Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مصير إثنيات دارفور تحت سيطرة "الدعم السريع"؟

يتميز الإقليم الذي يعادل مساحة فرنسا بوجود نحو 90 قبيلة

وجهت إلى الحركات المسلحة تهم بأنها جرت أهل دارفور إلى المواجهة مع الشمال على نطاق واسع (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

أي نقاش لقضية دارفور لا يستطيع تجاوز جدل الهوية بوصف الإقليم عبارة عن "سودان مصغر"

قبل أن تبدأ الحرب السودانية في الخرطوم في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي كان إقليم دارفور ولا يزال يحتل موقعاً ثابتاً في العنف المسلح المستمر منذ عام 2003. وفي الحرب الحالية، ظل يتردد اسم دارفور كثيراً، في بيانات وتصريحات طرفيها، قوات الجيش و"الدعم السريع"، كما كان هتافاً ثابتاً للمتظاهرين لإسقاط النظام السابق. ومثل الإقليم في حربه وسلمه أيقونة للتعبير عن الظلم والتهميش. وبعد انفجار مركز الصراع في الخرطوم، كان دارفور وقوداً للحرب. وحين كانت دوافع الحرب في الخرطوم على السلطة، انتقلت إلى دارفور بدوافع وآلية إثنية.

مع طول أمد الحرب، بات أقرب إلى التصور أن قوات "الدعم السريع" قد بدأت فرض سيطرتها على إقليم دارفور بولاياته الخمس، وتجدد، تبعاً لذلك، التوجس القائم منذ بداية الحرب الأهلية هناك عام 2003، حول التعايش السلمي بين الإثنيات المتنافرة. وكانت الحال في ما مضى تنصب على نزاع بين الإثنيات المختلفة التي تمثلها الحركات المسلحة من جهة، وحكومة "الإنقاذ" في الخرطوم بقيادة عمر البشير من جهة أخرى، على مدى العقود الثلاثة الماضية، وأججته الحاضنة الإسلامية ممثلة في تيار "الإخوان المسلمين" بزعامة حسن الترابي، التي اتخذت تنظيمات بتسميات عدة منها "الجبهة الإسلامية القومية" و"الاتجاه الإسلامي"، ثم "حزب المؤتمر الشعبي" و"حزب المؤتمر الوطني".

 

من رحم ذلك الصراع خرج رئيس "حركة جيش تحرير السودان" عبدالواحد محمد نور، أخيراً، محذراً أهل دارفور من سيطرة "الدعم السريع"، وقطع نور الذي ينحدر من إثنية الفور باستحالة تعايش "الدعم السريع" مع الإثنيات الأخرى في دارفور في حال السيطرة في الإقليم. وهذا التحذير لم يسقه نور وحده، وإنما سبقه من قبل زعماء إثنيات دارفورية أخرى، فقد حذر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي "زعيم حركة تحرير السودان" المنشقة عن حركة نور، من سيناريوهات تقسيم السودان بإشارته إلى بروز توجه لإعادة صياغة التفاوض بين الجيش و"الدعم السريع" كحكومتين.

محرك الصراع

يتميز إقليم دارفور الذي يعادل مساحة فرنسا بوجود نحو 90 قبيلة ومئات الإثنيات، ويتحدثون لغات عدة، وكلها تشعر بالتهميش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، بشكل أو بآخر، وهو محرك الصراع في عهود الحكم الوطنية المختلفة، خصوصاً النظام السابق. وعندما تم الضغط على حكومة البشير للالتفات إلى هذه المعضلة، حاول توظيفها بتمثيل بعض القبائل من خلال الحركات المسلحة لشغل الوظائف الحكومية والمناصب السياسية. وكانت هذه بداية المحاصصات السياسية التي زادت التكتلات وحالات الاستقطاب السياسي والاجتماعي. وعلى رغم ثرائه بالذهب واليورانيوم وتوفر الثروات الطبيعية زراعية ومعدنية وحيوانية، فإن الإقليم يعاني الفقر وقلة الدعم الحكومي وضعف برامج ومشاريع التنمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهنا يمكن ذكر أن الحركات المسلحة في دارفور تستفيد من الدعم الذي تتلقاه من دول التماس، فمثلاً "حركة العدل والمساواة" باعتبارها ممثلة لقبيلة الزغاوة، فإنها تستفيد من هذا المكون الإثني الذي تجمعه قبائل تشاد، وتنحدر منه أسرة ديبي الحاكمة هناك. ويربط المنطقة بين حدود تشاد الشرقية وشمال دارفور هذا التداخل الإثني. وفي السنوات الأولى لحرب دارفور، دعم الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي الذي ينتمي لقبيلة الزغاوة، حكومة البشير ثم بادلها العداء بعد تبادل الاتهامات بإيواء معارضي بلديهما ثم تصالحا في نهاية عهديهما. وفي 2005، اتهمت تشاد ميليشيات "الجنجويد" التي تناصبها العداء بالهجوم على قرية مديون شرق البلاد، كما اتهمت الجيش السوداني بالهجوم على بلدة الطينة.

وعلى النقيض من ذلك هناك حركات تنتمي إلى إثنيات دارفورية تمثل أقليات على رغم تاريخها في تأسيس ممالك قديمة مثل "الفور" و"المساليت"، التي اتهمت "الدعم السريع" بارتكاب جرائم تطهير عرقي ضدها في الحرب الأخيرة.

وعلى ذلك، نجد أن أي نقاش لقضية دارفور لا يستطيع تجاوز جدل الهوية بوصف الإقليم عبارة عن "سودان مصغر" بكثافة إثنياته وتعدد ثقافاته ودياناته. وخلق هذا التعدد مزيجاً مهماً من الانتماءات السياسية، وترك آثاره الاقتصادية والتنموية على ماضي وحاضر الإقليم.

استنساخ الميليشيا

وتمثل مشكلة دارفور اختباراً عملياً لقدرة المساعي الإقليمية والدولية على حلها، إذ يبدو، مع محدودية آثار المحاولات واقتصارها على المساعدات الإنسانية، ثم بعد وقوع مجازر بشرية وإبادة جماعية، وتكثيف الإدانات حولها من دون الوصول إلى الفاعل الحقيقي، أن جذور المشكلة تحيط بها ضبابية كثيفة.

ووقف مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بقوة ضد ما يحدث في دارفور منذ بداية الأزمة ووصفه بأنه خروج عن القانون الدولي وجرم في حق الإنسانية، وهدد نظام البشير بفرض العقوبات، ثم نفذ ذلك واتخذ قرارات دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في دارفور. وتزامنت تلك التحركات مع إرسال الولايات المتحدة وزير خارجيتها كولن باول إلى دارفور والخرطوم عام 2004 لبحث سبل حل الأزمة. وأصدرت منظمات عدة إدانات للحكومة السودانية منها "الجمعية الوطنية لرعاية شؤون الملونين في الولايات المتحدة" التي أعلنت أن القتال في دارفور هو إبادة جماعية للسود. ووفقاً لذلك، أصدر الكونغرس الأميركي بياناً أكد ما جاءت به الجمعية من أن صراع دارفور هو إبادة إثنية. وتواترت التحركات لإصدار قرار من مجلس الأمن لتفويض الأمم المتحدة باستخدام قوة متعددة الجنسيات للتدخل في دارفور من أجل إنقاذ المدنيين في الإقليم.

وشكل ذلك ضغطاً على نظام البشير لكنه كان يتأرجح بين تحديه للعقوبات الدولية، واستجابته لها بنزع أسلحة الميليشيات المسلحة المنتمية إلى إثنيات عربية ممثلة في "الجنجويد"، فسمح بتسهيل عمليات الإغاثة الدولية ولكنه في الوقت ذاته كان يرتب لاستنساخ الميليشيات إلى قوات أخرى هي "الدعم السريع".

رؤية مخادعة

ومع الجهود التي أسفرت عن ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية الضالعين في العنف في دارفور واتهام رموز السلطة في النظام السابق والميليشيات المساندة لهم، لكن عوامل كثيرة حالت دون الوصول إليهم، وتعذر معها الوقوف على الأسباب الحقيقية للعنف، وهي أولاً، تداخل إثنيات دارفور المتصارعة مع أخرى من دول الجوار، فالقبائل ذات الأصول الأفريقية لديها جذور في تشاد وأفريقيا الوسطى وغيرها، وذات الأصول العربية أيضاً لديها جذور في مالي والنيجر، مما جعل الصراع الداخلي يستمد قوته واستمراريته من الإقليم.

ثانياً، خيمت على الدولة السودانية منذ استقلالها عام 1956 مظاهر الضعف السياسي والاقتصادي والأمني، وأفرز هذا الوضع بيئة صالحة لعمل الحركات المسلحة منذ التمرد الأول ممثلاً في "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وتلك التي أصبحت مساندة لها مثل الميليشيات المسلحة التي كانت إلى جانب الحكومة في نزاعها مع الحركات المسلحة المتمردة. وحتى عند تبدل الأدوار بعد سقوط البشير، عملت الحركات على توظيف هذه الفجوات لمصالحها الشخصية طمعاً في السلطة والثروة.

وثالثاً، فشلت النخب السياسية والثقافية السودانية في خلق حد أدنى من التوافق بين مواطني دارفور. وعلى رغم المناقشة الكثيفة التي أحاط بها موضوع الهوية، فإنها ظلت تبشر برؤية مخادعة تتمثل في أن تنوع الهويات السودانية عموماً وأهل دارفور خصوصاً، يمكن أن تكون بذرة للوحدة في ثياب التنوع.

علاقة مضطربة

وخلال العقود الماضية، كان يطلق على الحرب في دارفور "حرب أفريقيا المفضلة" بحكم ديمومتها، إذ واكبت حروباً أفريقية أخرى لا تقل دموية منها لكنها كانت تنشأ وتنتهي، ثم تعقبها أخرى وهكذا، ولكن الحرب في دارفور ظلت مستمرة على رغم الجهود الدولية والإقليمية. ويكمن الفرق بين الحرب في عهد البشير والحرب الحالية في دارفور في أنها كانت تستخدم الميليشيات العربية "الجنجويد"، والآن تغيرت خطة الميليشيات التي تحول اسمها إلى "الدعم السريع" إلى كونها معارضة ومحاربة لقوات الجيش والحكومة الانتقالية، واعتمدت على دعمها بالجنود من قبائل عربية من دول الجوار، بينما تعتمد قوات الجيش على دعم الحركات المسلحة المعنوي والذي قد يدخل إلى الصراع بشكل فاعل قريباً. وأدى هذا التطور إلى تغيير جوهري في الخريطة الإثنية لدارفور، واستفادت "الدعم السريع" من التوترات الكامنة بينها وبين الجماعات الأفريقية حول الأرض والموارد الطبيعية. يضاف إليها الصراع المستحدث الناتج من رغبة "الدعم السريع" في فرض هيمنتها وسلطتها بالسيطرة الكاملة في الإقليم، وهو طموح أنشأ بذرته البشير ورعاه المجلس العسكري الانتقالي الحالي ونشأ على أيدي القوى المدنية ممثلة في الأحزاب و"قوى إعلان الحرية والتغيير".

وعلى رغم منافحة حركات دارفور عن أهل المنطقة، فإن الصراع خلال ثلاثة عقود، مع كل ما فيه من ضحايا، يدل في أحد وجوهه على أن العلاقة بين زعماء الحركات المسلحة وأهل الإقليم مضطربة، إذ تتخذهم الحركات كمستضعفين يجب الدفاع عنهم ولكن في الوقت نفسه مثلوا فرصتها الذهبية للدعم من المنظمات الدولية. ووجهت إليهم التهم بأنهم جروا أهل الإقليم إلى المواجهة مع الشمال على نطاق واسع، لذلك طالما بقيت هذه الحركات متخذة قضية دارفور سبباً للمكسب السياسي والمادي، فستظل المواجهات العنيفة من دون حسم، وسينتهي الحال بهم إلى نازحين ولاجئين.

تطور الصراع

ومع تطور الأساس الإثني والسياسي للصراع في دارفور، فإنه وإن تشابهت دوافعه مع ما كان يحدث سابقاً، يشهد الآن تطوراً في الأسلوب والآليات وذلك يقرب من السيناريو الأول وهو سيطرة "الدعم السريع" في الإقليم، خصوصاً بوقوفه على ذخيرة واسعة من الموارد المالية والعسكرية، مقارنة مع ما يتوفر للحركات المسلحة الأخرى التي ظلت تقاتل دفاعاً عن إثنياتها الأفريقية.

والسيناريو الثاني هو أن يطول أمد الحرب من دون أن يكسبها أي من الطرفين. وصحيح أن الحركات المسلحة في حال دخولها الحرب في مواجهة "الدعم السريع" ستقاتل عن إثنيات تم القضاء على أعداد كبيرة منها إضافة إلى تهجير البقية من مناطقهم، ولكن ربما تنتفض المنظمات الإقليمية التي كثيراً ما دعمت هذه الحركات لتنفيذ وقفة جديدة معها، إضافة إلى ما يعتري دول تشاد وجنوب السودان من قلق جراء زحف كيان سلطوي جديد يختلف عن إثنياتهما وقبائلهما ويحركه طموح تشكيل "دولة عرب الصحراء"، إذ تتداخل إثنية الزغاوة مع تشاد، وإثنية المساليت المهمشة في دارفور مع جماعات من الإثنية نفسها في غرب بحر الغزال بدولة "جنوب السودان" ومنطقة جبال النوبة، كما أن تشاد ودولة "جنوب السودان" إضافة إلى ليبيا، قد مرت بتحولات سياسية وتغيير في الأنظمة، ومع عدم استقرارها لكنها تشكلت لديها رؤية جديدة، تدفعها إلى تقييم موقفها من الحرب في دارفور.

أما السيناريو الثالث، فهو حسم المعركة في دارفور لصالح قوات الجيش وطرد "الدعم السريع" إلى خارج الإقليم، وهو سيناريو مستبعد حالياً، لسببين، الأول، هو حرص المجلس العسكري والقوى المدنية على وجود "الدعم السريع" لخلق موازنة في التركيبة السياسية السودانية، فالمكونان مع خلافاتهما يعتقدان أن هذه الحرب هي لإعادة صياغة كيان الحكم وليس لإزاحة قوة من أجل أخرى. أما السبب الثاني فهو أن دول الجوار التي يشكل حلم "دولة عرب الصحراء" جزءاً من تكوينها الجغرافي لن تسمح بإزاحة "الدعم السريع" من السودان، فوجوده داخل السودان واقتسامه السلطة مع الجيش أفضل من وجوده بأراضيها على الهامش.

المزيد من تحلیل