Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حلف "الطاقة والسياسة" يقرب المسافات بين السعودية وأذربيجان

وقع البلدان في باكو أخيراً صفقة استثمار لتوليد الكهرباء "براً وبحراً" بعد أن كانت "أوبك+" قاسماً مشتركاً إضافياً لتوسيع قاعدة العلاقة السياسة- الاستراتيجية القائمة منذ حين

وقع البلدان في باكو صفقة استثمار لتوليد الكهرباء "براً وبحراً" (اذرتاج)

أظهرت السعودية وأذربيجان عزماً لافتاً للدفع بعلاقاتهما التقليدية لعقود، إلى آفاق اقتصادية وسياسية واستراتيجية أبعد، في سياق التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المرحلة، والملفات الكبرى المؤثرة فيها مثل الأمن والطاقة والمناخ، وذلك في مقاربة أشمل تنتهجها الرياض في صياغة نموذج إقليمي يسوده الاستقرار والازدهار، والتعاون بين الدول والتكتلات الرئيسية في المنطقة، مثل مجلس التعاون الخليجي، ومجموعة آسيان، ودول وسط آسيا والقوقاز.

 ووفقاً لإعلان وزارتي الطاقة في البلدين، فإن باكو شهدت هذا الأسبوع عقد صفقة، ترجمت رغبة الطرفين في استثمار "عمق ومتانة ورسوخ العلاقة التاريخية التي تربطهما، بتعزيز علاقاتهما، واغتنام الفرص الاقتصادية الواعدة، لا سيما في قطاع الطاقة"، بحسب البيان السعودي، الذي لم يختلف كثيراً عن الأذربيجاني.
وتوجت المحادثات التي عقدها وزيرا طاقة الدولتين الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وبرويز شهبازوف، بعقد صفقة استثمارية بحضورهما، تمثلت في قيام شركة "أكوا باور" السعودية بتطوير مشاريع طاقة الرياح بقدرة إجمالية 2.5 غيغاوات براً وبحراً.

وأكدت الوكالة الأذربيجانية أن الوزيرين أكدا "أهمية الإسراع في تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، وأعربا عن الدعم لمشاركة شركة "أكوا باور" في مشاريع الطاقة المتجددة في أذربيجان وتطوير التعاون في مجالات تكامل مصادر الطاقة المتجددة وإنتاج ونقل الكهرباء وكفاءة الطاقة من خلال تبادل المعرفة والخبرات، كما تم بحث قضايا التعاون المشترك وفرص الاستثمار بين شركة "سوكار" والشركات السعودية في مجالات تكرير النفط وتوريد المنتجات البتروكيماوية والوقود منخفض الانبعاثات والتقنيات".

إطار "أوبك+"

وأكدت السعودية من جانبها أن الطرفين أكدا "اتفاق أهدافهما والتزاماتهما تجاه استدامة واستقرار أسواق البترول، لتحقيق تحولٍ عالمي منظم للطاقة، والتوصل لمعالجةٍ فاعلةٍ لقضية التغير المناخي، بما يسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة للبلدين وللعالم".
وفي هذا الإطار، اتفق الجانبان على مواصلة تعاونهما، ضمن إطار إعلان التعاون لدول "أوبك+"، وميثاق التعاون بين الدول المنتجة للبترول، لدعم استقرار أسواق البترول العالمية والمعالجة الطموحة لقضية التغير المناخي، بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين ويحقق النمو الاقتصادي المستدام.

وكانت باكو من بين 10 دول أبرزها روسيا والمكسيك وعمان انضمت إلى مجموعة الدول المصدرة للنفط التي تقودها السعودية "أوبك"، لتشكل ما سيعرف لاحقاً منذ 2016 بتحالف "أوبك+" بعد مخاوف انهيار أسعار النفط التي شهدها العالم في ذلك الحين، إثر الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الصخري الأميركي.

وبحسب التقديرات الدولية فإن أوبك تسيطر على 40 في المئة من إمدادات النفط العالمية، و80 في المئة من الاحتياطي العالمي، ومع "أوبك+" فإن المجموعتين تسيطران على 55 في المئة من الإمدادات عالمياً، و90 في المئة من الاحتياطي.

محطات ما بعد الاستقلال

ومنذ أن كانت الرياض بين أوائل البلدان التي اعترفت بالجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفياتي في أعقاب انهياره 1991 مثل أذربيجان ودول آسيا الوسطى، نشأت علاقة يصفها الجانبان بالتاريخية، خصوصاً عندما تعرضت أذربيجان للهجوم من جارتها أرمينيا التي احتلت منطقة "كاراباخ"، في مرحلة استدعت قرارات أممية عدة، وظفت فيها الرياض ثقلها الدولي لتأييد حق حليفتها القوقازية، التي استعادت آخر مناطق إقليمها الاستراتيجي فقط قبل نحو عام.

لم تنس باكو للرياض تلك المساندة، إذ دعت السلطات فيها السعوديين فور التحرير إلى الاستثمار في المنطقة، التي خرجت لتوها من الحرب، وتتسابق الشركات العالمية إلى إعادة إعمارها.

ويقول مدير شؤون السياسة الخارجية بالديوان الرئاسي حكمت حاجييف، إن بلاده "لا تنسى أن السعودية أدانت العدوان العسكري لأرمينيا على أذربيجان ولم تقم علاقات دبلوماسية مع الدولة المعتدية (أرمينيا)، إلى جانب دعمها 4 قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي، ضد احتلال أرمينيا لأراضينا والإبادة الجماعية ضد الأذربيجانيين في التسعينيات، حين شرد أكثر من مليون أذربيجاني من وطنهم وأصبحوا لاجئين قسريين. في تلك الفترة".

مواكبة تغير المنطقة من النزاع إلى التنمية

وفي حديث مع "اندبندنت عربية" كشف السفير الأذربيجاني في الرياض شاهين عبداللايف، أن العلاقة بين البلدين شهدت تطوراً ملحوظاً، منذ عزّز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من موقعه القيادي القدرات الإستراتيجية للبلاد، وأعاد تموضعها كقوة رئيسية على الخريطة الدولية، "فما أنجزه خلال السنوات الماضية، غير حال المنطقة من النزاع إلى التنمية، وفق مسعاه الذي كان آخره إخماد عدد من الصراعات الإقليمية وصنع فرص للسلام".

واعتبر أن تلك السياسة انعكست على العلاقة بين الجانبين، عبر تبادل زيارات كبار المسؤولين فيهما، مما شكل حلقات في سلسلة توثيق وتطوير العلاقات وتنسيق الجهود في سبيل تعزيز المصالح المشتركة بين الشعبين والمنطقة بعامة.

لكن الميزان التجاري بين باكو والرياض أو مع دول مجلس التعاون مجتمعة، دون الطموح الذي تستهدفه أذربيجان، إذ تشير تقارير إحصائية إلى أنه على رغم نموه إلا أنه لا يزال متواضعاً مقارنة بالفرص المتوافرة لدى الوجهتين.

ولذلك تعهد وزيرا الطاقة بالعمل على "تعزيز التقدم المحرز في هذا المجال، وبالآفاق الواعدة لهذا التعاون"، ولا سيما بعد التقدم الذي أحرزه "مشروع المملكة الريادي لطاقة الرياح في أذربيجان، الذي يعد أحد أكبر المشاريع القائمة على الاستثمار الأجنبي لاستغلال طاقة الرياح في جمهورية أذربيجان"، وفق وكالة الأنباء السعودية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشهد النشاط السياحي نمواً مطرداً بين الجانبين، ففي 2022 زار نحواً من 100 ألف مواطن سعودي أذربيجان، بحسب الأخيرة، وسط مؤشرات بتزايد تلك الأرقام العام الماضي، إلا أن "مجالات الزراعة والأمن الغذائي، إلى جانب مشاركة الشركات السعودية بنشاط في عملية إعادة إعمار الأراضي المحرَّرة في أذربيجان"؛ في طليعة المجالات التي تتطلع باكو إلى أن يشهد التحسن فيها تطوراً كبيراً، يهتم الطرفان بألا يتوقف قطاره عند الطاقة وحسب.

وفي أحدث تقرير لوزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية، يوضح أوجه التفاعل بين المملكة العربية السعودية وأذربيجان لشهر يناير (كانون الثاني) من هذا العام 2024، تبين أن الرياض صدرت منتجات بقيمة 200 ألف ريال سعودي إلى أذربيجان، وهو ما يمثل 0.0002 في المئة من إجمالي صادرات البلاد خلال ذلك الشهر.

وبلغت قيمة الصادرات غير النفطية، 3.2 مليون ريال سعودي (854 ألف دولار)، إذ شكّلت "آلات وأجهزة آلية، معدات كهربائية، وأجزاؤها " فئة المنتجات الرئيسية التي صُدّرت إلى أذربيجان، بينما استوردت الرياض في شهر يناير نفسه منتجات بقيمة 1.2 مليون ريال سعودي من باكو، وهو ما يمثل 0.001 في المئة من إجمالي واردات المملكة في ذلك الشهر.

مئات الشركات الخليجية في أذربيجان

ولكن بالنظر إلى آفاق التعاون الاقتصادية الأبعد، فإن الباحث السعودي محمد الرميزان يوثق في دراسة له أن آخر البيانات في عام 2017 تشير إلى زيادة في حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون وأذربيجان ليصل إلى 86 مليون دولار. وفوق ذلك، هناك ما يقارب 260 شركة من دول مجلس التعاون تعمل في أذربيجان.

وتشير أرقام اتحاد الغرف الخليجية في حوارها مع نظيرتها الأذربيجانية إلى أرقام 2018 أيضاً، بوصفها شديدة التواضع إذا ما قورنت بحجم الفرص، إذ بلغت 83 مليون دولار، منها 55 مليوناً للصادرات الخليجية و28 مليوناً للواردات من أذربيجان.

ويشير الباحث الرميزان في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى أن التعاون الاقتصادي بين الدولتين يشهد تنامياً، إلا أنه على أهميته ليس في مستوى الجوانب الاستراتيجية التي يبذل الجانبان في ترسيخها جهوداً كبيرة.

وأضاف "كانت أذربيجان والسعودية منذ بدأت العلاقات الدبلوماسية على علاقة طيبة في القضايا السياسية والدولية المتنوعة، وكذلك في التعاون الاقتصادي. وفي السنوات القليلة الماضية، بدأ البلدان في التفاعل بنشاط بعضهما مع بعض لتحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الثنائية، ولتتضمن إمكانية التعاون العسكري. وفي الواقع، عيّنت أذربيجان أخيراً ملحقاً عسكرياً وأسست مكتباً في الرياض".

تعقيدات إقليمية تحض على التقارب

 وفي أبريل (نيسان) من عام 2019، بدأ المسؤولون العسكريون في البلدين في تبادل الزيارات والاجتماعات، مما أدى إلى توقيعِ كلا الطرفين على اتفاق لتعزيز التعاون العسكري في السنوات المقبلة، ويشير ذلك إلى أنه عاجلًا لا آجلاً قد تبدأ التدريبات العسكرية والمناورات في كلا البلدين، وربما الاستثمار أيضاً في صناعة السلاح في كليهما.

وينظر عدد من المحللين إلى أهمية العلاقة بين باكو والرياض كذلك من زاوية جوارها إيران، الخصم السياسي اللدود للبلدين، إذ على رغم المصالحة التاريخية مع طهران في مارس (آذار) 2023 بوساطة بكين، لا تزال هناك كثير من الملفات الجاري بحثها بين المملكة وجارتها الفارسية، في حين نشأ توتر متنامي بين إيران وأذربيجان على خلفية نقاش الأخيرة إحياء ممر "زنغزور" الحيوي بينها وبين تركيا، وسط معارضة شديدة من طهران، التي ترى الممر تهديداً لها، في وقت حليفتها ضد أذربيجان جارتها أرمينيا بانتكاسة كبيرة، جعلتها تميل إلى المقاربة الغربية، عوضاً عن إيران وروسيا.

غير أن الباحث الرميزان لفت إلى أن أذربيجان والسعودية تحملهما العديد من القضايا القائمة على أرضية صلبة، متعلقة بالسياسة والاقتصاد والمجتمع، فلم يمر البلدان أبداً بأي صراع كبير ولو حتى توتراً خفياً، بل لديهما علاقات ثنائية جيدة ومتبادلة، "مما سمح للعلاقة بالتطور في السنوات الأخيرة، بسرعة كما يبدو في طابع الزيارات السياسية والرسمية وعددها، وفي توقيع الاتفاقات بين الحكومات، والزيادة الكبيرة في عدد المبادرات التجارية والسياحة".

وطبقاً لاستهداف التكتل الخليجي تطوير علاقته مع أذربيجان اعتُمدت خطة عمل مشتركة 2024 - 2028 بين الجانبين، توصلت إليها فرق العمل من الطرفين، تغطي العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل "التنسيق السياسي، والتعاون التجاري، وفرص الاستثمار، والطاقة، إضافة إلى العديد من المواضيع المتضمنة في خطة العمل المشتركة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير