حكاية السعودية في وجه التصحر 

خلف هذه الصحراء القاحلة وتحت رمالها الذهبية، كانت لأرض السعودية يوماً ما صورة مختلفة تماماً.

قبل ملايين السنين، كانت هذه الأرض واحةً خضراء مترامية الأطراف، تكسوها النباتات الكثيفة وتغمرها الأمطار الغزيرة وتنساب عبر أراضيها الأنهار والبحيرات.

عاشت فيها الفيلة والزرافات والخيول والأبقار، وحتى أفراس النهر والتماسيح.

هذه الصورة المدهشة لما كانت صحراء السعودية تبدو عليه يوماً ما، كشفتها دراسة حديثة نشرتها مجلة "نايتشر" العلمية في التاسع من أبريل (نيسان) 2025، تحت عنوان "فترات الرطوبة المتكررة في شبه الجزيرة العربية على مدى ثمانية ملايين عام". استندت الدراسة إلى أدلة جيولوجية دقيقة جُمعت من رواسب كهوف تقع اليوم في مناطق تعد من أشد بقاع الأرض جفافاً، وشارك في إعدادها 30 باحثاً يمثلون 27 مؤسسة بحثية حول العالم. 

غير أن هذه الواحة لم تعش إلى الأبد، فقد قادت تقلبات المناخ العالمي إلى انكماش تدريجي لفترات الرطوبة، تزامناً مع توسّع الغطاء الجليدي في نصف الكرة الشمالي. هذه التغيرات أثّرت بعمق في أنماط الغلاف الجوي وخلقت اختلالات مناخية غيّرت وجه الأرض، وجعلت من الواحة الخضراء صحراء وقفاراً قاحلة. 

ويبقى السؤال الأهم اليوم، هل ستنجح السعودية في تحقيق طموحها باستعادة الغطاء النباتي ومكافحة التصحر؟ 

التصحر في السعودية 

33 في المئة من أراضي البلاد 
635 ألف كيلومتر مربع 
مكسوة بالرمال  

27.8 في المئة من الأراضي 
538 ألف كيلومتر مربع 
تعاني من التدهور 
 

1195 موقعاً متدهوراً  
يُعمل على تأهيلها تدريجاً 
لاستعادة الخصوبة والنبات 

2001 ← 2023 
المؤشرات تظهر تحسناً ملحوظاً 
في مساحة الأراضي النباتية المتدهورة 
بفضل الجهود الحثيثة للحد من التصحر 

المصدر: المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر 

أسباب التصحر

تدهور الأراضي يعد واحداً من أبرز المخاوف البيئية عالمياً، لا سيما في الدول ذات المناخ الجاف كالسعودية، حيث تبذل السلطلت جهوداً حثيثة لمكافحة التصحر. إلا أن التحديات الماثلة أمام المملكة لا تزال معقّدة ومتعددة الأبعاد، تتداخل فيها العوامل المناخية التي تجعل من البيئة السعودية بطبيعتها عرضة لخطر تدهور الأراضي، مع الضغوط البشرية المتزايدة التي تشكل عاملاً مضاعفاً في تفاقم التصحر.

تشير تقارير بيئية رسمية في السعودية إلى أن نحو 120 ألف هكتار من الأراضي تتعرض سنوياً لتجريد غطائها النباتي بسبب ممارسات الاحتطاب، وهو ما ينعكس سلباً على توازن المنظومة البيئية.

ومع تزايد عدد السكان وتوسع المدن والصناعات، تراجعت المساحات الخضراء لمصلحة الإسمنت، وهو ما أشار إليه مدير برنامج أبحاث الأمن البيئي الدكتور محمد عبد الرؤوف، في دراسة نُشرت بمجلة "مركز الخليج للأبحاث"، إذ أكد أن استهلاك الموارد الطبيعية في السعودية وفي منطقة الخليج تجاوز قدرات التحمل البيئي، ما أسهم في تسريع وتيرة التصحر.

وبحسب تقرير نشرته منصة Consultancy-me المتخصصة في مجال الاستشارات في ديسمبر (كانون الأول) 2024، أوضح فيصل السراج، نائب رئيس شركة "بي دبليو سي الشرق الأوسط" في السعودية، أن تدهور الأراضي يمثل قضية مصيرية بالنسبة للمملكة، مشيراً إلى ضرورة تبني حلول علمية وإدارية حديثة لعكس هذا التدهور والتعامل معه كأولوية وطنية.

ووفق التقرير، تبدو منطقة الشرق الأوسط بأكملها رازحة تحت عبء التصحر، إذ تُصنّف أكثر من نصف الدول فيها على أنها تعاني من شحّ مائي حاد، مما يجعل التصحر أزمة مزمنة تتطلب استجابة فورية وشاملة. وتواجه السعودية تحديات فريدة في هذا السياق، إذ تتأثر نحو 70 في المئة من أراضيها بالتصحر، وذلك نتيجة الجفاف الشديد والرعي الجائر وندرة الموارد المائية والضغط السكاني المتزايد.

مواجهة التصحر 

في عام 2019، وفي سياق التصدي لهذا التحدي، أنشأت السلطات السعودية "القوات الخاصة للأمن البيئي" التي بدأت مهامها عام 2020 لتكون الذراع الرادعة لكل من يعبث بالبيئة أو يهدد الغطاء النباتي. أسندت لهذه القوات مهام ومسؤوليات تهدف إلى حماية البيئة والحفاظ على التنوع الحيوي، بما في ذلك مراقبة وحماية المناطق البيئية أمنياً، وإيقاف المخالفين والقبض عليهم، ومنع الصيد والاحتطاب المحلي ومنع رعي المواشي في الأماكن المحمية. 

في العام ذاته، أطلقت الحكومة السعودية "المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر"، وهو جهاز حكومي معني بإدارة أراضي المراعي والغابات والمتنزهات واستثمارها، فيتولى الحفاظ على الموارد الوراثية النباتية والغطاء النباتي خارج المناطق المحمية في مختلف مناطق السعودية. وأفاد المركز "اندبندنت عربية" بأنه يعمل على تنفيذ مشروع شامل لدراسة وتقييم الوضع الراهن للتصحر وتدهور الأراضي في المملكة، باستخدام أحدث ما توفره التكنولوجيا من تقنيات تحليل البيانات والمسوحات البيئية.  

وتقوم فرق المركز الميدانية بإجراء مسوحات دقيقة لرصد حالة التربة، وقياس معدلات التدهور، وتحديد المناطق الأكثر عرضة للخطر، إلى جانب تطوير آليات مكافحة التصحر وتحييد آثاره، مع تحسين الخصائص الفيزيائية والحيوية للأراضي المتدهورة. 

ويؤكد المركز أن قضية التصحر تُعد من أخطر الظواهر التي تهدد استدامة الموارد الطبيعية، لا سيما في البيئات الجافة، ولذلك يواصل جهوده من خلال مبادرات نوعية قائمة على دراسات علمية وتجارب دولية ناجحة، بهدف تعزيز الغطاء النباتي وإعادة تأهيله والمساهمة في الجهود العالمية للتخفيف من آثار التغير المناخي.

عقوبات للمخالفين 

المصدر: المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر 

في مساعي الحد من التصحر وضبط المخالفين، كشفت بيانات رسمية عن رصد وتسجيل 2930 مخالفة لنظام البيئة واللائحة التنفيذية للاحتطاب واللائحة التنفيذية لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر خلال 2024 في جميع مناطق السعودية، وفق المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر. 

وتعد عمليات التعدي على الغطاء النباتي من أخطر تلك المخالفات، وتشمل قطع الأشجار والشجيرات، أو اقتلاعها أو نقلها أو تجريدها من اللحاء أو الأوراق أو أي جزء منها، ونقل التربة أو جرفها أو الإتجار بها، وذلك من دون الحصول على التراخيص النظامية سواء أكانت في الأراضي العامة أو داخل المحميات الطبيعية. 

وتنص القوانين والأنظمة على عقوبات صارمة بحق مرتكبي هذه المخالفات، تصل إلى السجن مدة لا تزيد على 10 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى ثلاثين مليون ريال (8 ملايين دولار)، أو إحدى هاتين العقوبتين. 

 

رحلة التحول الخضراء 

منذ عام 2021، تقود السعودية مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، بمشاركة أكثر من 50 دولة، في محاولة لتعزيز الغطاء النباتي ومكافحة التصحر وحماية الموائل الطبيعية وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وتطمح المبادرتان إلى زراعة 50 مليار شجرة في الإقليم، أي ما يعادل خمسة في المئة من هدف التشجير العالمي، ما قد يسهم في خفض الانبعاثات بنسبة 2.5 في المئة عالمياً. 

تهدف مبادرة "السعودية الخضراء" إلى زراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء البلاد خلال العقود المقبلة، أي ما يعادل إعادة تأهيل 74 مليون هكتار من الأراضي. وتسترشد المبادرة بثلاثة أهداف هي: تقليل الانبعاثات الكربونية، التشجير واستصلاح الأراضي، وحماية المناطق البرية والبحرية. ومنذ إطلاق المبادرة، تم تفعيل أكثر من 85 مبادرة مع الالتزام بمواصلة العمل وإحراز تقدم مستمر. 

رحلة التحول الخضراء 

منذ عام 2021، تقود السعودية مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، بمشاركة أكثر من 50 دولة، في محاولة لتعزيز الغطاء النباتي ومكافحة التصحر وحماية الموائل الطبيعية وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وتطمح المبادرتان إلى زراعة 50 مليار شجرة في الإقليم، أي ما يعادل خمسة في المئة من هدف التشجير العالمي، ما قد يسهم في خفض الانبعاثات بنسبة 2.5 في المئة عالمياً. 

تهدف مبادرة "السعودية الخضراء" إلى زراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء البلاد خلال العقود المقبلة، أي ما يعادل إعادة تأهيل 74 مليون هكتار من الأراضي. وتسترشد المبادرة بثلاثة أهداف هي: تقليل الانبعاثات الكربونية، التشجير واستصلاح الأراضي، وحماية المناطق البرية والبحرية. ومنذ إطلاق المبادرة، تم تفعيل أكثر من 85 مبادرة مع الالتزام بمواصلة العمل وإحراز تقدم مستمر. 

في سياق الجهود الوطنية لمواجهة التصحر واستعادة التوازن البيئي، تبنّت السعودية عدداً من المبادرات الأخرى الهادفة إلى تنمية الغطاء النباتي وتحسين كفاءة استخدام الأراضي، وتشكل هذه المبادرات جزءاً من الأهداف المعلنة ضمن "مبادرة السعودية الخضراء". ووفقاً لبيانات منشورة على الموقع الرسمي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، فإن هذه المبادرات تغطي مساحات شاسعة وتستند إلى دراسات بيئية واجتماعية واقتصادية.  

وتتضمن هذه الجهود "مبادرة الحفاظ على الغطاء النباتي واستعادته في المراعي"، التي تستهدف إعادة تأهيل نحو ثمانية ملايين هكتار موزعة على 26 موقعاً في مختلف أنحاء البلاد، عبر تقنين الرعي العشوائي وتخفيف الضغط على المراعي الطبيعية. ويمثل هذا المشروع نحو 20 في المئة من مستهدفات التشجير في إطار "السعودية الخضراء". 

كما تشمل البرامج البيئية مبادرة لزراعة سبعة ملايين شجرة برية محلية، تمثل ما نسبته 0.07 في المئة من هدف المبادرة، مع تقديرات بخفض انبعاثات الكربون بنحو 2.8 مليون طن.  

وفي ما يخص المتنزهات الوطنية، تعمل الجهات المختصة على مشروع لتأهيل وتطوير البنية التحتية والغطاء النباتي في 50 متنزهاً، بالاستناد إلى تقييمات بيئية واجتماعية واقتصادية لكل موقع. ويستهدف المشروع زراعة 10 ملايين شجرة، تمثل 0.1 في المئة من هدف "السعودية الخضراء"، مع مساهمة متوقعة في تقليل أربعة ملايين طن من الانبعاثات الكربونية، فضلاً عن تنشيط الاستثمار المحلي والسياحة البيئية. 

أما على صعيد الغابات، فتتضمن خطة المركز الوطني إعادة تأهيل 348 ألف هكتار من المناطق المتدهورة، مع زراعة 60 مليون شجرة محلية في الأودية والمناطق المتأثرة بالقطع الجائر. وتشير بيانات المركز إلى أن هذه المبادرة تمثل 0.6 في المئة من المستهدف الوطني، وتسهم في خفض 24 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى حماية الأنواع النباتية المهددة بالانقراض عبر إنشاء مشاتل متخصصة. 

بموازاة الجهود الحكومية، أُطلقت مبادرة لإشراك القطاع الخاص في عمليات التشجير من خلال برنامج يمتد لـ10 سنوات، يستهدف زراعة 40 مليون شجرة محلية في مواقع تحت إشراف جهات تجارية وصناعية. ويُقدّر أن تسهم هذه الخطوة في تقليل 16 مليون طن من الانبعاثات. 

في السياق نفسه، أعلن المركز أخيراً عن مشروع لإعداد خطة تنفيذية شاملة لمكافحة التصحر وزحف الرمال والجفاف، تشمل مسارين رئيسين أحدهما يركّز على التصحر، والآخر على الإدارة المتكاملة للجفاف. ويهدف المشروع إلى تعزيز الجاهزية الوطنية عبر خطط تتماشى مع الاستراتيجيات المحلية والتجارب الدولية، مع تطوير أنظمة إنذار مبكر وآليات فعّالة للتكيف وتخفيف الأثر. 

الاستثمار في البيئة 

على مستوى التمويل، تبنّت السعودية إطار "التمويل الأخضر"، الذي يوجه الموارد إلى مشاريع التشجير وإعادة التأهيل البيئي. وبحلول الربع الأول من عام 2024، بلغت قيمة الصكوك المرتبطة بالاستدامة البيئية والحوكمة 40 مليار دولار عالمياً، كانت 45 في المئة منها من نصيب السعودية، في تأكيد على دورها الريادي في الحشد المالي لمواجهة التغيرات البيئية. 

تشير الدراسات إلى أن كل دولار يستثمر في استصلاح الأراضي يُمكن أن يُحقق عوائد تصل إلى 30 دولاراً، مما يُبرز الفوائد الاقتصادية الكبيرة لممارسات الإدارة المستدامة للأراضي.  

في ديسمبر (كانون الاول) 2024، استضافت الرياض مؤتمر الأطراف "كوب 16" لمكافحة التصحر، الذي شهد تعهداً دولياً بتوفير أكثر من 12 مليار دولار لدعم جهود إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة وتعزيز القدرة لمواجهة الجفاف ومكافحة التصحر وتدهور الأراضي على مستوى العالم، مع التركيز بشكل خاص على الدول الأكثر ضعفاً وتضرراً. 

وقدرت "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر" أن العالم بحاجة إلى استثمارات تصل إلى 2.6 تريليون دولار بحلول 2030، لإعادة إصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف والتصحر، وهو ما يعادل ضخّ مليار دولار يومياً من الآن وحتى عام 2030 لتحقيق هذه الأهداف.  

وتقدر الاستثمارات السنوية المطلوبة للفترة من 2025 وحتى 2030 بنحو 355 مليار دولار. ومع ذلك، تبلغ الاستثمارات المتوقعة للفترة نفسها 77 مليار دولار سنوياً فقط، وهذا يعني وجود حاجة ماسة لجمع 278 مليار دولار سنوياً لتحقيق أهداف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.

في المحصلة، المعركة بوجه التصحر تتطلب جهوداً كبيرة على صعد مختلفة، بيئياً، تنظيمياً، مالياً، اقتصادياً، وحتى اجتماعياً، لكن الأكيد أنها معركة لا بد من خوضها بأفضل سبل المواجهة.

كتابة
محمد الغرسان

تحرير وإعداد
إيليانا داغر

التنفيذ والغرافيك
مريم الرويغ

رئيس التحرير
عضوان الأحمري