ملخص
الملاحظ على أغلب وسائل الإعلام ذات الميول اليسارية أنها تنقل المبيعات بالأرقام والنسب، ولكن عندما تصل إلى السيارات الكهربائية، تنقل النسب فقط، وتتجاهل الأرقام
لو سألت أي مسؤول في أي شركة نفطية في أي مكان في العالم عن تحيز وسائل الإعلام وعدوانيتها تجاه النفط والغاز فإنه غالباً ما سيندهش من السؤال لأن التحيز أصبح بديهياً وواضحاً وضوح الشمس في كبد النهار، بخاصة في السنوات الأخيرة. ولكن الملاحظ أن هناك جزءاً من هذا التحيز اتخذ منحى علمياً في السنوات الأخيرة: ما ينشر صحيح ودقيق، إلا أنه يوحي للقارئ بنتائج سلبية. بعبارة أخرى، هناك تحيز مبطن لا ينتبه له القارئ، سأذكر خمسة منها في هذا المقال.
1- التركيز على مبيعات السيارات الكهربائية وليس على عدد السيارات الكهربائية الموجودة على الطرق
أغلب ما تنشره وسائل الإعلام يتمثل في النمو المستمر في مبيعات السيارات الكهربائية في دولة ما، أو مجموعة من الدول، أو عالمياً، ولكن لا يتم نشر عدد السيارات الموجودة على الطرق. هذا الفرق مهم لأن ما يؤثر في الطلب على النفط هو عدد السيارات الكهربائية المستخدمة وليس المبيعات. المبيعات توحي بوجود عدد أكبر من السيارات الكهربائية في دولة ما لأنها تتجاهل ما تم إيقافه أو التخلص منه. مثلاً، هناك ما يمكن تسميته بـ "غابات السيارات الكهربائية" وهي عبارة عن أراضٍ واسعة تحولت إلى مكبات لعشرات ألوف السيارات الكهربائية في الصين وبعض الدول الأوروبية إما لإفلاس الشركات التي اشترتها أو لأن الشركات قررت إيقاف استعمالها. فإذا نظرنا إلى المبيعات فقط في التقارير الحكومية أو المتخصصة، نجد أن أعدادها أعلى من أعداد السيارات الموجودة في الطرق. كما أن الأفراد تخلصوا من السيارات الكهربائية القديمة، بخاصة أن تقنية البطاريات لهذه السيارات تجعلها عديمة القيمة، بخاصة بعد التطور الكبير في تصنيع البطاريات في الأعوام الأخيرة.
2- التركيز على نسبة نمو مبيعات السيارات الكهربائية وليس على أعدادها
تنشر شركات السيارات في تقاريرها المالية الربعية أرقام مبيعات السيارات بالتفصيل الممل، بالأرقام ونسبة التغير. تقوم وسائل الإعلام بتغطية هذه التقارير وتنقل الأرقام والنسب بالتفصيل الممل أيضاً. ولكن الملاحظ على أغلب وسائل الإعلام ذات الميول اليسارية أنها تنقل المبيعات بالأرقام والنسب، ولكن عندما تصل إلى السيارات الكهربائية، تنقل النسب فقط، وتتجاهل الأرقام.
الشركات ذكرت الأرقام والنسب، ووسائل الإعلام هذه نقلت النسب والأرقام، ولكن لماذا نشرت النسب فقط عند الحديث عن السيارات الكهربائية وتجاهلت الأرقام؟ هنا يتضح أن الأمر مقصود لأنهم يهدفون إلى الترويج لفكرة أنك أنت الوحيد، كقارئ، الذي لم يشتر سيارة كهربائية حتى الآن!
عندما يبدأ النمو من رقم صغير، تكون النسبة عالية، ولكن مهما كان النمو كبيراً، يبقى الرقم صغيراً، وهذا ما تحاول وسائل الإعلام اليسارية إخفاءه. مثلاً، في الربع الثالث من العام الماضي ذكرت وسائل الإعلام هذه أن مبيعات شركة سيارات من شاحنة كهربائية زادت بنسبة 145 في المئة، وهي نسبة عالية، ولكنها لم تذكر العدد، لماذا؟ لأن إجمالي العدد كان 900 شاحنة كهربائية فقط، بينما تجاوزت مبيعات الشاحنة نفسها التي تسير بالبنزين 150 ألفاً.
3- التركيز على الطاقة الاستيعابية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح وليس على ما يتم توليده فعلاً.
أغلب التقارير الصحافية التي تتكلم عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تتحدث عن القدرة الاستيعابية لهذه المشاريع، ولكن لا تذكر ما تم توليده أو ما يمكن فعلاً توليده. وما حصل أخيراً في أوروبا وأميركا يثبت بشكل قاطع هذه النقطة: أشرفت ولاية تكساس في الأسبوع الماضي على كارثة تتمثل في احتمال انقطاع كامل للكهرباء بسبب الطلب التاريخي على الكهرباء بسبب موجة البرد القارس التي ضربت أميركا الشمالية، والتي نتج منها انخفاض كبير في توليد طاقة الرياح إلى أقل من 10 في المئة من إجمالي القدرة الاستيعابية في بعض الأيام الماضية. فوسائل الإعلام تقول إن القدرة الاستيعابية لطاقة الرياح تتجاوز 38 غيغاواط، بينما كان التوليد بحدود 5 غيغاواط فقط صباح أمس. لهذا تم التعويض عن هذا الانخفاض باستخدام الغاز. وتبدو هذه المشكلة بشكل صارخ في ولايات شمال شرقي الولايات المتحدة والتي تسمى بـ "نيو إنغلاند"، هذه الولايات مصنفة سياسياً على أنها يسارية وتصوت مع الديمقراطيين، ومعادية للنفط والغاز. في الأيام الماضية مرت أوقات تم توليد 1.5 في المئة من إجمالي الكهرباء المنتجة من الرياح، بينما تم توليد 6 في المئة من النفط! المثير في الأمر أن الهدف المعلن كان أن يكون متوسط توليد الكهرباء السنوي من الرياح 50 في المئة.
4- التركيز عند الحديث عن توليد الكهرباء على "الطاقة المتجددة" وليس على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح
تنشر وسائل الإعلام من وقت لآخر عناوين مثل: "الرياح تولد 80 في المئة من الكهرباء في..." أو "الطاقة الشمسية تولد 45 في المئة من إجمالي الكهرباء في...".
ولكن الملاحظ أن وسائل الإعلام بدأت في الأسابيع الأخيرة تكتب "الطاقة المتجددة" بدلاً من تحديد "الرياح" أو "الشمسية" كما فعلت في السابق، بخاصة عند الحديث عن إسبانيا والبرتغال، لماذا؟
أدت زيادة هطول الأمطار إلى ارتفاع مستويات المياه في السدود فوق المتوسطات التاريخية، فزاد توليد الكهرباء من الطاقة المائية، فاستغلت وسائل الإعلام اليسارية الفرصة وبدأت بالحديث عن "الطاقة المتجددة" ولم تقل "المائية"، علماً بأن هناك الكثير من حماة البيئة الذي يعارضون وجود السدود، ومن ثم يعارضون الطاقة المائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
5- تجاهل الركود الاقتصادي والوضع الاقتصادي عند "الافتخار" بنمو الطاقة المتجددة.
انتشرت في الآونة الأخيرة أخبار كثيرة عن تزايد دور طاقة الرياح والطاقة الشمسية ووصولها إلى مستويات تاريخية، بخاصة في دول الاتحاد الأوروبي وألمانيا تحديداً. وظهرت تعليقات من مسؤولين ومحللين يفاخرون بهذه الإنجازات الضخمة التي تعني تقليص دور الوقود الأحفوري وتخفيض الانبعاثات. كما ظهرت تقارير مماثلة تتكلم عن انخفاض تاريخي في انبعاثات الكربون، بخاصة في ألمانيا. كل هذه الأخبار والتقارير توحي بنجاح سياسات التغير المناخي، ولكن أخفت حقيقة مرة:
الشمس تشرق على كل الحالات بغض النظر عن الوضع الاقتصادي.
الرياح تهب على كل الحالات بغض النظر عما إذا كان هناك ركود أو انتعاش اقتصادي.
ولا يستطيع البشر التحكم بالشمس ولا بالرياح.
فإذا حصل ركود اقتصادي أو انخفاض كبير في النمو الاقتصادي، ينخفض الطلب على الكهرباء، وهذا يجبر مدراء المحطات على تخفيض التوليد من المصادر التي يتحكمون بها وهي الفحم والغاز. وعند عودة النمو الاقتصادي، تشرق الشمس وتهب الرياح كما كانت، ولكن الاقتصاد الآن يحتاج إلى مزيد من الطاقة، فيقوم مدراء المحطات بزيادة استخدام الفحم والغاز. باختصار، كل ما يفتخرون به الآن على أنه الأقل تاريخياً من ناحية "الانبعاثات" أو الأعلى تاريخياً من ناحية نسبة الطاقة المولدة من الطاقة المتجددة سينتهي مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي.
خلاصة القول هنا أنه لو تم التحقيق مع وسائل الإعلام لوجدنا أن ما قالوه حقيقة ولم يكذبوا، إلا أنهم وضعوا البيانات أو المعلومات في الإطار الذي يريدون، فأصبحت البيانات مضللة على رغم صحتها.