سكة حديد الحجاز

مشروع تعطل فداءً للثورة العربية

في منتصف العاصمة الأردنية ووسط جبالها السبعة لا تزال محطة عمان التابعة لخط حديد الحجاز ماثلة حتى اليوم كشاهد تاريخي على مشروع حمل الحجاج ذات يوم من دمشق إلى المدينة المنورة، وعلى فترة الحكم العثماني للمنطقة التي امتدت أكثر من 400 سنة.

بنايات قديمة متلاصقة على الطراز العثماني، وسكة حديدية تعاقبت عليها السنون وطالها الصدأ، وشباك للتذاكر يحكي قصص أجيال متعاقبة من المسافرين، وقطارات بخارية قديمة جاثمة في أرض المحطة من دون حركة بعد أن توقفت عجلاتها عن الدوران وتحولت مقطوراتها إلى متحف تاريخي في الهواء الطلق.

هذا الإرث السياسي الديني كتب له أن يتعطل بأيدي عربية حين أطلق الشريف الحسين بن علي الرصاصة الأولى للثورة العربية الكبرى ضد الحكم العثماني، فكان لا بد من قطع طرق الإمدادات التركية.

التأسيس

قبل نحو 123 عاماً، وتحديداً في عام 1900، افتتحت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني، مشروع سكة حديد الحجاز ليربط دمشق بالمدينة المنورة.

مشروع أراد من خلاله السلطان عبدالحميد الثاني إحكام قبضة الدولة العثمانية على هذه المناطق ومقاومة الأطماع الأوروبية فيها وتعزيز قدرات السلطنة العسكرية من جهة، وربط العالم الإسلامي وتيسير سفر الحجاج وتحقيق منافع اقتصادية من جهة أخرى.

ولإتمام المشروع، شكلت لجنة مركزية عليا مقرها الآستانا عاصمة كازاخستان برئاسة الصدر الأعظم، صاحب أعلى منصب في السلطنة تحت السلطان وحامل ختم الدولة العثمانية. تولت هذه اللجنة جميع الأعمال الإدارية للمشروع، كتدبير الأموال وجمع التبرعات وتأمين مواد البناء وتعيين المهندسين والموظفين.

اعتبر هذا الخط الحديدي في حينه مثالاً خارقاً للمألوف في قطاع مواصلات ذلك العصر. ومنعاً لأي نفوذ أجنبي فيه، تم تمويله بالكامل من تبرعات المسلمين في أنحاء العالم ومن عائدات وضرائب الدولة العثمانية بعيداً من أي استثمار غربي.

عمل على تنفيذ المشروع مجموعة من المهندسين على رأسهم ألماني، صمموا الخط ليعتمد على قطارات بخارية صغيرة. بدأ العمل الميداني من قرية المزيريب الواقعة شمال غربي مدينة درعا السورية، لأن شركة فرنسية كانت قد أنشأت بالفعل سكة حديدية ربطت دمشق والمزيريب عام 1894 على طريق تتوافر على طوله مصادر للمياه وأصبح مسلكاً لخط الحديد الحجازي.

شارك في أعمال الإنشاء ما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف عامل، معظمهم من الجنود العثمانيين الذين سمح لهم مقابل ذلك بإنهاء خدمتهم العسكرية قبل عام من موعدها. وعانى العمال وتوفي كثير منهم إثر ظروف العمل القاسية في ظل البرد والحر وقلة الطعام.

كما بني عشرات الجسور بأحجام مختلفة وحفرت الأنفاق لعبور السكة التي بلغ عرضها 105 سنتيمترات فقط، في أودية عدة. ولحراسة الخط الذي كان يعبر في كثير من المناطق الخالية، أنشئت محطات للقطار كل 20 كيلومتراً تقريباً وفرت أماكن للصيانة والاستراحة والتزود بالمياه.

الرصاصة الأولى ولورانس العرب

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 راحت السلطنة العثمانية تستخدم خط الحجاز لنقل الجنود والإمدادات العسكرية، واضعة السكة في قلب صراع أدى أخيراً إلى تدميرها.

فمع إطلاق الشريف الحسين أمير مكة الرصاصة الأولى للثورة العربية الكبرى في 10 يونيو (حزيران) 1916، بمساندة ودعم البريطانيين، بدأت الهجمات على ثكنات السلطنة من مكة وصولاً إلى دمشق.

وفي خضم المواجهات، حرص ضابط الاستخبارات الإنجليزي توماس إدوارد لورانس الشهير بـ"لورانس العرب"، على تدمير جزء من خط حديد الحجاز في عام 1917، باعتباره هدفاً عسكرياً. ولهذه الغاية، قدم آليات ومواد التلغيم للثوار العرب في مناطق عبور السكة، إذ دمروا أجزاءً منها ومن الجسور والأنفاق التي كانت تعبرها في سبيل قطع الإمدادات العثمانية إلى المدينة المنورة حيث كان الأتراك محاصرين.

وفي كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" الذي صدر في عام 1922 ووضع فيه خلاصة تجربته السياسية في إدارة أنظمة دول الشرق الأوسط بعد سقوط الدولة العثمانية، يفتخر "لورانس العرب" بجهوده لتدمير خط الحديد الحجازي بمساعدة القبائل العربية شرق الأردن.

وبعد هزيمة العثمانيين وانتهاء الحرب العالمية الأولى، وفي ظل الانتداب البريطاني والفرنسي في المنطقة، تولت كل دولة إدارة الجزء الواقع في أراضيها من خط الحديد الحجازي. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تعرض المشروع لضرر كبير أدى إلى إهمال الخط وتوقف القسم الأكبر منه عن العمل.

وجهات سياحية ثقافية

سكة الحديد الحجازية التي ضمت عشرات المحطات التي نقلت في إحدى السنوات 300 ألف حاج إلى المدينة المنورة، تحولت بقاياها في سوريا والأردن والسعودية إلى وجهات سياحية وثقافية تضم متاحف تحفظ هذا الإرث التاريخي في المنطقة.

محطة الحجاز:

تقع في حي القنوات بدمشق وتعد نقطة الانطلاقة الأولى لسكة الحجاز يتميز مبناها بدمج الطرازين المعماريين الإسلامي والأوروبي وتضم اليوم متحفاً يعرض بقايا وحكايا خط الحجاز والتنقل عبر القطارات

محطة القدم:

تعد أكبر محطات خط الحجاز وتضم معامل لصيانة القطارات والعربات بما فيها أقسام للمخارط والمكابس والحدادة والسكب فضلاً عن مستودع للقاطرات

محطة عمّان:

إحدى أبرز محطات الخط الحجازي ومعلم تاريخي مهم في عمان تضم خمس خطوط حديدية فرعية ومشغلاً لصيانة القاطرات وآخر لصيانة الشاحنات ومكاتب إدارية فضلاً عن مرافق تؤمن جميع الخدمات المطلوبة للمسافرين تضم المحطة اليوم متحفاً يحفظ إرث الخط الحجازي وتتيح لزائريها القيام برحلات عبر القطارات البخارية أو العاملة بالوقود

محطة تبوك:

تضم 13 مبنى مشيدة في خط مستقيم مواز لمسار السكة ومستودعات للقاطرات ومعامل للصيانة. تم ترميمها لتصبح موقعاً سياحياً يضم متحفاً.

محطة مدائن صالح:

تضم 16 مبنى تشمل ورشاً لصيانة القاطرات والمحركات، ومبنيين للحراسة ومخازن للعفش، ومساكن للموظفين، واستراحات ودورات مياه مستقلة إضافة إلى بئر في وسطها.

محطة المدينة المنورة:

المحطة النهائية في الخط الحجازي وتضم مستودعاً للقاطرات وأكبر خزان ماء على طول الخط. تعرف المحطة باسم "الأستسيون" وتقع عند باب العنبرية على بعد نحو كيلومتر واحد عن المسجد النبوي. أعيد ترميمها لتصبح اليوم "متحف سكة الحجاز" وفيه عربات ومحركات جمعت من محطات أخرى على السكة القديمة.

وجهات سياحية ثقافية

سكة الحديد الحجازية التي ضمت عشرات المحطات التي نقلت في إحدى السنوات 300 ألف حاج إلى المدينة المنورة، تحولت بقاياها في سوريا والأردن والسعودية إلى وجهات سياحية وثقافية تضم متاحف تحفظ هذا الإرث التاريخي في المنطقة.

محطة الحجاز:

تقع في حي القنوات بدمشق وتعد نقطة الانطلاقة الأولى لسكة الحجاز يتميز مبناها بدمج الطرازين المعماريين الإسلامي والأوروبي وتضم اليوم متحفاً يعرض بقايا وحكايا خط الحجاز والتنقل عبر القطارات

محطة القدم:

تعد أكبر محطات خط الحجاز وتضم معامل لصيانة القطارات والعربات بما فيها أقسام للمخارط والمكابس والحدادة والسكب فضلاً عن مستودع للقاطرات

محطة عمّان:

إحدى أبرز محطات الخط الحجازي ومعلم تاريخي مهم في عمان تضم خمس خطوط حديدية فرعية ومشغلاً لصيانة القاطرات وآخر لصيانة الشاحنات ومكاتب إدارية فضلاً عن مرافق تؤمن جميع الخدمات المطلوبة للمسافرين تضم المحطة اليوم متحفاً يحفظ إرث الخط الحجازي وتتيح لزائريها القيام برحلات عبر القطارات البخارية أو العاملة بالوقود

محطة تبوك:

تضم 13 مبنى مشيدة في خط مستقيم مواز لمسار السكة ومستودعات للقاطرات ومعامل للصيانة. تم ترميمها لتصبح موقعاً سياحياً يضم متحفاً.

محطة مدائن صالح:

تضم 16 مبنى تشمل ورشاً لصيانة القاطرات والمحركات، ومبنيين للحراسة ومخازن للعفش، ومساكن للموظفين، واستراحات ودورات مياه مستقلة إضافة إلى بئر في وسطها.

محطة المدينة المنورة:

المحطة النهائية في الخط الحجازي وتضم مستودعاً للقاطرات وأكبر خزان ماء على طول الخط. تعرف المحطة باسم "الأستسيون" وتقع عند باب العنبرية على بعد نحو كيلومتر واحد عن المسجد النبوي. أعيد ترميمها لتصبح اليوم "متحف سكة الحجاز" وفيه عربات ومحركات جمعت من محطات أخرى على السكة القديمة.

محاولات لإحياء المشروع

بعد قرار تقسيم خط حديد الحجاز بشكل نهائي في مؤتمر عقد في إسطنبول عام 1924، أصبح كل قسم تابعاً للدولة التي يمر فيها. وعلى رغم ذلك تعددت محاولات إعادة تشغيل الخط، لكن أياً منها لم ينجح.

ومن أبرز هذه المحاولات، مؤتمر عقد في الرياض عام 1955 بمشاركة السعودية والأردن وسوريا، لكن قراراته لم تنفذ. وعام 1966 شكلت هيئة عليا للخط الحجازي ضمت وزراء مواصلات الدول الثلاث للتفاوض على إعادة تأهيله. وفي 1978 توصلت الرياض وعمان ودمشق إلى اتفاق في شأن إنشاء خط جديد يربط بينها على أن تتولى كل دولة تنفيذ الأعمال داخل أراضيها على نفقتها، ولهذا الغرض أنشئت "هيئة إعادة تسيير الخط الحديدي الحجازي". حتى في عام 2008، وقعت حكومات الدول الثلاث اتفاقاً لإجراء دراسة مشتركة لتحديد جدوى إحياء الخط الحديدي الحجازي، لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل واعتمدت كل دولة الإجراءات التي تناسبها في شأن الخط على أراضيها.

في الأردن، تتولى "مؤسسة الخط الحديدي الحجازي الأردني" الحفاظ على هذا الإرث التاريخي واستثمار أملاكه وتطويره ووضعه على الخريطة السياحية المحلية والعالمية. وفي هذا السياق، أطلقت الحكومة الأردنية مشروعاً لترميم الخط الحجازي الذي يعتبر إرثاً وطنياً، لكن العمل فيه يستغرق وقتاً طويلاً نظراً إلى تطلبه أعمال صيانة وإصلاح شاملة وتمويلاً كبيراً.

وفي سوريا، تتولى "المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي" إدارة واستثمار أقسام وأملاك الخط على أراضيها. وفي مايو (أيار) 2022 أعلنت المؤسستان الأردنية والسورية بحث تفعيل خط الحجاز بين البلدين لغايات سياحية وتجارية.

أما السعودية، فأعادت تأهيل بعض المحطات، وأبرزها محطة مدائن صالح ومحطة المدينة المنورة التي أصبحت اليوم متحفاً. وفي عام 2015 أدرجت السعودية خط حديد الحجاز ضمن القائمة الموقتة للائحة اليونيسكو للتراث العالمي، مما يخول ترشيح هذا الخط لاحقاً لإدراجه رسمياً في قائمة المواقع التراثية العالمية.

كتابة
طارق ديلواني

تحرير وإعداد
إيليانا داغر

التنفيذ والغرافيك
مريم الرويغ

الإشراف على التنفيذ
نوف الحربي

رئيس التحرير
عضوان الأحمري