Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انحياز الحركات المسلحة "جمرة" تشعل الحرب السودانية

غالبيتها التزمت الحياد منذ بدء الصراع لكن مع مرور الوقت انضمت بعضها للجيش فيما تراقب أخرى الموقف من كثب

تعرضت حركات مسلحة سودانية لهزات وانقسامات داخلية كبيرة بسبب موقفها من الحرب (أ ف ب)

ملخص

مع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل 2023 أعلنت بعض الحركات المسلحة الانحياز إلى الجيش وقررت أخرى التزام الحياد، وبعد نحو أسبوعين من بدء القتال شكلت حركات دارفور الرئيسة الأربع قوة مشتركة لحماية المدنيين في الإقليم

تشهد الحركات المسلحة في السودان حالة من التشظي والانقسامات بسبب مواقفها من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، فبعد أن تبنت مبدأ الحياد عقب اندلاع الحرب، فإنها بعد مرور أكثر من سنة عادت حركات عدة للانحياز إلى جانب الجيش السوداني، فيما بقيت أخرى عند موقفها الحيادي، وهو ما عرضها لهزات وانقسامات داخلية كبيرة.

مصير هذه الحركات بات محل اهتمام المراقبين في ظل تصاعد الصراع العسكري، لكن مستقبلها إذا ما توقفت هذه الحرب سيكون محل جدل وشك كبيراً.

استقالة جماعية

يقول المحلل السياسي عروة الصادق إن "الحرب في السودان قسمت الحياة المدنية والسياسية، وشظت الكيانات الاجتماعية، وهو ما سينعكس على مصير الحركات المسلحة بعد توقف الحرب، فبعضها قد يستمر في النشاطات العنيفة بعد انتهاء النزاع، في حين يمكن لأخرى تحويل نشاطاتها نحو أهداف سلمية مثل العمل السياسي أو الإنساني، وهو خيار انقسمت عليه حركات دارفور على وجه التحديد".

وتابع الصادق "تعددت العوامل المؤثرة في مستقبل الحركات المسلحة خلال الحرب مثل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى تراجع الدعم الدولي لاتفاق سلام جوبا الذي تم توقيعه بين الحركات المسلحة وحكومة الفترة الانتقالية في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وتعطيل بروتوكولات مهمة مثل الترتيبات الأمنية، وهو ما أضعف الحركات وقلل من قدرتها على تحقيق أهدافها بطرق سلمية أو الانتقال لأجسام سياسية".

وتوقع المحلل السياسي أن يكون لانقسامات الحركات على مستوى القيادة السياسية والميدانية تأثير كبير في مستقبلها، إذ قادت هذه الانقسامات إلى ضعف الهيكل التنظيمي للحركات وتشتيت جهودها وانتشار حالات الاستقالة الجماعية والانسلاخ، مما أثر سلباً في قدرة بعض الحركات على تحقيق أهدافها، كذلك من المنتظر أن تتسبب خلافات قادة هذه الحركات في تقويض الاستقرار الداخلي للحركات بالتالي تقويض الدعم الداخلي والخارجي لها.

وأضاف الصادق "مع ذلك، قد تكون لهذه الانقسامات نواحٍ إيجابية، بحيث إن تفضي إلى تجديد الهيكل التنظيمي للحركات أو تحولها إلى استراتيجيات جديدة داعمة للسلام والاستقرار، وأحياناً قد يؤدي الانقسام إلى تنقية الحركات من العناصر المتشددة أو الفاسدة، وهو ما يمكن أن يعزز صدقيتها وفاعليتها، ولكن من المؤكد أن الانقسامات على مستوى القيادة له تأثير كبير في مستقبل الحركات المسلحة، وهذا يعتمد على كيفية إدارتها واستخدامها من قبل أفراد الحركة وداخلها".

وزاد المحلل السياسي "بلا شك أن مواقف هذه الحركات في الحاضر والمستقبل يمكن أن يكون لها تأثير كبير في استقرار ووحدة البلاد، فإذا اتجهت إلى تحقيق أهدافها بوسائل عنيفة من خلال زعزعة النظام القائم وإثارة الفوضى فهذا سيكون خصماً لاستقرار الدولة، لأنه سيقود إلى تزايد التيارات الانفصالية والعنصرية، وتنامي دعوات الانقسام السياسي والتقطيع الجغرافي".

 

 

ومضى المحلل السياسي في قوله "لا أحد ينكر أن هناك إنجازات قدمتها بعض الحركات في مناطق وجودها من خلال تسهيل العمل الإنساني للمتضررين من آثار النزاعات وزيارة ومواساة النازحين في المعسكرات، إلا أن انحياز بعض الحركات تجاه فئة معينة من السكان أو مناطق محددة أدى إلى تقويض وحدة البلاد وزيادة التوترات الإثنية والعرقية".

التزام وتفاهمات

من جانبه، أوضح الناطق باسم تجمع قوى تحرير السودان فتحي عثمان أنه "يجب أن يتم بعد انتهاء الحرب مباشرة تنفيذ اتفاق سلام جوبا، وبخاصة بند الترتيبات الأمنية الذي يتضمن نصوص وجداول زمنية واضحة تبين وضعية قوات الحركات بعد السلام، ونحن ملتزمون هذا الاتفاق ونعمل مع شركائنا في القوات المسلحة على السير قدماً في تنفيذها بدءاً من مراحلها الأولى، وهي نقاط التجميع والارتكاز حتى آخر بند فيها، وهي مرحلة الدمج والتصريح، والآن لدينا تفاهمات جيدة مع الجيش في هذا الخصوص".

وتابع عثمان "على الجميع أن يعلم أن معظم الحركات الرئيسة المكونة لمسار دارفور على قلب رجل واحد ومشاركة بقواتها في القوة المشتركة لحماية أمن الإقليم وماضية في تحرير آخر شبر من أرض الوطن من دنس المتمردين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف عثمان "لم تكن حركات الكفاح المسلح خصم على بقاء الدولة السودانية موحدة، إذ أظهرت وطنيتها بمشاركة الشعب السوداني في معركة المصير والوجود ضد أطماع ميليشيات (الدعم السريع)، بالتالي فهي مع وحدة تراب هذا الوطن ولا تسمح لأي كائن كان بتقسيمه وإحداث فرقة بين شعبه".

وتساءل الناطق باسم تجمع قوى تحرير السودان كيف تكون هذه الحركات خصماً على بقاء واستقرار السودان، وهي تقاتل حالياً إلى جانب الجيش في دافور والخرطوم والجزيرة؟ مشيراً إلى أن الذين يتحدثون الأن عن الحياد وينادون بتشكيل قوة مشتركة جديدة هم فقط مجرد أناس يملؤون الأسافير ضجيجاً، لكن لا مكان لهم على أرض الواقع ولا جيش لهم في ميدان المعركة.

ونوه الناطق باسم تجمع قوى تحرير السودان إلى أن حركات الكفاح المسلح قدمت كثيراً من الأعمال المختلفة لإنسان دارفور، فضلاً عن أنها ظلت تقدم الشهداء من أجل حماية مواطني الإقليم، إلى جانب قيامها بتأمين مقار الحكومة والمنظمات العاملة في الإقليم وتوصيل القوافل التجارية والإغاثة.

أسس جديدة

​في السياق، قال نائب رئيس جبهة "كفاح" السودانية حذيفة محيي الدين البلول إن "الحركات المسلحة جزء أصيل من عامة مكونات الدولة السودانية، لكن ما يصدر من إيحاءات كأنها من الكائنات الغريبة هو مجرد استهدف لإنسان الهامش بصورة مباشرة، وحملة عنصرية تقودها لوبيات المصالح التاريخية التي استنزفت الدولة السودانية منذ الاستقلال وعاثت فساداً في كل أوجه الحياة، وأصابها الضرر من التركيبة الجديدة التي نشأت في أعقاب ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019 والتي سعت بصورة مباشرة لإعادة صياغة الدولة السودانية على أسس جديدة".

ولفت البلول إلى أن الانقسامات التي تشهدها الساحة السياسية ظاهرة سودانية وليست حصرية على الحركات المسلحة، حيث انقسمت الأحزاب السياسية القديمة عشرات المرات، وكذلك الأحزاب المنشقة إلى عشرات كما حدث في حزبي "الأمة" و"الاتحادي"، بالتالي فإن الحركات المسلحة مثل الآخرين، لكن ما حدث في قوى اتفاق سلام جوبا أقل بقليل إذا ما قارناه بعموم انقسامات الساحة السياسية، بيد أن الاتفاق نفسه جاء نتيجة لرؤى وتقديرات سياسية.

وأشار نائب رئيس جبهة "كفاح" إلى أن غالب القوة العسكرية للحركات تساند حالياً الجيش، بينما تسبب الحياد الذي اتخذته بعض المجموعات في تخلي قواتها عنها وتفضيلها البقاء في القوة المشتركة التي تحمي المواطنين الآن في ولاية شمال دارفور، في وقت تقاتل فيه قوات تلك الحركات إلى جانب الجيش في الجزيرة والخرطوم وكردفان، مشدداً على أن قضية قوى الكفاح المسلح ليست في دارفور فقط، وإنما عموم السودان الذي نطمح مع الآخرين في إعادة صياغته على أسس جديدة في إطار وطن معافى يسع الجميع بلا تمييز.

 

 

وأكد نائب رئيس جبهة "كفاح" السودانية أن مستقبل هذه الحركات مربوط بمستقبل الدولة السودانية فهي مكون أصيل من المجتمع السوداني، حيث تتفاعل وتتأثر بكل ما يجري في البلاد مثل كل مكوناته السياسية والمجتمعية.

قوة مشتركة

تجدر الإشارة إلى أنه مع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) 2023، قررت ثلاث حركات مسلحة تشارك في الحكم بموجب اتفاق جوبا للسلام التزام الحياد، وبعد نحو أسبوعين من بدء القتال شكلت حركات دارفور الرئيسة الأربع قوة مشتركة لحماية المدنيين في الإقليم، لتأمين وصول المساعدات الإنسانية، وفي الـ16 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أعلنت بعض الحركات الانحياز إلى الجيش مفسرين تحولهم بسبب الانتهاكات المريعة التي ارتكبتها قوات "الدعم السريع" في حق المواطن السوداني.

وتمخض عن الحرب أكبر أزمة نزوح في العالم، ودفعت قطاعات من السكان البالغ عددهم نحو 45 مليون نسمة إلى شفا المجاعة وفجر موجات من القتل والعنف.

وراح ضحية المعارك الدائرة بين الطرفين حسب الأمم المتحدة نحو أكثر من 13 ألف قتيل، وبلغ عدد النازحين في تسع ولايات أكثر من 11 مليون نازح يوجدون في 67 محلية، بينما فر نحو 8.1 مليون شخص من منازلهم في السودان، ويشمل ذلك نحو 6.3 مليون داخل السودان و1.8 مليون فروا إلى خارج البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي