Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل توسع أرمينيا الهوة بين روسيا والاتحاد الأوروبي؟

اجتماع باشينيان مع قيادات القارة العجوز والناتو يعيد إلى الأذهان ما فعلته أوكرانيا في أعقاب "ثورتها البرتقالية"

من اليسار رئيس الوزراء الأرميني ورئيسة المفوضية الأوروبية ووزير الخارجية الأميركي ومنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي (أ ف ب)

ملخص

جاء تكثيف أرمينيا لعلاقاتها واتصالاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على خلفية إعلان يريفان تعليق مشاركتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إلى جانب التراجع الخطير في التعاون العسكري مع روسيا وإجرائها مناورات مشتركة مع الولايات المتحدة في سبتمبر من العام الماضي.

سارعت وزارة الخارجية الروسية إلى إعلان انتقادها لما جرى من مفاوضات في بروكسل بين أرمينيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقالت الخارجية الروسية في بيان أصدرته بهذا الشأن إن الاجتماع الذي دار بين الأطراف المعنية الثلاثة يبدو كمحاولة تستهدف "جر جنوب القوقاز إلى مواجهة جيوسياسية، فضلاً عن كونه محاولة جديدة لإقناع أرمينيا بالانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وإنهاء وجود القاعدة العسكرية الروسية، وحرس الحدود في أرمينيا".

وأشارت وزارة الخارجية الروسية إلى أن "ما يقترحونه على أرمينيا من منح وفوائد لا يمكن أن يقارن بالفوائد التي تقدر بمليارات الدولارات التي تستمر أرمينيا في الحصول عليها من علاقتها مع موسكو، وما تستفيد منه من علاقاتها داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ورابطة كومنولث الدول المستقلة".

وكان رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان أعلن أكثر من مرة عن عزمه على الانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، منذ هزيمة بلاده في حربها مع أذربيجان وضياع ما كانت تحتله من أراض أذرية منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، فيما استطاعت أذربيجان استعادة مقاطعة ناغورنو قره باغ التي كانت أرمينيا فرضت عليها سيطرتها بعد إعلانها الاستقلال.

كما كشف باشينيان عن رغبته في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وعقد أكثر من اجتماع مع قياداته في بروكسل، معلناً عن "خيبة أمله" في روسيا التي اتهمها بعدم الوقوف إلى جانب بلاده في حربها مع أذربيجان التي تمتعت بالدعم العسكري التركي وفي ظل وقوف روسيا على الحياد، فضلاً عن عدم مشاركة قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى جانب أرمينيا التي كانت تنتظر مثل هذه المساعدة.

 وقد جاء تكثيف أرمينيا علاقاتها واتصالاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على خلفية إعلان يريفان تعليق مشاركتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إلى جانب التراجع الخطر في التعاون العسكري مع روسيا وإجرائها مناورات مشتركة مع الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. وكانت أرمينيا أعلنت في السادس من مارس (آذار) الماضي عن طلبها حول سحب حرس الحدود الروسي الموجود هناك وفقاً للاتفاقات المبرمة عام 1992، من مطار "زفارتنوتس" في يريفان بحلول الأول من أغسطس (آب) المقبل، إضافة إلى المطار، يقوم حرس الحدود أيضاً بحراسة حدود أرمينيا مع تركيا وإيران وجورجيا.

نتائج اجتماع الخامس من أبريل

وكان باشينيان عقد اجتماعاً في بروكسل مع قيادات كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في الخامس من أبريل (نيسان) الجاري، أسفر عن حصول بلاده من "الحليفين المرتقبين" على استثمارات تقدر بما قيمته 270 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي، ومعونة تقدر بـ65 مليون دولار من الولايات المتحدة. وكتبت صحيفة "إزفيستيا" تعليقاً حول ذلك الاجتماع تقول فيه إن الغرب يواصل بناء حوار مع القيادة الأرمينية تسبب التوترات في جميع أنحاء منطقة جنوب القوقاز، كما أعربت كل من أذربيجان وتركيا وروسيا عن مخاوفها من أن تمهد مثل هذه السياسة خطوطاً جديدة للمواجهة الجيوسياسية.

وعلى رغم أن الخبراء لا يرون آفاقاً حقيقية لإضفاء الطابع المؤسسي على عضوية أرمينيا في الاتحاد الأوروبي، فمن الواضح أن الغرب يسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة، ومنها "طرد" روسيا الاتحادية من المنطقة، وفرض رؤيته للتسوية السلمية لأزمة قرة باغ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل ما ذكرته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حول وفائهم بوعودهم التي قطعوها على أنفسهم في اجتماعهم السابق في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، يعني ضمناً الاستمرار في مخطط انتزاع أرمينيا من نسيج علاقاتها مع روسيا وبلدان كومنولث الدول المستقلة (الفضاء السوفياتي السابق). وكان باشينيان قام في أعقاب اعترافه بهزيمة بلاده العسكرية في حربها مع أذربيجان، بزيارة بروكسل واجتمع بقيادات الاتحاد الأوروبي التي وعدته بالوقوف إلى جانب أرمينيا وبحث مستقبل شراكتها مع بلدان الاتحاد الأوروبي.

وكانت "اندبندنت عربية" تناولت هذا الاجتماع في تقرير لها من موسكو بكثير من التفاصيل في شهر أكتوبر الماضي. وقالت إن ما يفعله باشينيان يضع بلاده في موقف مشابه لما تعلنه أوكرانيا اليوم من أهداف، وما تبذله من محاولات للانضمام إلى كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وذلك ما عاد رئيس الحكومة الأرمينية إلى بحثه مع كل من أورسولا فون دير لاين ووزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، ومفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.

وقد خلص الاجتماع إلى نتيجة مفادها أن "شراكة يريفان مع الاتحاد الأوروبي ضرورية"، فضلاً عما قاله بلينكن حول أن واشنطن تشاطر وجهة النظر الأرمينية تجاه مستقبل جنوب القوقاز، وتريد أن ترى أرمينيا "قوة مستقلة قوية". كما أضاف قوله حول أن الولايات المتحدة تعتزم مواصلة تقديم العون والمساعدة لتعزيز استقرارها الديمقراطي والاقتصادي، وذلك ما يثير مخاوف وقلق كل من روسيا وأذربيجان وتركيا تجاه احتمالات أن يكون مثل ذلك التوجه الأميركي تمهيداً لظهور خطوط جديدة للمواجهة الجيوسياسية في المنطقة. ويقول متخصصو الشؤون السياسية إنه "على رغم أنهم لا يرون آفاقاً حقيقية لإضفاء الطابع المؤسسي على عضوية أرمينيا في الاتحاد الأوروبي، فمن الواضح أن الغرب يسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة".

باشينيان ونهج "تنويع السياسات الخارجية"

وكان باشينيان سبق وأعرب عن رغبته "في تنويع علاقات سياساته الخارجية من أجل ضمان الإمكانات الاقتصادية والعثور على مصادر جديدة لأمن بلاده، في إشارة إلى توجهاته الجديدة نحو الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. وقد عاد في حواره مع الشركاء الغربيين في الاجتماع الأخير الذي جرى في بروكسل، إلى محاولات تلمس السبل نحو استيضاح آفاق شراكة بلاده مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقال إن ما يجري من تعاون سياسي وصفه بالمثمر، يضع المقدمات اللازمة لتعزيز التعاون الاقتصادي، فضلاً عن كونه يوفر الأمل في حصول أرمينيا على ما يساعدها في تحديث بنيتها التحتية.

وعلى رغم كل ذلك، لم نجد في نتائج الاجتماع ما يشير إلى أن باشينيان تقدم رسمياً بطلب عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي. وثمة من يقول إن يريفان لا تزال تواصل دراسة إيجابيات وسلبيات مثل هذه الخطوة وما قد تشكله من أخطار تجاه علاقة أرمينيا مع جيرانها من بلدان المنطقة. ويتحدث مراقبون عما يمكن أن تسفر عنه مثل تلك الاجتماعات التي يجريها باشينيان في بروكسل. ويقولون إن استبعاد أذربيجان من المناقشات السياسية حول قضايا التسوية الأذرية الأرمينية، يسبب غضباً يتزايد يوماً بعد يوم في باكو، بل وقد يسفر عن تحول جنوب القوقاز إلى "منطقة للمواجهة الجيوسياسية".

وقال الرئيس الأرميني السابق سيرج سركسيان إن "مثل هذه اللقاءات لا بد من أن تؤدي إلى زيادة وتيرة وحدة المواجهة في المنطقة". ويتذكر المراقبون الزيارة التي أجراها الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتينبرغ إلى يريفان، فضلاً عن اجتماعات نيكول باشينيان مع ممثلي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بما يشير إلى تقدم شراكة أرمينيا مع البلدان الغربية، وبما قد يصمها بطابع نوعي مغاير.

وتشير الأحداث الأخيرة إلى أن أرمينيا وبالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تحاول التوصل إلى وضع جديد يستهدف إضعاف موقف روسيا وسياساتها في المنطقة. وكان مفوض الشؤون الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أعرب عن ترحيبه بجهود أرمينيا الرامية إلى مواصلة الإصلاحات وتعزيز الديمقراطية ومكافحة الفساد وإرساء أسس سيادة القانون، وذلك فضلاً عما وعد به باشينيان باستعداد بلاده لتحسين بيئة الاستثمار بغية استمالة الشركات الأوروبية والأميركية ودخول أسواق جديدة. وقد جرت مناقشة كل هذه الأمور مع سامنتا باور رئيسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).

كما تحاول أرمينيا أيضاً بناء علاقات دفاعية مع الدول الأوروبية الفردية. وكانت فرنسا أعربت عن استعدادها لتزويد البلاد بالأسلحة الحديثة بما في ذلك مركبات باستيون المدرعة، ورادارات جي أم 200، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة من طراز "ميسترال" والمشاركة في تدريب العسكريين الأرمن.

موقف الاتحاد الأوروبي من أرمينيا

وفي وقت تلقى فيه مبادرات نيكول باشينيان واجتماعاته مع ممثلي الاتحاد الأوروبي ترحيب البعض في يريفان، فإنها تظل تثير قلق كثر في البلدان المجاورة لأرمينيا، ومنها روسيا وتركيا وأذربيجان. وكانت روسيا سبق وأوضحت موقفها من مثل هذه الاجتماعات، ومن تحول السياسات الأرمينية. وقالت إن موسكو أوضحت منذ البداية أن عقد اجتماع رفيع المستوى بين ممثلي أرمينيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يشكل خطورة على شراكة يريفان مع موسكو، إذ إن بروكسل وواشنطن تطلقان بصورة مباشرة على روسيا الاتحادية صفة عدوهما.

كما أن مثل هذه التصرفات من جانب السلطات الأرمينية تلقى انتقادات وإدانة الجانب الأذري الذي لم يتيسر لباشينيان التوصل إلى اتفاق معه حول السلام بعد تلك المواجهة العسكرية بين الجانبين، وما أسفرت عنه من الإعلان عن انتهاء وجود "جمهورية ناغورنو قره باغ" غير المعترف بها. وقال الرئيس الأذري إلهام علييف إنه "على رغم أن مسؤولين كباراً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حاولوا في الأيام الأخيرة، خلال محادثات هاتفية جرت بمبادرة منهم، إقناعنا بأن هذا اللقاء ليس موجهاً ضد أذربيجان، فإننا نعلم أنه موجه ضد أذربيجان". وأضاف قوله إن "هذا يسعى إلى خلق خطوط تقسيم وعزل بلادنا".

وكان الاتحاد الأوروبي أعلن أنه "مع سياسة الباب المفتوح أمام أية دولة تبدي اهتماماً بالتقارب مع الاتحاد الأوروبي، لكنه يفضل عدم الإجابة عن سؤال مباشر حول الرغبة في إدراج أرمينيا في قوائم المرشحين". ونقلت صحيفة "إزفيستيا" ما قاله المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو حول أن "أرمينيا، مثل أية دولة أخرى في العالم، حرة في تقرير التحالف الذي تريد الانضمام إليه، ومع من وعلى أي مستوى وبأي كثافة تريد التعاون". وأضاف أن "التقدم بطلب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي أم لا هو قرار سيادي يجب أن يتخذه الشعب الأرميني وحكومته".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير