Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليسار الإيراني واليسار العالمي وضرورة التغيير

انتبه الأوروبيون أنه لا يمكنهم الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات تحت راية الشيوعية

جدارية في طهران تجسد المرشدين السابق الخميني والحالي خامنئي (رويترز)

ملخص

أصبح اليسار الإيراني في حاجة إلى إعادة تعريف نفسه على أساس دراسة الماضي والتخلص من بعض الشعارات الأساسية منها الثورة وديكتاتورية البروليتاريا والتخطيط الاقتصادي والسلطة الشمولية بيد طبقة العمال.

"المطالبون بالملكية الدستورية يعملون لإلغاء اليسار الإيراني!"، سمعت هذا الادعاء الهزلي، أخيراً، من أحد النشطاء اليساريين في المنفى. على حد معرفتي لا يرغب أي من المطالبين بالملكية الدستورية بإلغاء اليسار أو أي خطاب فكري سياسي.

كانت حركة الملكية الدستورية منذ البداية ذات طابع شامل لأنها ثمرة نضال وتضحية وفكر ووعي نساء ورجال كانوا يبحثون عن أفضل طريقة في إدارة إيران، بشكل يكفل مصالح الشعب بعيداً من المواقف الحزبية البحتة.

المطالبون بإنهاء الفترة الحالية التي بدأت مع وصول المرشد السابق روح الله الخميني وحلفائه إلى الحكم لا يرغبون أبداً بتكرار الأخطاء المفجعة التي رافقت فترة ثورة الدستور وعلى رأس هذه الأخطاء المحاولة لإلغاء الآخرين من أجل ترسيخ أسس الاستبداد.

اليسار وفروعه المختلفة والمتناقضة أحياناً يعد أحد مظاهر الحياة السياسية في جميع أنحاء العالم ولا يمكن أن يكون إلغاؤه أو قمعه هدفاً للمطالبين بإقامة نظام دستوري إذ إنهم يروجون إلى تأسيس نظام يكفل الحريات الاجتماعية في إطار القانون المنبثق من إرادة الشعب، لكن أداء البعض ينطبق عليه المثل الإيراني "الكافر يعتبر الجميع على دينه".

في جميع الفترات التي رافقت ثورة الدستور كانت إيران جارة لروسيا وفيما بعد جارة للاتحاد السوفياتي السابق، وكلا النظامين قدما نوعاً من الاستبداد. وكان الاتحاد السوفياتي السابق قبلة لليساريين الإيرانيين ولم نرَ منه إلا إطلاق ماكينة القمع وإلغاء الآخرين من ساحة العمل السياسي.

لنعود إلى بحثنا، فالمطالبون بالملكية الدستورية لا يرغبون بإلغاء "الحركة اليسارية" لأنهم يرون في التنافس السياسي مصالح من أجل ترسيخ الحرية، لكن هذه الحريات لا يمكن أن تكون مطلقة لأن الحرية للذئب يمكن أن تعني قتل الخروف. فحرية حمل السلاح في أميركا في الوقت الحالي تعني قتل الآلاف من الأبرياء في حالات إطلاق النار في المدارس والأسواق والنوادي والشوارع في الولايات المتحدة.

والحرية الإسلامية في النظام الإيراني تعني إسقاط مكانة إيران لتكون مباحة لأقلية تسعى لنهب المياه والتراب وثروات البلاد.

كان لليسار الإيراني أدوار خلال ثورة الدستور وفي مستقبل إيران يجب أن يكون له أدوار أيضاً، لكن قبول هذا المطلب رهن بقبول تغييرات في المجموعات والأحزاب والأفراد المنتمين إلى التيار اليساري. فتجربة اليسار في بلدان لديها نوع من الملكية الدستورية وتسود فيها الديمقراطية يجب أن تكون مثالاً لليسار الإيراني.

ربما من الأفضل ألا يتطرق من هو مثلي ويعتبرونه من الطواغيت إلى مثل هذه التجارب لكن وأنا أحمل القلم وأمارس الكتابة، لماذا لا يحق لي التطرق إلى هذه التجارب؟ كما أن مظاهر اليسار خلال العقود الماضية ظهرت في أفكار أفلاطونية تعتبر الناس مغفلين في الحياة وأنهم كقطيع من الغنم يحتاجون إلى راع.

لكن مصطلح "اليسار" بدأ خلال الحكم الجمهوري للرومان. فكان في تلك الفترة مجموعة من ثلاثة أشخاص هم كراسوس وبومبي وسيزار يتولون إدارة النظام الجمهوري تحت إشراف مجلس شيوخ ضم إقطاعيين ونبلاء.

وكان أنصار كراسوس يجلسون إلى الجانب الأيسر من المجلس لذلك أطلق عليهم "اليساريون" أو (Sinistra) وفي الوقت نفسه عرف هذا المصطلح بمعنى "الرهيب" لأن كراسوس الذي كان يملك محطة إطفاء الحريق الوحيدة في روما كان يطلب من عصابات تنتمي إليه إضرام النار في بعض أماكن المدينة حتى يضطر المواطنون إلى دفع كلفة لمحطة الإطفاء. وصل كراسوس في ما بعد إلى الحكم بعد قمع حراك العبيد لكنه قتل في الحرب مع إيران.

بعد قرون تحول مصطلح "اليسار" كمجموعة معارضة للوضع القائم خلال الثورة الدامية في فرانسا. وكان أنصار روبسبير وسان جوست يدعوان إلى قطع الرؤوس بواسطة المقاصل وأنصارهم يجلسون إلى الجانب الأيسر من المجلس الثوري.

أما معارضوهم (الجیرونديون) بقيادة دانتون فكانوا يجلسون إلى الجانب الأيمن من المجلس وكانوا يطالبون بوقف الإعدامات والالتزام بالقانون والسلام مع جيران فرنسا.

تلك السنوات المصيرية في الثورة الفرنسية، التي كانت أكثرها مأساة أدت إلى إيجاد تحول في أوروبا الغربية والعالم في ما بعد.

اليساريون كانوا ينظرون إلى المجتمع كورقة بيضاء ومن الممكن ترسيم المواثيق عليها طبقاً للطريقة الأفلاطونية أو سان سيمون وفوريه. وكان ماركس يمدح الثورة الفرنسية ويصفها بأنها تضمنت مواجهة طبقية وهذه المواجهة الطبقية تعد أساس تاريخ الإنسان.

بعد الثورات الفاشلة في عام 1848 سعى اليسار في أوروبا إلى التخلص من المواجهة الطبقية لكن لم يحقق نجاحاً. وفي الإمبراطورية النمسوية والألمانية في ما بعد انتبه اليساريون أن الطبقة العمالية لا تستطيع أن تصل إلى السلطة عبر الثورة ويجب عليها أن تنسى أمل الوصول إلى سلطة شمولية. أما المجتمعات الصناعية الحالية فلا تقبل أبداً "ديكتاتورية البروليتاريا".

الثورة أو بالأحرى الانقلاب الروسي عام 1917 طرح لأول مرة شكوكاً حول هذه الفرضية، إذ وصل حزب إلى السلطة بحصوله على خمسة في المئة من الأصوات فقط في أول انتخابات في روسيا رافعاً شعار الثورة باسم "البروليتاريا"، لكن هذه الطريقة في الوصول إلى السلطة كشفت أكثر أساليب الحكم آنذاك، الوصول إلى السلطة بواسطة الاغتيالات والعنف.

خلال عقود طويلة انتبه اليساريون الأوروبيون أنه لا يمكنهم الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات تحت راية الشيوعية وبعد عام 1917 تحت راية اللينينية، لكن مع قبول الإطار الدستوري أو الديمقراطية السائدة بإمكانهم الحصول على حصة في الحكم. وكان اليسار في بريطانيا قد أدرك هذا الواقع جيداً واستطاع التخلص من أوهام الماركسية فوصل إلى الحكم بعد سبعة أعوام من انتصار البلشفيين في روسيا.

وكان زعيم حزب العمال آنذاك رامزي ماكدونالد أصبح أول رئيس وزراء لحكومة يسارية في بريطانيا، وقد أكد ضرورة التخلص من التصرف كمجموعة بعينها.

وفي ألمانيا بعد التمرد الدامي في انتفاضة سبارتاكوس وكارثة جمهورية فايمار و12 عاماً من الهيمنة المرعبة للوطنيين اليساريين والحرب العالمية قرر اليسار الألماني التخلص من الشيوعية ليخرج بمظهر قوة سياسية جديرة بإدارة البلد. واستطاع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوصول إلى الحكم عبر الانتخابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي فرنسا عمل الاشتراكيون على إجراء تعديلات في حزبهم من خلال التخلص من الاشتراكية الدولية وعملوا صيغة مشتركة من خلال دمج عدد من المجموعات اليسارية وتركوا راية الماركسية اللينينية للحزب الشيوعي.

وبعد 30 عاماً قرر الشيوعيون في فرنسا التخلص من أوهام مثل "ثورة البروليتاريا وديكتاتورية البروليتاريا" وقبلوا بمشروع الدستور الفرنسي واستطاعوا الحصول على أول حصة من أصوات الشعب في الانتخابات، وفي المرحلة الثانية شكلوا ائتلافاً مع الحزب الاشتراكي وحصلوا على جزء من الحكم في البلاد.

وبعد انتهاء الحرب الباردة وفشل النموذج السوفياتي واجه اليسار الأوروبي أزمة هوية عميقة. وصل اليسار إلى قناعة بأن الرأسمالية ليست نظرية أو طريقة حكم، بل هي عملية طبيعية لتكوين الثروات ولا يمكن أن يستمر المجتمع من دونها. الرأسمالية بدأت عندما بدأ الإنسان العمل مزارعاً لأن المزارع أدرك بأن عليه أن يحتفظ بجزء من البذور من أجل المستقبل. الرأسمالية في الواقع هي تأجيل الاستهلاك أو كما قال الشاعر سعدي الشيرازي: "اشرب والبس وأعطِ وادخر شيئاً للمستقبل".

وبعد قبول هذا الواقع عمل اليسار الأوروبي على إعادة تعريف نفسه كوسيلة لتوزيع ثمار الرأسمالية واستطاع أن يكسب شعبية واسعة من خلال تشكيل نقابات عمالية وتقديم الضمان الاجتماعي، إضافة إلى التخلص من مبادئ مثل "ثورة البروليتاريا وديكتاتورية البروليتاريا" تخلص اليسار الأوروبي أيضاً من محاولة تأميم وسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل وكثير من الخطط الاقتصادية.

وكانت الحكومة المتحالفة بين الاشتراكيين والشيوعيين في فرنسا بقيادة فرانسوا ميتران بدأت عملها بتأميم عدد من المؤسسات منها البنوك والمراكز الصناعية والخدمية لكنها انتبهت إلى أخطائها بسرعة وأعادت جميع المؤسسات إلى القطاع الخاص ومنحت بعضها كتنازلات لأنصار الحزب الاشتراكي أو الشيوعيين.

وفي بريطانيا أقدم حزب العمال بقيادة توني بلير على إلغاء المادة الرابعة من ميثاقه وتخلص من إرث التأميم بالطريقة الماركسية إلى الأبد.

طرح اليسار العالمي خلال الـ100 عام الماضية شعارات مختلفة من أجل تبرير وجوده في الساحة السياسية منها النضال ضد الإمبريالية والاستعمار ومعارضة المشاريع الاستعمارية في الهند والصين والجزائر والتعاطف مع البلدان النامية.

ولم تكن الأحزاب المحافظة أيضاً بعيدة عن مواقف قريبة من هذه الشعارات. صحيح أن استقلال الهند أتى خلال حكم العمال في بريطانيا لكن هبوب رياح التغيير الذي أدى إلى استقلال جميع المستعمرات البريطانية كان مبادرة من حزب المحافظين بقيادة هارولد ماك ميلان، كما أن الجزائر و20 مستعمرة فرنسية حصلت على استقلالها خلال حكم المحافظين في باريس.

حاول اليساريون الغربيون أداء أدوار جديدة خلال العهود الماضية، ففي فترة العولمة روجوا بحماس لفكرة تأسيس الاتحاد الأوروبي والتجارة الحرة وسعوا ليظهروا بمظهر المناضلين ضد الظلم. فطرحوا موضوع الاعتذار من المستعمرات السابقة ودفع غرامات لأبناء العبيد.

وطرحوا أيضاً الاعتراف بالإجهاض كحق في الدساتير والتمييز لصالح الأقليات القومية والعرقية وإعادة كتابة الكتب الدراسية من أجل التخلص من التعصبات الأبوية والغربية، وهذه التطورات شكلت بعض مطالب اليسار الجديد، كما شكل الدفاع عن المثلية الجنسية وأنواعها أهم برامج اليسار الجديد.

هذه المجموعة الجديدة تعمل تحت عنوان "التوعية للترويج إلى مفاهيم مثل التوعية في شأن أنواع انتهاك العدالة في التاريخ المعاصر والسعي من أجل القضاء عليها. والتخلص من استخدام مصطلحات قد تزعج الآخرين.

وإذا ما أردنا اختصار الموضوع فيجب القول، إن اليسار ليس لديه خيارات في الإدارة المعقدة للمجتمعات، وإذا ما غضضنا الطرف عن قضايا مثل البيئة والتغيير المناخي فليس لليسار مشروع مستقبلي واضح. الأدوار التي يؤديها اليسار في الوقت الحاضر تمثل شوكة في خاصرة الوضع القائم. يمكن أن نعتبر ذلك إيجابياً لأنه إذا لم تكن شوكة في الخاصرة يسود الكسل أو التكبر في المجتمعات.

اليسار العالمي استطاع تحقيق نجاحات استثنائية في عدد من البلدان، هذه الاستثناءات لا تشكل قاعدة مثبتة. أحد هذه الاستثناءات تحققت في البرازيل خلال ولاية لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إذ استطاع الأخير تخلص الملايين من البرازيليين من الفقر من خلال قبول النظام الرأسمالي في إطار الأسواق الحرة ومن خلال هذه الإجراءات تمكن من أن يضع بلاده في مسار النمو الاقتصادي والتطور على الرغم من الأخطاء المتعددة والفساد المتفشي في المؤسسات الحكومية وقد شملت دا سيلفا نفسه إذ دخل السجن بتهم فساد.

لكن ما نراه في العالم هي انتصارات متتالية لليمين بخاصة في أوروبا الغربية وأميركا وكانت نتيجة لفشل الحركة اليسارية في إعادة ترميم صفوفها وطرح مشروع جاد لحل المشكلات الراهنة.

وبالعودة إلى اليسار الإيراني الذي هو في حاجة إلى إعادة تعريف نفسه على أساس دراسة الماضي، هل يمكن تبرير مشاركة اليسار الإيراني في كارثة عام 1979؟ هل إنهم خدعوا مثلما يدعون وتورطوا في خداع الشعب؟ لا أقصد هنا لوم اليساريين، بل علينا جميعاً انتقاد مواقفنا السابقة ولا يمكن أن نستثني اليساريين من هذا الموضوع.

اليسار الإيراني أيضاً في حاجة إلى التخلص من بعض الشعارات الأساسية منها الثورة وديكتاتورية البروليتاريا والتخطيط الاقتصادي والسلطة الشمولية بيد طبقة العمال والمواجهة الطبقية وما تفعله بعض المجموعات من خلال الترويج لخطابات انفصالية غير وطنية بمساعدة أعداء إيران. هذه المجموعات تعمل بشكل يؤدي إلى إلغاء اليسار من الساحة.

وفي ما يتعلق بالقضايا الدولية فلا يمكن أن يروج اليسار الإيراني إلى تحرير غزة وفلسطين ويغض الطرف أمام "احتلال" أجزاء من جورجيا وأوكرانيا بواسطة روسيا. لا يمكن لليساريين الإيرانيين المقيمين في الغرب الترويج إلى النموذج الكوبي أو الصيني أو كوريا الشمالية كمثال لإيران المستقبلية.

اليسار الإيراني يجب أن يؤكد هويته الإيرانية. كان اليسار بواسطة نشاط حزب "توده" الشيوعي قد دعا إلى ترك الهوية والأدب الإيراني وروج لماركس ولينين وستالين وفرانز فانون وجان بول سارتر. إذا ما كان حزب "توده" قد التزم وصايا تقي أراني أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الإيراني لما أصبح أسيراً في استعمار الشعب الإيراني.

لو فعلوا ذلك لأدركوا أن قراءة آثار أبوالقاسم فردوسي وسعدي الشيرازي والنظامي والمولوي وحافظ الشيرازي وناصر خسرو وسنائي وعطار وبيهقي وأبوسعيد أبي الخير تساعد في معرفة إيران أكثر من آثار جوزيف ستالين وبريجنيف.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من آراء