Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سعي لبنان لترحيل السجناء السوريين يثير قلق الحقوقيين

تعاني السجون اكتظاظاً شديداً لكن تسليم الموقوفين لدمشق يعرض معارضي النظام للخطر وبيروت للمساءلة

سجناء في سجن رومية المركزي في لبنان (أ ف ب)

ملخص

كلفت الحكومة اللبنانية المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري بالتواصل مع السلطات السورية لبحث إمكان تسلمها الموقوفين السوريين لتخفيف الاكتظاظ داخل السجون اللبنانية

في ظل أزمة النازحين السوريين في لبنان الرازح تحت وطأة أزمته الاقتصادية المستفحلة، وفي ضوء الاكتظاظ الحاد والمشكلات التي تعانيها السجون اللبنانية، تبحث الحكومة عن حل يصيب عصفورين بحجر واحد أو ربما أكثر، فسعياً إلى تخفيف الزحمة في السجون قررت الحكومة اللبنانية بذل جهود مع النظام السوري علّه يوافق على تسلم عدد من مواطنيه السجناء ليستكملوا أحكامهم خلف قضبانه، في مسألة تثير قلق الناشطين الحقوقيين حول مصير معارضي النظام إذا قررت الدولة اللبنانية تسليمهم.

حكومياً، ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي اليوم الثلاثاء اجتماعاً ضم عدداً من الوزراء ورجال الأمن ومسؤولين قضائيين، بحثوا فيه ملف السجناء والمحكومين السوريين، وانتهى بتكليف المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري بالتواصل مع السلطات السورية لبحث إمكان تسلمها الموقوفين السوريين لتخفيف الاكتظاظ داخل السجون اللبنانية.

وعقب الاجتماع أكد وزير العدل هنري الخوري، وفق ما نقلت عنه "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية في لبنان، أن "مشكلة الموقوفين والمحكومين السوريين لا يمكن حلها إلا بالتواصل مع الدولة السورية لتتسلم المحكومين الذين يحملون جنسيتها، وبالتالي كُلف اللواء البيسري بمتابعة هذا الملف".

وأوضح الخوري أن هذه المسألة لا يمكن معالجتها دفعة واحدة بل ينبغي درس كل ملف على حده، والتمييز بين الموقوفين والمحكومين السوريين الذين بحوزتهم إقامات شرعية في لبنان وأولئك الذين لا يملكون إقامات، ولا سيما أن النزوح السوري إلى لبنان لم يتوقف حتى اليوم، وهو يتطلب تنظيماً وفق القوانين اللبنانية، على حد قوله.

ورداً على سؤال في شأن عدد الموقوفين السوريين في لبنان قال الخوري إنه "بحسب إحصاءات وزارة الداخلية يبلغ عددهم نحو 2500"، موضحاً أنه إذا وافقت السلطات السورية على تسلم المحكومين من مواطنيها فلا مانع من أن يستكملوا محكوميتاهم في سجونها.

ورداً على سؤال حول النتائج التي توصلت إليها اللجنة التي كلفت سابقاً بمتابعة هذا الملف، قال وزير العدل إن عملها لم يتوقف "بل التواصل مع السلطات السورية هو الذي توقف، وسيعاد هذا التواصل من خلال اللواء البيسري".

السجناء السوريون بالأرقام

وتظهر إحصاءات مديرية السجون في وزارة العدل أن عدد النزلاء السوريين الموجودين في السجون اللبنانية حتى الـ 31 من ديسمبر (كانون الأول) 2023، بلغ 1769 سجيناً من أصل 6153، أي ما نسبته 28.75 في المئة من مجموع النزلاء.

أما عدد الموقوفين السوريين في النظارات وحتى التاريخ نفسه فقد بلغ 107 من أصل 354، أي ما نسبته 30.22 في المئة، وتشمل هذه الأرقام الأحداث والرجال والنساء.

والقسم الأكبر من الموقوفين السوريين كما اللبنانيين ينتظر الخضوع للمحاكمة، وفق تصريحات لوزير الداخلية بسام المولوي في أغسطس (آب) 2022، قال فيها إن نحو 80 في المئة من السجناء في لبنان موقوفون احتياطاً ولم يحاكموا بعد.

ومنذ وقوع الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان أواخر عام 2019 تدهورت أوضاع السجون بشكل حاد ووصل الاكتظاظ فيها إلى مستويات خطرة و"أدى إلى تردي الأوضاع الإنسانية والظروف الحياتية المعيشية والخدماتية والصحية والغذائية والأمنية"، بحسب ما جاء في رسالة من قوى الأمن الداخلي اللبنانية إلى منظمة "هيومن رايتس ووتش" في يوليو (تموز) 2023.

وأوضحت قوى الأمن في رسالتها أن أسباب الاكتظاظ تشمل زيادة معدلات الجريمة وبطء إجراءات المحاكمة، وعجز كثير من السجناء الذين قضوا مدة عقوبتهم عن دفع رسوم تخلية السبيل.

وبحسب تقرير لـ "هيومن رايتس ووتش" نشر في أغسطس 2023، فقد شكا أهالي السجناء من أن الطعام داخل السجون أصبح "غير كاف ورديء النوعية لدرجة أنه غالباً ما يكون غير صالح للاستهلاك".

أما "منظمة العفو الدولية" فحذرت في تقرير نشر في يونيو (حزيران) 2023 من تضاعف عدد الوفيات في مراكز التوقيف والسجون اللبنانية عام 2022 مقارنة بـ 2018 وقبل بدء الأزمة الاقتصادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسباب الأزمة

وعلى رغم الأزمة الكبيرة التي تعانيها السجون اللبنانية إلا أن قرار الحكومة بالتواصل مع النظام السوري لتسليمه الموقوفين أثار قلق عدد من الناشطين الحقوقيين، ولا سيما في ما يتعلق بمصير المعارضين منهم للنظام، وما يمكن أن يحل بهم إذا رُحلوا.

وفي هذا السياق اعتبر المدير العام لـ "مركز سيدار للدراسات القانونية" المحامي محمد صبلوح أن مشكلة السجون في لبنان ليست بسبب الموقوفين السوريين بل بسبب إهمال الحكومات المتعاقبة للسجون على مدى الأعوام وعدم تخصيص المبالغ اللازمة لها، مشيراً إلى أن الدولة "حرمت السجناء الغذاء والاستشفاء والدواء".

وأوضح المحامي أن أزمة السجون تعود لأسباب عدة، بما فيها التوقيفات العشوائية وعدم احترام القوانين في ما يتعلق بالتوقيف الاحتياطي، ومغادرة القضاة جراء الأزمة الاقتصادية وبالتالي تأخر المحاكمات، وعدم بناء سجون جديدة.

ورأى صبلوح أن المشكلة الكبرى التي تعانيها السجون ليست الاكتظاظ بل عدم توفر الطبابة، فكثير من السجناء الذين يحتاجون إلى جراحة طارئة يلجأون لعائلاتهم والجمعيات الخيرية لجمع الأموال اللازمة لتغطية نفقات استشفائهم.

وأكد أن ترحيل بضع مئات من الموقوفين السوريين لا يحل مشكلة السجون المتفاقمة في لبنان منذ أعوام ولا مشكلة النازحين السوريين، معتبراً أن على الدولة أولاً العمل على ترحيل عشرات آلاف السوريين الذين يذهبون إلى سوريا ويعودون للبنان عبر المعابر الشرعية للاستفادة من تقديمات الجمعيات الدولية للنازحين.

مصير معارضي النظام

وحذر المدير العام لـ "مركز سيدار للدراسات القانونية" من أن "لبنان وقّع على اتفاق مناهضة التعذيب الذي ينص في مادته الثالثة على عدم تسليم أحد يمكن أن يتعرض للتعذيب في بلده"، وهو حال "400 معارض سوري موقوفون في السجون اللبنانية". وأضاف أن "تسليم هؤلاء للنظام يعرض لبنان للمساءلة الدولية"، مؤكداً أن المنظمات الحقوقية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الواقع، بل ستوثق الانتهاكات وتقدمها أمام المراجع المختصة.

وهنا يبرز إشكال تصنيف الموقوفين السوريون بين موالين للنظام السوري ومعارضين لا يجوز تسليمهم لدمشق، ويتطلب ذلك بحسب صبلوح وضع آلية عمل وتنسيق مع المنظمات الحقوقية بحيث يُمنع ترحيل أي سوري يثبت بالمستندات أنه من معارضي النظام وعودته لسوريا تشكل خطراً على حياته.

وسأل صبلوح، "لماذا تطرح الدولة الآن ملف ترحيل الموقوفين السوريين في هذا التوقيت؟"، مستغرباً "كيف يمكن للنظام السوري الغارق في أزماته المالية أن يوافق على تسلم مئات السجناء لينفق عليهم؟".

وأضاف صبلوح أن الطرح اللبناني في هذا التوقيت "مرتبط بمساعي الحكومة اللبنانية إلى الضغط على المجتمع الدولي في قضية النازحين واللاجئين السوريين لإقناعه بدفع الأموال لها".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي