المخدرات في العالم العربي

في الليمون والرمان والبطيخ والفلفل والفول.
في الصابون والطحين والتمر وعبوات الحليب والقهوة والشاي.
في قاع حاويات الشحن وفي الكابلات والآلات وعبر الطائرات المسيرة.

تعددت الأساليب والهدف واحد: تهريب المخدرات.

إدمان المخدرات ليس ظاهرة جديدة، إلا أن تعدد أشكال وأصناف المواد المخدرة زاد في السنوات الأخيرة وباتت تداعياتها وتحدياتها أكثر خطورة، فيما يُمضي المروجون لها والعاملون عليها في ابتكار أساليب جديدة ومختلفة لتهريبها بين المدن والدول والحدود، سواء عبر مسارات برية أو بحرية أو جوية.

عربياً، تظهر الإحصاءات والبيانات الرسمية في غالبية الدول أن تعاطي أو تهريب المخدرات لم يعد حكراً على الذكور أو على جماعات أو جهات معينة، إذ شهدت مجتمعاتنا العربية ارتفاعاً في نسب التعاطي والتهريب، في حين تبذل السلطات الأمنية في مختلف الدول مزيداً من الجهود لضبط حدودها في محاولة لمنع دخول ما يذهب العقل ويفني الجسد.

أرقام وإحصاءات عالمية

مع زيادة الطرق البرية والبحرية المستخدمة في التهريب، والتوسع في استخدام الطائرات الخاصة لغرض الاتجار بالمخدرات، زادت شحنات المخدرات غير المشروعة حول العالم، وسجلت طفرة في استعمال طرق غير تلامسية في تسليم المخدرات إلى المستهلكين النهائيين.

في عام 2020، تعاطى نحو 284 مليون شخص حول العالم تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة المخدرات، أي ما يشكل نحو 5.6 في المئة من سكان الأرض، حسب التقرير السنوي بشأن المخدرات في العالم لعام 2022 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، ويشكل هذا الرقم زيادة قدرها 26 في المئة عن عام 2010، تعود جزئياً إلى النمو السكاني العالمي.

وفي عام 2019، قتل تعاطي المخدرات وحده ما يقرب من نصف مليون شخص، وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 70 في المئة من هذه الوفيات ارتبط بتعاطي المواد الأفيونية، فيما تجاوزت نسبة الوفيات الناجمة عن أخذ جرعات زائدة 30 في المئة.

وبينما يعد القنب أكثر المخدرات استخداماً في العالم، سجل إنتاج كل من الكوكاكيين والأفيون نمواً كبيراً، فبالأرقام، سجل إنتاج الكوكايين رقماً قياسياً عام 2020، إذ نمت صناعته بنسبة 11 في المئة لتصل إلى 1982 طناً، فيما وصلت كمية المضبوطات إلى 1424 طناً في العام ذاته، وتهريب الكوكايين آخذ في التوسع من طريق البحر ليتجاوز السوقين الرئيستين في أميركا الشمالية وأوروبا إلى أفريقيا وآسيا، كذلك نما إنتاج الأفيون عالمياً بنسبة سبعة في المئة بين عامي 2020 و2021 إلى 7930 طناً، وأنتجت أفغانستان وحدها نحو 86 في المئة منه عالمياً سنة 2021.

المخدرات في العالم العربي

مسارات ودروب التهريب

تتنوع طرق تهريب المخدرات في الشرق الأوسط والعالم العربي بين الخطوط البحرية والجوية والبرية، فضلاً عن استحداث أساليب جديدة ومبتكرة للتحايل على أجهزة أمن الحدود والجمارك، بما فيها استخدام الطائرات الخاصة والطائرات المسيرة.

تهريب المخدرات من طريق البحر يعد التحدي الأكبر للسلطات الرسمية، بسبب حركة النقل الكثيفة للاستيراد والتصدير عبر دول العالم، سواء في القوارب الصغيرة أو عبر سفن الشحن الضخمة التي تنقل حاويات بضائع كبيرة، وعلى هذا الصعيد، أصبح شرق أفريقيا وغربها يتمتعان بأهمية كبرى في مسارات التهريب البحري، إذ يعبر الكوكايين القادم من أميركا الجنوبية موانئ غرب أفريقيا للوصول إلى أوروبا، فيما يهرب الهيروين من جنوب غربي آسيا عبر شرق أفريقيا للوصول إلى المستهلكين في غرب ووسط أوروبا، كذلك تعد تركيا ممراً مهماً لتهريب المخدرات، لا سيما الكوكايين، من أميركيا الجنوبية إلى الشرق الأوسط والدول الأوروبية.

بالنسبة إلى الحشيش المغربي، يعتمد تهريبه بالأساس على شبكات تتحرك عبر المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وكذلك عبر مسارات برية تمر بموريتانيا وليبيا وشمال النيجر ومالي.

ومع تحول سوريا إلى مركز أساسي لصناعة المخدرات، لا سيما الكبتاغون، بعد اندلاع الحرب فيها عام 2011، نشطت حركة التهريب على طول الحدود الأردنية السورية سواء من خلال المعابر الحدودية التابعة لمحافظة إربد شمال الأردن، وهي مركز حدود الرمثا ويقابله مركز درعا في الجانب السوري، أو من خلال مركز حدود جابر الذي يقابله مركز حدود نصيب في سوريا، هذه التدفقات الكبيرة عبر الأراضي الأردنية، جعلت هذا البلد مركز استهلاك للكبتاغون وليس فقط نقطة عبور، حسب تصريحات دائرة مكافحة المخدرات في عمّان لموقع "بي بي سي"، لا سيما بسبب رخص ثمن هذه الحبوب وسهولة انتشارها في أوساط الأشخاص الأكثر فقراً.

ولا يقتصر تهريب المخدرات من سوريا على الممرات البرية عبر الأردن فقط، بل يتوسع ليشمل طرقاً عدة عبر معابر لبنان البرية ومطاره ومرافئه، وعبر مصر. وبحرياً، يعد ميناء اللاذقية شمال سوريا نقطة انطلاق أساسية في تصدير المخدرات إلى الأسواق الخارجية عبر البحر المتوسط، خصوصاً إلى الدول الخليجية حيث القدرة الشرائية قوية، بعدما تخبأ الشحنات في قاع حاويات الشحن أو في عبوات سلع استهلاكية كالحليب، أو في شحنات فواكه وغيرها من المعدات.

خريطة التدفقات الرئيسة للكبتاغون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

خريطة التدفقات الرئيسة للكبتاغون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

خريطة التدفقات الرئيسة للمواد الأفيونية

خريطة التدفقات الرئيسة للمواد الأفيونية

خريطة التدفقات الرئيسة للكوكايين

خريطة التدفقات الرئيسة للكوكايين

خريطة التدفقات الرئيسة للميثامفيتامين

خريطة التدفقات الرئيسة للميثامفيتامين

مصدر الخرائط هو تقرير المخدرات العالمي لعام 2022

سوق تزدهر

يؤكد التقرير السنوي للمخدرات في العالم لعام 2022، أن "سوق الكبتاغون تواصل الازدهار في الشرقين الأدنى والأوسط، حيث بلغت المضبوطات مستوى قياسياً في عام 2020"، ويضيف أن "نقطة الانطلاق للاتجار هي الشام (سوريا ولبنان) وتبلغ وجهات المقصد في بلدان الخليج إما مباشرة من طريق البر والبحر، أو بشكل غير مباشر من طريق أوروبا وربما شمال أفريقيا، وتشير المضبوطات الأخيرة في شرق آسيا وغرب أفريقيا إلى زيادة التوسع الجغرافي لسوق الكبتاغون".

وبحسب تقرير صادر عن معهد "نيو لاينز" الأميركي، أعده الباحثان كارولين روز وألكسندر سود، باتت تجارة الكبتاغون تشكل "اقتصاداً غير مشروع متسارع النمو في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط"، حيث تقدر القيمة المحتملة لتجارة التجزئة عام 2021 بأكثر من 5.7 مليار دولار، وهو رقم يعكس فقط قيمة سعر التجزئة للحبوب التي جرت مصادرتها في هذا العام والتي حددها التقرير بأكثر من 420 مليون حبة.

تجارة برعاية سياسية

صناعة الكبتاغون في الشرق الأوسط تتم بشكل أساسي تحت رعاية النظام السوري وميليشيا "حزب الله" اللبنانية المدعومة من إيران، وفق تحقيقات صحافية عدة في السنوات الأخيرة، وتزدهر في ظل أزمات مستفحلة، إذ تشكل مناطق الصراع حيث تكون سيادة القانون ضعيفة، "مغناطيساً" لصناعة المخدرات وتستطيع بدورها إطالة أمد الصراع وإزكائه، حسب استنتاجات تقرير المخدرات العالمي.

وقد كشف تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز"، نشر في ديسمبر 2021 بعنوان "فوق أنقاض سوريا تزدهر إمبراطورية مخدرات"، أن معظم عمليات إنتاج وتوزيع المخدرات تتم بإشراف الفرقة الرابعة المدرعة في الجيش السوري، وهي قوة نخبة يقودها ماهر الأسد، الأخ الأصغر لرئيس النظام بشار الأسد وأحد أكثر الشخصيات نفوذاً في سوريا، وينخرط في هذه التجارة مجموعة رجال أعمال يتمتعون بصلات وثيقة بالنظام السوري و"حزب الله" وأعضاء آخرون من أسرة الأسد يحظون بحماية النظام في ممارسة الأنشطة غير المشروعة، وفق تحقيق لصحيفة "تايمز" البريطانية استند إلى إفادات مسؤولين أمنيين في عشر دول وخبراء في تجارة المخدرات.

وبفعل العقوبات الدولية التي جففت مصادر تمويل النظام السوري، لجأ هذا الأخير لتجارة المخدرات التي وفرت له خلال عام 2021 دخلاً قدره تقرير لمجلة "دير شبيغل" الألمانية بـ5.7 مليار دولار على الأقل، فيما يشير موقع "سيريا ريبورت" إلى أن تجارة المخدرات أصبحت أحد أهم مصادر العملة الأجنبية لدمشق، وتنقل "نيويورك تايمز" عن المبعوث الأميركي إلى سوريا في عهد دونالد ترمب، جول رايبرن، قوله إن "الحكومة السورية هي حرفياً من يصدر المخدرات، إنهم لا يغضون النظر بينما تقوم العصابات بعملها، بل هم أنفسهم كارتل المخدرات". لكن بطبيعة الحال، ينفي النظام السوري أي تورط له في هذه العمليات.

وفي لبنان المجاور، الأمر لا يقتصر على الكبتاغون وحسب، فهذا البلد معروف منذ القدم بإنتاج الحشيش وتهريبه لا سيما تحت رعاية عشائر وتجار ذوي نفوذ في المناطق الحدودية، لكن منذ اندلاع الحرب في سوريا، بدأت كذلك صناعة الحبوب على أراضيه بعدما تبين للتجار أنها أكثر ربحاً واستقراراً، وفق ما أكد رئيس ​شعبة العلاقات العامة​ في قوى الأمن الداخلي اللبنانية العقيد ​​جوزيف مسلم، في مقابلة مع قناة "تشانل 4" البريطانية. فصناعة الكبتاغون لا تحتاج لأراض زراعية واسعة، بل لغرفة واحدة وآلة ومواد كيماوية مستوردة بشكل غير قانوني، تكون كافية لإنتاج ما يصل إلى 600 ألف حبة في الأسبوع، وفق ما قال مصنع لبناني لهذه الحبوب لـ"تشانل 4".

أكثر من ذلك، كشف وثائقي نشرته قناة "فرانس 5" الفرنسية الرسمية تحت عنوان "حزب الله والتحقيق الممنوع"، خفايا تحقيق أميركي أثبت تورط "حزب الله" بتجارة المخدرات وتبييض الأموال في أميركا اللاتينية، وتحديداً عبر إدارته كارتلاً لتجارة الكوكايين في كولومبيا، غير أن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، نفى في مقابلة مع معدي الفيلم أي علاقة لـ"حزب الله" بتجارة المخدرات وتبييض الأموال.

أما في المغرب، المصدر الأول للقنب الهندي في العالم، فأصبحت مدينة طنجة شمال البلاد، تعرف عالمياً بأنها عاصمة للتهريب والمخدرات وغسيل أموال الجريمة المنظمة، ووصفها المرصد الدولي للمخدرات بكونها "كارتيلاً" دولياً للمخدرات وأنشطة التبييض، وتعد المناطق الشمالية في المغرب التي تجمع البلاد بجنوب إسبانيا لا سيما عبر جيبي سبتة ومليلية الخاضعين للسيادة الإسبانية، محل جذب لشبكات تجارة المخدرات.

وحسب تقرير نشره موقع "إيه بي سي" الإسباني عام 2018، تعد مناطق وادي المرسى بين الفنيدق وميناء طنجة الجديد، وشاطئ سيدي عبد السلام بين تطوان وأزلا، وشاطئ واد لاو، وشاطئ جنانيش، وأماكن أخرى قريبة من شاطئ العرائش، مناطق رئيسة في شمال المغرب تنطلق منها القوارب المحملة بالحشيش نحو إسبانيا، كما يشكل جنوب المغرب مسرحاً لإنتاج الحشيش وتهريبه، فيُرسل إلى أوروبا من طريق موريتانيا أو عبر قوافل شاحنات تغادر شمال مالي إلى السوق الأوروبية، وفق تصريحات لفيليب دي أندريس، المدير الإقليمي لمنطقة غرب ووسط أفريقيا في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، لصحيفة "لاكروا" الفرنسية، وعلى رغم الحملات الأمنية التي تشنها السلطات المغربية لاعتقال تجار المخدرات، يفلت كثير منهم من العقاب بفضل الرشاوى التي كثيراً ما تجنبهم القبض عليهم.

جهود المكافحة 

على الصعيد الدولي، أقرت الدول ثلاث معاهدات أممية رئيسة لمكافحة المخدرات، هي:

لقطة لقاعة المؤتمرات في 24 يناير 1961 في الأمم المتحدة بنيويورك. (صور الأمم المتحدة / MB)

لقطة لقاعة المؤتمرات في 24 يناير 1961 في الأمم المتحدة بنيويورك. (صور الأمم المتحدة / MB)

الأولى تم تبنيها في مؤتمر الأمم المتحدة عام 1961 في نيويورك، وهدفت إلى مكافحة تعاطي المخدرات من خلال تنسيق تدخل دولي لردع المتاجرين بها.

- الثانية هي اتفاقية المؤثرات العقلية التي اعتمدت سنة 1971 في مؤتمر فيينا، وأنشأت نظام رقابة دولي على المؤثرات العقلية، مستجيبةً في ذلك لتنوع وتوسع عدد الأدوية التي تؤدي إلى الاستعمال غير المشروع، ووضع ضوابط على عدد من العقاقير الاصطناعية وفقاً لإمكانية استعمالها غير المشروع من ناحية وقيمتها العلاجية من ناحية أخرى.

- الثالثة اعتمدت في مؤتمر الأمم المتحدة عام 1988 في فيينا، وهي اتفاقية مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، ونصت على تدابير عملية ضد الاتجار بالمخدرات، بما في ذلك أحكام لمكافحة غسل الأموال وللتعاون الدولي في هذا المجال.

الوزير الأول التونسي رشيد صفر يفتتح مؤتمر الدورة الخامسة لمجلس وزراد الداخلية العرب وعلى يمينه الوزير التونسي الشاذلي القليبي وزير الداخلية السعودي الأمير نواف بن عبدالعزيز والأمين العام للمجلس الدكتور أكرم نشأت إبراهيم (nauss)

الوزير الأول التونسي رشيد صفر يفتتح مؤتمر الدورة الخامسة لمجلس وزراد الداخلية العرب وعلى يمينه الوزير التونسي الشاذلي القليبي وزير الداخلية السعودي الأمير نواف بن عبدالعزيز والأمين العام للمجلس الدكتور أكرم نشأت إبراهيم (nauss)

تعمل الدول العربية بشكل رئيس في إطار هذه الاتفاقيات الثلاثة، فضلاً عن اعتماد مجلس وزراء الداخلية العرب سلسلة وسائل لمكافحة هذه التجارة، بما فيها الاستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية التي اعتمدها عام 1986، والتي تتصدى لهذه الظاهرة على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، وتشكل أساساً للتعاون العربي في مواجهة هذه المشكلة.

مجلس وزراء الداخلية العرب يعقد دورته السادسة والثلاثين في تونس (واس)

مجلس وزراء الداخلية العرب يعقد دورته السادسة والثلاثين في تونس (واس)

كذلك اعتمد المجلس في مارس 2019، الآلية العربية للإنذار المبكر لرصد المستجدات في مجال المخدرات والمؤثرات العقلية، التي تهدف لتوفير سرعة تمرير المعلومات والبيانات وتبادلها حول المواد الجديدة المصنعة والمؤثرات العقلية والنفسانية من خلال قنوات الاتصال الموجودة، وتشديد الرقابة على هذه المواد ومنتجيها ومصنعيها ومستورديها والمتاجرين بها.

وتبقى الجهود الذاتية والداخلية لكل دولة على حدة، أساسية لمكافحة المخدرات وإنقاذ الشباب العربي من أخطارها.

كتابة
أحمد عبدالحكيم

تحرير وإعداد
إليانا داغر

التنفيذ والغرافيك
نوف الحربي
مريم الرويغ

الإشراف على التنفيذ
نوف الحربي

رئيس التحرير
عضوان الأحمري