Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يؤول التوتر بين إثيوبيا وإريتريا إلى حرب جديدة؟

خطة آبي أحمد للحصول على المنفذ البحري وحملاته الإعلامية والسياسية دفعت البلدين إلى حافة مواجهة عسكرية

أسمرة تميل إلى التحالف مع موسكو وتوجه انتقادات لاذعة لسياسات واشنطن (أ ف ب)

ملخص

أدى انتهاء المواجهة المسلحة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي إلى انهيار التحالف العسكري الذي ظل قائماً بين أديس أبابا وأسمرة.

على رغم مرور أقل من خمسة أعوام على عودة العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا (2018) بعد قطيعة سياسية ودبلوماسية، استمرت لعقدين من الزمن (1998/2018)، إثر حرب حدودية ضروس حصدت أرواح عشرات الآلاف من الطرفين، فإن العودة الدافئة لعلاقات أسمرة وأديس أبابا وتحالفهما خلال حرب تيغراي الأخيرة (2020/2022)، يبدو أنها تسير الآن نحو التجمد، وربما نحو مواجهة مشتعلة، بحسب كثير من المؤشرات.

وبدأ التدهور الرئيس بين الطرفين عقب توقيع اتفاق بريتوريا للسلام بين الحكومة المركزية في أديس أبابا وجبهة تحرير شعب تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، إذ إنه على رغم تحالفهما كانت لكل طرف منهما أهداف مختلفة عن الآخر لشن الحرب أو المشاركة فيها، ومن ثم تباينت مواقفهما في شأن كيفية إنهاء الحرب، إذ تسعى أسمرة إلى القضاء على الجبهة تماماً، وتقف ضد أي اتجاه للتصالح معها، بينما كان هدف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إضعاف شوكة جبهة تيغراي بتدمير قدراتها العسكرية، ثم الذهاب إلى تسوية سلمية بإشراك القوى الغربية، تفضي في النهاية إلى نزع سلاح الجبهة وتوحيد الجيش النظامي.

وكشف الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في حوار مع التلفزيون الرسمي في فبراير (شباط) 2023 عن هذا الاختلاف عندما أعرب عن امتعاضه من طريقة التسوية السلمية، معتبراً إياها "مجرد وثيقة أميركية أعدت في واشنطن، وصدرت الأوامر لكل من الحكومة الإثيوبية وممثلي جبهة تيغراي للتوقيع عليها من دون ابداء أي تعليق"، مما أثار حنق أديس أبابا، على رغم عدم تعليقها على تلك التصريحات بصورة مباشرة.

ومع أن تاريخ ظهور التباينات في موقف البلدين كان في وقت مبكر من عام 2022، فإنها لم تخرج بشكل صارخ إلى السطح إلا في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، عندما أعلن آبي أحمد في البرلمان الإثيوبي عما سماه "الوصول الآمن لبلاده نحو منفذ بحري"، مما اعتبرته أسمرة بمثابة إعلان حرب ومحاولات لانتهاك سيادتها الوطنية.

ودفعت خطة آبي أحمد للحصول على المنفذ البحري وحملاته الإعلامية والسياسية البلدين إلى حافة مواجهة عسكرية، قد تكون لها عواقب على الشعبين الإثيوبي والإريتري والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، بخاصة مع وجود مزيد من الدلائل على أن الجانبين يستعدان لمثل هذه المواجهة.

أسباب انهيار التحالف 

بحسب المراقبين لشؤون القرن الأفريقي، فإن حرب تيغراي دفعت أديس أبابا وأسمرة إلى بناء تحالف عسكري قوي استمر لعامين، إذ حاربا معاً في الخنادق المتقدمة وتمكنا من تحرير معظم مدن الإقليم، إلا أن ذلك التنسيق العسكري لم يستند إلى تحالف سياسي حقيقي يمثل ظهيراً قوياً لاستمرار شروط التحالف، فما وحّد الطرفين كان توافر "عدو مشترك" في حين غابت الرؤى والمصالح المشتركة. 

وبمجرد التوصل إلى اتفاق بريتوريا للسلام بدأت مؤشرات جديدة بالظهور، أسهمت لاحقاً في إعادة رسم خريطة التحالفات داخلياً وخارجياً، إذ بدا أن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي وبعض نخب قومية الأمهرة وقوتهم العسكرية (الفانو) كانوا يسعون إلى إخراج "جبهة تيغراي" من الخريطة السياسية الإثيوبية واستبدالها بأحزاب تيغراوية أخرى، فضلاً عن سعيهما إلى تغيير النظام الفيدرالي واستبداله بنظام مركزي قوي.

في حين أدى انتهاء المواجهة المسلحة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي إلى انهيار التحالف العسكري الذي ظل قائماً، وعودة الجبهة لسدة الحكم في إقليم تيغراي، فضلاً عن إزالتها من قائمة الإرهاب، واقتربت حكومة آبي أحمد كثيراً من الجبهة التي عادت مسنودة بالدعم الغربي، مما اعتبرته أسمرة وحلفاؤها الأمهرة بمثابة "طعنة في ظهر التحالف العسكري القوي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما السبب الآخر، فيتعلق أساساً بالمنطلقات الأيديولوجية والفكرية بين كل من أسمرة التي تميل إلى التحالف مع كل من روسيا والصين وتوجه انتقادات لاذعة لسياسات واشنطن في المنطقة، وبين مواقف أديس أبابا التي تُتهم بموالاتها لاستراتيجيات الولايات المتحدة الأميركية في منطقة القرن الأفريقي. 

من جهته رأى آبي أحمد أن المشاركة الإريترية الحاسمة في حرب تيغراي قد تعزز من نفوذ أسمرة المتعاظم في الداخل الإثيوبي، بخاصة مع نخب وقوى الأمهرة، وهي العرقية التي حكمت إثيوبيا لفترات طويلة، وتمثل "المركزية الثقافية والسياسية" للأنظمة الإثيوبية المتعاقبة.

مكاسب وخسائر أسمرة 

يعرب المتخصص في الشأن الإثيوبي محاري سلمون عن اعتقاده بأن المكاسب الأساسية التي حققتها أسمرة أنها استغلت الحرب الأخيرة لاستعادة أراضيها التي ظلت تحت السيطرة الإثيوبية منذ عام 1999 على رغم صدور قرار قضائي من محكمة دولية في شأنها، لذا فهي تملك مبررات كافية لخوضها هذه الحرب في الداخل الإثيوبي.

 ويقول "أما المكسب الثاني، فيتمثل في تعزيز نفوذها داخل إثيوبيا من خلال إضعاف منافسها التاريخي (جبهة تيغراي) وتعزيز تحالفاتها مع منافسيهم العرقيين، بخاصة الأمهرة، إذ مكنتهم بمساعدة الجيش النظامي الإثيوبي من السيطرة على مناطق زراعية خصبة، متنازع عليها مع التيغراي. وأدى ذلك إلى خنق الإقليم وإغلاق منافذه الغربية مع السودان".

وفي قراءته لخسائر أسمرة، يوضح سلمون أنها "لم تتمكن من القضاء على جبهة تيغراي وإخراجها من المشهد السياسي الإثيوبي، إذ إن اتفاق بريتوريا بمثابة ’قبلة حياة‘ للجبهة التي منيت بخسائر كبيرة في قدراتها العسكرية، وأعادتها مجدداً للسيطرة على الحكم في الإقليم". 

ويرى أن قدرة قيادات تيغراي على التكيف مع الوضع الجديد وعودة التنسيق بينهم والحكومة المركزية في أديس أبابا مثلت "صدمة كبيرة" للرئيس الإريتري وحلفائه الأمهرة. 

المنفذ البحري المسمار الأخير 

بدوره يعتقد المتخصص في الشأن الإثيوبي غيداون بيهون بأن اتفاق السلام في بريتوريا عجّل من انتهاء شروط "زواج المصلحة" الذي ظل قائماً بين أسمرة وأديس أبابا، مضيفاً أن رئيس الوزراء الإثيوبي الذي استفاد من دعم الجيش الإريتري وقوات الأمهرة القومية، في حربه بشمال البلاد، ظل يدرك أن هذا التحالف سينهار بمجرد التوصل إلى تسوية سلمية، وبذلك كان من بين شروطه لتوقيع الاتفاق، ضمان الدعم الأميركي لخطته السرية والطموحة للوصول إلى منفذ بحري.

ويوضح أن "تلك الخطة ظلت في طي الكتمان، إلى أن تم تسريب مجريات اجتماع عقده آبي أحمد في الـ 20 من يوليو (تموز) 2023 مع رجال أعمال في أديس أبابا، إذ صرح خلال الاجتماع بأن جميع الخيارات، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لتأمين ميناء بحري لبلاده، مطروحة على الطاولة".

ويقدر بيهون بأن خطة بهذه الخطورة لبلد خرج للتو من حرب ضروس لا يمكن الإعداد لها من دون ضمان الدعم الأميركي، مشيراً إلى أن خروج هذا التسريب للعلن أدى إلى توتر العلاقات الإثيوبية- الإريترية وأسهم في تحويل الأزمة الصامتة إلى "شبه معلنة"، ليأتي خطاب آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي في الـ13 من أكتوبر 2023، حول ضرورة طرح قضية "المنفذ البحري" للنقاش العام، واعتبار هذا الهدف بمثابة مسألة "حياة أو موت" لبلاده، ليضع المسمار الأخير في نعش العلاقات الإريترية- الإثيوبية. 

ويرى بيهون أنه على رغم محاولات آبي أحمد اللاحقة لطمأنة إريتريا بقوله "لن نسعى إلى تحقيق مصالحنا من خلال القوة العسكرية، بل من خلال نهج مربح للجانبين"، فإن أسمرة كانت ذهبت بعيداً، سواء في تجميد جميع الملفات المشتركة، أو على مستوى الترتيبات العسكرية تحسباً لأي طارئ، فتحدثت تقارير دولية عن تحريكها لمعدات عسكرية ثقيلة على حدود إثيوبيا، وردّت الأخيرة بإجراءات مشابهة، مما أثار قلق القوى الإقليمية والدولية جراء التدهور الكبير والمقلق الذي تشهده علاقات البلدين.

تأثيرات الموقف الدولي 

من جهته يعتبر محاري سلمون أن العوامل الإقليمية والدولية تدفع إثيوبيا وإريتريا إلى مزيد من التباعد، إذ تحاول واشنطن معاقبة النظام الإريتري وعزله إقليمياً ودولياً لدعمه المحور الروسي- الصيني ومعارضته العلنية لسياساتها في المنطقة، فضلاً عن ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان. 

في حين يبدو رئيس الوزراء الإثيوبي، الأقرب للمواقف الأميركية، وداعماً لسياساتها الإقليمية، بخاصة في منطقة القرن الأفريقي.

ويوضح سلمون أن أسمرة ترى أن أديس أبابا تقوم بدور القوة المهيمنة في المنطقة وتسهم في عزلة إريتريا من خلال التنسيق مع القوى الغربية المعادية، مضيفاً أن "أفورقي يعمل على أكثر من صعيد لمجابهة سياسات واشنطن في المنطقة من جهة، ولتهميش النفوذ الإثيوبي من الجهة الأخرى، فشارك في أنشطة دبلوماسية مهمة، بما في ذلك زيارات إلى الصين وروسيا وجنوب أفريقيا، وتبنى خطاباً مناهضاً لتوجهات الولايات المتحدة في المنطقة، كما مثلت زيارته لكينيا مقدمة لعودة بلاده إلى منظمة إيغاد، وإلى التنسيق الإقليمي والذي اعتبر دعماً ضمنياً لطموحات نيروبي في القيادة الإقليمية على حساب إثيوبيا".

ويؤكد سلمون أن "التقارب بين أسمرة والقاهرة والخرطوم، بخاصة بعد اندلاع الحرب في السودان، يشير إلى وجود مصالح متعارضة على المستوى الإقليمي، إذ اصطفت أديس أبابا إلى جانب قوات ’الدعم السريع‘، واستضافت أخيراً قائدها محمد حمدان دقلو، إلى جانب رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك".

وقال "كما يأتي التوتر الجديد بين إثيوبيا والصومال على خلفية توقيع مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وجمهورية أرض الصومال حول تأمين منفذ بحري للأولى مقابل الاعتراف بالثانية، واستقبال أسمرة للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إثر إصداره لقانون جديد يلغي الاتفاق الأخير وتدريب أسمرة لآلاف المجندين الصوماليين، مما يشير إلى تشكل تحالفات جديدة في حال قيام أي حرب تخوضها إثيوبيا ضد إحدى جاراتها من أجل تأمين منفذ بحري خاص وبناء قاعدة عسكرية إثيوبية في البحر الأحمر أو خليج عدن".

سيناريوهات الحرب والسلم

يقول غيداون بيهون إن ثمة سيناريوهات عدة لما يمكن أن يفضي إليه التوتر الحالي بين البلدين، لعل أسوأها الانزلاق إلى خيار الحرب، بخاصة في حال تحقيق الحكومة الإثيوبية نجاحاً كبيراً على الجبهات الأمنية الداخلية والسياسية والاقتصادية، وقد تدفعها الأزمات الداخلية إلى خيار الحرب الخارجية لتوحيد الجبهة الداخلية سواء تحت مبررات تأمين منفذ بحري أو بحجة إخراج القوات الإريترية من بعض مناطق إقليم تيغراي. 

ويضيف "أما السيناريو الثاني، فيتمثل في سياسة احتواء النظام الإريتري الذي بدأت واشنطن بإعلانها أخيراً، في إطار استراتيجيتها الجديدة، إذ كشفت عن أنها انتقلت من مبدأ إسقاط النظام الإريتري إلى احتوائه، وفي حال نجاح هذه الخطة فقد تسهم في تقليل التوتر الناشئ بين أسمرة وأديس أبابا، وبذلك تجنب المنطقة ويلات الدخول في الحرب".

والسيناريو الثالث، وفق بيهون، هو نجاح الطرفين في تجنب الحرب من دون إذابة جبل الجليد في علاقتهما، مما يدفعهما إلى تبني سياسات معادية لبعضهما بعضاً من قبيل دعم المعارضات، كما ظل يحدث خلال عقدين من الزمن أثناء حكم جبهة تحرير تيغراي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير