Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طفح مياه جوفية يضع مدينة ليبية على شفا كارثة جديدة

شكلت بركاً ومستنقعات وسط أحياء سكنية في مدينة زليتن وتسببت بنزوح عدد من العائلات من منازلها

مدينة زليتن الليبية باتت محاصرة بطفح المياه الجوفية (وكالة الأنباء الليبية)

ملخص

قال جيولوجيون ليبيون إن المياه تدفقت من بئر جوفي ضخم على بعد 600 متر تحت الأرض حتى وصلت إلى سطح الأرض وسط الأحياء السكنية.

في وقت ما زالت تحاول ليبيا تجاوز صدمة إعصار "دانيال" والكارثة التي خلفها وراءه بمدينة درنة في سبتمبر (أيلول) الماضي، باتت اليوم مهددة بكارثة بيئية جديدة في مدينة أخرى وهي زليتن غرب البلاد، حيث فوجئ أهلها بارتفاع منسوب المياه الجوفية حتى تجاوزت سطح الأرض وتدفقت فوقها في بعض المناطق.

هذه الظاهرة المفاجئة ظن سكان المدينة الواقعة على بعد 150 كيلومتراً شرق طرابلس بداية وقوعها أنها حدث عارض ستتم السيطرة عليه بسرعة، قبل أن يزيد صعود المياه الجوفية يوماً بعد آخر، ويهدد بإخلاء أحياء سكنية كبيرة في زليتن، حذروا من كارثة محدقة مع فشل الإجراءات الحكومية لمواجهة المياه المتدفقة من باطن الأرض إلى أعلاها.

كارثة وشيكة

مدير إدارة شؤون الإصحاح البيئي في زليتن، محمد أبو قميزة، أوضح أسباب حدوث هذه الظاهرة، قائلاً إنها "بدأت تتجه أفقياً من قلب المدينة نحو الضواحي، والسبب امتلاء الخزان الجوفي نتيجة اعتماد السكان على المياه الخارجية وعدم سحب المياه الجوفية، إضافة إلى هطول كميات وفيرة من الأمطار".

كما بين أن عوامل جانبية أدت إلى تفاقم الكارثة "بسبب هذه الزيادة في منسوب المياه الجوفية تكونت برك ومستنقعات بسبب اختلاط المياه المتراكمة قرب سطح الأرض بمياه الصرف الصحي، وهي بيئة مناسبة لانتشار البعوض الناقل للأمراض وانبعاث الروائح الكريهة".

وأوضح أن الوضع لم يتغير على رغم محاولات الجهات الرسمية منذ أيام، "الوضع كما هو عليه في شأن تجمع المياه والبرك والمستنقعات، مما تسبب في نزوح عدد من السكان، والأزمة تتطلب تدخل الدولة فالبلدية لا تستطيع حلها وحدها".

أبو قميزة حذر من عواقب وخيمة كلما تأخر حل هذه المشكلة قائلاً "المخاوف الآن من تحول التربة إلى عدم النفاذية وفقدان خصوبتها وتآكل البنى التحتية في المنازل وانهيارها".

جهود غير كافية

وأوضح مدير إدارة شؤون الإصحاح البيئي أن هذه كل الجهود التي بذلت حتى الآن لوقف تدفق المياه الجوفية إلى السطح وسحب ما تراكم منها في الأحياء السكنية باءت بالفشل، "عمليات شفط مياه الصرف الصحي وردم البرك والمستنقعات في مزارع المواطنين ومنازلهم وبالشوارع مستمرة، لكن الأوضاع لم تتغير ومنسوب المياه الجوفية لم ينخفض، ونواجه صعوبات أثناء عمليات الردم، إذ يتم استخدام الرمال والتربة طينية، لكن من دون جدوى".

الحل المثالي بالنسبة لأبي قميزة يتمثل في التعجيل بتكليف شركة متخصصة لمتابعة ودراسة المشكلة وتشخيصها ووضع الحلول المناسبة وتنفيذها، مشيراً إلى أن "مدينة زليتن كغيرها من المدن الليبية تعاني تردياً وتهالكاً في البنية التحتية، ويجب حالياً تنفيذ مشروع عمل مواقع لتجمع المياه من مناسيب المياه الجوفية ومياه الأمطار وتصريفها في البحر".

غياب الحلول الجذرية

وصرح مدير مكتب الإعلام في بلدية زليتن إسماعيل الجوصمي، أن "مدينة زليتن تعاني كارثة بيئية ولا توجد حلول جذرية للمشكلة حتى هذه اللحظة، فمنسوب المياه لا يزال مرتفعاً، على رغم استمرار عمليات شفطها منذ 10 أيام، بالتزامن مع عملية تنظيف (عين كعام) القريبة من المناطق التي يرتفع فيها منسوب المياه".

الجوصمي كشف عن أن "بلدية زليتن طالبت السلطات بشكل رسمي بتكليف لجنة استشاريين متخصصين لدراسة هذه الظاهرة، ووضع حلول مناسبة وتنفيذها، بخاصة أن هناك عديداً من المواطنين متضررون من هذه الكارثة البيئية، بسبب انتشار المستنقعات والبعوض والحشرات الضارة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إلى أن "جيولوجيين ليبيين يعملون في شركات نفطية استعانت بهم البلدية قدموا تقريراً يوضح أن هذه المياه تنبع من طبقة تبعد 600 متر عن مستوى سطح الأرض تحتوي على مياه عذبة تندفع من أسفل إلى أعلى".

كما بين أن "البلدية شكلت لجنة لحصر الأضرار بعد أن اضطرت بعض العائلات إلى مغادرة منازلها"، منوها إلى أن "هناك منازل أخرى قد يجري إخلاؤها من السكان في حال تطلب الأمر ذلك واستمر ارتفاع منسوب المياه الجوفية".

وذكر مدير مكتب الإعلام ببلدية زليتن أن "الأسر التي غادرت منازلها لم يجر تسكينها في منازل بديلة على رغم وعود وزارة الحكم المحلي بذلك، مع عدم إحالة أي ميزانية لجبر الضرر وتعويض المتضررين، أو لشراء المعدات اللازمة من سيارات شفط وجرافات وما زلنا نعتمد على المدن الأخرى ومعداتها".

إجلاء عائلات

من جهته قال عميد بلدية زليتن مفتاح حمادي، إن "البيوت المتضررة جراء طفح المياه السوداء تقدر بالآلاف، والبلدية تمكنت من تسكين بضعة عائلات تضررت منازلها من المياه الجوفية"، متوقعاً وصول عددها إلى 30 عائلة خلال أيام.

في المقابل، وجه رئيس حكومة الوحدة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة، بـ"ضرورة حصر الأضرار وتعويض السكان المتضررين ودفع بدل إيجار للعائلات النازحة من منازلها".

كما كلف الدبيبة خلال زيارة للمدينة لجنة لمتابعة الإجراءات المتعلقة باستكمال الدراسات الفنية من قبل مكتب استشاري دولي، وأعلن تشكيل فريق من وزارة الصحة والإدارة العامة للإصحاح البيئي للوقوف على الأوضاع الصحية بالمناطق المتضررة، ودعم المركز الصحي بالمعدات والأدوية اللازمة.

تهديد للبنية التحتية

في الأثناء، قال عضو مجلس الدولة عن مدينة زليتن عبدالسلام الصفراني، إن "الوضع البيئي في مدينة زليتن خطير وارتفاع منسوب المياه الجوفية يهدد البنية التحتية للمدينة، وعلى رغم كل الجهود المبذولة والمشكورة إلا أن أسباب هذه الظاهرة الخطيرة لم تدرس بشكل علمي من جهات دولية متخصصة".

وتابع "⁠أطالب الحكومة بتحمل مسؤوليتها بشكل عاجل وفوري وتخصيص مستحقات مالية من بند الطوارئ للمجلس البلدي والتعاقد مع شركة عالمية متخصصة للاستجابة لهذا التحدي البيئي الذي يهدد أهالي المدينة"، مؤكداً أن "⁠المماطلة في اتخاذ الإجراءات اللازمة ستكون لها عواقب وخيمة على زليتن وسكانها".

خطر داهم

المرشح الرئاسي السابق، سليمان البيوضي علق من جهته على الكارثة البيئية في مدينة زليتن، ورأى أن "ما تعانيه بعض مناطق المدينة من ارتفاع منسوب المياه الجوفية للسطح، هو ليس كارثة بيئية محدودة بل خطر داهم على مستقبل المدن وتأثر مباشر بالتغير المناخي".

 

واعتبر البيوضي أن "مواجهة هذا الخطر يحتاج لتكاثف الجهود وعمل وطني متواصل، وحكومة حقيقية وفاعلة توظف موارد الدولة للبحث عن الحلول المستدامة".

ورأى أن "ليبيا بحاجة ماسة لسلطة تنفيذية موحدة وخالية من الفساد والعبث، تنقذ ما يمكن إنقاذه في كثير من الملفات التي باتت تهدد الليبيين وفي كل المجالات من دون استثناء، ولعل آخرها الماء الآسن الذي طفى على السطح معلناً بداية كارثة جديدة".

وخلص إلى أن "ما يحدث لأهالي زليتن ليس حالة خاصة بل هو خطر حقيقي على أكثر من مدينة على الشريط الساحلي الليبي، ويحتاج لتكثيف الجهود من خلال مؤسسات رسمية محلية وشراكات دولية متخصصة تقدم الحلول المناسبة مستفيدة من الدراسات المنشورة عبر مراكز البحوث الدولية المتخصصة".

المزيد من تقارير