Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفلام الفنون القتالية الآسيوية "التربية قبل الترفيه"

نجح جاكي شان وأستاذه بروس لي في خطف قلوب الأميركيين برسائل كوميدية وبيئية بسيطة

جاكي شان يلقي كلمة لا تخلو من الكوميديا خلال نسخة 2023 لمهرجان بكين السينمائي الدولي (أ ف ب)

ملخص

انتشرت أفلام الفنون القتالية في السينما الغربية والعالمية وجعلت الثقافة الآسيوية تبدو سهلة الفهم إلى درجة أن بعض أشهر رموزها جاكي شان قدم لاحقاً أعمالاً كوميدية ساخرة وهزلية من خلال قالب العنف الدموي

قبل العولمة وانتشار مختلف تطبيقات الفنون البصرية كانت الثقافة الآسيوية واحدة من أكثر الثقافات الإنسانية العريقة تعقيداً، ووصفت بأنها ثقافة يصعب فهمها بسرعة، خصوصاً من قبل الثقافات الغربية، لكن أفلام الحركة والفنون القتالية التي انتشرت في السينما الغربية والعالمية في بدايات ومنتصف القرن الماضي جعلتها تبدو ثقافة سهلة الفهم إلى درجة أن بعض أشهر رموزها، وهو الممثل الصيني جاكي شان قدم لاحقاً أعمالاً كوميدية ساخرة وهزلية من خلال قالب العنف الدموي الذي يدور بين عصابات وأشرار لا تعرف قلوبهم الرحمة.

ونجح أسلوب جاكي شان لأن السينما الأميركية نقلت كثيراً من رموز هذه الثقافة العميقة المسالمة من خلال قالب قتالي بدائي ركز على فكرة تجنب استعمال السلاح الناري أو أي أدوات قاتلة، وذلك من خلال نشر البعد الإنساني لهذه الفنون مثل "الكاراتيه" التي تعني القتال بـ"اليد الفارغة" وغيرها من فنون الدفاع عن النفس حتى يومنا هذا، على رغم انتشار الأسلحة الفتاكة والتطور التقني الهائل في مجال السلاح الآلي تحديداً.

اجتياح

في أربعينيات القرن الماضي اجتاحت أفلام الفنون القتالية الآسيوية عموماً، والصينية خصوصاً، عاصمة السينما العالمية "هوليوود"، وغزتها في عقر دارها في الولايات المتحدة، فظهرت موجة من أفلام الحركة والإثارة التي تكرر فكرة تعلم الفنون القتالية البدائية مثل "الكاراتيه" و"الكونغ فو" و"التايكوندو" و"الجودو" وغيرها من الفنون كوسيلة للانتقام أو رفع الظلم عن الضعفاء.

وظهرت حينها متلازمة "المعلم البسيط"، وهو الشخص الذي يعتقد الناس أنه ضعيف للغاية، ويظهر في رداء متسول أو عامل صيانة، أو حتى رجل كفيف، فيما يتبين للمشاهد لاحقاً ضمن العمل ومن خلال تتابع الأحداث إتقانه الكامل لجميع أشكال الفنون القتالية.

رسالة تثقيفية شاملة

وحمل نخبة من أساطير السينما العالمية رسالة إيصال هذه الثقافة إلى مختلف شعوب العالم بإصرار ومثابرة منقطعتي النظير. وبرز من خلال هذه الأفلام نجوم كبار أبرزهم بروس لي وتلميذه جاكي شان وعدد آخر من النجوم من أصول آسيوية وأوروبية وأميركية، أمثال جيت لي وجان كلود فان دام وتشاك نورس وسامو هانغ، وغيرهم.

المعلم الأول

بدوره تكفل بروس لي في وضع بذرة هذه الثقافة على الخريطة العالمية للفنون البصرية من خلال أعمال قليلة جداً لا تتعدى أصابع اليد الواحدة كان أشهرها "قبضة الغضب"، وعلى رغم ذلك تركت تلك الموجة من الأفلام أثراً كبيراً، إذ استمر تأثيرها إلى يومنا هذا عبر جاكي شان دون غيره من النجوم الآخرين، وذلك من خلال سلسلة من الأفلام والأنمي والألعاب التي تحمل رسالة تربوية بسيطة ومباشرة تقدم في نهاية العمل، أو من خلال رسالة مختبئة ضمن عباءة أعمال شهيرة، ومن أهمها "فتى الكاراتيه" 2010، إذ تخلو الساحة في وقتنا الحاضر من نجوم بارزين على المستوى ذاته لجاكي وبروس لي، نظراً إلى الظهور موجات جديدة من أفلام الخيال العلمي وغزو الفضاء وأفلام المتحولين والأبطال الخارقين التي أنهت تلك الموجة القديمة.

 

 

رسالة تربوية

شكلت هذه الموجة من الأفلام بحد ذاتها رسالة تربوية، إذ ركزت منذ بداياتها على بث القيم والمثل العليا للمجتمع مثل العدالة والانتقام للمظلوم، فيما كانت أهم فكرة قدمتها هذه الأفلام هي تأكيد تحقيق النجاح والفوز من خلال التعلم المستمر والتدريب الجاد والشاق، وليس عبر الجريمة المنظمة والعصابات وظلم الضعفاء والخيانة وغيرها من القيم التي تسرع في عملية تهديم المجتمعات.

انفتاح ثقافي

كانت فترة صعود أفلام الحركة التي تعتمد على إتقان الفنون القتالية الآسيوية تحديداً، واحدة من أشهر فترات السينما على الإطلاق لأنها سمحت بانفتاح ثقافي غربي نادر على الثقافة الشرقية، والذي استلهم خلاله صناع السينما الأميركية بعض ركائز وتقنيات الروح القتالية الآسيوية المتقدة القادمة من الصين واليابان وكوريا، والتي خدمت في الوقت ذاته مفهوم "الحلم الأميركي" الذي يركز على مبدأ العمل الجاد لتحقيق الأحلام.

نتيجة لذلك اجتاحت أفلام الفنون القتالية في تلك الحقبة حقب عريقة من الأفلام وأنهت وجودها، وكان من أشهر إنجازاتها أنها أنهت حقبة "الكاوبوي" وبقية أفلام الحركة الغربية التقليدية بصورة كاملة.

وذاعت في تلك الفترة أسماء الفنون القتالية مثل (الكاراتيه) و(التايكوندو) و(الجودو) وكانت لعقود من الزمن بمثابة كلمات شهيرة يتلفظ بها الأطفال قبل المراهقين وحتى كبار السن، ووصل التأثر بهذه الثقافة القتالية الشرقية البدائية التي استقطبتها "هوليوود" بصورة بارعة، إلى درجة اندلاع موجة مقلدة لها من الأفلام في مختلف أنحاء العالم، وصولاً إلى السينما العربية و"بوليوود".

أفلام سطحية

من الصعب القول إن هذه الأفلام قدمت بهدف الإثارة فقط ودون اكتراث بتقديم رسالة إنسانية، واتهمت أفلام الفنون القتالية في بدايتها في كثير من الأحيان بالسطحية، إذ إن تركيز العمل على أنواع الحركات القتالية ومعانيها البعيدة كان معقداً بالنسبة إلى المتفرج في البدايات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واضطر صانعو تلك الأفلام لمنح كامل وقت العمل لنقل تفاصيل عديدة حول فكرة اللعبة ذاتها، والحقيقة أن الجمهور الغربي والعربي (غير الآسيوي عموماً) احتاج إلى وقت غير قليل لفهم فكرة هذه الفنون القتالية، والتي اكتشفنا لاحقاً أن نشرها في العالم الحديث هو بحد ذاته رسالة تربوية وثقافية.

سينما المناسبات

لكن طبيعة هذه الأفلام كانت هشة من ناحية ديمومتها أمام عوامل الزمن، وكان ظهورها ثم خفوتها بسرعة أشبه ببروز صيحة أو موضة سرعان ما انتهت من الوجود، مع ذلك انتقلت عبر بعض الرموز، ومنهم جاكي شان من الشاشات الكبيرة إلى أشرطة التسجيل، ومن ثم "السي دي"، وصولاً إلى ألعاب الفيديو وأفلام الرسوم المتحركة، وذلك لكونها صالحة حتى يومنا هذا لأن تكون أفلام مناسبات تربوية تطعم بها الشاشة بين حين وآخر.

ولعل أبرز مثال على ذلك لعبة "البلاي ستيشن" التي تحولت إلى رسوم متحركة وبثتها قنوات عربية أخيراً تحت اسم "مغامرات جاكي شان"، والتي يظهر في نهايتها النجم المحبوب للأطفال "جاكي" شخصياً، مقدماً نصائح عامة قصيرة ومؤثرة.

توسيع نطاق الرسالة

بعد انتهاء تلك الموجة العاصفة سينمائياً، تحولت الرسالة التي يقدمها "جاكي" إلى رسالة تربوية، ولكنها متخفية ضمن النص، لأنها تبث ضمن سياق أوسع ولشريحة من أكبر من المراهقين الأميركيين تحديداً، وغيرهم في أنحاء العالم وليس الأطفال فحسب.

وفي فيلم (THE KARATE KID) سنة 2010 للمخرج هارلد زويرات، يؤدي جاكي شان دور عامل صيانة يتعهد تدريب شاب أميركي ضعيف مختلف فنون القتال الشهيرة، لكن أول درس يقدمه عامل الصيانة الصيني للشاب لم يكن في الدفاع عن النفس، بل في حماية البيئة و"إنقاذ الكوكب".

أسهموا في إنقاذ الأرض

تمثل الدرس الأول للفتى المراهق الأميركي في أول لقاء بين الفتى والمعلم أثناء صيانة مسخن المياه الكهربائي في فكرة الحفاظ على البيئة من خلال توفير استهلاك الطاقة. في هذه اللقطة ينتقد عامل الصيانة المتواضع، الثقافة الأميركية برمتها من خلال مراقبة سلوك المراهق، وعبر جملة مباغتة للفتى، وهي "أنقذوا كوكب الأرض".

ومفاد الرسالة أنه يمكن من قطع التيار الكهربائي عن مسخن الماء أثناء عدم استخدامه المساهمة في إنقاذ البيئة وكوكب الأرض. ويفاجأ عامل الصيانة البسيط حين يخبره الفتى أن هذه الأجهزة تعمل في الولايات المتحدة على مدار الساعة، مما يسبب - وفق المعلم - استهلاكاً مفرطاً في الطاقة، بالتالي التأثير في البيئة بصورة مدمرة.

جاكي شان

منذ بداية ظهوره وهو في سن الـ17 كمؤدي مشاهد خطرة في فيلمي "قبضة الغضب ودخول التنين" للأسطورة "بروس لي" ظهر (جاكي) بوصفه النجم العالمي الواعد، لكن فيلمه الشخصي الأول الذي نجح فيه بعد مخاض طويل مع الفشل، وهو فيلم "المعلم السكير" سنة 1978 وضعه على خريطة السينما العالمية.

 

 

وعرف عن هذا النجم أنه يتمتع بولاء ظاهر لثقافته الآسيوية مع تأثره الواضح بالثقافة الأميركية، وتقول مصادر منها الموسوعة العلمية الأوروبية إنه تبرع في سنة 2021 بثروته البالغة 350 مليون دولار لصالح الأعمال الخيرية، فيما عين سفيراً لبلاده لمناهضة المخدرات في سنة 2009.

واشتهر أيضاً بانتقاده اللاذع للسياسة، بخاصة فيما يتعلق بمسقط رأسه (هونغ كونغ)، وهي المدينة التي وصفها في سنة 2012 بأنها مدينة الاحتجاج الدائم، إضافة إلى وصفه من قبل بعض الموسوعات بأنه "فاعل خير بارز".

أخيراً، تميزت أفلام الفنون القتالية التي قدمها جاكي شان تحديداً أثناء مسيرته الطويلة عن غيرها من الأعمال بكونها تسعى دائماً إلى تحقيق جرعة إضافية من المرح للمشاهد، ولو كانت على حسابه الشخصي، إذ تميزت أفلام النجم إبان حقبته في هوليوود بفكرة بث الأخطاء الحاصلة في التصوير، وذلك في محاولة لإضفاء الطابع الكوميدي الشهير لديه على مثل تلك الأفلام التي تنبع من عمق الثقافة الآسيوية الجادة والمثابرة.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما