Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرائق المئات من متاجر كردستان لغز محفوف بالاستفهام

مراقبون يؤكدون أن شكوكاً وراء تكرارها مع اعتراف بدور الإهمال فيها أيضاً

ملخص

تقول بيانات رسمية إن أربيل شهدت خلال 2023 أكثر من 1700 حريق 40 في المئة منها كانت بسبب "التماس الكهربائي" و300 نشبت في المنازل و91 بمحال تجارية.

بعد سلسلة حرائق أتت خلال فترة وجيزة على المئات من المحال التجارية في الأسواق الشعبية بكردستان العراق ملحقة خسائر بالممتلكات والبضائع تقدر بملايين الدولارات، باتت ظاهرة الحرائق في الإقليم لغزاً يثير تساؤلات ملحة حول أسباب تكرار وقوعها.

وسجل آخر الحرائق أمس السبت في مستودع للملابس الجاهزة ولعب الأطفال بمدينة أربيل، قبل أن تتمكن فرق الإطفاء من إخماده، وجاء ذلك بعد أقل من أسبوع من اندلاع حريق كبير في سوق القيصرية الأثري الكبير بجوار القلعة التاريخية الشهيرة وسط المدينة، ليلة الخامس من مايو (أيار) الماضي، وأدى إلى احتراق 228 محلاً تجارياً، وإصابة 132 شخصاً بحروق طفيفة.

ويضاف كل ذلك إلى ثمانية حرائق شهدتها أربيل وحدها وفق بيانات رسمية منذ منتصف فبراير (شباط) الماضي، منها حريقان كبيران في سوق الملابس المستعملة، إضافة إلى حرائق طاولت أسواقاً أخرى ومخازن للبضائع التجارية.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى تضرر 600 محل تجاري جراء وقوع 29 حريقاً كبيراً خلال الفترة نفسها، لكن يبقى السؤال المطروح لدى مئات التجار والمدنيين، هل هذه الحرائق عرضية جراء تقصير في تطبيق قواعد السلامة أم أنها ناجمة من التدخل البشري المتعمد لأهداف محددة؟

معطيات تولد الشكوك

يقول تاجر الأقمشة زردشت وهو أحد المتضررين كغيره من التجار من حريق سوق القيصرية في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "تلقيت اتصالاً هاتفياً بوصول النيران إلى محلي والمحال المجاورة التي تعود لأبناء عمومتي، وبعد أن وصلت برفقة العشرات من الأقارب الذين لبوا طلب المساعدة، فإن الوقت كان قد فات، لقد تفحم كل شيء"، مضيفاً أن قيمة أضراره "تقدر بـ20 ألف دولار، وهناك من خسر ما يربو على 50 ألف دولار".

بدوره، تعهد رئيس حكومة كردستان العراق مسرور بارزاني خلال تفقده موقع الحريق بإجراء تحقيق "عاجل وشامل للكشف عن أسباب تكرار الحرائق"، داعياً "الجميع إلى التزام قواعد السلامة".

 

 

وأشار بارزاني إلى "مساعدة المتضررين ضمن الإمكانات المتاحة". وأصدرت السلطات لاحقاً خلال اجتماع موسع تعليمات "لإنهاء التجاوزات وكل ما يمكن أن يتسبب بنشوب الحرائق، ومنها منع استخدام الستائر في واجهات المحال التي تعد سبباً رئيساً في نشوب وانتشار الحرائق"، مشددة "على إجراء كشوفات دقيقة على أنظمة الإطفاء في الأسواق للتأكد من كفاءتها".

تاجر آخر متضرر طلب عدم نشر اسمه دعا السلطات إلى "إعطاء تفسير للغموض الذي يلف تكرار الحرائق مع تعدد الاحتمالات للإجابة عن جملة من التساؤلات، فأين هي كاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان؟ وما مسؤولية الجهة المعنية بالحراسة وأين كان حراسها في هذا التوقيت؟ وما علاقة إصدار السلطات قبل يومين من الحادثة أمراً لأصحاب المحال بمنع ظاهرة ترك البضاعة أمام المحال والممرات وتغطيتها بالستائر؟".

وحمل كل طرف جزءاً من المسؤولية قائلاً إن "بعض أصحاب المحال لا يلتزمون إجراءات السلامة بالمستوى المطلوب، كما أن هناك ملاحظات على كفاءة الحراسات، وتعطل نظام الإطفاء الخاص بالسوق، كما أن مضخات عربات الإطفاء كانت سيئة ولولا تطوع المواطنين من أصحاب الصهاريج للمساهمة في عملية الإخماد لكانت الكارثة أكبر".

تقصير وإهمال

وبحسب بيانات رسمية فإن أربيل شهدت خلال 2023 أكثر من 1700 حريق 40 في المئة منها كانت بسبب "التماس الكهربائي"، و300 نشبت في المنازل، و91 في محال تجارية، و19 في العمارات، و14 في المعامل، و12 في أفران الخبز، وتسعة مبان حكومية، فيما البقية كانت في السيارات والمولدات الكهربائية الأهلية، وكذلك البساتين والحقول الزراعية، أدت إلى وفاة 15 شخصاً وإصابة 84 آخرين.

وكانت السلطات كشفت عن إلقاء القبض على متهم بحرق مخزن في المنطقة الصناعية بعد رصده عبر كاميرات المراقبة في مارس (آذار) الماضي، كما شهدت محافظة دهوك في مطلع أبريل (نيسان) الماضي أيضاً حريقاً التهم أكثر من 100 محل في سوق "جلي" الشعبية الشهيرة.

وتواجه السلطات الحكومية تحديات للحد من الحرائق في ظل تعدد العوامل المتسببة في تكرار وقوعها. ويؤكد الناطق باسم الدفاع المدني المقدم سركوت كارش أن "عدم الدراية أو إهمال تطبيق قواعد السلامة تتصدر الأسباب، وغالباً ما يحدث تماس كهرباء، واحتمالات التعمد بإشعال الحريق واردة أيضاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد أن "الأسواق بخاصة الشعبية منها تكون أكثر عرضة للحريق وسرعة انتشاره، إذ غالباً ما نجد تقصيراً من أصحاب المحال في التزام قواعد السلامة، فكثر يستخدمون الستائر لتغطية معروضاتهم التي يتركونها أمام المحال بصورة دائمة، على رغم تلقيهم التحذيرات المتكررة من قبل الجهات المعنية، لأن شرارة بسيطة ستنتشر بسرعة بين المحال المتلاصقة بعضها مع بعض، كما أن بعض المنتجات بخاصة الرديئة منها تكون سريعة الاشتعال كالأقمشة والملابس".

وشدد كارش على أن "البعض يستخدم أسلاكاً ومواد كهربائية ذات نوع رديء غير مطابقة لشروط الجودة والسلامة وهي بالعادة رخيصة الثمن". ولم يخف في أن تكون الأسباب "نتيجة التقصير من الأفراد المعنيين بالحراسة، إضافة إلى قلة الوعي العام وبخاصة في مجال استخدام أجهزة الإطفاء على سبيل المثال".

التماس الكهربائي في الصدارة

ويجمع متخصصون على وجود تحديات ومعوقات في نصب وتأسيس أنظمة السلامة والإطفاء الذاتي الحديثة في الأسواق الشعبية والأثرية، في ظل شيوع التجاوزات ووضع البضاعة والعربات أمام المحال التي عادة ما تكون متجاورة، بخلاف نظيرتها من الأسواق العصرية التي تساعد تصاميمها مع وجود أنظمة السلامة للسيطرة على الحرائق بصورة أسرع.

قد تصل العوامل المسببة عموماً إلى 18 عاملاً، لكن في الإقليم يقف 12 عاملاً كمسبب شائع، بحسب المتخصص في شؤون الدفاع المدني المقدم كاروان ميراودلي، إذ يؤكد أن "أكثر من 850 من مجموع 2104 حرائق سجلت العام الماضي بمختلف أنواعها في عموم محافظة أربيل كانت نتيجة حدوث تماس كهربائي، أي أن هذا السبب يحتل نسبة 40 في المئة في أسباب نشوب الحرائق، تضاف إلى مسببات أخرى مثل الغاز والبنزين ورمي أعقاب السجائر والألعاب النارية".

ولخص عوامل تكرار مجمل الحرائق بنقطتين قائلاً "إما تكون نتيجة التقصير البشري، أو أنها ناجمة عن فعل متعمد وتم في مناسبات عدة إلقاء القبض على مرتكبيها".

ونوه ميراودلي بأن "المقارنة بين البيانات الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام مع العام الماضي، تشير إلى تراجع عدد الحرائق من 312 إلى 280"، مستدركاً "إلا أن بعض الحوادث الأخيرة كانت أكبر وأوسع من جهة الانتشار والخسائر، ومع الأسف فإنها تتكرر على رغم الإجراءات والكشوفات التي تقوم بها دوائر الدفاع المدني للتحقيق في مدى اتباع قواعد السلامة".

شبهات مسبقة

وتحتل ظاهرة الحرائق بخاصة في الأسواق حيزاً كبيراً من تغطية وسائل الإعلام والحوارات في مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تزايد الشكوك في أن تكون مفتعلة، وحمل البعض الشركات الأمنية الخاصة المكلفة حراستها مسؤولية التقصير، في وقت اقترح فيه نائب محافظ أربيل مسعود كارش إحالة مهمة حماية الأسواق إلى قوى الشرطة والأمن.

وعلق الناشط هوزان أحمد عمر في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك"، قائلاً "لقد سجلت منذ مطلع العام الحالي وقوع تسعة حرائق، أربعة منها كانت كارثية، أليس هذا أمراً مثيراً للشك؟".

 

 

فيما كشف الصحافي دلشاد مجيد عن "ادعاء بعض أصحاب محال سوق القيصرية بأن الحريق كان متعمداً، ولوحظ قبل أيام من الحريق حضور عربات إطفاء بداعي احتمال افتعال حريق وتلقوا إخطاراً بمنع استخدام الستائر في تغطية البضاعة خارج المحال، في وقت كانت تتحدث فيه سلطات المحافظة عن سحب ترخيص مهمة حراسة الأسواق الشعبية من الشركات الخاصة إلى الشرطة وقوات الأمن".

وتابع، "لوحظ أن كفاءة بعض عربات الإطفاء كانت سيئة للغاية"، لكن السلطات دعت المواطنين إلى عدم إثارة الإشاعات وانتظار صدور نتائج التحقيقات.

وعقب الحريق قرر مجلس معارض السيارات "منع حركة والمركبات في المعارض من الساعة الثامنة مساء لغاية الثامنة صباحاً"، وأبلغت أصحاب المعارض "التأكد من إطفاء التيار الكهربائي وبخلافه يتحملون مسؤولية الإهمال".

مزاعم ومحاذير سياسية

وعلى الجانب السياسي كان اللافت صدور تحذيرات لافتة في مناسبتين من القيادية البارزة في الحزب "الديمقراطي" الحاكم في الإقليم، أشواق الجاف، عندما اتهمت "أيادي خفية لا تريد الخير لكردستان" بالوقوف وراء الحرائق، موضحة أن "تكرارها يضع عديداً من علامات الاستفهام".

وقالت إنها "تأتي ضمن مخطط مسبق يستهدف خطوات الإقليم الدستورية والدبلوماسية والإصلاحية من خلال استنزاف عناصره الاقتصادية"، وربط مراقبون هذا الموقف بخلافات أربيل المزمنة مع حكومة بغداد التي تقودها القوى الشيعية الموالية لطهران.

وسبق أن تبنى تنظيم تركي غير معروف يطلق على نفسه "منظمة العهد الوطني" حريقي سوق الملابس المستعملة في فبراير وأبريل الماضيين، ويزعم التنظيم أنه "تمكن من افتعال أكثر من 1000 حريق ضمن أنشطته في أربيل وكذلك في كركوك وشمال سوريا".

ووفقاً لبيانات سابقة يزعم التنظيم "بتبعية مناطق الموصل وكركوك وحلب وأربيل تاريخياً إلى تركيا"، ويدعو "إلى التعامل بالعملة التركية في هذه المناطق ورفع العلم التركي فيها"، إلا أن سلطات الإقليم لم تؤكد ثبوت صحة هذه المزاعم.

ويفتقر الإقليم الكردي إلى قطاع تأمين فعال في مختلف المجالات، وبدأت أخيراً الخطوات الأولى لتفعيله عندما احتضنت أربيل في الخامس من مايو الجاري مؤتمراً يهدف إلى "تأسيس شركة تأمين وطنية وضمان التعويض عن أية خسائر في مجال التجارة والاستثمار والإنتاج"، بمشاركة شركات محلية مع أخرى تابعة لوزارة المالية الاتحادية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات