Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصدعات قبلية تنذر بانزلاق دارفور نحو حرب إثنية

الاصطفاف القبلي تجاه الحرب يضع الإقليم على حافة الصدام

قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو متحدثاً في مركز لقواته في أم القرى في جنوب دارفور (أ ف ب)

ملخص

انقسام ولاء الإدارات الأهلية يضع دارفور على حافة حرب عرقية

في خضم المعارك المحتدمة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، وما شابها من استقطاب وتجاذب حول ولاء ودعم الإدارات الأهلية من طرفي القتال، ومع انتقال تداعيات الحرب إلى إقليم دارفور، وفي خطوة مفاجئة من دون سائر الإدارات في مناطق البلاد الأخرى التي ظلت داعمة للجيش، أعلن المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية لقبائل ولاية جنوب دارفور مساندة قوات "الدعم السريع" في معركتها الحالية، مما أثار جدلاً واعتبر منعطفاً قد يقود البلاد عموماً ويضع دارفور خصوصاً على حافة الصدام والاصطفاف القبلي تجاه طرفي الحرب المستعرة في البلاد منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، فكيف ينظر المهتمون والمختصون لتداعيات هذه الخطوة؟

"الدعم السريع" ترحب

بدورها سارعت قوات "الدعم السريع" إلى إصدار بيان رحبت فيه بموقف المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية بجنوب دارفور وإعلان انحيازها الكامل لما وصفته بـ"خيار الشعب وتوجيه الشرفاء من أبنائها إلى الانضمام لدعم خيار الشعب في الحرية والسلام والعدالة والتحول الديمقراطي والتصدي لقوات الفلول والانقلابيين"، وأضاف البيان أن "الإدارة الأهلية وقبائل جنوب دارفور اختارت الموقف الصحيح من التاريخ بالوقوف إلى جانب قوات ’الدعم السريع‘ التي تسعى مع شرفاء القوات المسلحة إلى بناء جيش قومي مهني واحد يحمي البلاد ويضع حداً للدمار والقتل الموجه ضد الشعب السوداني لدعم خيار الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة".
من جهتها وصفت قوات "الدعم السريع" موقف الإدارة الأهلية وقبائل جنوب دارفور بأنه "يمثل القناعة الراسخة لأهلنا الشرفاء"، وأن "الأوان حان لقطع الحبل السري" بين ما وصفته بـ"العصابة التي طغت وتجبرت واختطفت قرار الشعب السوداني والدولة"، داعية الإدارات الأهلية الأخرى إلى "الانضمام لخيار الشعب ورفض الهيمنة والطغيان واختطاف مؤسسة الجيش لصالح أجندة الفلول وكتائب الظل من أجل العودة للسلطة".

رداً على الاستنفار

في السياق اعتبر مختص التحديث المؤسسي والهوية ومستشار التنمية الوليد موسى مادبو "إعلان القيادات الأهلية لقبائل جنوب دارفور بأنه جاء كرد فعل لإعلان التعبئة العامة والاستنفار بواسطة قائد الجيش، الذي قصد منه شرعنة دخول كتائب الظل للنظام البائد في المعركة".
وأوضح مادبو أن "هناك نوعاً من الاصطفاف العرقي والقبلي وصل حتى إلى داخل المجموعات المسلحة نفسها"، مستدلاً بجيش "الحركة الشعبية شمال" (عبدالعزيز الحلو) في جبال النوبة، الذي يشكل أبناء قبيلة النوبة 90 في المئة منه، بينما تشكل المجموعات العربية الأخرى نسبة 10 في المئة فقط، في مقابل مجموعات مسلحة أخرى مثل "الدفاع الشعبي" تبدو فيها النسبة معكوسة لصالح القبائل العربية، والنسبة المتبقية من قبائل غير عربية.
وأشار مادبو إلى أن "ما يجري يكشف بوضوح أن النخب السياسية في الخرطوم ماضية في حسم المعركة عسكرياً من دون أن تكون لها استراتيجية تستطيع أن تجنبها هذه الفتنة المتدحرجة ولا تنتبه إلى التقاطعات العرقية والقبلية والمناطقية الموجودة، فهي تريد أن تحسم المعركة في الخرطوم كوسيلة لحسمها في الريف، وهذه استراتيجية كان من الممكن أن تكون مجدية في أوقات سابقة لكن الوضع اختلف اليوم بعد أن تسلح الريف كله".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن "تجنب الفتنة الماثلة بات يعتمد على حدوث تغيير في الجيش وتبنيه لخطاب قومي جاد لتحقيق وفاق وطني عريض لتجاوز هذا الاحتقان، أما إذا مضت الأمور على ذات خطوات الإخوان المسلمين خلال الفترة الماضية والراهنة فستدفع بالبلاد كلها نحو خطر التقسيم، بينما يرجح أن تدخل دارفور في صراع إثني بين مكوناتها الداخلية بصورة قد تؤدي إلى انفصالها عن الخرطوم"، متوقعاً أن تقوم المجموعات الإسلامية من خلال استغلال الجيش بالانتقام من المكونات الإثنية في قوات ’الدعم السريع‘ في أم درمان، مما يعني أن الصراع الإثني في كل منطقة أو محلية سيأخذ شكلاً وطابعاً مختلفاً".

مبادرة الوحدة

وحول إعلان المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية لقبائل جنوب دارفور المساندة الصريحة لقوات "الدعم السريع" أوضح مدير المكتب التنفيذي لعموم الإدارة الأهلية بالسودان الشرتاي آدم أبكر أن "لتلك القيادات ظروفها المرتبطة بالأوضاع هناك، فهم أصلاً يشكلون حواضن اجتماعية لـ’الدعم السريع‘ بحكم أن عدداً كبيراً من أبناءهم في صفوفها، إلى جانب حصولهم من تلك القوات على قدر من التنمية لمناطقهم المهمشة".
وأكد أبكر أن "الإدارة الأهلية تسعى في هذا الوقت الحساس من تاريخ البلاد إلى توحيد صفوفها والالتفاف حول مبادرة موحدة تجري مشاورات واتصالات بشأن بلورتها"، متمنياً أن "تكلل تلك المساعي بالنجاح".
من جانبه أعلن نمر محمد عبدالرحمن والي شمال ولاية دارفور ترتيبات تقوم بها حكومته حالياً لعقد ملتقى جامع لرؤساء الإدارات الأهلية بالولاية خلال الأيام المقبلة بغرض بحث السبل الكفيلة بتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار بالولاية.
وأوضح عبدالرحمن، في تصريحات صحافية، أن "الملتقى المنتظر يأتي انطلاقاً من الأدوار التاريخية التي ظل يضطلع بها رجال الإدارة الأهلية في معالجة مختلف القضايا والمشكلات التي تستند فيها على حكمتها وخبراتها التراكمية في مختلف المجالات".
وأشار الوالي إلى أنه بحث مع أعضاء المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية بشمال دارفور الترتيبات اللازمة لعقد الملتقى الجامع خلال الأيام المقبلة، لبحث تعزيز السلم الاجتماعي والتعايش السلمي بين مختلف مكونات الولاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خانة الخصومة

على نحو متصل أوضح الباحث السياسي محمد بشير الباهي أن "نظار قبائل جنوب دارفور الذين أعلنوا مؤازرتهم لقوات ’الدعم السريع‘، يضعون بذلك الإعلان أنفسهم في خانة الخصم السياسي والعسكري للجيش الوطني، وهي خطوة من شأنها أن تفاقم الأزمة الحرجة التي تمر بها البلاد بتوسيع فتق النسيج الاجتماعي، وتهيئ لتحول الصراع من عسكري إلى سياسي وإثني، خصوصاً بالنظر إلى أن تلك القبائل تقطن على امتداد جغرافي طبيعي يسهل مرور الإمداد اللوجستي لـ’الدعم السريع‘".
وأشار الباهي إلى أن "تزعزع وانقسام ولاء الإدارات الأهلية بين طرفي القتال يضع البلاد عامة ودارفور على وجه الخصوص أقرب إلى حافة الانزلاق نحو هاوية الحرب الأهلية"، مشيراً إلى أن "المخرج الوحيد لتلافي الفتنة وتجنب محرقة الصدام الإثني والحرب القبلية الوشيكة هو بجلوس السودانيين لتحقيق وفاق وطني يقوم على رغبة حقيقية في التعايش.
ولفت إلى أن "طول أمد الحرب جعلها تمددها وتكتسب مع كل يوم يضاف إليها بعداً جديداً على الأصعدة الاجتماعية والإثنية القبلية وحتى السياسية والاقتصادية، على رغم أنها عند نشوبها لم تكن حرباً بين مكونات الشعب السوداني إنما هي حرب سياسية بوسائل عسكرية".

نفرة جديدة

وأطلقت مجموعة من الشباب السودانيين حملة تحت اسم "نفرة حماية السودان"، قالت إنها تسعى إلى جمع صفوف السودانيين بعدما أدت حال الاستقطاب السياسي الحادة إلى ما وصفته بتراجع الحس الوطني وتنامي الكراهية والفرقة ورفض الآخر وإقصائه.
وقالت المجموعة في بيان، "قررنا إعلان قيام نفرة حماية السودان دفاعاً عن الوطن وحماية لأهله، من خلال التحرك في محاور عدة لتوفير الحماية والجوانب الإنسانية والقانونية، مع استنفار شرائح المجتمع كافة للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم". وأضاف البيان أن "الحرب بين الجيش وميليشيا ’الدعم السريع‘ حولت البلاد إلى خراب وتمددت إلى ولايات دارفور التي شهدت مجموعة انتهاكات ترقى إلى كونها جرائم حرب"، داعياً "السودانيين إلى توحيد الصف ونبذ كل الخلافات الشخصية والحزبية والقبلية من أجل الحفاظ على ما تبقى من الوطن الجريح من التمزق والانهيار التام".

دعوة إلى الانسلاخ

وكان المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية لقبائل ولاية جنوب دارفور، الذي يضم الزعامات الأهلية من نظار قبائل البني هلبة والترجم والهبانية والفلاتة والمسيرية والتعايشة ورزيقات جنوب دافور، أصدر بياناً مصوراً أعلنوا فيه مساندة "الدعم السريع" في معركتها الحالية "من أجل تحقيق إرادة وتطلعات الشعب السوداني في الحكم المدني والحرية والسلام والديمقراطية".
ودعت قيادات جنوب دارفور القبلية أبناءها إلى الانسلاخ عن الجيش والالتحاق بقوات "الدعم السريع"، متهمة "فلول النظام البائد باستغلال المؤسسة العسكرية من أجل الرجوع مجدداً إلى السلطة"، مطالبين طرفي القتال بالجلوس للتفاوض والحوار.
تاريخياً يرجع دور الإدارة الأهلية إلى زمان سلطنات الفونج ودارفور وتقلي والمسبعات، لكن بمجيء الاستعمار الثنائي (الإنجليزي - المصري) في الفترة بين عامي 1937 و1942 عمدت الإدارة البريطانية إلى تقنين عمل الإدارة الأهلية، مواكبة ما عرف بـ"تقرير مارشال" لتطوير الإدارة والخدمة المدنية في السودان الذي تبعته الحكومات الوطنية بعد الاستقلال.
ويقوم نظام الإدارة الأهلية على سلطات إدارية وشبه قضائية لرؤساء هذه الإدارات في المجتمعات المحلية، وتختلف تسمياتها وهياكلها بحسب طبيعة المنطقة وموقعها الجغرافي، فهناك المشايخ والعمد والنظار والشراتي (مفردها شرتاي)، وتوسعت صلاحيات وسلطات الإدارة الأهلية، بعد أن كانت تختص فقط بإدارة شؤون مكوناتها القبلية، خلال محاولات عهد نظام عمر البشير لتوظيفها سياسياً وضمان ولائها لحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، مما عزز الصراعات بين مكونات هذه الإدارات، وأسهم في زعزعة عديد من المناطق التي كانت مستقرة مع احتدام ظاهرة الاستقطاب السياسي للمكونات والقيادات القبلية.

المزيد من متابعات