ملخص
حرب الرقائق بين أميركا والصين تخطت مرحلة اللاعودة وأوروبا تجد نفسها مضطرة لمشاركة واشنطن الاستثمار في أشباه الموصلات
يتوقع أن تشمل القرارات الأميركية الحمائية التي قد تصدر هذا الأسبوع على المنتجات الصينية ما هو أكثر من السيارات الكهربائية.
كانت تقارير إعلامية نقلت عن مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن واشنطن قد تضاعف الرسوم والتعرفة الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية أربع مرات لتصل إلى 100 في المئة، بدلاً من الرسوم الحالية عند 25 في المئة، فإن الإجراءات الأميركية قد تشمل أيضاً مضاعفة الرسوم والتعرفة على منتجات صينية أخرى مثل أشباه الموصلات بما فيها الرقائق الإلكترونية ومكونات نظم الطاقة الشمسية وحتى الإمدادات الطبية الصينية التي تستوردها الولايات المتحدة.
تبرر الإدارة الأميركية لفرض الإجراءات الحمائية ضد المنتجات الصينية بما تعتبره "إغراق" المنتج الصيني للسوق الأميركية مما يضر بمنافسيها المحليين وبالوظائف للأميركيين في تلك الصناعات داخل الولايات المتحدة، ولا تقتصر مخاوف "الإغراق" والقلق من "طاقة الإنتاج الهائلة" للصين على الولايات المتحدة، بل كانت في قلب محادثات الرئيس الصيني شي جينبينغ في زيارته إلى فرنسا، الأسبوع الماضي، وكذلك حملها معه المستشار الألماني أولاف شولتز في زيارته الأخيرة للصين الشهر الماضي.
لكن بكين تنفي طاقتها الإنتاجية الزائدة ومسألة الإغراق، وإن كانت لا ترغب في استعداء أوروبا وجعلها تنضم للولايات المتحدة في الحرب الاقتصادية على الصادرات الصينية.
حرب التكنولوجيا
ونشرت وكالة "بلومبيرغ" تقريراً عن مشاركة أوروبا لأميركا في الصراع مع الصين، بخاصة في مجال أشباه الموصلات وتحديداً صناعة الرقائق الإلكترونية، وذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضخا 81 مليار دولار من الاستثمارات في صناعة الجيل الجديد من أشباه الموصلات، ويعد هذا المبلغ مرحلة أولى من استثمارات تقدر بنحو 380 مليار دولار لزيادة إنتاج رقائق إلكترونية لمعالجات متقدمة.
يقول المستشار في مؤسسة "راند" جيمي غودريتش، "لا شك في أننا تجاوزنا خط اللاعودة في ما يتعلق بالمنافسة التكنولوجية مع الصين، خصوصاً بالنسبة لأشباه الموصلات، وبالفعل جعل الطرفان من هذا الأمر هدفاً استراتيجياً وطنياً في المرتبة الأولى".
يأتي ذلك في وقت يشهد الاقتصاد الصيني تحولاً من اعتماد النمو على قطاعات مثل القطاع العقاري إلى تطوير التكنولوجيا لتحقيق نمو يعتمد على القيمة المضافة، ولم تعد ترغب بكين في أن تكون مصدر منتجات من قبيل الألعاب وغيرها من المنتجات الخفيفة، بل تسعى إلى الاعتماد على الاستثمار في الصناعات عالية القيمة خصوصاً في قطاع التكنولوجيا.
في فترة وباء كورونا، زاد القلق الأميركي والغربي عموماً من الاعتماد على صناعة الرقائق وأشباه الموصلات الصينية، خصوصاً مع تعطل سلاسل الإمداد نتيجة الإغلاقات التي صاحبت الوباء، بالتالي توقف كثير من الصناعات التي تعتمد على وصول المكونات من الصين، وبالطبع، جاءت إدارة بايدن بعد الوباء وفي مقدمة استراتيجيتها الخارجية "التصدي لصعود روسيا والصين" وفي السياق تشكيل "تحالف غربي" تقوده واشنطن ويعزز دورها كقوة عظمى وحيدة في العالم.
ولم تتوقف سياسات الإدارة الأميركية التي تستهدف "فك الارتباط" مع الصين بتشجيع الصناعات الأميركية على العودة إلى الولايات المتحدة وتقديم الحوافز بمئات مليارات الدولارات لتلك الشركات ضمن برامج فيدرالية مختلفة.
الضغط على أوروبا
في مؤتمر مستقبل صناعة السيارات الذي نظمته "فايننشال تايمز"، الأسبوع الماضي، حذر رئيس شركة السيارات "فولكسفاغن" المفوضية الأوروبية من زيادة الرسوم والتعرفة الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية، مشيراً إلى أن ذلك قد يضر بالشركات الأوروبية التي ستواجه "إجراءات انتقامية" من السلطات الصينية برفع الرسوم والتعرفة على منتجاتها. وقال توماس شيفر، "لا أومن بالرسوم والتعريفة، وأرغب أن أرى الجميع يتنافسون على أساس القواعد والشروط ذاتها".
لم يقتصر التحذير على رئيس "فولكسفاغن"، بل شاركه فيه أيضاً رئيس "مرسيدس بنز" أولاً كالينيوس، وتفرض أوروبا حالياً رسوماً بنسبة 10 في المئة على السيارات الكهربائية الصينية للسوق الأوروبية، بينما تدفع الشركات الأوروبية رسوماً بنسبة 15 في المئة على صادراتها من السيارات للصين، لذا تختار كبرى الشركات الأوروبية إنتاج سياراتها التي تبيعها في السوق الصينية داخل الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من غير الواضح بعد كيف ستكون استجابة أوروبا للضغط الأميركي كي تفرض إجراءات حمائية مشددة على الصادرات الصينية، خصوصاً أن التحول في مجال الطاقة في أوروبا يزيد الطلب على المنتجات "الخضراء" مثل ألواح الطاقة الشمسية وغيرها. وعلى الرغم من أن أوروبا تخشى على شركاتها التي تنتج تلك المكونات، لكنه يصعب أيضاً أن تستغني عن الإنتاج الصيني الذي يلبي قدراً كبيراً من الطلب الأوروبي، وينطبق الأمر كذلك على بطاريات الليثيوم وغيرها من المنتجات التي زاد الطلب عليها مع تحول الطاقة.
في دراسة، الأسبوع الماضي، عن العلاقات الأوروبية الصينية لمركز "تشاتام هاوس" خلصت إلى أن أوروبا تحتاج فعلاً لإعادة النظر في علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الصين، لكن الدراسة تحمل إشارات ضمنية بأن "فك ارتباط" بين أوروبا والصين سيكون ضاراً بفوائد العولمة التي جنتها أوروبا وغيرها في العقود الأخيرة.
أميركا وأوروبا
هكذا تجد أوروبا نفسها بين فكي كماشة، فهي لا يمكنها الاستغناء عن حليفها الأهم عبر الأطلسي وفي الوقت نفسه لا تريد المغامرة بفك الارتباط تماماً مع الصين، وإن كانت الدول الأوروبية الكبرى منزعجة من موقف الصين المؤيد لروسيا في حرب أوكرانيا، على الرغم من تكرار الرئيس شي في جولته الأوروبية، الأسبوع الماضي، أن بلاده لا تفعل أكثر من "السعي من أجل حل سلمي في أوكرانيا".
في ما يتعلق مثلاً بالحوافز الأميركية لشركاتها بعشرات مليارات الدولارات، بخاصة في مجال الطاقة النظيفة والمنتجات الإلكترونية الدقيقة، لا يمكن لأوروبا توفير دعم مماثل لشركاتها، وهي بالفعل في حالة عدم رضا مكتوم على الدعم الأميركي الذي يضر بفرص منافسة الشركات الأوروبية.
ليس هذا فحسب، بل إن تجربة العقوبات على موسكو نتيجة حرب أوكرانيا وإن جعلت أوروبا تتمكن من إنهاء اعتمادها على واردات الطاقة الروسية، بخاصة الغاز الطبيعي، لكنها جعلت الولايات المتحدة المصدر الأكبر للطاقة إلى أوروبا، خصوصاً الغاز الطبيعي المسال.
في تحليل لأرقام مكتب الإحصاءات الرسمية الألماني نشرته وكالة "رويترز"، الأسبوع الماضي، احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في التجارة مع ألمانيا في الربع الأول من هذا العام، مزيحة الصين من تلك المكانة التي كانت تحتلها، وبلغ حجم التجارة، صادرات وواردات، بين ألمانيا وأميركا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 63 مليار يورو (68 مليار دولار)، بينما لم تزد تجارة ألمانيا مع الصين على نحو 60 مليار يورو (65 مليار دولار).