عمق هضبة الجولان.
غير أن القوات الإسرائيلية سرعان ما لملمت نفسها واستجمعت قواها مدعومةً بجسر جوي أميركي من الإمدادات العسكرية، وتمكنت في النهاية من استعادة سيطرتها على هضبة الجولان وتوسيعها لتشمل جيب سعسع، فيما ضربت حصاراً على القوات المصرية في سيناء من دون أن تتمكن من دخول مدينتي السويس والإسماعيلية.
وفي ضوء الضغوط الدولية، وافقت إسرائيل ومصر في الـ22 من أكتوبر على وقف إطلاق النار، واستمرت المفاوضات بينهما حتى أبرمتا في الـ18 من يناير (كانون الثاني) 1974 اتفاق فض الاشتباك الأولى الذي انسحبت بموجبه إسرائيل من غرب قناة السويس، وفي يونيو 1975 اتفاق فضّ الاشتباك الثاني الذي أتاح للقاهرة تحرير 4500 كيلومتر مربع في سيناء.
أما سوريا فخاضت حرب استنزاف طويلة ضد الإسرائيليين لم تنتهِ سوى في الـ31 من مايو (أيار) 1974، حين وقع الطرفان اتفاق فض الاشتباك الذي انسحبت بموجبه إسرائيل من جيب سعسع ومدينة القنيطرة ومحيطها، فضلاً عن إقامة مناطق منزوعة السلاح على طول خطوط المواجهة.
1977 | "الليكود" يتولى السلطة
انتخابات الكنيست التاسعة في مايو 1977، أوصلت للمرة الأولى حزب الليكود اليميني إلى السلطة في إسرائيل، مما شكل نقطة تحول جديدة في مسار القضية الفلسطينية، فهذا الحزب حمل خطاباً قومياً دينياً أكثر تشدداً، يتبنى فكرة أن الضفة الغربية، التي يطلق عليها اسم يهودا والسامرة، بما فيها القدس بكاملها، هي جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، ولا يمكن إطلاقاً القبول بإقامة دولة فلسطينية فيهما.
هذه الأفكار ترجمها الليكود بتوسيع المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية وغزة وبدأ الفلسطينيون يواجهون سياسة منظمة لتفتيت أراضيهم.
1979 | السلام المصري – الإسرائيلي
بعد أعوام من الصراع العسكري، انخرطت مصر وإسرائيل في مفاوضات للسلام برعاية أميركية، أفضت إلى إبرام اتفاق سلام في الـ26 من مارس (آذار) 1979، وقعها كل من الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن.
الاتفاق الذي شكل أول اتفاق سلام بين دولة عربية وإسرائيل، كان الخطوة الأولى في تحول الصراع من عربي – إسرائيلي إلى فلسطيني – إسرائيلي، المعاهدة نصت على انسحاب إسرائيل من سيناء تماماً مقابل ترتيبات أمنية تشمل إنشاء منطقة منزوعة السلاح ونشر قوات أممية بين الطرفين، وافق الطرفان على الاعتراف الرسمي المتبادل وإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية طبيعية بينهما.
لم تكن هذه الخطوة سهلة على مصر، إذ وضعتها في عزلة عربية، فبعد توقيع القاهرة وتل أبيب في سبتمبر (أيلول) 1978 اتفاقات كامب ديفيد الممهدة لمعاهدة السلام، قرر القادة العرب في قمة بغداد التي عقدت في نوفمبر من العام نفسه تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية ومقاطعة الشركات والأفراد المصريين الذين يتعاملون مع إسرائيل، مع الحرص على التمييز بين الشعب المصري والحكومة المصرية التي خرجت عن الإجماع العربي في القضية الفلسطينية، وبعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، نقل مقر الأمانة العامة للجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، واستمرت المقاطعة العربية للقاهرة 10 أعوام.
منطقة أ: منطقة انتشار قوات المشاة المصرية
منطقة ب: منطقة انتشار الشرطة المدنية المصرية بدعم عسكري محدود
منطقة ج: منطقة انتشار قوات حفظ السلام الأممية والشرطة المصرية
منطقة د: منطقة انتشار 4 كتائب مشاة مصرية
مربع المنطقة الصغيرة المخططة بالأزرق: منطقة انتشار قوات حفظ السلام الأممية
1987 | انتفاضة الحجارة
عملية دهس نفذها سائق شاحنة إسرائيلي لمجموعة عمال فلسطينيين عند حاجز إريز بين غزة والضفة الغربية، كانت كفيلة بإشعال شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 1987، بعدما ضاق الفلسطينيون ذرعاً بالقمع الإسرائيلي والأوضاع المزرية التي كانوا يعيشونها.
الانتفاضة التي بدأت في جباليا بقطاع غزة، سرعان ما انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيمات فلسطين، استمرت التحركات الاحتجاجية ضد إسرائيل أعواماً ولم تهدأ وتيرتها سوى في عام 1991 تزامناً مع انطلاق مؤتمر مدريد للسلام، قبل أن تنطفئ تماماً مع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
من رحم هذه الانتفاضة، نشأت حركة "حماس" التي ستؤدي دوراً محورياً في مستقبل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتدفعه إلى مزيد من العنف والتصعيد.
1993 | أوسلو 1
في الـ13 من سبتمبر 1993، في حديقة البيت الأبيض بواشنطن، وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات اتفاق أوسلو، أول اتفاق رسمي مباشر بين الطرفين.
الاتفاق المعروف رسمياً باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، تضمن اعترافاً إسرائيلياً بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، مقابل اعتراف منظمة التحرير بدولة إسرائيل وسلطتها على 78 في المئة من أراضي فلسطين، أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة، ونص الاتفاق على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية وانتخاب مجلس تشريعي للشعب الفلسطيني لفترة انتقالية لا تتجاوز خمسة أعوام تنتهي بتسوية دائمة للمواضيع الخلافية بين الطرفين، بما فيها القدس واللاجئون والمستوطنات والحدود والمياه.
لم يكن الفلسطينيون مجمعين على الاتفاق، لكنه جاء في ظروف إقليمية ودولية متغيرة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وخروج "منظمة التحرير" من لبنان وفقدانها بعضاً من التضامن العربي جراء اصطفاف عرفات مع الرئيس العراقي صدام حسن في غزوه الكويت. وعلى رغم الانقسام في شأنها، رأت منظمة التحرير في اتفاق أوسلو سبيلاً سيؤدي في نهاية المطاف إلى قيام الدولة التي يحلم بها شعبها.
1994 | السلام الأردني – الإسرائيلي
بعد توقيع اتفاق أوسلو، تحركت عجلت المفاوضات الأردنية – الإسرائيلية ونجح الطرفان أخيراً في إبرام معاهدة سلام وقعها إسحاق رابين ونظيره الأردني عبدالسلام المجالي في الـ26 من أكتوبر 1994 خلال احتفال أقيم في وادي عربة بالأردن قرب الحدود الإسرائيلية.
بموجب المعاهدة، أنهى الطرفان حال العداء بينهما واتفقا على ترسيم الحدود وتطبيع العلاقات، ليصبح الأردن ثاني دولة بعد مصر تتوصل إلى السلام مع إسرائيل، وسط معارضة داخلية واسعة واعتراض عدد من الدول العربية، فيما اعتبر العاهل الأردني الملك حسين بن طلال أن المعاهدة ضرورة إستراتيجية لأمن ومصالح بلاده.
في إسرائيل، وعلى رغم التأييد الشعبي الواسع لمسار السلام حينها، بقيت بعض الأوساط اليمينية المتشددة متحفظة إزاء الخطوة، أما في فلسطين، فأثار الاتفاق قلقاً في الأوساط الشعبية من أن يترك الفلسطينيون وحدهم في مواجهة الإسرائيليين، لكنه لم يحدث صدمة إذ جاء بعد اتفاق أوسلو، ولذا لم يكن من مصلحة منظمة التحرير معارضته خصوصاً أنها نفسها كانت منخرطة في مسار السلام.
1995 | أوسلو 2
في الـ24 من سبتمبر 1995، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو الثانية، أو ما يعرف باتفاق طابا نسبة إلى توقيعها في مدينة طابا المصرية في سيناء، وهو تكملة لاتفاقات أوسلو الأولى.
وضع الاتفاق تصوراً لإدارة الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة بدءاً بمرحلة انتقالية لا تتجاوز خمسة أعوام وتجري خلالها انتخابات لمجلس تشريعي فلسطيني تنبثق عنه حكومة فلسطينية ذاتية، على أن تمهد هذه الفترة لمفاوضات الحل النهائي التي يفترض أن تعالج القضايا العالقة بين الطرفين، بما في ذلك القدس واللاجئون والمستوطنات.
أهم ما نص عليه اتفاق أوسلو الثاني، تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، على أن يبقى أمن الحدود والقدس والمستوطنات تحت سيطرة إسرائيل التامة:
المنطقة "أ": تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية بالكامل أمنياً وإدارياً، وتشكل نحو 18 في المئة من مساحة الضفة بما يشمل المدن الكبرى مثل نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم ورام الله.
المنطقة "ب": تخضع لإدارة السلطة الفلسطينية مدنياً ولإدارة مشتركة إسرائيلية - فلسطينية أمنياً، وتشكل 22 في المئة من مساحة الضفة بما يشمل القرى والبلدات الريفية.
المنطقة "ج": تخضع أمنياً وإدارياً بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، وتشكل نحو 60 في المئة من الضفة الغربية بما يشمل المستوطنات والطرق الرئيسة والأراضي غير المأهولة.
بناءً على هذه الترتيبات، نص الاتفاق على أن تعيد إسرائيل نشر قواتها العسكرية في الضفة الغربية بما يتماشى مع التقسيمات الجديدة، فيما يتم إنشاء مؤسسات السلطة الفلسطينية بما يشمل جهاز الشرطة.
منظمة التحرير رأت في الاتفاق خطوة أولى نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أما الحركات المتطرفة كـ"حماس" فاعتبرته تنازلاً خطراً يقسّم الضفة إلى كانتونات معزولة، في إسرائيل، اعتبرت الحكومة العمالية برئاسة رابين الاتفاق خطوة أساسية لضبط الفلسطينيين عبر سلطة محلية من دون التنازل عن السيطرة الأمنية، فيما رفضه اليمين وحزب الليكود باعتباره خطوة تعرض أمن إسرائيل للخطر، لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى دفع إسحاق رابين ثمن خياراته، إذ اغتيل على يد يهودي يميني متطرف خلال مهرجان خطابي مؤيّد للسلام في تل أبيب، عقب ذلك، واصلت إسرائيل في الأعوام التالية مشروعها الاستعماري وتوسعت في بناء المستوطنات لتقطع أوصال الأراضي الفلسطينية، ونسفت عملياً مبدأ حل الدولتين.
2000 | الانتفاضة الثانية
على رغم الآمال التي عقدت على اتفاق أوسلو الثاني، فإنها لم تطبق بالكامل، انسحبت إسرائيل من المنطقة "أ" وأجريت انتخابات فلسطينية عام 1996 وأُسست الشرطة الفلسطينية وبعض المؤسسات الرسمية، غير أن الانسحاب الإسرائيلي المتفق عليه لم يكتمل في المناطق "ب" و"ج" لا سيما بعد عودة الليكود إلى السلطة عام 1996 وتوسع العمليات الاستيطانية بدل تجميدها.
مع حلول عام 1999 وقرب انتهاء المهلة التي حددها اتفاق أوسلو الثانية للتوصل إلى حل نهائي، عقد الفلسطينيون والإسرائيليون جولة مفاوضات أخيرة في يوليو (تموز) 2000 في كامب ديفيد بوساطة أميركية، لكن القمة انتهت من دون اتفاق.
في ضوء ذلك، أصيب الفلسطينيون بالإحباط واندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في القدس في الـ28 من سبتمبر عام 2000، عقب اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون المسجد الأقصى، وسرعان ما امتدت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، تصاعدت وتيرة الأعمال العسكرية بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وشددت الأخيرة قبضتها الأمنية وأعادت اجتياح المناطق التي انسحبت منها بموجب اتفاق أوسلو الثاني، وفي عام 2002، شرعت إسرائيل في بناء جدار الفصل العنصري في الضفة لمنع دخول الفلسطينيين إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتها، مما شكل وسيلة جديدة لتفتيت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.
2005 | الانسحاب من غزة
في أواخر عام 2003، على وقع تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتزايد الضغوط على تل أبيب مع تعثر مفاوضات السلام، بدأت تخرج طروحات إسرائيلية بالانسحاب الأحادي من غزة، قادها بصورة أساسية رئيس الوزراء آرييل شارون.
الطرح الذي فاجأ كثراً ولاقى معارضة شعبية وسياسية جاء لاعتبارات عدة، أبرزها الكلفة الأمنية العالية لحماية المستوطنات الصغيرة والمعزولة في قطاع غزة مع ما تطلبه ذلك من نشر آلاف الجنود واستنزاف الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى المخاوف الديمغرافية المتعلقة بكثافة الفلسطينيين في القطاع وارتفاع معدل الولادات لديهم بالمقارنة مع اليهود وما قد يعني ذلك من تهديد لإسرائيل في حال أي ضم مستقبلي.
أراد شارون من هذا الانسحاب توفير الموارد على إسرائيل بالتخلي عن غزة التي اعتبرها عبئاً لا مكسباً، وفي المقابل استثمار القدرات الإسرائيلية في الضفة الغربية حيث يمكن للكتل الاستيطانية الكبرى أن تكون أكثر تأثيراً في تعزيز السيطرة على الضفة.
أكثر من ذلك، يرى البعض أن الهدف الخلفي وراء الانسحاب الأحادي من قطاع غزة كان "تجميد عملية السلام، عندما تجمد العملية، فإنك تمنع إقامة دولة فلسطينية وتمنع المحادثات حول وضع اللاجئين والحدود ووضع القدس"، وفق ما جاء على لسان دوف فايزغلاس، مستشار شارون حينها، في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في أكتوبر 2004.
وبالفعل، وافق الكنيست الإسرائيلي على "خطة فك الارتباط" كما أطلق عليها، وبدأ في أغسطس (آب) 2005 الانسحاب من أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية وجميع المستوطنات في غزة واكتملت العملية في سبتمبر مع تدخل الجيش الإسرائيلي لإخراج المستوطنين الذين رفضوا مغادرة منازلهم بصورة طوعية، وعلى رغم ذلك، حافظت إسرائيل على سيطرتها النسبية على القطاع من خلال ضبط الحدود البرية والبحرية والسيطرة على المجال الجوي، فيما انتقلت لتعزيز سيطرتها على الضفة الغربية.
2007 | "حماس" تسيطر على غزة
عام 2006 تم تنظيم ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية بعد انتخابات 1996، حققت فيها "حماس" فوزاً كبيراً إذ حصدت 74 مقعداً مقابل 45 لحركة "فتح" من أصل 132.
النتيجة شكلت صدمة لـ"فتح" والمجتمع الدولي الذي رفض التعامل مع حكومة تقودها "حماس" التي ترفض الاعتراف بإسرائيل وحل الدولتين وتتبنى نهج المقاومة المسلحة، في ضوء ذلك، بدأ الانقسام بين الفلسطينيين يتعمق والمواجهات الداخلية تتصاعد بين الحركتين، حتى بلغت أوجها في يونيو 2007، حين حسمت "حماس" المعركة عسكرياً في غزة وسيطرت على مقرات السلطة فيها وطردت مسؤولي "فتح" من القطاع.
على الأثر أصبحت الأراضي الفلسطينية خاضعة لسلطتين، الأولى تقودها "فتح" في الضفة الغربية، والثانية تقودها "حماس" في غزة. ومنذ ذلك، فرضت إسرائيل حصاراً مطبقاً على القطاع براً وبحراً وجواً وفرضت قيوداً صارمة على حركة البضائع والأشخاص من وإلى القطاع منعاً لتهريب الأسلحة إليه.
سيطرة "حماس" على قطاع غزة شكلت نقطة انتقال محورية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ تعرقلت معها جهود إنهاء النزاع وشهد القطاع منذ ذلك الحين حملات عسكرية إسرائيلية عنيفة، شملت "الرصاص المصبوب" في 2008 و"عمود السحاب" في 2012 و"الجرف الصامد" في 2014 و"سيف القدس" في 2021 و"الفجر الصادق" في 2022، وصولاً إلى هجوم السابع من أكتوبر 2023.
2023 | هجوم 7 أكتوبر
تاريخ السابع من أكتوبر 2023 شكل نقطة مفصلية جديدة في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، في ذلك اليوم، استفاق الإسرائيليون على هجوم مسلح مفاجئ نفذته حركة "حماس" وفصائل فلسطينية حليفة لها شمل إطلاق مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل تزامناً مع تنفيذ توغل بري عبر السيارات والدراجات النارية والطائرات الشراعية داخل البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة.
أسفر الهجوم عن مقتل 1219 شخصاً في إسرائيل غالبيتهم من المدنيين، فضلاً عن احتجاز الفصائل الفلسطينية 251 رهينة اقتادوهم إلى داخل القطاع، إثر ذلك، شنت إسرائيل حرباً شاملة على قطاع غزة، أسفرت حتى كتابة هذا التقرير عن مقتل ما يزيد على 66 ألف شخص غالبيتهم من المدنيين، بحسب أرقام وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" التي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
الحرب الإسرائيلية على غزة حولت القطاع إلى رقعة جغرافية واسعة من الركام والدمار، ووضعت السكان تحت وطأة المجاعة بسبب الحصار المحكم ودفعتهم إلى النزوح مراراً من نقطة إلى أخرى هرباً من القصف والنيران التي لاحقتهم في كل بقاع القطاع، ونجحت إسرائيل في تصفية أبرز قادة "حماس" السياسيين والعسكريين، من إسماعيل هنية ويحيى السنوار إلى محمد الضيف وغيرهم من كبار المسؤولين، سعياً إلى القضاء على الحركة.
2025 | توسيع الاستيطان
لم تقتصر المواجهة على قطاع غزة، إذ امتدت إلى الضفة الغربية حيث بدأ العنف يتصاعد بين المستوطنين والفلسطينيين مع إطلاق الجيش الإسرائيلي عمليات استهدفت عدداً من المخيمات الفلسطينية مما شرد آلاف السكان من منازلهم.
تزامناً أيضاً أقر الكنيست الإسرائيلي في الـ23 من يوليو 2025 مقترحاً يدعو الحكومة إلى فرض سيادتها على الضفة الغربية وغور الأردن، فيما أقرت الحكومة الإسرائيلية في الـ20 من أغسطس خطة "إي 1" الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، التي تتضمن بناء نحو 3400 وحدة استيطانية جديدة وتهدف إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.
وعلى وقع الحرب الدموية، كثفت الدول العربية مساعيها إلى إحياء وإقرار حل الدولتين، ونجحت في دفع عدد من الدول الغربية إلى الاعتراف بدولة فلسطين، بما فيها فرنسا وبلجيكا والبرتغال وبريطانيا وكندا وأستراليا، في تغير كبير في سياسة هذه الدول تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
تآكل الأراضي الفلسطينية
هكذا رسخت إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية على مر الأعوام، حتى بات اليوم قيام دولة فلسطينية أشبه بحلم لإقامة دولة قوامها جزر مفتتة ومتناثرة.