النيل و"سد النهضة"
صراع ملتهب بين دول المنبع والمصب
"فليحيا الإله الكامل، الذي في الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل أمرئ أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر"
بهذه الأبيات الأدبية المنقوشة على جدران معبد فرعوني، تغنى المصريون القدامى بنهر النيل قبل أكثر من خمسة آلاف عام. فحين "قدس" المصريون هذا النهر وجعلوه "الإله الخالق" لبلادهم، كانوا يدركون عمق ارتباط النهر بمصير وطنهم ووجوده منذ فجر التاريخ وحتى نهاية الأرض. ولم يكن نهر النيل مصدر "الحياة والخلد" لمصر وحدها، بل كان بمثابة "النهر العظيم" لشعوب دول حوضه بأسرهم، فهو مصدر "البقاء" للبلدان التي يشقها من الجنوب إلى الشمال، ولطالما شكل حجر الأساس في تنامي الشعوب على ضفتيه وازدهار حضاراتها.
ولأنه شريان حياة الدول التي يعبرها، أصبح النيل في العقود الأخيرة محور صراع ملتهب بين دول المنبع والمصب، لا سيما بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى، بسبب خلافات فجّرها مشروع أديس أبابا لبناء سد النهضة على النيل الأزرق، ومخاوف القاهرة والخرطوم من تبعاته على حصصهم المائية من النهر، لا سيما أن مصر تعتمد على النيل لتأمين نحو 98 في المئة من حاجاتها المائية.
فما قصة سد النهضة ولماذا الخلافات بشأنه؟
التفاصيل تحت "المجهر".
نهر النيل
■ يقع في شرق أفريقيا وحوضه يغطي نحو 10 في المئة من مساحة القارة
■ عمره نحو 30 مليون سنة
■ طوله 6695 كيلومتراً من أول رافد في بوروندي إلى مصبه على البحر الأبيض المتوسط في مصر
■ يعبر 11 دولة: تنزانيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، رواندا، كينيا، أوغندا، جنوب السودان، السودان، إثيوبيا، إريتريا، مصر
■ تستغرق رحلة مياهه من المنبع في بحيرة فيكتوريا إلى المصب 3 أشهر
■ معدل تصريف مياهه 2700 متر مكعب/ثانية أي نحو 84 مليار متر مكعب سنوياً
■ تسجل دول حوضه معدلات نمو سكاني مرتفعة مع أكثر من 480 مليون نسمة
النيل الأبيض
واحد من رافدين أساسيين لنهر النيل. أقصى مصادره يبدأ بنهر روفيرونزا في بوروندي الذي يلتقي بنهر روفوفو ويصب من ثم بنهر كاجيرا.
نهر كاجيرا يتلقى أيضاً قسماً كبيراً من إمداداته من نهر نيابارونغو في رواندا، ثم يتابع مساره عند الحدود بين تنزانيا ورواندا حتى وصوله إلى حدود أوغندا، حيث ينعطف شرقاً ويكمل مساره على الحدود مع تنزانيا وداخلها ليعود ويصب أخيراً في بحيرة فيكتوريا من جانب أوغندا.
بحيرة فيكتوريا
هي ثاني أكبر بحيرة عذبة في العالم وتقع في منطقة غنية بالمستنقعات على حدود كل من أوغندا وتنزانيا وكينيا.
بحيرة فيكتوريا هي المصدر الأساسي لمياه نهر النيل الأبيض، فمنها ينطلق النهر شمالاً ليمر عبر بحيرة كيوجا في أوغندا، ثم يتابع مساره وصولاً إلى بحيرة ألبرت التي تمر في وسطها الحدود بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومنها يتابع شمالاً نحو جنوب السودان.
مسار النيل الأبيض
يدخل النهر إلى دولة جنوب السودان عبر مدينة نمولي حيث يتابع مساره ليمر عبر شلالات فولا ويواصل الجريان من جنوب البلاد إلى شمالها تحت اسم "بحر الجبل".
يشق "بحر الجبل" طريقه شمالاً في منطقة المستنقعات الكثيفة بجنوب السودان، حتى يتفرع منه "بحر الزراف" ويسيران بالتوازي ليعودا ويلتقيا بكل من "بحر الغزال" النابع من الغرب ونهر السوباط النابع من الشرق ومصدره هضبة الحبشة في إثيوبيا.
تلتقي جميع هذه الأنهار وتتابع مسارها شمالاً في النيل الأبيض نحو السودان وصولاً إلى العاصمة الخرطوم. عموماً، تعد نسبة مساهمة النيل الأبيض في إيراد نهر النيل ضئيلة بسبب نسب التبخر العالية للمياه، فيوفر نحو 15 في المئة فقط من مياه نهر النيل.
النيل الأزرق
في الخرطوم يلتقي النيل الأبيض بالرافد الأساسي الثاني لنهر النيل: النيل الأزرق.
ينبع النيل الأزرق من بحيرة "تانا" في مرتفعات إثيوبيا ويتجه شمالاً ليلتقي بنهري الرهد والدندر داخل أراضي السودان، ويستمر في مساره حتى يلتقي بالنيل الأبيض في منطقة المقرن بالخرطوم.
يواصل النيل الأزرق جريانه شمالاً نحو مصر، مدعوماً برافد نهر عبطرة في شرق السودان الذي بدوره يتلقى دعماً من نهر تكازي الإثيوبي (يسمى أيضاً نهر سيتيت) والذي يشكل جزءاً من الحدود الغربية بين إثيوبيا وإريتريا.
يوفر النيل الأزرق نحو 85 في المئة من إمدادات نهر النيل، معظمها يصل أثناء سقوط الأمطار الموسمية على هضبة الحبشة خلال الصيف، في ما يعرف بفيضان النيل.
النيل
مع عبوره الحدود السودانية – المصرية، يواصل النيل مساره حتى يصل إلى بحيرة ناصر الصناعية خلف السد العالي في محافظة أسوان، ثم يمضي في طريقه شمالاً ويعبر بمحافظات الصعيد المصرية وصولاً إلى العاصمة القاهرة.
في القاهرة، يتفرع النيل إلى فرعين، فرع دمياط شرقاً وفرع رشيد غرباً، ويشكلان في ما بينهما دلتا النيل ويصبان في النهاية في البحر الأبيض المتوسط.
يحمل النيل نحو 110 ملايين طن من الطمي سنوياً، يأتي معظمها من هضبة الحبشة ولها أثر كبير على دول الحوض إذ تجدد خصوبة التربة على الضفتين وتقلل من السعة التخزينية للخزانات والسدود على مسار النهر.
اتفاقات نهر النيل
على مدار العصر الحديث، سعت دول حوض نهر النيل إلى إقرار اتفاقات لتقاسم مياه النهر لا سيما أنه يشكل مصدراً أساسياً لشعوب الحضارات التي بنيت على ضفافه وخصوصاً الحضارة الفرعونية في مصر، ووفّر لها إمكانيات اقتصادية هائلة في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة وصيد الأسماك وتوليد الكهرباء وغيرها.
وبينما أبرمت معظم الاتفاقات بين دولتي المصب مصر والسودان ودولة منبع النيل الأزرق إثيوبيا، مرت العلاقات بين هذه الدول بمحطات توتر واضطراب وكذلك تعاون سعياً لتقاسم إيرادات النهر. وفي ما يلي أبرز الاتفاقات التي أبرمت بشأن النيل.
1891
في هذا العام، وقعت دولتا الاستعمار آنذاك إيطاليا التي كانت تحتل إريتريا، وبريطانيا التي كانت تحتل أغلب دول حوض النيل، أولى الاتفاقيات الخاصة بنهر النيل عرفت باسم "بروتوكول روما". حدد البلدان مناطق نفوذهما في شرق القارة السمراء، وتعهدت إيطاليا بعدم إقامة أي منشآت يمكن أن تؤثر سلباً في موارد نهر النيل، لا سيما على نهر عطبرة الذي يغذي النيل بأكثر من 10 في المئة من المياه.
1902
وقعت بريطانيا مع منليك إمبراطور إثيوبيا اتفاقية لترسيم الحدود مع السودان، المستعمرة البريطانية، بما يشمل تعديلاً للحدود الإريترية بالتوافق مع إيطاليا. وتناولت الاتفاقية بوضوح سبل استغلال مياه النيل الأزرق وبحيراته وروافده بحيث تُلزم إثيوبيا بإخطار بريطانيا ومصر والتشاور معهما قبل أي مشروع من شأنه أن يؤثر في تدفق مياه النهر.
1906
وقعت كل من بريطانيا وبلجيكا اتفاقية ترسيم الحدود بين الكونغو والسودان، والتي نصت على ألا تقوم الحكومة البلجيكية أو حكومة الكونغو بأي أعمال على الأنهار المغذية لبحيرة ألبرت ونهر النيل إلا بالاتفاق مع الحكومات البريطانية والسودانية. وفي نهاية العام نفسه، وقعت بريطانيا وإيطاليا وفرنسا اتفاقاً شاملاً يحدد مصالح الدول الثلاث في إثيوبيا من دون أن يتعارض مع أي من بنود الاتفاقات السابقة.
1925
أقرت بريطانيا وإيطاليا عبر مجموعة من الخطابات المتبادلة بينهما، بحقوق مصر والسودان في مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض مع تعهدهما بعدم القيام بأي مشاريع تؤثر سلباً في كمية المياه المتدفقة للمجرى الرئيس لنهر النيل.
1929
بالتزامن مع إعلان بريطانيا إنهاء الحماية على مصر، وقعت الأخيرة مع الحكومة البريطانية بصفتها الاستعمارية نيابةً عن أوغندا وتنزانيا وكينيا، الاتفاقية المؤسسة للنقاش حول نهر النيل وتضمنت إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل وأن لها الحق في الاعتراض على إنشاء مشاريع جديدة على النهر وروافده في دول الحوض. وشملت الاتفاقية مجموعة بنود منها:
■ ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي تنبع سواءً من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه التي تصل لمصر أو تعديل تاريخ وصولها أو تخفيض منسوبها على أي وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر.
■ موافقة مصر على زيادة الكميات التي يستخدمها السودان من مياه النيل من دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في تلك المياه.
1959
وقعت مصر والسودان اتفاقية لتقاسم مياه النيل مكملة لاتفاقية 1929، إذ سعى البلدان لضبط المياه الواصلة كل منهما في ظل الرغبة في إنشاء السد العالي في مصر وخزان الروصيرص على النيل الأزرق في السودان ومشاريع أخرى. وشملت تلك الاتفاقية ترتيبات تفصيلية لجميع خطوات بناء السد العالي من حيث تخزين المياه، واستخدام الفائض خلف الخزان، وإعادة توطين السكان المتضررين.
1999
أطلقت الدول المشاطئة للنهر ما يعرف بمبادرة "حوض النيل"، وهي المبادرة التي ضمت غالبية الدول بهدف وضع استراتيجية للتعاون في ما بينها بالاستناد إلى مبدأين أساسيين هما تحقيق النفع للجميع، وعدم الضرر. غير أن المبادرة كانت آلية موقتة لعدم تحولها إلى معاهدة أو اتفاقية دائمة.
الطريق إلى "عنتيبي" وبداية الشقاق
على رغم حالة الاستقرار الظاهرية التي كانت عليها الأوضاع بين دول حوض نهر النيل طوال القرن العشرين، إلا أن الأمور بدأت تأخذ منحى مغايراً في بدايات الألفية الجديدة وصولاً إلى محطة ما عرف بـ"اتفاقية عنتيبي" التي وقعتها عدد من دول المنبع في محاولة لخلق إطار قانوني بديل عما سبقها من اتفاقيات لتوزيع مياه النيل.
بدأت القصة في الدورة الـ17 للمجلس الوزاري لدول حوض النيل التي عقدت في مدينة الإسكندرية في يوليو (تموز) 2009. خلال المؤتمر، سعت دول المنبع، إثيوبيا وكينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا، لفرض إقامة "مفوضية" لحوض النيل من دون مشاركة دولتي المصب مصر والسودان، وهو ما فجر الخلافات بين دول المنبع والمصب مع مطالبة الأولى بإعادة النظر في الاتفاقيات القديمة بدعوى أنها أقيمت من قبل سلطات الاستعمار، إضافة إلى المطالبة بالاستغلال المتساوي لحوض النيل والحاجات المائية المتزايدة لبعض دول الحوض والدعوة لتنفيذ مشاريع مائية من دون إخطار دول المصب.
في مايو (أيار) 2010، وقعت خمس من دول المنبع على اتفاقية في مدينة عنتيبي الأوغندية عرفت بـ"اتفاقية عنتيبي" وهدفت إلى نقل النفوذ من دولتي المصب إلى دول المنبع ومنحت مصر والسودان مهلة عام واحد للانضمام إلى المعاهدة.
أبرز بنود "اتفاقية عنتيبي"
على الأثر، رفضت مصر والسودان الانضمام للاتفاقية كما هي لأنها تنهي حصصهما التاريخية في مياه النيل وتخالف كل الاتفاقيات الدولية السابقة. واشترطت في المقابل إدخال مجموعة من البنود على الاتفاقية للتوقيع عليها، شملت:
- التأكيد على حقوق البلدين التاريخية في مياه النيل
- ضرورة الإخطار المسبق عن كل المشاريع التي يتم تنفيذها على النهر
- عدم جواز تغيير أي بند من بنود الاتفاقية إلا بإجماع الآراء واشتراط تضمين دولتي المصب
أمام الرفض المصري والسوداني، بقيت الاتفاقية معلقة لمدة ثلاث سنوات، قبل أن تصادق عليها رسمياً إثيوبيا ورواندا في عام 2013، ثم تبعتها لاحقاً مصادقات عدد من دول المنبع أبرزها في عام 2015 تنزانيا وأوغندا وبوروندي، ثم في يوليو 2024 مصادقة جنوب السودان. وبذلك دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بموجب المادة 43 منها التي تنص على تفعيلها بعد 60 يوماً من إيداع سادس دولة تصديقها لدى الاتحاد الأفريقي.
(ناشيونال جيوغرافيك)
(ناشيونال جيوغرافيك)
مرتكزات قانونية متباينة
عبر تتبع الأسانيد القانونية والدولية لكل من دول المنبع والمصب، يظهر أن الخلاف بين الطرفين يتمحور بشكل أساسي حول ثلاثة مرتكزات قانونية تتمثل في الآتي.
الخلاف حول اتفاقيات مياه حوض النيل
تتمسك دول المنبع بموقفها القائم على رفض جميع اتفاقيات النيل القائمة والمطالبة بأخرى جديدة، إذ إن جميع الاتفاقيات السابقة قد وقعت في العهد الاستعماري. لكن الموقف المصري والسوداني يؤكد مشروعية كل الاتفاقيات السابقة استناداً إلى مبدأين في القانون الدولي هما مبدأ "التوارث الدولي للمعاهدات" الذي أكدت عليه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية عام 1978، ومبدأ "الحق التاريخي المكتسب" وهو أحد مبادئ اتفاقية فيينا عام 1966.
تقاسم مياه النيل
تطالب دول المنبع بزيادة حصصها المائية ورفض استئثار دولتي المصب بالإيراد المائي لنهر النيل كله. في المقابل، تتمسك دولتا المصب بمبدأ الانتفاع العادل والمنصف بموارد النهر من خلال تبني مفهوم الحوض وليس مفهوم المجرى، باعتبار نهر النيل أحد الأنهار الدولية التي لا يمكن لدول أن تتحكم في مصيره.
شرط الإخطار المسبق
تؤكد كل من مصر والسودان ضرورة الالتزام بشرط الإخطار المسبق عمـلاً بقاعدة قانونية دولية هي "عدم التسبب في الضرر"، وعليه تطالب دول المنبع بعدم القيام بأي مشاريع مائية إلا بعد إخطارها مسبقاً. في المقابل، ترفض دول المنبع التقيد بهذا الشرط وتعتبره مخلاً بسيادتها.
سد النهضة ونقطة الانفجار
مساعي إثيوبيا لتعظيم استفادتها من مياه نهر النيل ليست جديدة، بل تعود إلى أوساط القرن الماضي وتحديداً عام 1956، حين أعلنت حكومتها عزمها "الاحتفاظ بمياه النيل في أراضيها لاستخدامها بالطريقة التي تراها مناسبة". وفي 2001، عادت أديس أبابا وأكدت هذه الرغبة بالإعلان الرسمي عن نيتها إنشاء عدد من المشاريع على أنهارها الدولية في إطار استراتيجية وطنية للمياه. وفي أبريل (نيسان) 2011، أعلنت إثيوبيا رسمياً عزمها بناء سد النهضة العملاق على رغم معارضة دول المصب.
سد النهضة أو سد الألفية الكبير جاء ليثير نقطة توتر لا تزال قائمة مع دولتي المصب من دون التوصل إلى اتفاق على رغم الجهود الدبلوماسية والسياسية العديدة على هذا الصعيد من قبل عدة أطراف بما فيها الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.
سد النهضة
بدأت إثيوبيا في بنائه في أبريل 2011 على مجرى النيل الأزرق بالقرب من الحدود مع السودان
سد مزدوج يتكون من سد رئيسي خرساني على مساحة 1780 كلم2 بارتفاع 145 م. وسعة نحو 14 مليار م3، وسد ركامي احتياطي بطول 4800 م. وارتفاع 55 م. وسعة نحو 60 مليار م3
تكلفته نحو 4.7 مليار دولار مولتها بالغالب الحكومة الإثيوبية وبعض الجهات الإقليمية والدولية
أكبر سد في أفريقيا لإنتاج الطاقة الكهرومائية والـ 10 عالمياً يحتوي على 15 وحدة كهربائية قدرة كل منها 350 ميغاوات
يهدف لسد 60 في المئة من حاجات إثيوبيا الكهربائية، إذ تقدر الحكومة أن يولد نحو 6 آلاف ميغاواط من الطاقة
يسهم أيضاً في تطوير مشاريع زراعية كبرى وأنشطة صيد الأسماك وتنمية الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل
أطلقت إثيوبيا المرحلة الأولى من تعبئته عام 2020 وبدأت في إنتاج الطاقة منه في فبراير 2022
تعتبره مصر تهديداً وجودياً لها، إذ تخشى أن يؤثر في حصتها المائية البالغة 55.5 مليار م3 سنوياً في وقت تعاني من عجز مائي يصل إلى 50% من حاجاتها
محطات من الخلاف والتوتر
على مدى أكثر من عقد ونيف من المفاوضات والمحاولات السياسية والدبلوماسية بعد بدء عملية البناء الفعلي لسد النهضة، مرت هذه الأزمة بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا بمحطات مفصلية شهدت في بعض جوانبها محاولات للتعاون والتوافق فيما شكل الخلاف والصدام السمة الأبرز في الملف. وفي ما يلي أبرز المحطات المفصلية في قضية السد.
أبريل 2011: إثيوبيا تدشن رسمياً "سد الألفية الكبير"
سبتمبر (أيلول) 2011: بعد أشهر من سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، القاهرة وأديس أبابا تتفقان على تشكيل لجنة دولية لدرس آثار بناء سد النهضة
مايو 2013: تقرير اللجنة الدولية يؤكد ضرورة إجراء دراسات تقييم لآثار السد على دولتي المصب وتوقف المفاوضات بعد رفض مصر تشكيل لجنة فنية من دون خبراء أجانب
سبتمبر 2014: عقد اجتماع أول للجنة ثلاثية تضم مصر وإثيوبيا والسودان لبحث الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية والاتفاق على عقد اجتماعات دورية
أكتوبر (تشرين الأول) 2014: الدول الثلاث تختار شركتي "بي آر أل" الفرنسية و"دلتارس الهولندية" لإجراء الدراسات المطلوبة بشأن السد
مارس (آذار) 2015: رؤساء الدول الثلاثة يوقعون وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة" بما يتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، بما يشمل التعاون في الملء الأول وإدارة السد وتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام المخرجات النهائية لتقريرها الختامي، وإخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد
سبتمبر 2015: انسحاب المكتبان الاستشاريان الفرنسي والهولندي لـ"عدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات بحيادية"
ديسمبر (كانون الأول) 2015: توقيع الدول الثلاث على وثيقة الخرطوم تأكيداً على إعلان المبادئ، إضافة إلى تكليف مكتبين فرنسيين بتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع
مايو 2016: إثيوبيا تعلن أنها على وشك إكمال بناء 70 في المئة من السد
مايو 2017: صدور التقرير المبدئي للجنة الفنية واندلاع خلاف بين الدول الثلاث بشأنه
نوفمبر (تشرين الثاني) 2017: الدول الثلاث تفشل في التوصل إلى اتفاق بعد موافقة مصر على تقرير اللجنة الفنية المبدئي ورفضه من قبل إثيوبيا والسودان
ديسمبر 2017: مصر تقترح على إثيوبيا مشاركة البنك الدولي في أعمال اللجنة الثلاثية
يناير (كانون الثاني) 2018: إثيوبيا ترفض دعوة مصر لتحكيم البنك الدولي في النزاع على سد النهضة
أبريل 2018: فشل جولة جديدة من المفاوضات بين الدول الثلاث
يونيو (حزيران) 2018: رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يلتقي السيسي في القاهرة ويتعهد شفهياً بعدم إلحاق الضرر بالشعب المصري بسبب سد النهضة
فبراير 2019: قادة الدول الثلاثة يلتقون على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا ويتفقون على عدم الإضرار بمصالح شعوبهم والسعي لحل جميع المسائل الفنية العالقة
أغسطس (آب) 2019: مصر تسلم إثيوبيا رؤيتها بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة
أكتوبر 2019: الخارجية المصرية تعرب عن صدمتها إزاء تصريحات منسوبة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام البرلمان بأنه "يستطيع حشد الملايين على الحدود، في حالة حدوث حرب... وأنه لا توجد قوة تستطيع منع بلاده من بناء سد النهضة"
نوفمبر 2019: واشنطن تستضيف الدول الثلاث بحضور رئيس البنك الدولي وصدور بيان مشترك جاء فيه أنه "تقرر عقد أربعة اجتماعات عاجلة للدول الثلاث، على مستوى وزراء الموارد المائية وبمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي، تنتهي بالتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة خلال شهرين، بحلول منتصف يناير 2020"
يناير 2020: انتهاء الاجتماع الرابع لوزراء الموارد المائية والوفود الفنية من الدول الثلاث بمشاركة البنك الدولي ووزارة الخزانة الأميركية من دون اتفاق
يناير 2020: واشنطن تستضيف وفود الدول الثلاث لتقييم نتائج الاجتماعات الأربعة والخروج بتوافق مبدئي على إعداد خريطة طريق تتضمن 6 بنود أهمها تنظيم ملء السد خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد
يونيو 2020: مصر تطلب رسمياً تدخل مجلس الأمن الدولي في أزمة سد النهضة والأخير يدعو الدول الثلاث إلى استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي مع دعم انخراط أي مراقبين لدعم المفاوضات وتسهيل حل المسائل الفنية والقانونية
يوليو 2020: إثيوبيا تنهي المرحلة الأولى من ملء السد وسط رفض القاهرة والخرطوم
أبريل 2021: فشل آخر جولة تفاوضية برعاية الاتحاد الأفريقي والقاهرة والخرطوم تتجهان مجدداً إلى مجلس الأمن
مايو 2021: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يزور جيبوتي لتعزيز العلاقات، وإثيوبيا ترتاب من تحركات مصر الأمنية والعسكرية المحيطة بها بعدما أجرت القاهرة والخرطوم ثلاثة تدريبات عسكرية مشتركة آخرها باسم "حماة النيل"
يوليو 2021: إثيوبيا تعلن الملء الثاني للسد وسط رفض مصري سوداني باعتبار الخطوة "إجراءً أحادياً"
فبراير 2022: إثيوبيا تعلن بدء إنتاج الطاقة الكهربائية في السد وتشغيل التوربين الأول لمحطة التوليد
أغسطس 2022: إثيوبيا تعلن اكتمال عملية الملء الثالث لسد النهضة بنجاح وتشغيل توربين ثان لتوليد الطاقة الكهربائية
يوليو 2023: إثيوبيا تقوم بالملء الرابع وآبي أحمد يزور القاهرة ويلتقي السيسي، وصدور بيان مشترك يكشف الاتفاق على بدء مفاوضات عاجلة حول ملء سد النهضة وقواعد تشغيله مع بذل الجهود للانتهاء من هذه العملية خلال أربعة أشهر
أغسطس 2023: استئناف المحادثات بين مصر وإثيوبيا على مدار أربع جولات من دون أي نتائج، ومصر تتهم إثيوبيا بالتراجع عن توافقات سابقة ورفض الحلول الوسطى، فيما أصرت إثيوبيا على الحصول على "حصة عادلة" من مياه النيل
ديسمبر 2023: القاهرة تعلن انتهاء المسار التفاوضي في شأن سد النهضة
سبتمبر 2025: إثيوبيا تفتتح رسمياً سد النهضة
أسباب الخلاف
على مدى نحو عقد ونيف، لم تنجح محطات التفاوض الطويلة والوساطات المتعددة في إذابة الخلافات القائمة بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة الذي ترى فيه أديس أبابا قاطرة للتنمية وتحريك عجلة الاقتصاد من خلال كمية الطاقة المتوقع أن ينتجها، فيما تخشى كل من الخرطوم والقاهرة تأثيره العميق في إمداداتها المائية.
ووفق رصد أجرته "اندبندنت عربية"، تكمن نقاط الخلاف بالأساس بين البلدان الثلاثة في قواعد الملء والتشغيل، وحجم الأضرار على دولتي المصب، فضلاً عن عملية إدارة السد مستقبلاً وتأثيره في قدرات مصر والسودان التخزينية للمياه.
في ما يتعلق بالملء والتخزين، تريد إثيوبيا ملء خزان السد البالغة سعته 74 مليار متر مكعب خلال فترة تمتد بين أربع وسبع سنوات (بدأت عام 2020)، في وقت تتمسك مصر بأن يمتد الملء على مدى 10 سنوات مع الاتفاق على منظومة قانونية لإدارة السد بما لا يؤثر في السد العالي (أكبر السدود المصرية المائية) والسدود السودانية، فضلاً عن إدارة التدفق المائي مع الأخذ في الاعتبار سنوات الجفاف. غير أن أديس أبابا تتمسك بالمضي قدماً في خطتها لعملية الملء من دون موافقة دولتي المصب.
وبحسب تصريحات مصرية وسودانية، فإن الخلاف مع إثيوبيا بشأن سد النهضة لا يتعلق فقط بمسألة الحصص المائية، إنما بمسائل أخرى تشمل أمان السد والآثار البيئية المترتبة عليه والأضرار المحتملة على دولتي المصب. إذ تخشى القاهرة والخرطوم من مدى قوة السد وأمانه وتأثيراته في قدرات التخزين المائية، وهي بنود ضرورية لهما في أي اتفاق مستقبلي.
وعلى رغم أن الدول الثلاث تقدمت بصيغ بديلة لمحاولة تقريب وجهات النظر في النقاط الخلافية المتعلقة بالجوانب الفنية والقانونية للملء والتشغيل، فإن الخلافات راوحت مكانها وتعثرت المفاوضات أكثر من مرة، الأمر الذى دفع مصر والسودان إلى اللجوء لمجلس الأمن الدولي.
خلال العامين الأخيرين، ارتفعت نبرة الاتهامات المتبادلة بين القاهرة والخرطوم من جهة وأديس أبابا من جهة أخرى، إذ اتهمت دولتا المصب في أكثر من مناسبة إثيوبيا "بالتعنت والعمل على إفشال المفاوضات والتصعيد المستمر عبر اللجوء إلى التصرفات الأحادية"، معتبرتين أن ذلك "يؤثر في استقرار المنطقة، ويقود إلى عواقب سلبية، ويُعد خرقاً لاتفاق المبادئ الموقع في عام 2015". في المقابل، لطالما نفت أديس أبابا هذه الاتهامات وكررت أهمية السد في تنميتها الاقتصادية مع حرصها على عدم الإضرار بدولتي المصب، متهمةً القاهرة بـ"محاولة السيطرة على مياه النيل".
تتخوف القاهرة من تهديد السد لحصتها المائية البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتخشى من تأثيره في جفاف مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية، وتداخل مياه البحر في دلتا النيل وارتفاع نسبة الملوحة في أراضيها، وزيادة التلوث وتهديد المزارع والثروة السمكية. فضلاً عن تأثر قطاعي الطاقة والصحة سلباً بالأزمة المائية. ولتجاوز هذه المشكلات، تتمسك القاهرة بضرورة ملء سد النهضة في فترة تتراوح بين 10 و21 سنة، وترفض تقليص كمية المياه عن 40 مليار متر مكعب سنوياً، وتصر على أن يقتصر تخزين المياه خلف السد على موسم الأمطار فقط، وأن يتوقف التخزين في أوقات الجفاف. كما تطلب القاهرة زيادة عدد فتحات تمرير المياه داخل السد من فتحتين إلى أربع فتحات، لضمان استمرار تدفق المياه خلال فترات المناسيب الضعيفة للنيل.
أما السودان فيطلب من إثيوبيا الالتزام بالاتفاقيات الدولية المشتركة الخاصة بالمياه، بما في ذلك الإخطار المسبق بتشييد أي سد على الأنهار المشتركة مما يضمن الحقوق المائية للدول المعنية. وتخشى الخرطوم أن يؤثر السد في كميات الطمي الآتية إلى السودان ما سيؤدي لإفقار التربة الخصبة وبالتالي عجز البلاد عن تحقيق استراتيجيتها القديمة بتحقيق الأمن الغذائي والتحول إلى سلة غذاء العالم.
من جهتها، تستند إثيوبيا إلى حقها السيادي في استخدام مواردها المائية باعتبار أن نحو أكثر من 80 في المئة من مياه النيل تنبع من أراضيها، وأنها وفقاً للقانون الدولي ومبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية تتمتع بحق مشروع وغير قابل للمصادرة في الاستفادة من مواردها المائية. وترفض بنود اتفاقيتي 1929 و1959 حول تقاسم مياه النيل، خصوصاً الموافقة المصرية المسبقة على مشاريع الري بدول المنبع. وترفض أديس أبابا الاتهامات المصرية بـ"الإجراءات الأحادية" وتؤكد أنها "أدارت مشروع سد النهضة بشفافية كاملة"، وقدمت "بيانات فنية دورية حول مراحل الملء والتشغيل إلى كل من السودان ومصر". وتصر على خطتها المتعلقة بملء السد "طوال أشهر السنة" وترفض وجود خبراء مصريين أثناء عملية الملء أو الإدارة المشتركة له.
أشهر السدود على نهر النيل
على طول نهر النيل، أنشأت دول المصب والمنبع العديد من السدود على مدار العصر الحديث بهدف تعظيم العوائد المائية وتوليد الطاقة، فضلاً عن تحسين الري والزراعة المحلية والارتقاء بالاقتصاد.
السد العالي
■ أقيم على نهر النيل في مدينة أسوان جنوب مصر بطول 3830 م. منها 520 م. بين ضفتي النيل
■ استغرق بناؤه 10 أعوام ما بين 1960 و1970
■ يبلغ ارتفاعه 111 م. فوق منسوب قاع نهر النيل وينتج نحو 2100 ميغاوات
■ يحتجز المياه خلفه في بحيرة ناصر الصناعية التي يبلغ طولها 500 كلم ومتوسط عرضها 12 كلم بسعة تخزينية 162 مليار م3 من المياه
■ يحمي مصر من الفيضانات والجفاف إذ تقلص بحيرته من اندفاع المياه وتخزنها للاستفادة منها في سنوات الجفا
سد تيكيزي
■ أول السدود الإثيوبية انتهى العمل فيه عام 2009
■ أقيم على نهر تيكيزي شمال البلاد وهو أحد روافد النيل عبر عطبرة
■ يحتجز 9.2 مليار م3 فقط والغرض الرئيسي منه احتجاز الطمي
سد الروصيرص
■ سد كهرومائي خرساني شيّد عام 1952 في ولاية النيل الأزرق بالسودان بسعة نحو مليار م3
■ الغرض منه تخزين المياه لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية ويولد الطاقة الكهربائية
سد سنار
■ أقدم السدود المائية في السودان إذ أقيم عام 1926 لري الأراضي الزراعية ومد الخرطوم بالكهرباء
■ سد كهرمائي صخري يقع في ولاية سنار جنوب شرقي السودان فوق مجرى النيل الأزرق
■ طوله 3025 متراً بارتفاع أقصاه 40 متراً وسعة خزانه نحو 390 مليون م3 من المياه تمتد لمسافة تزيد عن خمسة كيلومترات جنوباً
سد الروصيرص
■ سد كهرومائي خرساني شيّد عام 1952 في ولاية النيل الأزرق بالسودان بسعة نحو مليار م3
■ الغرض منه تخزين المياه لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية ويولد الطاقة الكهربائية
كتابة
أحمد عبدالحكيم
تحرير وإعداد
إيليانا داغر