Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"معهد واشنطن": هكذا يستفيد "حزب الله" من الانهيار الاقتصادي في لبنان

الدراسة كشفت المجالات التي يتحرك فيها الحزب من "القرض الحسن" إلى تحويل الدولارات وتطرقت إلى خطأ الحكومة اللبنانية بإعلان التخلف الشديد عن سداد الديون السيادية

واجهة "أرتوال غاليري" في بيروت المملوكة لهند أحمد ابنة ناظم سعيد أحمد الذي تتهمه وزارة الخزانة الأميركية بتمويل "حزب الله"، والتي جمدت بريطانيا أصوله المالية فيها خلال أبريل الماضي (أ ف ب)

ملخص

بحسب "معهد واشنطن" فقد عزز الاقتصاد النقدي في لبنان نفوذ "حزب الله" وأسهم في بناء دولته الخاصة، إضافة إلى استغلال الأزمة والانهيار لمصلحته وتحقيق أرباح كبيرة.

في دراسة "عصابات الكاش: كيف يستفيد حزب الله من الأزمة في لبنان" الصادرة عن "معهد واشنطن"، سلط الباحثتان سمر قزي وحنين غدار الضوء على دور الحزب في تعطيل الإصلاحات الضرورية للتعافي في مقابل "بناء دولته" وتوسيع نفوذ مؤسساته المالية والمصرفية، وكذلك استغلال الأزمة الوطنية في لبنان لتوسيع دوره في القطاع الخاص.

وتؤكد الباحثتان أن عجز المؤسسات المالية عن إعادة الودائع سمح بانتشار الاقتصاد النقدي الذي صب في مصلحة "حزب الله"، وتحديداً مؤسسة "القرض الحسن" التي استفادت من مليارات الدولارات التي تدرها التحويلات وشركات الصرافة وتدفق الأموال العراقية.

كيف بدأت هذه الأمور؟

تقدم الباحثتان سمر قزي وحنين غدار عرضاً تاريخياً للخطوات التي أدت إلى ما وصل إليه لبنان، انطلاقاً من عام 2020 عندما قررت الحكومة التي يترأسها حسان دياب "التخلف الشديد وطويل الأمد عن سداد 32 مليار دولار من الديون السيادية، وعدم تفاوض الحكومة مع حاملي سندات الـ "يوروبوند" أو المستثمرين، ولم تقدم أية استراتيجية لمعالجة عواقب التخلف عن السداد، وقد مهد هذا التقاعس الطريق أمام الاقتصاد النقدي.

وتعتقد الباحثتان أن "التخلف لم يكن محتماً"، ولكن خبراء نصحوا به الرئيس ميشال عون تمهيداً لتوزيع الخسائر الفادحة على الجهات المسؤولة عن الأزمة، لكن "الخطة لم تأخذ في الحسبان التأثير الهائل لحزب الله وحلفائه على صنع القرار وعرقلته في البلاد.

وينقل البحث عن أعضاء في "التيار الوطني الحر" وجود فكرة لإغلاق 60 مصرفاً لبنانياً وإصدار تراخيص لإنشاء خمسة مصارف جديدة لكي تبدأ العمل مجدداً من الصفر، وقد بدأت معالم ذلك بالظهور مع دعوة لجنة الاقتصاد النيابية إلى عقد جلسة خاصة لمناقشة الترخيص لمصارف جديدة، في وقت يبقى مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي داخل أدراج مجلس النواب.

وتلفت الدراسة التي نشرها "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" إلى أن "المصارف أودعت في مصرف لبنان حوالى 85 مليار دولار، ولكن عند التخلف عن السداد اتضح أنه لم يتبق من احتياطات البنك المركزي سوى 35 مليار دولار، وبدلاً من إعادة هذه الأموال إلى المودعين زاد البنك المركزي الطين بلة بالنسبة إلى اللبنانيين عندما أنفق معظم الأموال لدعم الليرة وشراء الوقود والبضائع التي ذهب معظمها إلى سوريا من طريق التهريب".

كما تشير إلى استفادة الأكثرية النيابية المؤلفة من "حزب الله" وحركة "أمل" و"التيار الوطني الحر" من تخلف حكومة دياب عن سداد الديون، وإفشال خطة شركة "لازارد" للتعافي الاقتصادي، إذ تثبت الأرقام أن الاقتصاد بات قائماً على "وقف التعامل مع المصارف"، ففي يناير (كانون الثاني) 2020 أحصي 2.8 مليون حساب مصرفي، وانخفض الرقم إلى النصف بحلول يونيو (حزيران) 2022.

مخطط التمويل غير المشروع في لبنان ودور البنك المركزي

وتؤكد الدراسة التي أعدتها الباحثتان قزي وغدار مكانة شركات تحويل الأموال في الاقتصاد النقدي، إذ حلت أربع شركات مكان 60 مصرفاً، وهي تحظى بغطاء سياسي من قبل أحزاب السلطة، ولا تحقق أرباحاً من التحويلات وحسب وإنما من مبادرة "مصرف لبنان" لتحصيل الأموال من سوق التجزئة في ظل نقص احتياطات الدولار.

وبحسب الدراسة فإنه يبدو مستغرباً من الناحية العلمية دفع المصرف المركزي عمولات لشركات تحويل الأموال في مقابل تحصيل دولارات التجزئة، ولكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجد طريقة للاستحواذ على التحويلات أو الدولارات الفريش من الخارج من خلال العمل مع هذه الشركات كما لو كانت شركات صيرفة، إذ وصلت العمولات من مصرف لبنان إلى 3.8 في المئة عن كل دولار.

وتلفت الدراسة إلى أنه عند فرض عقوبات أميركية على شركة CTEX استبدلت الشركة بشخصية أخرى مهمتها جمع الدولارات من السوق وتزويد مصرف لبنان بها، الذي لجأ أيضاً إلى السوق السوداء وشركات الصيرفة لسد الفجوة لديه بالدولار.

وأقام "حزب الله" شبكة من مكاتب الصيرفة التي يديرها أشخاص من الطائفة الشيعية مقربون منه ومن حركة "أمل" لتصبح شبكة الصيرفة الأكبر في لبنان، وتكشف الدراسة عن نوع من توزيع الأدوار لأنه "في الاقتصاد النقدي اللبناني يتحكم حلفاء "حزب الله" المسيحيون بالتحويلات الخارجية والعملة الصعبة القادمة من الخارج، بينما يدير "حزب الله" وحركة "أمل" مكاتب الصيرفة.

التعميم 165: جهد مشبوه من "مصرف لبنان" للتحكم بالاقتصاد النقدي

في الـ 19 من أبريل (نيسان) 2023 أصدر مصرف لبنان تعميماً حمل الرقم (165) يطلب من المصارف فتح حسابات لديه بـ "الفريش دولار" من أجل تسوية التعاملات بالدولار محلياً، ووفقاً لـ "مصرف لبنان" فإن التعميم يهدف إلى تقييد الاقتصاد النقدي بالدولار وإعادة بعض هذه الأموال النقدية للنظام المصرفي، وتتحفظ الدراسة على هذا الرأي لأنه قد يعزز هذا الإجراء غسل الأموال في حال الدولارات النقدية المشبوهة، ومن دون رقابة البنوك المراسلة في الخارج يمكن للجهات الفاعلة إخفاء غسل الأموال والتعاملات المشبوهة بسهولة أكبر من طريق التسوية المحلية التي يقترحها التعميم.

القرض الحسن

وتنتقل الدراسة المتعلقة بتحليل بنية الاقتصاد النقدي للحديث عن "القرض الحسن"، فهي مؤسسة خيرية مرخصة من وزارة الداخلية وليست مصرفاً، وقد بدأت عملياتها عام 1980 ويديرها "حزب الله"، ولكنها باتت تعمل كمصرف وتمتلك ماكيناتها الآلية الخاصة، وتمنح قروضاً في مقابل ودائع الذهب، ويودع فيها أعضاؤها أموالاً نقدية، ولذلك ترى الدراسة وجوب معاملتها كمصرف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعود الدراسة لعام 2021 عندما اخترقت مجموعة من المقرصنين spiderz حسابات مؤسسات "القرض الحسن"، وأثبتت البيانات أن المؤسسة منحت قروضاً لمقترضين من أعضائها ومن غير أعضائها، كما حصلت المؤسسة في ديسمبر (كانون الأول) 2019 على قرض مؤجل بقيمة 450 مليون دولار، فيما أصدرت في العام نفسه قروضاً لـ 20 ألف مستفيد بقيمة 475 مليون دولار، كما أودع في حسابها 1.5 مليار دولار ذلك العام، وكانت 64 في المئة من الودائع مضمونة بودائع الذهب المقيمة من دون قيمتها الفعلية.

وتوضح الدراسة عدم إمكان تتبع مصدر الودائع النقدية بما أن مؤسسة "القرض الحسن" ليست مصرفاً حقيقياً يخضع للقواعد والأنظمة المصرفية، ومنذ فبراير (شباط) 2023 نشرت المؤسسة إعلانات تدعي من خلالها أنها قدمت قروضاً بقيمة 4 مليارات دولار، وتسأل القطاع المصرفي اللبناني بطريقة استفزازية "إنتو شو عملتو؟" على حد وصف الباحثتين، اللتين تلفتان إلى توسع المؤسسة باتجاه البيئات المسيحية والدرزية في مناطق مثل "سوق الغرب".

وتطرح الدراسة سلسلة من الأسئلة حول مصدر الأموال وفحصها وعلاقتها بعملاء إيرانيين ومؤسسات خيرية ومالية إيرانية.

الخدمات العامة لـ "حزب الله"

إلى ذلك تتطرق الباحثتان سمر قزي وحنين غدار إلى اتساع نطاق الخدمات العامة التي يقوم بها الحزب من خلال المؤسسة، والتي لا تقتصر على العمل المصرفي وإنما بدأت تشمل "الترويج لقرض الطاقة الشمسية" للألواح التي تصنعها الشركات الصينية العاملة في لبنان، وكذلك الاستثمار في مولدات الطاقة الخاصة التي يشغلها محسوبون على "حزب الله" وحركة "أمل" في المناطق الشيعية، وتعتبر الدراسة أن تأتي البنية التحتية والتمويل من "حزب الله" يعودان بالفائدة في نهاية المطاف على عمليات الحزب".

دولارات من العراق

تقول الدراسة "لقد خلقت الجهود المبذولة لمكافحة غسل الأموال وغيره من الانتهاكات المماثلة في العراق أثراً عكسياً، إذ أتاحت مزيداً من الفرص للجهات المعطلة في لبنان"، ففي يناير 2023 فرضت الولايات المتحدة قيوداً على وصول العراق إلى دولاراته بهدف مكافحة غسل الأموال، وأصبح يتعين على البنك المركزي العراقي تلبية متطلبات إضافية "للاحتياط الفيدرالي الأميركي"، ودفعت القيود الجديدة البنك المركزي العراقي إلى رفض معظم التعاملات، وأضيفت في إطارها مصارف تجارية إلى قائمة سوداء محدثة بانتظام في استجابة لشبهات تتعلق بغسل الأموال، وقد أدى ذلك إلى رعاية شبكة واسعة من السياح العراقيين المزيفين الذين يستغلون سوق الصرف غير الخاضع للرقابة في لبنان للوصول إلى الدولارات العراقية وغسلها.

العقارات والواردات والكبتاغون

كما توجه الدراسة الأنظار إلى سوق الاستثمار في العقارات وإقبال رجال الأعمال التابعين للحزب على شراء العقارات في أحياء بيروت الفخمة، بما في ذلك وسط بيروت، وكذلك تحكمه بشبكة استيراد سلع وأجهزة إلكترونية باهظة الثمن مثل الهواتف الذكية.

كما تتهم الحزب بأنه "ينشط في تجارة الكبتاغون، البديل غير المشروع للـ "أمفيتامين" مستغلاً سيطرته على مرافىء لبنان ومطاره ومرافئ سوريا".

كما ترجح الباحثتان قزي وغدار أن يسهم "وجود صديق في مصرف لبنان" في توسيع نفوذ الحزب بعد رحيل سلامة، خصوصاً وأن المصرف المركزي يتحكم بأصول رئيسة في شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان ومساحات شاسعة من الأراضي، ناهيك عن سيطرة الحزب على قطاع الاتصالات من خلال الوزير الحالي جوني قرم وسلفه طلال حواط الذي أخضع القطاع مباشرة للوزارة، وأبعد أية سلطة للشركتين الخاصتين اللتين كانتا تديرانه نيابة عن الدولة، إضافة إلى سوق الدواء الذي شكل "مكسباً مفاجئاً" للحزب الذي بدأ ترويج الأدوية السورية والإيرانية.

توصيات

وتخلص الدراسة إلى أنه "لا تمتلك اليوم أية جهة فاعلة رئيسة في لبنان، لا ’حزب الله‘ ولا النخبة السياسية الفاسدة ولا البنك المركزي ولا المصارف التجارية، أية مصلحة في تطبيق الإصلاحات الممنهجة، ولذلك أوصت بتنفيذ عقوبات إضافية والضغط على الحكومة اللبنانية لمقاضاة حاكم مصرف لبنان والمسؤولين عن الأزمة المالية، والضغط على الحكومة اللبنانية لضمان عدم تحالف خلف سلامة مع ’حزب الله‘ أو أي طرف، وطلب التحقيق مع دعاة التخلف الشديد والطويل الأمد عن السداد، وكذلك تطبيق اجراءات أكثر صرامة لمنع مسؤولي القطاع المصرفي اللبنانيين المتواطئين من حماية أنفسهم من التحقيقات الدولية، إضافة إلى إنشاء مستويات مراقبة إضافية للدولارات العراقية المصدر، وتقديم الحصانة لمن هم على استعداد للإدلاء بشهاداتهم في الخارج، مع تنفيذ عقوبات إضافية تستهدف شركات تحويل الأموال المتعاملة مع مصرف لبنان، والضغط على الحكومة اللبنانية لمقاضاة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومسؤولين آخرين، والضغط على الحكومة اللبنانية لضمان عدم تحالف خلف سالمة مع ’حزب الله‘ أو أي طرف آخر".

وانتهت الدراسة بتوصية تقديم الحصانة لمن هم على استعداد للإدلاء بشهاداتهم في الخارج، فعامل الخوف الناجم عن العنف والاغتيالات وانعدام المساءلة أسهم في ثني اللبنانيين عن التحدث علناً والكشف عن معلومات موثقة عن الفساد، والعمليات المالية المريبة، وبإمكان المسؤولين السابقين والحاليين الإسهام بشكل كبير في الجهود المستمرة لفضح أقرانهم الفاسدين ومحاسبتهم، ولكنهم يحتاجون إلى حصانة في الخارج للتحدث.

المزيد من تقارير